[رمضان في فلسطين.. بين جهاد الحصار وغياب دور الأمة]
يوسف العمايرة
نستقبل شهر رمضان جديد، والكل في فلسطين يرقب لحظاته المباركة، والأنفاس المحبوسة في الصدور تتحسّب، هل سيكون هذا العام حزيناً كسالف إطلالاته في الأعوام الخوالي؟! أم بعكسه إن شاء الله.
فمنذ رمضان المنصرم، أحوالٌ شتّى تبدّلت، ومآقٍ كثيرة فتحت مصراعيها للنزف دماً ودمعاً وآلام حسرات، كما أن أوهاماً أكثر تبدّدت عندما أماطت التغييرات السياسية اللِّثام عن وجوه مشوهة بزيف دعاوي السلام والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.
السلطة القائمة على أرض محتلّة، وبين يدي شعب يتوق للتحرّر، أراد منها الاحتلال الصهيوني أن تبقى مَغْنماً للثلّة الجشعة من أبناء القضية ولابسي ردائها، وهي على هذه الحال، تحظى بشهادة حسن سلوك صهيونية، وتزكية دول عربية رسمية، ودعم من تسمّي نفسها «قوى التحرر» العالمي، فكيف وقد انقلبت المائدة على رؤوس أصحابها؟!
الحالة الديمقراطية المتمثِّلة بالانتخابات التشريعية مطلع العام، مثّلت ذاك الانقلاب. وتشكيل حكومة يقودها إسلاميو البلاد، مع هيمنتهم على معظم المجالس البلدية والمحلية في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، لم تَرُقْ لكل العالم، فتزعزع وهاجَ واضطرب، وكأن القيامة أزفت ساعتها، واجتمع القوم، وتكالب طغاتهم وجبابرتهم وبرابرتهم، وائتلفوا في حلف شيطاني هو الأقوى على وجه البسيطة، وأخذوا يرمون شعبنا عن قوس واحدة، ويتسابقون مَنْ أشدُّ وطأة على ضعفائه وأبريائه، ففرضوا حصاراً عالمياً مُحْكماً، مُبارك إقليمياً على المستوى الرسمي العربي، ويحظى بتأييد ودعم داخلي من قِبَل مجموعة فقدت مراكزها السياسية وباتت مكشوفة تمهيداً لمساءلتها عن سوابق أفعالها التي تراوحت بين سوء الإدارة واستغلال النفوذ وتشكيل الإقطاعيات المناصبية، وإساءة التصرف بمقوِّمات الحكم والهيمنة، واستغلال الاستثمارات الوطنية وتداولها في الأسواق السوداء في وقت كان الشعب الفلسطيني يعيش أحلك لحظات أيامه اسوداداً، ثم الإيغال المتعمد في الأموال العامة، وليس أخيراً التنسيق الأمني مع الاحتلال لجَلْد ظهور المقاومين والشُّرفاء والأحرار.
الحصار المستمر ـ الذي يطول أمده، ويطال رواتب الموظفين ومخصصات الأُسر الفقيرة وعوائل الشهداء والجرحى والأيتام والمعاقين والأسرى، وينال من مؤسسات العمل الخيري الإسلامي الإغاثي ـ أدّى إلى وقوع كارثة إنسانية يندى لها جبين بشرية القرن الحادي والعشرين، إذ ارتفعت معدّلات الفقر بين السكان الفلسطينيين إلى أقصى حدّ في تاريخهم الحديث، وحسب معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن معدّل الفقر حتى بداية النصف الثاني من العام الحالي (٢٠٠٦م) بلغ (٦٥.٨ %) ، أي: أن حوالي سبع أُسر من بين عشر تقع تحت خط الفقر.
عندما توجّه الفلسطينيون لانتخاب ممثِّليهم، كانوا يرون الطريق أمامهم معبَّداً بالعراقيل، وقد أعلن الإسلاميون في حملتهم الانتخابية التي وصلت كل بيت، أن التحدّيات مقبلة، وستكون هذه المرّة خطيرة، ومفصلية، ومصيرية في تاريخ القضية. وعندما وضع الناخب صوته في صندوق الاقتراع، كان قد قرّر حسم الموقف إلى جانب الثوابت الوطنية على حساب كل الاعتبارات الحياتية الأخرى، كما فعل ذاك الشيخ المسنّ عندما وطئ بعكازته محطة الانتخاب، فأخرج من جيبه كل ما يلزم من بطاقات التعريف بهويته، البطاقة الشخصية، بطاقة اللجوء الصادرة عن «وكالة الغوث الدولية» ، و (طابو) الأرض المفقودة منذ العام ١٩٤٨م في قرية «الفالوجة» ، ثم كان مفتاح بيته العتيق الذي أصبح فضاء لا حدود له، لا يُغلق إلا على الذكريات الحزينة. إحضار الشيخ المسنّ لكل هذه الوثائق و (المستلزمات الثبوتية) أثارت انتباه الحاضرين، وأحدثت وخزاً غائراً في ذاكرة البعض منهم، ليتبين مدى إدراكه لما يقوم به، وأنه في هذه المرّة قادم ببطاقاته ليس لاستلام مؤنة طعام، بل لتثبيت موقف من كل ما يجري حوله، وليؤكد أنّ له حقاً دينياً وتاريخياً ووطنياً في هذه الأرض، وهذه فرصته الأخيرة قبل رحيله إلى ملكوت الله، كي يُلقي بالتركة على كواهل الأجيال القادمة، واضعاً صوته «أمانة في أعناق من يعرفون الأمانة ويؤدّونها حقّها ـ أصحاب الرايات الخضراء» كما قال. ومئات الآلاف على طريقة هذا الشيخ، وضعوا الأمانة الثقيلة بأعبائها ـ التي تنوء عن حملها الجبال ـ في أعناق «حُكَّامهم الجُدد» .
والشعب الفلسطيني عندما منح ثقته لشُرفائه وأحراره، فإنه عقد العزم مُخْلصاً نيّته لله، أن يستعصم بحبله المتين في وجه كل الضغوط، تأسّياً بالرسول الكريم # عندما خرج بالثلّة المؤمنة إلى شعب الحصار والجوع والضنك، ليزدادوا عزيمة وشكيمة وإصراراً ويقيناً، وليزداد الطغاة والباغون هزيمة وانكساراً ودحوراً. وكذا أمرُ أحزاب الخندق، يوم أن تزلزل المؤمنون زلزالاً شديداً. أَوَ ليس الطغاة هم أنفسهم على مرِّ التاريخ يهوي بهم غرورهم إلى درك المذلّة والخيبة؟!
إن حزب الطغاة الجُدد، وهم يرفعون شعار الحرية والأخوة الإنسانية، يتقدمون نحو شعبنا الفلسطيني ويحاصرونه بجرأة المتكبِّرين، لا يطالبونه بأكثر من التنازل عن ثوابته الوطنية، والانسلاخ عن منهج ربه، وإعلان البراءة عن الملّة المحمدية، ثم اتِّباع ملّتهم لينظروا، أنكون جديرين فيرضون عنا، أم يسخطون! وهي ذات المطالب التي تلقفها رسولنا # من أهل الشرك، ليعلن وهو في أشدِّ لحظات ضعفه البشري: «لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه..» ، ولمن كانت الغلبة بعدئذٍ؟!
إن الموقف الأمريكي والأوروبي بتشديد الخناق على الشعب الفلسطيني وحصار حكومته المنتخبة ـ كإسناد مطلق للاحتلال الصهيوني، ورفض كل محاولات النهوض والخروج عن الطوع ـ يعزّز قناعاتنا بأنهم قوم لا يريدوننا إلا عبيداً في حظائرهم، يطعموننا خبزاً عجنوه بدمائنا، ويقتلوننا بسيفٍ حدّوا نصله على أجسادنا. وحتى من تسمّي نفسها «هيئة الأمم المتحدة» ، فإنها تنتهج سياسة دولية غير مسبوقة، تقوم على اعوجاج مشبوه في الرؤيا، وانحياز جبان للمواقف.
أما العدو الصهيوني فلا يريدنا ـ نحن الفلسطينيين ـ أن نخضع أو نخنع أو ننسلخ من جلودنا العربية والإسلامية فحسب، بل يطمع منا إعلان البراءة عن ظهورنا التي أبكت سياطه، وصدورنا التي أدمت رصاصه، وعن أفواهنا التي تجرّعت كؤوس إذلاله، وأن نتنصّل من عظامنا التي مضغت جنازير دباباته.. يطلب منا أن نمدّ أعناقنا ليدقّها كي نقول أن ذبحه كان رحيماً! وعجباً أن كثيرين يتفهمون مواقفه، ويتبنّون سياساته، ومنهم المطبّعون الذين تسابقوا تحت جنح ليالٍ غابت أقمارها، فتخندقوا صفه، وتقلّدوا ثقافته، ورموا في وجوهنا أن لا طاقة لمواجهة لفيف الحلف «الصهيوصليبي» ، ونسوا أن من بين شرفاء الأمة عباداً آتاهم الله عزيمة «داود» ـ عليه السلام ـ ورباطة جأشه وثقته بالله تعالى، وهو يلقي بحصى مقلاعه ليسقط وهمَ «جالوت» وقوته.
إن هؤلاء جميعاً يحاصرون شعبنا ويحاربون حكومته؛ لأنها رفضت الإقرار بشرعية الغاصب لأكناف بيت المقدس، وهل كان مصير من اعترف بذلك إلا قتله على أيديهم، بالسمِّ الزعاف في رابعة نهار القرن الحادي والعشرين!
إنهم يريدون إكراه هذه الحكومة على ولوغ مستنقع التنازل والفساد بعد أن أنجانا الله منه، لتعود بعد سنين وقد غاصت في وحله وما بخفّيها أقدام!
لقد جعل شعبنا من أجساد أبنائه ودمائهم سياجاً يحمي عروبتنا وإسلامنا، ولا زال يقدِّم الغالي والنفيس لكسر شوكة «يهود» ، فطردَه من غزّة، وألجأه إلى عقره المحصن بالجدر، ليئدَ بذلك حلم ارتوائه من نيل الكنانة وفُرات الرافدين. ولما رأى «يهود» حاله التي أضحى عليها، أخذ يمعن في تقتيل أطفالنا ونسائنا وأحرارنا، ويعضُّ عليهم بأسنان البلدوزرات، ثم يستغيث من هول ما أحدثه قتلهم من ضجيج لآلة حربه.. فكيف يطالبون الضحية ـ إذن ـ الاعتراف بشرعية قاتلها؟!
يأتي رمضان هذا العام، ويدقُّ مدفع الإفطار على وقع هدير الدبابات وجنازيرها تمضغ لحم أطفالنا، والطائرات تدلق حممها على مساكننا ومهاجع الآمنين، ولن يضير الفلسطيني ذلك، ولن يقهقره عن الدفاع عن أرضه، بل إنه لأحبُّ إليه أن يفطر عند الله وهو شهيد في سبيله، بدل أن يفطر على مائدته في ذلٍّ وخضوع وقهر.
يأتي رمضان هذا العام، والعمل الخيري الإسلامي موصدة دونه الأبواب، بعد أن أُغلقت معظم مؤسساته وجمعياته لآمادٍ طويلة، وصُودرت ممتلكاتها، واعتقل ممثّلوها وطواقمها، وتمَّ التحفّظ على حساباتها البنكية، وقُطعت الإمدادات عنها، حتى من الدول الشقيقة والصديقة، إلى حدِّ أن كفالة اليتيم لم يعد لها مكان في عالم الخير، ولم تجرؤ مؤسسة بنكية على السماح لهذه الكفالة باجتياز الحدود؛ كي تصل يتيماً محروماً فتمسح عبرته، أو فقيراً معوزاً فتقضي حاجته.
يأتي رمضان هذا العام، وأيتامنا يطمحون ـ كأقرانهم من أطفال العالم ـ بمستقبل واعد، طاعم من الجوع، وآمن من الخوف، وبعيد عن إرهاب من غضب الله عليهم بسوء أعمالهم.
إن الدعم الأمريكي والأوروبي المقدَّم لشعبنا طوال الفترة الماضية كان مشروطاً، ويُصرف جلّه لمؤسسات ومنظمات أقامتها دولهم في مناطقنا، تبثُّ برامج سياسية واجتماعية وثقافية، تدعو شبابنا للاغتراب، وتحضُّهم على التطبيع مع «يهود» ، ليشكل دعمهم على هذه الشاكلة مظهراً استعمارياً يتّسق مع متطلبات مرحلة نظامهم العالمي الجديد. وعمليات الصرف على آليات تنفيذ المشاريع كانت تقتطع النّسب الأعلى من المنح على حساب المشاريع ذاتها، في إطار سياسة إفقار عصرية ممنهجة ومتحضّرة. والجزء المتبقّي من دعمهم، مساعدات غذائية، تُصرف حسب أهوائهم متى شاؤوا، ويُعلّق صرفها متى شاؤوا، تثبيتاً لسياسة الضغط والابتزاز من أجل انتزاع مواقف سياسية لصالح دولة الكيان الصهيوني، ظانّين قدرتهم على إرغام الفلسطينيين على بيع قضيتهم بأبخس ما في الكون من أثمان «سدّ جوعة بطن» . إنهم يريدوننا صعاليك، وما كان أجدادنا كذلك ولن نكون. ورغم أن قطع تلك الإعانات تُسجل ضمن دائرة التعامل الإنساني غير الأخلاقي، فإنها لم تكن ولن تكون منّة الأمريكان والأوروبيين، الذين سلبوا أرضنا عنوة، ومنحوها ملاذاً لشذاذ الآفاق؛ تخلّصاً من شرورهم ومفاسدهم، فهم بذلك وإن أعانونا أبد الدهر لن يكفِّروا عن خطيئة جريمتهم تلك.
لا زال الفلسطينيون عاقدين العزم على تسيير موكبهم السياسي تحت راية «لا إله إلا الله» الخفاقة بالعزِّ والتمكين، مصمّمون على إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية أولى عربياً وإسلامياً، بإدراك عميق لأهمية هذا البعد، الذي حمل همّها في أدقّ مراحلها ماضياً، فكان صلاح الدين وبيبرس وقطز أبطال التحرير قادة إسلاميين، وليس من المتوقع أن يكون جيل التحرير من (اليهود) إلا أحفاداً لهؤلاء الأبطال عقيدة وفكراً وسلوكاً.
إن شعبنا قد أعلن قبوله تحدّي الجوع من أجل الكرامة، وهو رافضٌ حتى اللحظة ابتزازَ جلاّدي العالم ولو وضعوا في أيديه شموساً وأقماراً.
وحكومتنا وقد أضحت غريبة بعد إخراجها من الكتلة الدولية لضمِّها (أناس يتطهرون) ، يتم السعي ليلاً ونهاراً لإفشالها، وإفشال شعار «الإسلام هو الحل» كمنظومة قيمية حضارية متكاملة، ترقى بالواقع الإنساني في شتى مجالات حياته.
يأتي رمضان هذا العام، والواجب يحتّم علينا كعرب ومسلمين، اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن نتقدم لانتزاع قضيتنا من بين أنياب الصغار اللاهين بها في أروقة العالم، وإعادتها لمحضنها الطبيعي، وأن نجاهر بتمرّدٍ استراتيجي على قوى الهيمنة التي يثير حضورنا فيها غريزة الاستئساد. ولنسجل مرّة واحدة وإلى الأبد، أن أعناقنا لن تكون مطايا لهم، وأن عهد الإذلال والاستكانة قد أدبر، وما داموا يجتمعون خلف «صهيون» رغم دنس باطله، فالأَوْلى أن نجتمع نحن خلف قدسية حقنا، ولنفوّت الفرص على المتربِّصين من أصحاب «الرايات البيضاء» الذين يُعدّون أنفسهم لرقصة أخرى على ألم جراحنا.
إننا ـ كفلسطينيين ـ نفي بالتزاماتنا إزاء قضية المسلمين النازفة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ونتشرّف بحملها تاجاً على أكتافنا، ذخراً بين جنباتنا.. ولن نخجل ـ بأجساد شهدائنا ـ من فرض أمر واقع على طغاة العالم الذين يرمقوننا بمنظار صهيوني، كي نحفظ حقنا ونعيد لأرضنا وقدسنا عزّها وكرامتها.
وإننا نستغرب الدعم غير المحدود واللفيف الصهيوني العالمي الذي يمدّ كيانه بكل مقوّمات الحياة وأسباب التفوق في منطقتنا، فتصله التبرعات والضرائب من شتى أصقاع الأرض، بينما لا يضير الكثير من أمة المليار مرأى شلاّل الدم الفلسطيني المتدفق على أيدي هؤلاء بين كل عشية وضحاها. ونحن والله ما عهدنا دمنا النازف أزرق ولا أصفر!
إن أسمى آيات العدالة، أن يقوى الحق على الباطل، والعظماء من يسندون الحق عندما تَدلهمُّ الخطوب، وأنبل هؤلاء جميعاً من يرفضون بغي الباطل في أوج قوته. وها نحن ـ أبناء أمتنا ـ نفرّ بأقصانا إليكم في رمضان هذا العام، نعرض ظلامته، ونجأر بشكوى بيت المقدس وأكنافه مما لحق به من قتل للجَدّ وتشريد للولد وقهر للحفيد، والحناجر تصدح في الآفاق: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٢٥٠] .
ورغم علم شعبنا أن دائرة اهتمام الخيّرين من أبناء العرب والمسلمين، المحيط العربي والإسلامي وضعفاء العالم، فهو سيبيت رمضان هذا العام رهن الحصار وسوء الحال، معلناً هجرته إلى الله، واثقاً بتأييده، وباسطاً ما تبقى فيه من أكفٍّ لكل أحرار العالم، ليُخذِّلوا عنه بما يستطيعون من دعم وإسناد مادي وإعلامي وسياسي ومعنوي، كل حسب طاقته وفي موقعه، بمقاطعة الدول والشركات الضاغطة عليه والمهينة لآدميته، ووقف أشكال التطبيع معها، وتفعيل الطاقات النخبوية كي تأخذ دورها في قيادة وتوجيه بُوْصلة شعوبنا نحو التحرر والنماء، وتحدّي الحصار الظالم، حتى لا يكون في فلسطين من يبيت جائعاً وسط بحر العروبة والإسلام، والرسول # يقول: «أيما أهل عرصة باتوا وفيهم جائع؛ فقد برئت منهم ذمة الله» ، والفرصة الآن مواتية لاختصار الوقت والرد على المواقف الصهيونية والأمريكية والأوروبية، التي لا تعتبرنا كعرب ومسلمين أكثر من أسواق استهلاكية لمنتجاتها، وحقولاً لتجارب صناعاتها وترساناتها، ونبرأ إلى الله من كل الذين يصرِّون على اختزال قضيتنا برغيف الخبز.
فشارك يا (ابن أمتنا) في شرف الذّود عن قضية أُوْلى القبلتين، وابعث بزيت يُسرج في قناديله، فيلتحم بعطر دمنا المسفوح على أسواره، ليزداد لمعان بريقه عزّاً وسؤدداً، والرسول # يقول: «ائتوه فصلّوا فيه، فإن لم تأتوه وتصلّوا فيه، فابعثوا بزيت يُسرج في قناديله» . وكن كنعيم بن مسعود بطل يوم الخندق حيث قال له الرسول #: «إنما أنت فينا رجل واحد، فخذّل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة» ، وتذكر حديث المصطفى #: «ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ مسلم ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته» ، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: ٢١] ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.