ولو أنه أراد خدمة السنة والإنصاف للعلم لأحال في ذلك على كتاب " نصب الراية
" لأنه أشهر عند أهل العلم، ولأن مؤلفه الزيلعي أقعد بهذا الفن وأعرف به من
كل من ذكرناهم من الحنفية، فإنه بحث هذه الأحاديث بحثا حرا، ونقدها نقدا
حديثيا مجردا عن العصبية المذهبية، خلافا لهؤلاء الذين جاؤوا من بعده، فإنهم
لا يلتزمون القواعد الحديثية، فانظر إليهم كيف يقولون:
" وتعدد الطرق ولوضعفت يرقي الحديث إلى الحسن ".
فإنهم يعلمون أن هذا ليس على إطلاقه، بل ذلك مقيد بأن لا يشتد ضعفه كما هو
مذكور في " مصطلح الحديث " (١) ، وهذا الشرط غير متوفر في هذا الحديث، لأن
مدار طرقه كلها على كذابين ومتروكين ومجهولين لا تقوم بهم حجة، وهاك بيانها:
١ - حديث معاذ، يرويه أسد بن سعيد البجلي عن محمد بن الحسن {الصدفي} عن
عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم عنه مرفوعا بلفظ:
" لا حيض أقل من ثلاث، ولا فوق عشر ".
أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (٣٧٥) وقال:
" محمد بن الحسن ليس بمشهور بالنقل، وحديثه غير محفوظ ".
وقال ابن حزم في " المحلى " (٢/١٩٧) :
" وهو مجهول، فهو موضوع بلا شك ".
وأقول: لا أستبعد أن يكون محمد بن سعيد الشامي المصلوب في الزندقة، فقد
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق ٢٩١/٢) من طريق أخرى عن محمد بن سعيد الشامي
قال: حدثني عبد الرحمن بن غنم به. فأسقط من الإسناد عبادة بن نسي، ولعل هذا
من أكاذيبه، فإنه كذاب وضاع معروف بذلك، وقد قال فيه سفيان الثوري:
" كذاب ".
وقال عمرو بن علي:
" يحدث بأحاديث موضوعة ".
(١) انظر " علوم الحديث " لابن الصلاح، و" الاختصار " لابن كثير، وحاشية الشيخ علي القارىء على " شرح نخبة الفكر ". اهـ