"كان كثير الموضوعات عن جابر الجعفي، وليس يروي تلك الموضوعات
الفاحشة عن جابر غيره ".
فأقول: وما أظن أن هذا يخفى على البيهقي؛ فإنه من أخص تلامذة الحاكم،
فالعجب من البيهقي كيف يسوق لعمرو بن شمر هذا الحديث على أنه ضعيف يجوز
قبوله في الفضائل وهذه حاله؟! ومثل هذا التساهل مما جعلنا نظن أنه لم يتمكن من
الوفاء بشرطه الذي نص عليه في مقدمة كتابه المذكور: " الشعب " (١/٢٨) :
"أنه اقتصر على ما لا يغلب على القلب كونه كذباً ".
فإن القلب يشهد - مع السند - أن هذا الحديث كذب موضوع؛ فإن لوائح
الصنع والوضع ظاهر عليه، ولعل ابن الجوزي لم يقف عليه، وإلا؛ كان كتابه
"الموضوعات" أولى به من كثير من الأحاديث التي أوردها فيه! وقد كنت نبهت
فيما مضى من هذه "السلسلة" على بعض الأحاديث الموضوعة التي رواها البيهقي
مما يؤكد عدم أستطاعته القيام بما تعهد به. والكمال لله تعالى.
والأعجب من ذلك أن ابن الجزري في "النشر" (٢/٤٤٤ - ٤٤٦) قال - وقد
روى الحديث من طريق البيهقي، وساق كلامه المذكور -:
"فالحديث مرسل، وفي إسناده جابر الجعفي وهو شيعي، ضعفه أهل
الحديث، ووثقه شعبة وحده ".
قلت: فخفي عليه أن العلة الحقيقية إنما هي من عمرو بن شمر، الراوي عن
جابر الجعفي؛ لاتفاقهم جميعاً على تركه، وتصريح بعضهم بروايته الموضوعات
- كما تقدم -، مع أن الجعفي قريب منه؛ لأنه قد كذبه جمع كما تراه في ترجمته
من "التهذيب"، على أنه قد ذكر فيها أنه وثقه أيضاً غير شعبة؛ لذلك فالأقرب أن
العلة من عمرو الراوي عنه.