[رسالة مفتوحة إلى رئاسة المحاكم الصومالية]
هيثم بن جواد الحداد
تواردت الأنباء عن سيطرة رئاسة المحاكم الصومالية على أنحاء العاصمة (مقاديشو) ، ولا شك أن هذا خبر مفرح للغاية، إذ لا شك أن كل طالب للأمن يتمنَّاه لغيره، ويسعد به إن تحقق في أي بقعة من الأرض. ناهيك عن أن هذا الأمن إذا تحقق، فإنه أمن حقيقي يجلب سعادة الدنيا والآخرة للبشر، إنه أمن الإسلام، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: ١٢٤ - ١٢٧] .
وقد يقول قائل: إنه من المبكر الحديث عن تداعيات هذا الخبر ونتائجه. إلا أن خطورة الموقف، وحجم النتائج المتوقعة عليه تُوجب سرعة التحرك مع شيء من العجلة في إبداء الرأي الذي إن لم ينفع فإنه لن يضر بإذن الله ـ تبارك وتعالى ــ ... والمسلمون في الصومال بأشد الحاجة إلى نصحٍ من إخوانهم المسلمين في كل مكان؛ لترشيد المسيرة، والمحافظة على هذه المكتسبات التي أُريق دونها دماء كثيرة خلال ما يقارب العقدين من الزمن.
وهذه بعض معالمٍ، مساهمة في النصح عسى الله أن يكلل هذه الجهود بالنجاح.
١ ـ لا شك أن الشعب الصومالي شعب مسلم أبِيُّ، لا يقبل بغير الإسلام ديناً مهما عادت عليه العوائد وطحنته الحروب، بل إن المحن التي تمر به ـ كما هي الحال في كل بلد مسلم ـ لا تزيده قناعة إلا بأن الإسلام هو الحل لنيل سعادة الدنيا قبل سعادة الآخرة، وهذا هو شعب الصومال يفصح عن هذه الحقيقة بكل جلاء ووضوح، فقوات المحاكم لم تكن لتبسط سيطرتها على العاصمة، ولم تكن لتكسب جولات القتال الذي استمر قرابة الأربعة أشهر؛ دون دعم لوجستي ومعنوي من أبناء الصومال، وهذا فيه دلالة أكبر من دلالات نتائج الانتخابات على أن الشعب لا يريد إلا الإسلام، ولا يثق إلا بالعلماء والدعاة وأهل الصلاح، فهذا الدعم الذي قدَّمه لهؤلاء العلماء والدعاة لا يقتصر على مجرد ورقة يضعها في صندوق الاقتراع، بل إنه يعكس رغبة الشعب الصومالي (على الأقل في مدينة مقاديشو) في التضحية بالنفس والمال من أجل أن يحكمه الإسلام.
٢ ـ يبدو بعد هذه الحوادث ـ ومثلها دلالات وصول حركة حماس للسلطة ـ أنّ أكبر مشكلة يواجهها الإسلاميون ليس كسب الثقة، وليس الوصول إلى سدة الحكم؛ ولكن كيفية المحافظة عليه في ظل عالم تحكمه قوى تعمل بكل ما تستطيع لإفشال أي مشروع إسلامي صادق، وهذا تحدٍ شرعي سياسي يتطلب قدراً عالياً من العلم بأصول السياسة الشرعية، وكيفية تنزيلها على هذا الواقع المعقد ... ولهذا فإن أي حركة إسلامية تتأهل إلى مثل هذا المنصب لا بد أن تراجع حساباتها بكل دقة وصراحة لتكشف لنفسها أولاً: عن درجة استيعابها لهذا العلم، فهماً وتطبيقاً ... وهنا لا بد أن نقول بأنه: قد لا يكفي أن تعتمد الحركة على المصادر الخارجية أو الأجنبية من علماء ومشايخ عند التعامل مع قواعد السياسة الشرعية فيما يتعلق بما تواجهه من مشكلات وتوازنات صعبة، بل لا بد أن يكون منها نفسها علماء في هذا المجال يجمعون بين العلم بقواعد الشريعة لاسيما علم أصول الفقه، مع العلم بالواقع الذين يعيشون فيه.
٣ ـ قد يكون من السياسة الشرعية في ظل الواقع المعاصر، ولمرحلة مؤقتة أن يتجنب الإسلاميون الوصول إلى السلطة، أو الاستمرار فيها إن وصلوا إليها؛ لأن حجم المؤامرات التي ستحاك ضدهم، وحجم المعاناة التي ستواجههم، وحجم المسؤوليات التي ستناط بهم من الضخامة بحيث تجعلهم عرضة ـ من ناحية ـ إما للتنازل عن بعض ثوابتهم التي بسببها منحهم الشعب ثقتهم فوصلوا إلى السلطة، وعندئذ سيكون الفرق بينهم وبين مخالفيهم يسير، بل إن الشعوب ستنظر إلى المشروع الإسلامي بعين الريبة؛ إذ قد تستدل بذلك على فشله في مواجهة الواقع ... وإما ـ من ناحية أخرى ـ قد تجعلهم عرضة للفشل في إدارة البلاد في ظل هذه الأعباء والصعوبات المتزايدة ... والخروج بحكم أو قرار نهائي في هذه المسألة ليس بالأمر الهيّن، ويحتاج إلى مشورة واسعة، وفهم عميق، ومن قبل ومن بعد استعانة بالباري ـ جلّ وعلا ـ للهداية إلى سواء السبيل، وهو لا شك من أمور الاجتهاد التي لا يثرب فيها على المخالف، لكن سلوك جانب السلامة وعدم المخاطرة في مثل هذه الأمور هو المتعين.
وعليه فقد يكون من السياسة الشرعية في الشأن الصومالي ـ وأي شأن مشابه له مشترك معه في مناط الحكم ـ أن يعمد الإخوة القائمون على حركة المحاكم الإسلامية بالتنازل عن السلطة، أو بتسليم مقاليد الأمر للحكومة المؤقتة أو من يقوم مقامها، ولو كمرحلة أولى، بعد أخذ الضمانات الكافية في عدة أمور، من أهمها: التأكيد على هوية البلاد الإسلامية من خلال الدستور، وكذا التأكيد على نص الدستور لتحكيم الشريعة الإسلامية، ومنح ميزات للجهاز القضائي من أهمها استقلاله ـ بنص الدستور كذلك ـ، ووضع الضمانات الكافية لعدم اختراق أهل الحل والعقد ـ وهم العلماء والقضاة ـ لضمان استقلاليتهم، ومقدرتهم على الأخذ بزمام المبادرة إذا ما عصفت بالبلاد العواصف.
وعليه فقد يكون من السياسة الشرعية كذلك، أن يعمل الإخوة هناك بقاعدة التدرّج في تطبيق بعض الأحكام الشرعية. ومسألة التدرج هذه من أعوص المسائل وأشكلها، وتحتاج إلى بحث مستقل، حبذا أن ُتبحث من قبل أهل الحل والعقد الذين يواجهون مشكلات قد تتطلب إناطة كيفية تطبيق الأحكام بها. فمنع المنكرات ـ مثلاً ـ لاسيما هذا القات الذي ابتلي به كثير من أهل الصومال، لا يمكن أن يتم دفعة واحدة، فقاعدة تزاحم المصالح والمفاسد هنا توجب التَّرّوي في منع هذا المنكر بالكلية وعلى البت، وهذا يُعمل به حتى مع القول بعدم الأخذ بالتدرّج في تطبيق أحكام الشريعة بعد المرحلة المكية، فيمكن مثلاً ـ وأنتم لا شك أعلم بذلك ـ وضع رسوم باهظة على بيع القات، ووضع عقوبات على من ارتكب جرماً بسببه، ولنا في الطريقة القرآنية في منع الخمر خير مثال، فيمكن ـ مثلاً ـ منع تعاطي القات في أوقات معينة مع ما تقدم، وهكذا ... المقصود ألاَّ يأخذنا الحماس في تطبيق الشريعة، أو منع المنكر لفعل ما يؤدي إلى منكر أعظم، وهذا ممّا اتفقت عليه كلمة العلماء، وقد جاء في صحيح البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «إنما نزل أول ما نزل من سورة المفصَّل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء «لا تشربوا الخمر» لقالوا: لا نترك الخمر أبداً. ولو نزل «لا تزنوا» لقالوا: لا ندع الزنا أبداً.» . ومن خير الأمثلة التي تشبه واقعنا ووصول الإسلاميين إلى الحكم في بعض البلاد؛ وصول الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز إلى سدة الحكم بعد فترة من الابتعاد ـ النسبي ـ عن نهج النبوة في الحكم، فقد قال له ابنه عبد الملك يوماً: «ما لك لا تنفذ الأمور؟ فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق» وكأنه قال له: لِمَ لا تطبق الشريعة تطبيقاً فورياً؟ بصرف النظر عن النتائج! فجاءت إجابة فقيه مسدد حكيم: «لا تعجل يا بني! فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرَّمها في الثالثة. وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه جملة، ويكون من ذا فتنة» .
ولنتذكر جميعاً أن الشعب الصومالي رزأَ أزمنة في ظل أوضاع ومؤثرات تفرز خليطاً غريباً من الشخصيات، فقد عاش الجيل مدة طويلة تحت حكم طاغية، ثم نشأ جيل آخر منه لا يعرف إلا العَوَز، ولا يفهم إلا لغة العنف والأخذ بقوة، الأمر الذي يوجب صبراً طويلا في التعامل مع هذا الجيل، والعمل بقاعدة {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} ، لاسيما مع الأفراد ... وربما تحتاجون لدراسة شرعية عميقة تتعلق بأحكام المظالم والدماء التي وقعت بين الناس أثناء فترات الحروب تلك.
ثم ليُعلم أن تطبيق أحكام الشريعة لا يقتصر على منع المنكرات، وإقامة الحدود، وتطبيق العقوبات الشرعية، كما يساء فهمه؛ بل الأمر أعم من ذلك بكثير، فهناك توفير احتياجات الناس الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن، فالتوزيع العادل للثروة، وأخذ الزكاة وصرفها على المستحقين، ومنح الناس الحرية المضبوطة في التعبير عن آرائهم وأفكارهم، وحتى عن نقدهم للحكام والمسؤولين، وتوفير آليات فعَّالة للتظلم، والسهر على مصالح الخلق، كل ذلك من تطبيق الشريعة ... ولا شك أن الأمر أوسع من أن يحويه مقال كهذا.
٤ ـ لا يخفى ـ على ما شرَّفكم الله به من علم وفقه ـ أن انتصاركم هذا ليس مجرد انتصار محدود في شأن داخلي؛ بل إنما هو حدث قد يكون مفصلياً في تاريخ القرن الأفريقي، فالصومال تمثل دولة من أهم دول هذا القرن، لعدة أمور لا تخفى على أحد؛ فنسبة المسلمين المقاربة لـ ١٠٠% ومساحة البلاد الشاسعة، وموارده التي حباها الله له، وسواحله التي تعتبر أطول سواحل لبلد إفريقي، وقربه من منطقة البحيرات، ومنابع نهر النيل، وقربه كذلك من (السودان) بتوجهه الإسلامي، والذي يمكن أن يمثل معكم فكَّيْ كماشة لكل من (إريتريا) و (الحبشة) وربما (كينيا) ، وكل ذلك يجعل أعين القوى الصليبية يقِظة كل اليقَظة لجميع ما يجري فيه، وغير بعيد عنكم الوجود الأمريكي في بلادكم، الأمر الذي يوجب يقَظَةً غير عادية في التعامل مع ما وصلتم إليه، وما ينتظركم.
٥ ـ حذارِ كل الحذر ـ وأنتم خير من يعلم؛ وإنما هي من باب فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ـ من التصريحات العنترية التي تثيرها أحياناً نشوات النصر والتي اعتاد بعض الإسلاميين على استعمالها في خطاباتهم لاسيما عند الحديث عن العلاقة مع الغرب، أو مع أعداء الله، فدولة ناشئة لا تريد أن تفتح جبهات كثيرة عليها، ويكفيها تحدي تلك الجبهة الداخلية التي تواجهها، ولا أقصد بالجبهة الداخلية هنا مجرد الجبهة العسكرية، ولكن ثمَّت ما هو أكثر صعوبة من تلك الجبهة العسكرية؛ فالمصاعب الاقتصادية الداخلية، وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين قد تكون أكبر من التحديات الخارجية، بشقَّيْها العسكري والسياسي، وعليه فلا داعي أبداً لما يثير كل من يتربص بكم وبالإسلام، والعمل بالمداراة والتروية أصل شرعي عند الحاجة إليه، وسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيها عشرات الأمثلة على ذلك ... فلا داعي ـ مثلاً ـ للحديث عن الجهاد في خارج حدود حكمكم في هذا الوقت، ولا داعي ـ أيضاً ـ للحديث عن الانتصار للمستضعفين من المسلمين مثلاً ... وهكذا، والرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يتحدث عن الجهاد أبداً في مرحلته المكية، وصبر على رؤية صحابته وهم يعذبون أثناء تلك المرحلة.
٦ ـ لا شكّ أن الحديث عن الوحدة أخذ حظاً وافراً ممَّا يصلكم من كتابات، ولو لم يكن إلا قول الله ـ جلَّ وعلا ـ {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} مذكراً وواعظاً لكفى بذلك كل صاحب لب، وفي ضوء ذلك فإنه يجب على الجميع أن يتذكر أن النزاع في مثل حالتكم، والعدو يتربص بكم الدوائر يعد خيانةً لله ورسوله وللأمة، ولا يقوم به إلا خائن عميل، حيث لا مجال لإحسان الظن بنية من يقوم به، ولذا فإن الواجب على أهل العقد والحل فيكم نبذ كل وسيلة تؤدي إلى النزاع، ومن وجد في نفسه رفضاً لاتجاه الجماعة أو الأمير، فعليه إمَّا أن ُيلِزم نفسه بالعمل بما لم يقبله رأيه، وإما أن يعتزل ولا يُحِدث أي فتنة أو شق للصف، وليحتسب في ذلك الأجر، هذا هو السبيل العملي للوحدة، ولا بد لنا جميعا أن نتعلم التنازل عما نراه الحق ـ ولو ظننا أن الأدلة دامغة عليه ـ في مقابل المصالح العليا للأمة، فإنْ عَجَزنا عن مثل هذا الموقف، فلا أكثر من أن ننسحب بهدوء.
٧ ـ لا شك أن هذا الانتصار التي حققته تلك القوى الإسلامية سيفصح عن رسالة صارمة وقوية لكل القوى التي تحارب الإسلام في هذه الأيام: بأن الأمة المسلمة لا ترغب إلا في الإسلام، ولن تسلم رقبتها إلاّ إلى للإسلام، وأنها لا تمانع يوماً من الأيام أن تضحي بحياتها وكل ما تملك من أجل الإسلام. فعلينا أن تعترف بالإسلام، وعليها أن تحترم ـ وهنا نحن نخاطبها بلغتها ـ رغبة الشعوب، وعليها أن تدرك أن الإسلام قادم لا محالة، فبرغم جميع المحاولات الصليبية لدحر الإسلام وأهله، إلا أنه يعود وبصورة أقوى ممَّا كان عليه قبل، فتجويع الشعوب وإدخالها في حروب طاحنة أعادها إلى الإسلام وبقوة، كما أن المحاولات العكسية من إغراق الشعوب في الترف أعادها إلى الإسلام، فلتعترف القوى الصليبية بهذا، ولتكفَّ عن مزيد من استثارة الإسلام وأهله، وإلا ستكون العاقبة وخيمة عليها، وعلى من يدور في فلكها.
٨ ـ وهنا لا بد من التذكير ـ أيها الفضلاء ـ أن الغرب لا يفهم إلا لغة القوة، فحذار حذار من الانبطاح له بحجة الحكمة وما يسمَّى بفقه الاستضعاف، ففرق بين الاستعداء وبين الانبطاح، وما رأينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منبطحاً للكفر، وحاشاه أن يفعل ذلك، بل على العكس من ذلك، فلا بد أن تكون رسالتكم للغرب واضحة، بأنكم لستم طرفاً في أي صراع دولي، ولستم امتداداً لجهة معينة، لكنكم مع ذلك لن تقفوا مكتوفي الأيدي عن أي تدخل في شؤونكم، وستدفعون كل ما تملكون من مال ونفس لصيانة كرامتكم، وحفظ بلدكم، فلا بد أن تطالبوا الغرب باحترامكم، والكف عن استثارتكم وإيقاد نار الفتنة بين شعبكم، ولا بد أن يعلم الغرب أنه سيخوض معركة خاسرة بكل المقاييس إذا ما حاول التدخل في الشأن الصومالي، فشعب خاض أكثر من ستة عشر عاماً من الحرب الأهلية أعتى على المحتل من شعب مسالم لا يعرف الحرب، وشعب خسر كل شيء لن يكون لديه ما يحرص على ألاَّ يخسره، وسيحاول جهده إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالطرف الآخر.
٩ ـ لا شك أن ثمة رسالة قوية تنبعث من ثنايا هذا الانتصار لتصل وبطريقة غير مباشرة إلى أهل العلم، والقضاة، والدعاة، وأهل الخير، بأنهم هم القادة الحقيقيون للأمة المسلمة مهما عدت عليها العوائد، وإنه والله لأمر يثير عشرات الأسئلة أن نرى هذا الشعب الذي طحنه الاقتتال والقبلية، والفقر، وربما الجهل، طحنه ذلك لأكثر من ستة عشر عاماً بل ربما أكثر ـ ولا نريد أن ننسى فترة حكم الهالك زياد بري ـ يقرر أن الحل يكمن في تسليم رقبته لحفنة من «المشايخ، التقليدين، الذين لا يفقهون في السياسة، ولا في الأمور العصرية» كما يُوصَمون دائماً ... إنها رسالة قوية وبليغة لكل عالم، وقاضٍ، وداعية، وشيخ، أنه ـ شاء أو أبى ـ من قادة الأمة، وأن مسؤوليات ضخام ستلقى على عاتقه يوماً ما، وأن الشعب يوماً سيمنحه ثقته، وأن هذا ليس ببعيد في ظل عالم إسلامي عرضة للحرب والدمار في أي وقت من الأوقات، إنها رسالة صريحة، ومباشرة، وصارمة، فعليهم أن يعوا مضمون هذه الرسالة، وأن يكونوا بقدر تلك المسؤولية ... والله من قبل ومن بعد محاسبهم.
نسأل الله بكل اسم هو له سمَّى به نفسه، أو أنزله في كتابه، أو علَّمه أحداً من خلقه أن يُكَلِّل هذا النصر بالنجاح، وأن يحُفَّه بانتصارات أخرى من قبل مسلمين آخرين، والله يتولى الجميع بحفظه، ورعايته، هذا ما تيسر، وصلى الله وسلم وبارك على نبي الهدى والرحمة.