"استفراغ أغلب الفقهاء الجهد لتحصيل ظن بحكم شرعي بطريق الاستنباط، واتفاقهم جميعاً أو أغلبهم على الحكم بعد التشاور"!
وعزاه لجمع من الأصوليين المتأخرين، ونقل عن السبكي:
أن الفقيه عندهم هو المجتهد، والفقه هو الاجتهاد (ص ٤٥) !
فأقول: هذا شيء جميل ومهم لو كان ممكناً تحقيقه، وأما وقد جاء بقيدين - أحدهما أبعد عن الإمكان من الآخر -؛ فإن قوله:"أغلب الفقهاء"! كيف يمكن اليوم معرفتهم مع تفريقهم في البلاد الإسلامية الشاسعة؟! ثم كيف يمكن جمعهم في مكان واحد حتى يتشاوروا في الحكم؟!
على أن قوله:"واتفاقهم جميعاً"؛ فهذا أبعد عن التحقيق من الذي قبله، خاصة في هذا الزمن الذي قل فيه المجتهدون اجتهاداً فردياً مع توفر شروط الاجتهاد؛ التي تكلم عنها كلاماً جيداً الدكتور الشرفي (ص ٦٣-٧٠) ! ولعله لذلك أتبعه بقوله معطوفاً عليه: "أو أغلبهم"! فهذا الاجتهاد الجماعي أشبه ما يكون بالاجتهاد الفردي المجمع عليه في تعريف علماء الأصول، وأصعب تحقيقاً.
ثانياً: لو أمكن تحقيق مثل هذا الاجتهاد؛ لكان - في زعمي - البحث فيه سابقاً لأوانه، وذلك لعدم وجود خليفة للمسلمين يأخذ بحكمهم إذا اتفقوا، وهذا - مع الأسف الشديد - شرط مفقود في زمننا هذا!
ثالثاً: لماذا الاهتمام ببذل الجهود لتحقيق "الاجتهاد الجماعي"، والاهتمام البالغ بالدعوة إليه؛ مع أنه فرع يبنى على الكتاب والسنة؛ لأنهما الأصلان في الشريعة الإسلامية اتفاقاً؟! ومن المعلوم أن القرآن الكريم تفسره السنة (١) ، والسنة قد
(١) انظر كتاب الدكتور: " الاجتهاد الجماعي " (ص ٦٤) .