المسلمون والعالم
أهل السنة والجماعة في العراق
(حقائق وآفاق)
د. سلمان الظفيري [*]
[email protected]
أهل السنة نقاوة المسلمين، ما فيهم من شر ففي غيرهم أكثر، وما في غيرهم
من خير ففيهم أكثر، هم خلفاء الصحابة في حماية الديانة من تحريف الغالين
وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، والوجود السني في العراق عمره عمر الدعوة
الإسلامية من القرن الأول الهجري إلى اليوم. ولإلقاء الأنوار الكاشفة على تلك
الحقائق في العصر الحديث فسوف نختصر الحديث عن الحقائق والآفاق عن السنة
في العراق في النقاط التالية:
* الوجود الجغرافي لأهل السنة في العراق:
من المعلوم أن أهل السنة يكوِّنون في العراق عمقاً واسعاً في الجغرافيا
العراقية؛ فالبلاد الكردية تغطي المساحة المحاذية للحدود التركية وحدود واسعة مع
إيران؛ هذا بالإضافة للعمق السني العربي الذي يحاذي ثلاث دول. فتمتد البلاد من
الطرف التركي السوري على طول الحدود السورية حتى الحدود الأردنية إلى
الطرف الحدودي الأردني السعودي، هذا غير مناطق بغداد، الكرخ التي تغطي
مناطق واسعة جداً: الطرف الشمالي لبغداد ومروراً بالطرف الغربي إلى الطرف
الجنوبي للعاصمة، وتغطي الرقعة السنية كذلك قريباً من نصف أراضي محافظة
ديالى ومجالاً واسعاً من الأراضي في محافظة البصرة ومحافظة بابل، وتضم ديار
أهل السنة عاصمة المعتصم (سامراء) وأم الربيعين (الموصل) وبلد العلماء
قديماً (أربيل) بالإضافة إلى بغداد التي فيها أكثرية سنية تصل إلى أربعة ملايين
من أصل ستة ملايين.
* الكثافة السكانية السنية في العراق:
السنَّة هم الأكثرية في العراق، فيزيدون على ١٦ مليوناً من عدد سكان
العراق؛ فالأكراد ٦ ملايين وكلهم سنة إلا جماعة قليلة تسكن في منطقة خانقين،
ولعل منهم من يسكن في قصر شيرين الإيرانية وهؤلاء جماعة قليلة، والظن أنهم
من أصل فارسي وهم يدينون بعقيدة الشيعة الإمامية، ومن الزعماء المشهورين منهم
الآن إياد علاوي وسعد الشابندر. أما التركمان فهم في الغالبية سنة وتعدادهم
مليونان، ويوجد فيهم قلة شيعية. فالتكوين المذهبي العراقي أكثريته سنية؛ خلافاً
للمشهور الآن في الفضائيات من أن الأكثرية شيعية. وفي دراسة علمية لسكان
العراق كانت النتائج عندي أن سكانه ذوو أكثرية سنية عربية تبلغ ١٠ ملايين نسمة،
وأن الشيعة العرب لا يتجاوز عددهم ٦ ملايين، والفرس في العراق يشكلون ما
يقارب مليونين؛ هذا بالإضافة إلى مجاميع قليلة من الشبك التركمان والفيلية. فهذه
هي مكونات الشيعة في العراق. فالعراق بلد مسلم ذو أكثرية سنية وأقلية شيعية
تسكن في الجنوب حيث الصحاري والقرى الزراعية، والكثافة العليا للسكان في
العراق هي في بغداد والمناطق الشمالية.
وفي الإحصاء الرسمي العراقي لسنة ١٩٩٧م وهو آخر إحصاء عراقي فيه
عدد ونسب السكان من السنَّة والشيعة، وفيه أن السنة في العراق ١٦ مليوناً
و٣٧٣٩٦، وأن عدد الشيعة ٨ ملايين و ٦٠٤,١٩. وقد ذكر الإحصاء أن نسبة
السنة ٦٥%، وأن نسبة الشيعة ٣٤%، والحمد لله أنَّا كنا صادقين في التقديرات
التي جاءت في مقال سابق، ووافقت الحقيقة الواردة في هذا الإحصاء.
* التاريخ الدعوي لأهل السنة في العراق:
خلال العهد العلماني الذي بدأ بسقوط الدولة العثمانية في العراق، كان لعلماء
السنة منازل عالية في الدعوة والإرشاد والمواقف العظيمة؛ فالشيخ محمد الأمين
الشنقيطي الزبيري كان من المشاركين في معركة الشعيبة، والشيخ ضاري الزوبعي
شيخ مشايخ زوبع قصته مع الجنرال لجمن معروفة، ورفض العلامة أمجد الزهاوي
لما كان رئيس محكمة التمييز تدخل الإرادة الملكية، وكان يقول لهم: إرادة الله فوق
إرادة الملك، والعلامة محمد بهجة الأثري كان قد سجن ثلاث سنين في وثبة
١٩٤٨م؛ وذلك لتأييده حركة رشيد عالي الكيلاني - رحمه الله تعالى -، والعلامة
محمود شكري الآلوسي كم طلب منه المحتلون المجاملة أو الملاينة فرفض ذلك،
والشيخ الفاضل محمد محمود الصواف تاريخه معروف في سجنه وهروبه أيام
قاسم، والعلامة بشير الصقال سجن مراراً وهو عالم الموصل وشيخها المقدام.
وخلال عهد البعث مُنع الإخوان المسلمون من سير عملهم، وأُرغم العلامة
الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان على مضايقات في الدعوة والعمل الإسلامي، ثم
ما لبث الشيخ عبد الكريم أن ترك العراق وذهب إلى بلاد أخرى، وقاموا بإعدام
الشيخ عبد العزيز البدري - رحمه الله تعالى - بعد مجيئهم بسنة، وألغوا نظام
الإفتاء الذي كان معمولاً به في العراق منذ قرون طويلة؛ ففي عام ١٩٧٥م توفي
مفتي العراق العلامة نجم الدين الواعظ - رحمه الله تعالى - فما سمحوا بخلف بعده،
وقاموا بتعطيل المدارس الإسلامية للعلماء والكليات الشرعية ومنها كلية الدراسات
الإسلامية، فتم إلغاؤها سنة ١٩٧٥م وكانت مسائية في متوسطة الغربية في باب
المعظم في بغداد، ولقد أصاب أهل السنة من إعدامات كثيرة خلال حكم البعث،
كما سيأتي الحديث عنه.
والمؤلفات السنية العراقية كثيرة، وقد اشتهر مؤرخ العراق الأستاذ عباس
العزاوي بكثرة المؤلفات، وضيق عليه في عهد البعث تضييقاً شديداً ثم صادروا
مكتبته وهي من أكبر المكتبات في البلاد العربية، وحرمته وزارة الإعلام من طبع
كتبه، والشيخ الدكتور طه جابر العلواني فر منذ عام ١٩٦٩م من بلده متغرباً إلى
الآن وأرادوا الظفر به فنجاه الله تعالى.
فهل بعد هذا يقال إن أهل السنة قلة قليلة لا رموز لهم؟ وهل غير أهل السنة
عندهم رموز يجارون هذه الكوكبة من أهل العلم؟
* شهداء أهل السنة خلال الحكم البعثي:
أولهم: الشيخ عبد العزيز البدري قتل - رحمه الله - وعمره ٣٩ عاماً سنة
١٩٦٩م بعد سنة واحدة من مجيء البعثيين، وكان لقتله صدى واسع في العراق
وخارجه، وقد حرقوا جسمه بالسكاير، وهو أول نحير للعراقيين من أهل السنة.
- رحمه الله تعالى -.
الثاني: العميد محمد فرج الجاسم، وكان من ضباط القصر الجمهوري،
وكان داعية لا يلين في المطالبة بحق الدين والمسلمين في إحقاق الحق، وقد تم
إعدامه في أول السبعينيات.
الثالث: العسكري السيد عبد الخالق السيد عثمان، وقد قتل بعد العميد محمد
فرج، - رحمه الله تعالى -.
الرابع: الشيخ محمود أبو سعدة إمام وخطيب مسجد أبي سعدة في الزعفرانية
في بغداد، وقد التف الشباب حوله وسارت الدعوة على يديه في نجاح، فأقدم النظام
على إعدامه وكان عالماً سنياً متبعاً للكتاب والسنة وفهم الصحابة والتابعين.
الخامس: الرائد الركن شاكر الفزع، وقد قتل مع جماعة الفريق محمد مظلوم
الدليمي، والسيد شاكر كان من الشجعان الأجواد وقد كان في سنة ١٩٩١م لما رجع
الجيش من الكويت حاول مراراً قتل صدام، ثم سافر إلى أربيل، وقد حاول الهجوم
على صدام في قصره هناك، وهو سني متبع الدليل وحبه للصحابة والتابعين يعرفه
الجميع.
السادس: الفاضل تلعة الجبوري، وكان أبوه من وجهاء الجبور وقد كان من
الشباب المتحمس للكتاب والسنة في الجامعة التكنولوجية، وقد أعدم قبل حرب
الخليج الثانية.
السابع: عبد الحق الموصلي، وقد كون خلية لاغتيال صدام؛ إلا أن الأمر
انكشف فتم إعدامه بعد إلقاء القبض عليه.
وهذا غيض من فيض، وقد أخبرني الدكتور أسامة من الحزب الإسلامي أن
عدد من يعرفهم ممن أعدمهم حكم صدام من الحركة الإسلامية ٤٠ مسلماً ملتزماً،
وهذا غير من ترك بلده وفر من حكم صدام، مثل د. طه جابر العلواني،
ود. أكرم العمري، ود. حسين الجبوري العالم الأصولي، ود. سعدي الهاشمي
العالم الحديثي، والشيخ الدكتور مصطفى البنجويني العالم الأصولي والشيخ العالم
أحمد حسن الطه وغيرهم كثير كالشيخ الدكتور ياسين الخطيب العالم الشرعي،
والشيخ الدكتور طايس الجميلي الداعية المشهور، وهؤلاء الكرام ما زالوا أحياء؛
أفبعد هذا يقال إن أهل السنة كانوا سلبيين، وليس لهم رموز وآثارهم ضعيفة ضد
حكم صدام؟ إن قائل هذا الكلام إما مغرض أراد الصيد في الماء العكر، أو هو
من سقط المتاع جاهل بتاريخ بلده.
* الآفاق الفسيحة في العمل الإسلامي:
أهل السنة في العراق لهم عمق جغرافي وعلمي، ورموز أهل السنة يغطون
العراق، ومنازلهم عالية وحرمتهم معروفة؛ ولأجل هذا فالعمل الإسلامي آفاقه
واسعة، والمطلوب قبل هذا وذاك وحدة الهدف للعاملين في الساحة السنية، ويكون
ذلك بالمجلس الإسلامي الأعلى لأهل السنة والجماعة، وقد ظهرت تباشير طيبة
بإعلان جمعية علماء المسلمين، وقد حضرها العدد الوفير من العلماء وطلاب العلم
كما ظهر ذلك قبل أيام في الواجهات الإعلامية كالفضائيات.
والحاجة ماسة للمجلس الإسلامي الأعلى لأهل السنة والجماعة؛ حيث الساحة
قد ألفت هذا الطرح؛ فالشيعة لهم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وقد دعا إليه
علماء الشيعة؛ فالمناسب أن يكون لأهل السنة مرجعية تجعل الهدف واحداً والعمل
المشترك سمة من سمات المرحلة للمشاركة في بناء البلد والشراكة في دعم أركان
البلد، وتسييد الأمن والنظام فيه، ولعل هذه النقطة طرحها الآن مما تمس الحاجة
إليها؛ لأن جميع المشاريع التي تخدم الشعب والبلد إذا تمت مشاركة أهل السنة بها
باعتبارهم صوتاً أكثر كثافة داخل المجتمع العراقي مما يساعد على توضيح الأمور
ومعرفة الأحوال على حقيقتها.
والمجلس الأعلى لأهل السنة إذا أخذ وضعه كهيئه إسلامية تمثل ثلثي الشعب
مما يساعد على إثراء الاستعدادات في الخروج من الأزمة الحالية؛ وذلك لكثرة
العلماء والمفكرين عند أهل السنة والجماعة؛ بحيث يكون هناك نشاط المجلس في
الإرشاد والدعوة الإسلامية، وإقامة المحاضن العلمية والشرعية، ودعوة العلماء
للمشاركة في إصلاح البلد وتوظيف الجهود في خدمة وإصلاح الأحوال، وفي
التاريخ القديم والحديث ما يشهد لأهل السنة والجماعة أنهم كانوا بمستوى المسؤولية
في الأمانة والصدق، وما مظالم اليهود في الخمسينيات في سرقة محلاتهم والنهب
(الفرهود) الذي شاع وقتها عنا ببعيدة؛ وكيف وقف العلامة نجم الدين الواعظ مندداً
بذلك وخاطب الحكومة أن تقوم بالمحافظة على أموال اليهود.
وهذه المزية ما زال كبار اليهود العراقيين يذكرونها بكتبهم؛ فأهل السنة ما
سجل عليهم الغدر أو خيانة العهود بل تاريخهم ناصع وأيامهم بيضاء على غيرهم،
والعراق بلادهم ومن حقهم المشاركة في بناء بلدهم؛ والشراكة في تدعيم الحياة
السعيدة؛ ومحاولة إقصائهم وإظهارهم بمظهر الظل القليل مجانبة للواقع ومخالفة
ومصادرة لحق الأكثرية.
(*) أكاديمي عراقي مقيم في بريطانيا.