للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواطر في الدعوة

[الأسباب والنتائج]

... ... ... ... ... ... ... ... ... محمد العبدة

من الكلمات التي ما فتئ بعض الإسلاميين يرددونها، ولا يملون من تردادها

كلما ووجهوا بنقد أو لوم: (نحن نعمل، والنتائج على الله) ، وهي كلمة حق؛

فالإنسان يبذل الجهد، ويأخذ بالأسباب التي أُمر أن يأخذ بها، ويدع النتائج لمشيئة

الله، فما قضى به (سبحانه) للمؤمن فهو خير ولن مشكلة هذا القول تكمن في نصفه

الأول، والسؤال المتبادر: هل قمنا - حقيقة - بالعمل المطلوب؟ هل أخذنا

بالأسباب الواجبة شرعاً؟ ، وهل بذلنا كل وسعنا، وكل طاقتنا، ثم قلنا: دع

النتائج لله؟

هذه الأسئلة يجب أن نفكر فيها طويلاً، ونعيد النظر في أعمالنا، ونرجع إلى

الماضي القريب، فإن النتائج التي وصلنا إليها، ومحصلة العمل الإسلامي بعد

مرور ما يقارب القرن على بدئه لا تدل على أننا قمنا بالواجب تماماً، ولا تدل على

أننا أخذنا بالأسباب على أحسنها، إنها نتائج ضعيفة إذا قيست بهذه المدة المتطاولة.

ليس هذا إنكاراً للجهود المخلصة، ولا جحوداً لما قام به أهل العلم والفضل

ولكن.. لماذا نظن أن الأمور سائرة على ما ينبغي؟ ولماذا لا نفترض أن هناك

خللاً ما، سواء أكان خللاً في المنهج والتصورات أو في الوسائل وطرق السير؟ .

لقد سرق العلمانيون والمتسلقون جهود المسلمين ... ولا يزالون، فلماذا لا

نبحث مثل هذه القضية؟ ألا يستحق المسلمون أن يكون لهم قيادة علمية يرجعون

إليها، قيادة توجههم وتحميهم من تكالب الأعداء عليهم، وتحميهم من هذه الحرب

الضروس التي يشنها الإعلام العالمي - ومن يسير في ركابهم - على الإسلام

والمسلمين؟

كيف نقول: إننا قمنا بالعمل، وليس للمسلمين منبر إعلامي قوي يذود عنهم،

ويشرح للناس قضيتهم، ويبشر بالإسلام لإنقاذ الناس من الهلاك.

كيف نقول: إننا قمنا بالعمل، ولا نجد خطوات جادة مخلصة لتوحيد الصف

الإسلامي، وإذا بُدئ بهذا الأمر، فإنه يبدأ بخطوات خجولة مترددة.

ليس المقياس أن نرى النتائج فقط، ولكن أن ننظر إلى البدايات، هل أُحكمت

أم لا؟ ، والأخذ بالأسباب لا يعني الأخذ بأضعفها، ومن قصر في هذا فلا يلومنَّ

إلا نفسه، وقد قيل:

لأمر عليهم أن تتم صدوره ... وليس عليهم أن تتم عواقبه

ويروى عن الخليفة الأموي (سليمان بن عبد الملك) أنه قال: (ما لمت نفسي على فوت أمر بدأته بحزم ولا حمدتها على درك أمر بدأته بعجز) . ...

إن الخلل في إحكام البدايات، وعدم الوقوف على أرض صلبة، وعدم السير

على منهج واضح: هو الذي أوقع المسلمين في أخطاء كبيرة، جعلهم يتقدمون

خطوة ويتأخرون خطوات، بينما نرى أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه

وسلم- قاموا بعده بشؤون الحكم والإدارة، واختلطوا بالأمم، ولكن كل ذلك كان

مشدوداً لقاعدة منهجية واضحة.

إن الأخذ بالأسباب من منهج أهل السنة، ولكن لا يعتمد عليها وحدها فإن هذا

شرك بالله، وكذلك: لا تترك فإن هذا حمق.

لقد كان سلفنا الصالح يتوكلون على الله ويأخذون بالأسباب.