للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المسلمون المنسيون في أراكان بورما (ميانمار)]

(الحاضر المؤلم والمستقبل المجهول)

صالح بن محمد البورمي

تقع دولة بورما (ميانمار حالياً) في الجنوب الشرقي لقارة آسيا، ويحدها من الشمال الصين والهند، ومن الجنوب خليج البنغال وتايلاند، ومن الشرق الصين ولاووس وتايلاند، ومن الغرب خليج البنغال والهند وبنغلاديش، (ويقع إقليم أراكان في الجنوب الغربي لبورما على ساحل خليج البنغال والشريط الحدودي مع بنغلاديش) .

وتقدر مساحتها بأكثر من ٢٦١.٠٠٠ ميل مربع، وتقدر مساحة إقليم أراكان قرابة ٢٠.٠٠٠ ميل مربع، ويفصله عن بورما حد طبيعي هو سلسلة جبال (أركان يوما) الممتدة من جبال الهملايا.

ويبلغ عدد سكان بورما أكثر من ٥٠ مليون نسمة، وتقدر نسبة المسلمين بـ ١٥% من مجموع السكان نصفُهم في إقليم أراكان ـ ذي الأغلبية المسلمة ـ حيث تصل نسبة المسلمين فيه أكثر من ٧٠% والباقون من البوذيين الماغ وطوائف أخرى.

ويتكون اتحاد بورما من عرقيات كثيرة جداً تصل لأكثر من ١٤٠ عرقية، وأهمها من حيث الكثرة (البورمان (١) وهم الطائفة الحاكمة ـ وشان وكشين وكارين وشين وكايا وركهاين ـ الماغ ـ والمسلمون ويعرفون بالروهينغا، وهم الطائفة الثانية بعد البورمان، ويصل عددهم قرابة ٥ ملايين نسمة) .

` وجود المسلمين في أراكان:

يذكر المؤرخون أن الإسلام وصل إلى أراكان في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن السابع الميلادي عن طريق تجار العرب حتى أصبحت دولة مستقلة حكمها ٤٨ ملكاً مسلماً على التوالي وذلك لأكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن، أي ما بين عامي ١٤٣٠ م - ١٧٨٤م، وقد تركوا آثاراً إسلامية من مساجد ومدارس وأربطة منها مسجد بدر المقام في أراكان والمشهور جداً (ويوجد عدد من المساجد بهذا الاسم في المناطق الساحلية في كل من الهند وبنغلاديش وبورما وتايلاند وماليزيا وغيرها) ومسجد سندي خان الذي بني في عام ١٤٣٠م وغيرها.

` الاحتلال البوذي لأراكان:

في عام ١٧٨٤م احتل أراكان الملك البوذي البورمي (بوداباي) ، وضم الإقليم إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة، وعاث في الأرض الفساد؛ حيث دمر كثيراً من الآثار الإسلامية من مساجد ومدارس، وقتل العلماء والدعاة، واستمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين الماغ على ذلك خلال فترة احتلالهم أربعين سنة التي انتهت بمجيء الاستعمار البريطاني.

وفي عام ١٨٢٤م احتلت بريطانيا بورما، وضمتها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية.

وفي عام ١٩٣٧م جعلت بريطانيا بورما مع أراكان مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية كباقي مستعمراتها في الإمبراطورية آنذاك؛ وعُرفت بحكومة بورما البريطانية.

وفي عام ١٩٤٢م تعرض المسلمون لمذبحة وحشية كبرى من قِبَل البوذيين الماغ بعد حصولهم على الأسلحة والإمداد من قِبَل إخوانهم البوذيين البورمان والمستعمرين وغيرهم والتي راح ضحيتها أكثر من مائة ألف مسلم وأغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال، وشردت مئات الآلاف خارج الوطن، ومن شدة قسوتها وفظاعتها لا يزال الناس ـ وخاصة كبار السن ـ يذكرون مآسيها حتى الآن، ويؤرخون بها، ورجحت بذلك كفة البوذيين الماغ، ومقدمة لما يحصل بعد ذلك.

وفي عام ١٩٤٧م قبيل استقلال بورما عقد مؤتمر عام في مدينة بنغ لونغ للتحضير للاستقلال؛ ودعيت إليه جميع الفئات والعرقيات إلا المسلمين الروهينغا لإبعادهم عن سير الأحداث وتقرير مصيرهم.

وفي عام ١٩٤٨م وبالتحديد يوم ٤ يناير منحت بريطانيا الاستقلال لبورما شريطة أن تمنح لكل العرقيات الاستقلال عنها بعد عشر سنوات إذا رغبت في ذلك، ولكن ما أن حصل البورمان على الاستقلال حتى نقضوا عهودهم، ونكثوا على أعقابهم، حيث استمرت في احتلال أراكان بدون رغبة سكانها من المسلمين الروهينغا والبوذيين الماغ أيضاً، وقاموا بالممارسات البشعة ضد المسلمين، سنذكرها في السطور التالية:

` أهم مآسي المسلمين في أراكان:

- التطهير العرقي: منذ أن استولى العسكريون الفاشيون على الحكم في بورما بعد الانقلاب العسكري بواسطة الجنرال (نيوين) المتعصب عام ١٩٦٢م تعرض مسلمو أراكان لكل أنواع الظلم والاضطهاد من القتل والتهجير والتشريد والتضييق الاقتصادي والثقافي ومصادرة أراضيهم، بل مصادرة مواطنتهم بزعم مشابهتهم للبنغاليين في الدين واللغة والشكل.

- طمس الهوية والآثار الإسلامية: وذلك بتدمير الآثار الإسلامية من مساجد ومدارس تاريخية، وما بقي يمنع منعاً باتاً من الترميم فضلاً عن إعادة البناء أو بناء أي شيء جديد له علاقة بالدين والملة من مساجد ومدارس ومكتبات ودور للأيتام وغيرها، وبعضها تهوي على رؤوس الناس بسبب مرور الزمن، والمدارس الإسلامية تمنع من التطوير أو الاعتراف الحكومي والمصادقة لشهاداتها أو خريجيها.

- المحاولات المستميتة لـ (برمنة) الثقافة الإسلامية وتذويب المسلمين في المجتمع البوذي البورمي قسراً.

- التهجير الجماعي من قرى المسلمين وأراضيهم الزراعية، وتوطين البوذيين فيها في قرى نموذجية تبنى بأموال وأيدي المسلمين جبراً، أو شق طرق كبيرة أو ثكنات عسكرية دون أي تعويض، ومن يرفض فمصيره الموت في المعتقلات الفاشية التي لا تعرف الرحمة.

- الطرد الجماعي المتكرر خارج الوطن مثلما حصل في الأعوام التالية:

عام ١٩٦٢م عقب الانقلاب العسكري الفاشي حيث طرد أكثر من ٣٠٠.٠٠٠ مسلم إلى بنغلاديش.

وفي عام ١٩٧٨م طرد أكثر من (٥٠٠.٠٠٠) أي نصف مليون مسلم؛ في أوضاع قاسية جداً، مات منهم قرابة ٤٠.٠٠٠ من الشيوخ والنساء والأطفال حسب إحصائية وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

وفي عام ١٩٨٨م تم طرد أكثر من ١٥٠.٠٠٠ مسلم؛ بسبب بناء القرى النموذجية للبوذيين في محاولة للتغيير الديموغرافي.

وفي عام ١٩٩١م تم طرد قرابة (٥٠٠.٠٠٠) أي نصف مليون مسلم؛ وذلك عقب إلغاء نتائج الانتخابات العامة التي فازت فيها المعارضة بأغلبية ساحقة انتقاماً من المسلمين؛ لأنهم صوتوا مع عامة أهل البلاد لصالح الحزب الوطني الديمقراطي (NLD) المعارض.

- إلغاء حق المواطنة من المسلمين؛ حيث تم استبدال إثباتاتهم الرسمية القديمة ببطاقات تفيد أنهم ليسوا مواطنين، ومن يرفض فمصيره الموت في المعتقلات وتحت التعذيب أو الهروب خارج البلاد، وهو المطلوب أصلاً.

- العمل القسري لدى الجيش أثناء التنقلات أو بناء ثكنات عسكرية أو شق طرق وغير ذلك من الأعمال الحكومية (سخرة وبلا مقابل حتى نفقتهم في الأكل والشرب والمواصلات) .

- حرمان أبناء المسلمين من مواصلة التعلم في الكليات والجامعات، ومن يذهب للخارج يُطوى قيده من سجلات القرية، ومن ثم يعتقل عند عودته، ويرمى به في غياهب السجون.

- حرمانهم من الوظائف الحكومية مهما كان تأهيلهم، حتى الذين كانوا يعملون منذ الاستعمار أو القدماء في الوظائف أجبروا على الاستقالة أو الفصل، إلا عمداء القرى وبعض الوظائف التي يحتاجها العسكر فإنهم يعيِّنون فيها المسلمين بدون رواتب، بل وعلى نفقتهم المواصلات واستضافة العسكر عند قيامهم بالجولات التفتيشية للقرى.

- منعهم من السفر إلى الخارج حتى لأداء فريضة الحج إلا إلى بنغلاديش ولمدة يسيرة وبعد دفع رسوم ورشاوى باهظة للعسكر، ويعتبر السفر إلى عاصمة الدولة رانغون أو أي مدينة أخرى جريمة يعاقب عليها، وكذا عاصمة الإقليم والميناء الوحيد فيه مدينة أكياب، بل يمنع التنقل من قرية إلى أخرى إلا بعد الحصول على تصريح.

- عدم السماح لهم باستضافة أحد في بيوتهم ولو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذن مسبق، وأما المبيت فيمنع منعاً باتاً، ويعتبر جريمة كبرى ربما يعاقب بهدم منزله أو اعتقاله أو طرده من البلاد هو وأسرته.

- إجبار المسلمين - وخاصة العلماء والوجهاء - لإلحاق بناتهم لخدمة وحراسة الجيش والشرطة.

- عقوبات اقتصادية: مثل الضرائب الباهظة في كل شيء، والغرامات المالية، ومنع بيع المحاصيل إلا للعسكر أو من يمثلهم بسعر زهيد لإبقائهم فقراء، أو لإجبارهم على ترك الديار.

- تقليل أعداد المسلمين بأساليب شتى منها: إعطاء حقن مانعة للحمل للمرأة في حالات كثيرة، ورفع سن الزواج للفتيات إلى ٢٢ سنة، منع عقود الأنكحة إلا بعد إجراءات طويلة وإذن من الشرطة، منع التعدد منعاً باتاً مهما كان السبب، منع الزواج مرة أخرى للمطلق أو الأرمل إلا بعد سنة وإجراءات طويلة، وأي مخالفة في ذلك تعتبر جريمة ربما يعاقب عليها بالسجن والغرامة الباهظة أو الطرد من البلاد، والهدف من كل ذلك هو القضاء عليهم أو تقليل أعدادهم.

` المستقبل المجهول (وأفكار لحل القضية) :

من خلال العرض السابق يتبين لنا بجلاء المخطط البوذي البورمي لإخلاء إقليم أراكان من المسلمين بطردهم منه أو إفقارهم وإبقائهم ضعفاء لا حيلة لهم ولا قوة، ولاستخدامهم كعبيد وخدم لهم؛ حيث إنهم لم يُدْعَوْا حتى لحضور المؤتمر العام؛ لذلك ينبغي على المسلمين عموماً وعلى أهل الفكر والرأي والمشورة والعلم خصوصاً نصرة قضاياهم، وإعانتهم بكل السبل الممكنة في هذا العصر.

ولجعل المستقبل أفضل ولصالح المسلمين ـ وإن كان أمر المستقبل بيد الله إلا أننا أمرنا بالسعي ـ يمكن العمل على مراحل عدة:

المرحلة الأولى: المطالبة بالديمقراطية والمساواة في الحقوق العامة كغيرهم من المواطنين، وتنشيط القضية وتفعيلها من ناحية السياسة الداخلية والدولية حتى يتمكن المسلمون من الحصول على حقوقهم، ويحصلون على التمثيل في البرلمان والحكومات المحلية وغير ذلك؛ وبذلك تقوى مواقفهم.

المرحلة الثانية: المطالبة بتنفيذ رغبة الشعب الأركاني في تطبيق الشريعة الإسلامية على الإقليم، بكونهم الأغلبية في الإقليم، والإعداد لهذه المرحلة من الناحية الشرعية والدستورية، وتتبعها مراحل أخرى حتى يحصلوا على الاستقلال بإذن الله.

البدء بالمرحلة الأولى:

١ - توصيل قضية مسلمي أراكان إلى مندوب الأمين العام للأمم المتحدة لإحلال الديمقراطية في بورما بحلول عام ٢٠٠٦م برئاسة رضا علي إسماعيل وهو ماليزي، وكان مستشاراً للرئيس الماليزي السابق مهاتير محمد، ويمكن ذلك من خلال تشكيل وفود من المسلمين الأركانيين أو غيرهم وزيارته شخصياً، وتوضيح خطورة تجاهل أمر المسلمين في أراكان، وله كلمته القوية في شأن البلاد، ونفوذ قوي جداً في الحزب الوطني الديمقراطي المعارض (NLD) .

٢ - تشكيل وفد من رابطة العالم الإسلامي لتوصيل القضية وتفعيلها لدى رضا علي إسماعيل.

٣ - تفعيل القضية من قِبَل شخصيات في الخليج لهم علاقة خاصة مع رضا علي إسماعيل.

٤ - الاتصال بالمنظمات التايلاندية التي تسعى إلى توحيد مواقف المنظمات المعارضة في الخارج تجاه العسكر.

٥ - تشكيل وفد من بعض أعضاء البرلمان البنغالي المتعاطفين مع القضية أو ممن لهم علاقة مع رضا علي إسماعيل مثل مستشار رئيسة الوزراء وعضو البرلمان الأستاذ صلاح الدين شودري (وكان مرشحاً من قِبَل أكثر من ٣٠ دولة إسلامية للأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي للفترة القادمة) .

٦ - تفعيل دور منظمة المؤتمر الإسلامي وذلك لعلاقاتها مع المسؤوليين الماليزيين.

٧ - تفعيل دور المنظمات الحقوقية في العالم وخاصة الأوروبية حيث إن لها اهتماماً بالغاً بقضية إحلال الديمقراطية في بورما، وقد عقدوا عدة مؤتمرات في تايلند للأحزاب المعارضة، ودعي إليها بعض المنظمات الأركانية الإسلامية.

٨ - الاتصال بالحزب الوطني الديمقراطي المعارض، ومنظمات البوذيين الركهاين (الماغ) المعارضة في الخارج، وهم أيضاً من سكان أراكان الأصليين وكانوا على علاقة طيبة مع المسلمين.

٩ - فكرة تبني الحل السلمي من قِبَل المنظمات الإسلامية في الوقت الحاضر على طريقة الجناح السياسي للمنظمات المسلحة، أو تشكيل أحزاب ومنظمات حقوقية جديدة وبأسماء جديدة لهذا الغرض.

١٠ - تفعيل دور الإعلام في إبراز القضية من خلال عرض مآسي المسلمين داخل أراكان، كذلك أوضاع اللاجئين الأراكانيين في بنغلاديش، والمطالبة بحقوقهم.

١١ - ممارسة الضغط من خلال منظمات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أو المنظمات الأوروبية أو المنظمات العربية والإسلامية والمحلية أو المناضلة المعروفة في هذا الشأن.

١٢ - تأهيل أبناء الأركانيين في الداخل وفي المهجر تأهيلاً يمكنهم من السعي لقضيتهم؛ وذلك من خلال إعطاء منح دراسية في الجامعات في شتى التخصصات العصرية والشرعية.

هذه نبذة يسيرة عن القضية وبعض الأفكار للحل، والله أعلم بالصواب، وحسبنا الله ونعم الوكيل.


(١) البورمان أصلهم من التبت الصينية، قوم جبابرة، عقيدتهم بوذية، هاجروا إلى المنطقة (بورما) في القرن السادس عشر الميلادي، واستولوا على البلاد في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.