للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلمة صغيرة

[رجل المرحلة..!]

وعود شارون لوأد الانتفاضة الفلسطينية ذهبت أدراج الرياح؛ فقد أثبتت

الأيام أنها وعود انتخابية لا حقيقة لها في الواقع، وكلما ازدادت الآلة العسكرية

اليهودية بطشاً وجبروتاً وطغياناً، ازدادت الانتفاضة تجذراً في الشارع الفلسطيني،

وما سلك اليهود سبيلاً في الطغيان والقتل والتدمير وإهلاك الحرث والنسل إلا سلكت

الانتفاضة المباركة سبلاً في التضحية والثبات..!

وفي ظل الرعب الذي تصدعت به قلوب اليهود وتزلزل به الكيان اليهودي

تساءل المفكرون والعسكريون: إلى أين تقودنا الانتفاضة؟ وهل من سبيل لوقفها

بعد الإخفاق الذريع لسياسات البطش والتدمير..؟!

لقد أدركت الحكومات اليهودية المتعاقبة أن أفضل وسيلة لاختراق الصف

الفلسطيني اختراقه من داخله، ولا يمكن أن نعزل تعيين محمود عباس أبو مازن

رئيساً للوزراء عن هذا السياق. فأبو مازن من أبرز صناع سلام أوسلو عرفه

اليهود مفاوضاً مرناً، لا يتعصب لآرائه، بل لديه الاستعداد للتنازل تلو التنازل،

ولهذا وصفته (جريدة هآرتس) بأنه: رجل واقعي! كما أنه من أكثر رموز

السلطة الفلسطينية ضيقاً بالانتفاضة الفلسطينية، وهو لا يخفي نقده الشديد لما يسميه

بعسكرة الانتفاضة، ولهذا احتفى به الرئيس الأمريكي قائلاً: يجب أن يشغل مركزاً

يمنحه سلطة حقيقية لكي يصبح شريكاً جديراً بالثقة ومسؤولاً.

وصرّحت (كونداليزا رايس) عن رغبة الرئيس الأمريكي لمقابلة أبو مازن،

أما اليهود فقد حددوا مهمة محمود عباس بوضوح؛ ففي حديث إذاعي قال باراك:

«إن الاختبار الحقيقي لمحمود عباس هو في المجال الأمني بالقضاء على قدرة

حركتي الجهاد الإسلامي وحماس» .

وقال بيريز: «الصلاحيات التي بحوزة أبو مازن ليست هي المهم، بل

الأهم من ذلك هو السيطرة على السلاح وحملة السلاح» !! ونحسب أن أخطر ما

في هذه المرحلة أن يتجرأ العدو اليهودي مستغلاً انشغال العالم بالحملة

الأمريكية على العراق ويهدم المقدسات الإسلامية، أو يضرب الفلسطينيين بقسوة

شديدة تمهيداً لترحيلهم وتوطينهم خارج الأراضي الفلسطينية.

إن محمود عباس ليس هو خيار الشعب الفلسطيني كما يزعم الإعلام الغربي

والعربي؛ بل هو خيار أمريكي؛ فهل اختياره في هذه المرحلة الحرجة تمهيد لوأد

الانتفاضة والتضييق على رجالاتها المخلصين..؟!

نعم! يمر الفلسطينيون بمحن شديدة، لكنهم يدركون أيضاً أن تجربة السلام

لن تزيدهم إلا شقاء، وأن الطريق الوحيد للعزة وانتزاع الحقوق هو الجهاد في

سبيل الله، واستشعار قول الحق جل وعلا: [إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا

تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ] (النساء: ١٠٤) .