خواطر في الدعوة
مَنْ لهذه المنابر؟
(٢)
محمد العبدة
مرة ثانية نعود للحديث عن خطبة الجمعة، هذا المنبر الأسبوعي ذو الأهمية
البالغة في توجيه جماهير الأمة ورفع مستواها الإيماني والعلمي. لقد أهمل غالب
الخطباء الإعداد الجيد وأهملوا معرفة ما يقال وما لا يقال، وما هي أوجه النقص
عند من يصلي عنده، هل عندهم نقص فهم العبودية التامة لله أو نقص في التعاطف
مع أمور المسلمين في العالم، أو غير ذلك ويحاول سد هذا النقص.
قلما رأيت خطيباً في البلاد التي فشا فيها الجهل بتوحيد العبودية يتكلم وبقوة
ويقرع أسماع المصلين بالآيات القرآنية وبالأحاديث النبوية؛ ويفصل لهم أقوال
العلماء الكبار في هذا الموضوع.
استمعت في الآونة الأخيرة إلى أحد الخطباء وكان يدعو الناس إلى الالتزام
بالإسلام سلوكاً وأخلاقاً، وقال لهم في غمرة الحماسة: نحن ليس لنا دنيا، يئسنا
من الحصول على شيء من الدنيا، أفلا يكون ديننا صحيحاً ...! ؟
تعجبت من هذا الفهم السقيم وكيف يلق الكلام على عواهنه، وكأن الإسلام
يفصل بين الدين والدنيا ولم يدر الأخ الخطيب أننا لا نستطيع الاحتفاظ بديننا على
الوجه الأكمل إلا بإتقان بعض دنيانا، وهل يقبل الإنسان منك وعظاً وهو جائع،
وهل يكون دين المسلم قوياً وهو يعاني القهر أمام الأعداء.
لا يستشير الأخ الخطيب إخوانه في موضوع الخطبة، ولا يستشير أهل
الرأي والحصافة من جمهور المصلين عنده، ولا يقرأ كثيراً في الموضوع الذي
سيتكلم عنه؛ فكيف يؤثر في السامعين؟
إن بعض الموضوعات لابد أن تطرح وترسخ في قلوب وعقول المصلين على
اختلاف طبقاتهم، وذلك بالحديث عنها لعدة خطب متوالية؛ مثل مفهوم العبودية لله، والاستسلام لنصوص الوحيين: القرآن والسنة، وتعظيم السنة، وتعظيم الصحابة
واحترام الأجيال المفضلة، وبيان محاسن الإسلام وفضائله، وذكر سيرة الرسول -
صلى الله عليه وسلم- في سلمه وحربه، وإبداء الرأي الشرعي فيما يجدُّ من أحداث، وبث روح الأخوة والتعاون ونبذ الفرقة والخلاف ... إلى غير ذلك من
الموضوعات التي ليس مجال تفصيلها في هذا الخاطرة، وإنما قصدنا الذي نريد
الوصول إليه هو استشعار المسؤولية الملقاة على عاتق العالم والداعية الذي يرقى
المنابر ليتكلم باسم الإسلام وفي بيت من بيوت الله.