البناء للمجهول؟! بل كيف لا ينافي هذا التأويل تمام الحديث في جميع طرقه وألفاظه التي ذكرت أن الله سبحانه هو الذي يقول:"من ذا الذي يسألني فأعطيه ... إلخ". فهل الملك هو الذي يعطي ويستجيب الدعاء ويغفر الذنوب؟! سبحانك هذا بهتان عظيم! ولقد أبطل التأويل المذكور شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من وجوه في كتابه "حديث النزول"(ص ٣٧-٤٢طبع المكتب الإسلامي) ، منها ماأشرت إليه من أن الملك ليس له أن يقول ما ذكرناه من الحديث. وقال شيخ الإسلام عقبه:
"وهذا أيضاً مما يبطل حجة بعض الناس (كأنه يشير إلى ابن فورك) ؛ فإنه احتج بما رواه النسائي في بعض طرق الحديث: "أنه يأمر منادياً فينادي"؛ فإن هذا إن كان ثابتاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن الرب يقول ذلك، ويأمر منادياً بذلك، لا أن المنادي يقول: "من يدعوني فأستجيب له؟ "، ومن روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المنادي يقول ذلك؛ فقد علمنا أنه يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه - مع أنه خلاف اللفظ المستفيض المتواتر الذي نقلته الأمة خلفاً عن سلف - فاسد في المعقول، يعلم أنه من كذب بعض المبتدعين، كما روى بعضهم: "ينزل" بالضم، وكما قرأ بعضهم:(وكلم الله موسى تكليماً)(١) ، ونحو ذلك من تحريفهم اللفظ والمعنى".
قلت: فقد أشار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى إلى شكه في ثبوت رواية النسائي هذه، فهذا الشك من الشيخ، وسكوت الحافظ عليها، مما حملني على تحقيق القول فيها؛ لأن السكوت لا يجوز، والشك يشعر بأن الشيخ لم يكن على بينة من حالها، وإلا؛ لبادر إلى إنكارها. ولم يكن به من حاجة إلى الجمع بينها وبين اللفظ المحفوظ المستفيض.
(١) كما في نقل الزمخشري (المعتزلي) في " كشافه " (١ / ٥٨٢)