[حكومة الجعفري والمسلسل الطائفي الجديد]
إبراهيم العبيدي
وُلدت الحكومة العراقية المؤقتة الجديدة برئاسة الدكتور إبراهيم الجعفري؛ وذلك برعاية وموافقة أمريكية قبل موافقة الجمعية الوطنية العراقية، بعد تعسر دام ثلاثة أشهر وأسبوعين من التجاذبات حول الصفقات التحاصصية بين الكتل والأطراف السياسية التي أفرزتها الانتخابات العراقية الناقصة في ٣٠/١/٢٠٠٥م.
إن تشكيلة الحكومة الجديدة كانت على أساس طائفي بامتياز، وتشكيلة مقصودة؛ لتمرير مسلسل طائفي دموي جديد يستهدف العراقيين، ولا سيما السنَّة العرب. وقد تعالت الأصوات المزيفة بضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية، تضم جميع مكونات الشعب العراقي، وبخاصة السنة العرب بعيداً عن الاستحقاقات الانتخابية؛ برغبة منهم، وليس بضغط السنة العرب. وهذا ما ذكره الرئيس العراقي الجديد «الكردي» جلال الطالباني في أول خطاب له بعد توليه للمنصب، وهو القول الذي كان يردده الدكتور الجعفري عبر التصريحات الإعلامية. ولكن سرعان ما تبدد هذا الخطاب، وتنصل الجعفري عن اتفاقاته التي أجريت مع السنة العرب في التوصل إلى مشروع سياسي، كان من أهم ما يتضمنه هذا المشروع هو ضمان: حقوق جميع مكونات الشعب العراقي، وإطلاق سراح جميع المعتقلين العراقيين، وخروج القوات الأمريكية من المدن، وتشكيل حكومة تمثل الحجم الحقيقي لجميع مكونات الشعب العراقي. وتم الإعلان عن الحكومة الجديدة بناء على الاستحقاق الانتخابي، بعيداً عن الوحدة الوطنية التي كانوا يطلقون شعاراتها، بحسب ما صرح به رئيس الجبهة الوطنية للسنة العرب (صالح المطلق) لوسائل الإعلام.
إن هذا التحول السريع والمفاجئ من قِبَل الجعفري المكلف بتشكيل الحكومة، وتنصله من الاتفاق مع العرب السنة لمشاركتهم يعتبره بعض المراقبين محاولة جريئة وخطيرة، تهدف إلى تهميش السنة العرب الذين يشكلون على أقل تقدير نسبة ٣٨% من مجموع سكان العراق، بحسب ما أفرزته إحصائيات الانتخابات الأخيرة. هو الأمر الذي يعني إطلاق العنان لمسلسل العنف الطائفي البغيض خلال هذه الأشهر الانتقالية السبعة من عمر هذه الحكومة المشؤومة، وإيذاناً بقيام حرب أهلية طائفية شاملة ـ بعد أن كانت محدودة طيلة السنتين الماضيتين ـ ولعدة سنوات، وربما تمتد نارها إلى خارج العراق. وهذا ما تؤكدة مجريات المشهد العراقي اليومي على الأرض.
ومن الجدير بالذكر والذي ينبغي أن يعرفه كل متابع للحالة العراقية أن مسلسل العنف الطائفي قد كانت بدايته منذ الأشهر الأولى التي أعقبت الاحتلال الأمريكي للعراق، ووصول الأحزاب الشيعية الموالية لإيران إلى سدة الحكم، والتي تحالفت مع الأمريكان، وما قامت به هذه الأحزاب ولا سيما المجلس الأعلى الشيعي وفيلق بدر المسلح التابع له من ممارسات بشعة من اغتيالات لعلماء وشخصيات سنية، واعتقال ومداهمات للمساجد والبيوت السنية، وعمليات التهجير القسري للسنة في المناطق الشيعية جنوب العراق وبخاصة مدينة البصرة وهو ما يعرفه أهل السنة العرب دون غيرهم. وما شهدته مدينة المدائن من توتر طائفي مؤخراً كان حلقة في المسلسل الطائفي البغيض الذي يمارسه المجلس الأعلى الشيعي وبرضا المرجعية في النجف المتمثلة بالسيد علي السيستاني الإيراني الأصل. ولكن هذه الممارسات بقيت طي الكتمان من قِبَل الطرفين على مستوى النخب على اعتبار أنها ممارسات فردية لا تعكس توجهاً مقصوداً؛ حتى تبلور الامر في نهاية المطاف وزال الستار مؤخراً بالتشكيلة الطائفية لحكومة الجعفري المؤقتة والتي بموجبها آلت وزارة الداخلية إلى قائمة الائتلاف الشيعي، وإلى مرشح المجلس الأعلى تحديداً ذي الولاء الإيراني المطلق ليكون (بيان جبر) «باقر صولاغ» المختلف في أصله: هل هو إيراني أم عراقي؟ وزيراً للداخلية التي تعد من أهم الوزرات الخاصة بالأمن الداخلي للعراق؛ وهو الأمر الذي يعني إطلاق يد المجلس الأعلى وبغطاء رسمي أكثر هذه المرة «أمريكي شيعي» في إتمام مسلسله الطائفي في استهداف السنة العرب أينما وُجِدوا في أرض العراق. ومن الجدير بالذكر أن المجلس الأعلى الذي يرأسه عبد العزيز الحكيم وفيلق بدر التابع له تحديداً ويضم كثيراً من عناصر الاستخبارات الإيرانية والمجلس الأعلى عموماً يعمل على تطبيق سياسات وتوجيهات الاستخبارات الإيرانية في العراق؛ وهو الأمر الذي يعد تفعيلاً أكيداً ومؤشراً خطيراً على تفاقم مسلسل العنف الطائفي بين الشيعة في السلطة بدعم أمريكي من جانب، والسنة المقاومين للاحتلال من جانب آخر.
ومن العجيب أن قائمة الائتلاف الشيعية كثيراً ما كانت تبدي انتقادها الشديد لحكومة علاوي وخاصة في الملف الأمني بادعائها اختراق الأجهزة الأمنية من قِبَل البعثيين والصداميين في إشارة إلى بعض السنة الذين انخرطوا في هذه الأجهزة وهي نسبة لا تتجاوز ١٠% من نسبة الشيعة الذين تشكلت منهم معظم الأجهزة الأمنية في حكومة علاوي، والتوعد دائماً بعملية تطهير لهذه الأجهزة من المفسدين كما يدعون، وهو الأمر الذي يدعو للقلق الجاد من تولي الشيعة لوزارة الداخلية، إضافة إلى أكثر من نصف الحقائب الوزراية والمهمة في الحكومة الجديدة. ماذا عساهم يفعلون أكثر من الذي فعلته أجهزة علاوي من قتل واعتقال عشرات الآلاف، وتدمير شامل لمدينة الفلوجة وسامراء، والموصل، وبغداد ذات الأغلبية السنية ومدن المنطقة الغربية السنية؟ وكما يبدو فإن أداء أجهزة علاوي لم يَرُقْ لقائمة الائتلاف، واعتبروها كما لو أن السنة العرب كانوا ينعمون بالأمن والرخاء، والوظائف الكثيرة في حقبتها.
اليوم وبعد وصول الائتلاف الشيعي إلى سدة الحكم بصورة أوسع مما كان عليه في تشكيلة حكومة علاوي ومجلس الحكم الانتقالي وبالتشكيلة الحكومية التي تم الإعلان عنها؛ فمن المتوقع أن تقوم الحكومة، ولا سيما على الصعيد الأمني بالأمور التالية:
١ - محاولة اجتياح واستباحة لجميع المناطق السنية التي تشهد عمليات مقاومة ضد الأمريكان، وقوات الاحتلال، بمساندة قوات الاحتلال على غرار ما حدث بمدينة الفلوجة وسامراء بحجة ملاحقة واستئصال الإرهابيين الذين يتزعمهم الزرقاوي كما يزعمون، ومن يسمونهم «بالوهابيين» ، وهو المصطلح الذي يطلقه الشيعة على عموم أهل السنة فقهياً وسياسياً، والمعنى يعرفه الشيعة، ولا سيما الإيرانيون منهم كالمجلس الأعلى.
٢ - البدء بحملة اعتقالات واسعة في صفوف أهل السنة، ومضاعفة عدد السجناء الحاليين الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف في السجون التي يشرف عليها العراقيون.
٣ - محاولة ضرب المرجعية السنية المتمثلة بهيئة علماء المسلمين «بحجة التحريض على المقاومة» من خلال عمليات الاغتيال والاعتقال لرموزها في معظم المناطق السنية ومحاولة كسر شوكتهم بعد أن أصبحت تشكل عائقاً كبيراً أمام مخطط الاحتلال وأعوانه.
٤ - محاولة تكثيف المد الشيعي في المناطق السنية وإنشاء مراكز تجسس «الحسينيات» في هذه المناطق التي تُتخذ بالضرورة وكراً لرصد الناشطين من أهل السنة لتصفيتهم.
٥ - وكذلك تكثيف ممارسات التهجير للأقليات السنية في المناطق الشيعية، وخاصة في مدن الجنوب العراقي تمهيداً لإقفال الجنوب على الشيعة فقط مما يساعد في أي عملية انفصال وارتباط مع الجارة إيران.
٦ - وكذلك التأثير من خلال وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها ليصبح العراق بلداً شيعياً ابتداءً من الأذان للصلوات، ومروراً بالمراسم الحسينية، وانتهاءً بالمناهج الدراسية. كما هو عليه الوضع الحالي.
٧ - محاولة إقصاء السنة بكل انتماءاتهم الحزبية من جميع المناصب الحكومية في الدولة.
هذه أهم المحاولات التي سيسعى إلى تحقيقها الشيعة من خلال الحكومة المؤقتة الجديدة ذات الأغلبية الشيعية، ومحاولة تطبيق النموذج الإيراني في معاملته مع أهل السنة من يوم أن تمكن الشيعة من الحكم «حكم الملالي» وحتى يومنا هذا؛ حيث تم استخدام الأمور المذكورة آنفاً حتى لا تكاد تسمع لأهل السنة صوتاً ولا همساً على الرغم من أنهم يشكلون نسبة ٢٥% من عدد سكان إيران. هذه هي الطائفية التي يسعى إلى تحقيقها الشيعة من خلال نفوذهم في حكومة العراق الجديد في ظل الديمقراطية الأمريكية.
فيما نحسب هذه هي الصورة القاتمة التي ينتظرها العراق الجديد في ظل هذه الحكومة المؤقتة الجديدة، ومن الشواهد أن الصحف العراقية بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة صدرت بعناوين مثيرة وصريحة وبخط عريض منها: «الميليشيات الشيعية تفكر باجتياح المدن السنية لإيقاف العمليات الإرهابية فيها» ويبدو أن لا خيار لأهل السنة إلا خيار المقاومة والتصدي لهذا الاستهداف الخطير لكونهم العقبة الكأداء أمام المخطط الاستعماري الجديد في المنطقة؛ فهل سيفيق السنَّة في العراق تحديداً والمنطقة عموماً لتنظيم صفوفهم وتوحيد كلمتهم لنصرة سنة العراق، ومساندتهم أسوة بالمساندة الإيرانية غير المحدودة للشيعة في العراق؟ أم سيبقون بمنأى عن الأحداث التي ستستهدفهم في نهاية المطاف وتحقق المقولة الشهيرة «أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض» ؟ وهل سيتمكن أهل السنة في العراق ـ أسوة بالفئات الأخرى ـ من تشكيل ميليشيات مسلحة منظمة ومنسجمة تحفظ لهم ذواتهم وحقوقهم في ظل عالم الميليشيات والقرصنة الدولية؟