للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

الدبُّ الروسي.. وصحوة الموت

آسيا الوسطى بين فكي كماشة

(١ - ٢)

محمد أمين البخاري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإن الصراع بين الخير (الإسلام) والشر (الكفر) صراع مستمر لا ينتهي

حتى يقاتل آخر هذه الأمة الدجال وينزل عيسى عليه السلام فيقتله عند باب لُدٍّ كما

جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة. واستمرار هذا الصراع مقطوع به بنص كتاب

الله تعالى. يقول سبحانه وتعالى: [وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ

إِنِ اسْتَطَاعُوا] (البقرة: ٢١٧) ويقول: [وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ

لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ] (البقرة: ٢٥١) فسنَّة المدافعة هي من السنن الربانية التي تحكم

هذا الوجود الفاني إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها [وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ

تَبْدِيلاً] (الأحزاب: ٦٢) .

لذا فمكر الكفار من شياطين الإنس والجان بالمسلمين في الليل والنهار هو أمر

مقدور منذ الأزل لا تبدله ولا تغيره اتفاقيات السلام، ولا قوانين الأمم المتحدة،

ولا النظام العالمي الجديد، ولا تنازلات المسلمين المجحفة بحقوقهم الشرعية

[وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] (البقرة: ١٢٠) ؛

ولأن هذه العداوة متأصلة في نفوس الكفار بشتى مللهم وأطيافهم السياسية فليس

بمستغرب ما يحدث منهم ضد المسلمين في شتى بقاع الدنيا من قتل وتشريد لهم

ونهب لمقدراتهم وإلجائهم إما إلى الكفر والفجور أو الخنوع والتسليم بالأمور.

تشهد الآن مجتمعات آسيا الوسطى التركية - أوزبكستان، طاجكستان،

قرغيزستان، تركمانستان، قازاقستان تحولات جذرية خطيرة في البنى السياسية

والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بتوجيه من معسكر الكفر أمريكا وروسيا

وأوروبا لإعادة تشكيل هذه المجتمعات الإسلامية الحديثة الاستقلال الصوري على

أسس من الأفكار العلمانية المناوئة للدين الإسلامي على الطريقة التركية. والكفار

بفعلهم هذا يستبقون الأحداث كعادتهم، ويستغلون الفراغ الديني والفكري والسياسي

والإداري، والضائقة الاقتصادية الملحَّة لهذه الشعوب التي أحدثها انفصالهم

عن روسيا؛ لأنهم يعلمون أن الإسلام لا يحتاج إلا لبعض الوقت حتى يملأ هذا

الفراغ الحادث في هذه المجتمعات، ويوجهها بعد ذلك الاتجاه الصحيح نحو

الإسلام؛ وخاصة أن الإسلام متجذر في ثقافة هذه الشعوب التركية، وآثاره

وشواهده ماثلة للعيان المدارس المساجد والتراث الفكري، وملموسة في التقاليد

والعادات الموروثة عندهم منذ القدم.

لأجل هذا فأعداء الله لا يتوانون عن عمل كافة الأفعال غير الشرعية للوصول

إلى الحد من دور الإسلام في المنطقة ولو بالعنف والإرهاب حتى لو خالفوا

شعاراتهم الجوفاء وقوانينهم الشوهاء حقوق الإنسان، حق تقرير المصير،

الديمقراطية.. إلخ ودليل ذلك ما يجري اليوم من أحداث مأساوية في منطقة آسيا

الوسطى التي يتفطر لها قلب كل مسلم يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم،

ويحب الصحابة والتابعين وحملة العلم والدين؛ كيف لا يكون ذلك وهذه البلاد قد

أخرجت للأمة فحول أهل الحديث واللغة وأئمة الفقه والتقى وقادة الحرب وأولي

النهى؛ فمنها خرج صاحبا الصحيحين وأصحاب السنن وأئمة الزهد والفقه واللغة.

بلاد البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي وابن المبارك؛ إنها أوزبكستان هذا

البلد الذي ما أن تنسم أهله الحرية وتخلصوا من سني الذل والعار تحت الاستعمار

الروسي المنهار وبدؤوا يعودون إلى الله وإلى الإسلام الصحيح بوتيرة أسرع بكثير

من وتيرة بقية إخوانهم في المنطقة حتى تسلط عليهم الشرق والغرب كما تسلط من

قبل على إخوانهم في طاجكستان.

إن ما يحدث اليوم في أوزبكستان من فظائع وجرائم هو في الحقيقة حرب

استئصالية لكل مصلح رشيد وناصح سديد، ولكل توجه للمجتمع نحو الإسلام

الصحيح، إنها حرب قذرة لتجفيف المنابع يشنها أعداء الله عن طريق الحكام

الخونة من أبناء المنطقة الذين كانوا بالأمس القريب من منظِّري الشيوعية وقادتها

من الذين لا يؤمنون إلا بالرأي الواحد والحزب الواحد، واليوم هم الديمقراطيون

كما يدَّعون الذين يعرفون معاني الحرية، وهم الغيورون على مصالح بلدانهم

وشعوبهم؛ ولذا فهم يشنون هذه الحرب الشاملة ضد مجتمعاتهم مستخدمين كل أنواع

الجبروت والاستبداد من إرهاب فكري، واضطهاد نفسي وقتل وتشريد وسجن

وتعذيب، وبلغوا درجة في ذلك يهون معها ما سمعناه من فظائع الشيوعيين الحاقدين

وجرائم اليهود الغادرين.

وإن مما يؤلم الضمير الحي ويدعو للأسف والحسرة هذا السكوت واللامبالاة

من قِبَل عامة المسلمين أفراداً وحكومات وشعوباً ومؤسسات أمام هذه النازلة المؤلمة

والداهية المفزعة؛ والتي نزلت بإخواننا في تلك الديار، وربما قال قائل منا: اللهم

لا علم لي بما يجري ولم أسمع ولم أدرِ!

ولذا جاءت هذه المقالة البلاغ لينقطع العذر بعدم المعرفة والعمل، موضحة

حقيقة ما يجري في أوزبكستان على وجه الخصوص وبقية أخواتها. وستركز هذه

الدراسة على إيضاح حقيقة الأوضاع في المنطقة وطبيعة الأدوار المؤثرة فيها لكافة

القوى وبالذات روسيا وأمريكا؛ لأنه ببيان ذلك يتضح لنا من هم العدو الحقيقي،

ومن هم أعوانهم من المنافقين، وأثر كل منهما على الأحداث؛ ومن ثم تتبين لنا

معالم منهج التغيير المناسب، وطريق الخلاص لهذه الشعوب من ربقة الهيمنة

الروسية والغربية الجديدة والعودة بها بعد ذلك إلى الله، وإلى الإسلام. ولا يخلو أمر

هذه الدراسة من إشارات إلى بعض القضايا المنهجية وبعض الدروس والعبر التي

يمكن الاستفادة منها لمن يمارس العمل في تلك المناطق، وما يدرينا لعل الله أن

يخرج من الإخوة القراء من يحمل الهمَّ ويقدِّر المسؤولية، فيبدأ العمل ويسد ثغرة

في هذا العمل الإسلامي الكبير في منطقة نرجو أن لا يكون قد فات وقت العمل لها

وفيها.

تمهيد:

إن من أهم أحداث العقد المنصرم هو تفكك ما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي،

هذا الحدث الذي كان مفاجأة لكثير من الناس إلا لبعض المراقبين؛ لأنه كان متوقعاً

لهم حدوثه منذ الستينيات من هذا القرن؛ حيث ظهرت دراسات في فرنسا تتوقع

ذلك بناءً على استقراء لخط السياسة الداخلية وأساليبها القمعية والاستبدادية،

ومصادرتها لحريات التعبير في المجتمع، ومحاربتها للأديان بفرض العقيدة

الشيوعية عليهم، واستقرائها أيضاً لخط السياسة الخارجية وأساليبها الدموية في

نشر الشيوعية في العالم بدعمها للأنظمة الثورية التي ترفع شعارات براقة كما رفعها

اليساريون في السابق وما يرفعه اليوم علمانيو العالم العربي والإسلامي من المساواة

وإعادة توزيع الثروات والحرية والسيادة الوطنية.. إلخ، وسرعان ما كانت تظهر

تلك الأنظمة الانقلابية بعد تمكنها وهيمنتها على صورتها الحقيقية البشعة مما كان

يزيد في مشاعر السخط والكره لروسيا ولسياساتها وترسيخ النموذج الغربي

الديمقراطي أسلوباً في الحكم والحياة، ولعل تأخر انهيار الاتحاد الفيدرالي الروسي

(السوفييتي سابقاً) وتفككه إلى دول حتى بداية التسعينيات مرده إلى أن أجلها في علم

الله لم يحن بعد، فكان ما يزال لديها بعض من عناصر البقاء والاستمرار، ولكن

حينما اكتملت أسباب تحقق السنة الإلهية في زوال الدول والحكومات، وبلغ الكتاب

أجله أذن الله بسقوط إمبراطورية الإلحاد وتفرقت شذر مذر، وأبدلهم الله بعزهم ذلاً

ومهانة، وباجتماعهم تفرقاً وانقساماً، وبغناهم فقراً وإملاقاً، ولعل من المناسب في

هذا المقام أن يتأمل المسلم الحصيف هذه القضية من زاوية شرعية دينية، ويبحثها

بعمق علمي وباستشهادات واقعية ليعرف طبيعة هذه السنن الربانية التي تحكم قيام

الدول وزوالها؛ لأنها في الحقيقة سنن لا تتغير ولا تتبدل، ولا تحابي أحداً على

أحد لتكون درساً وعبرة لكل عاقل لبيب له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد [إِنَّ فِي

ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ] (ق: ٣٧) ، وإن من

أهم ما ظهر لي من أسباب تعتبر مقدمات لحدوث هذه السنن الربانية في كل حين

وأوان ما يلي:

١ - الظلم والاستبداد بشتى صورهما مما مارسته روسيا القيصرية والبلشفية

على الشعوب المستضعفة والأمم المغلوبة على أمرها من سفك لدمائها وانتهاك

لأعراضها ونهب لأموالها وتشريد لأبنائها ومحاربة لأديانها وأخلاقها. قال تعالى:

[وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ] (هود: ١٠٢)

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» [١] .

٢ - تبني نشر العقيدة الشيوعية المصادمة للفطرة وللأديان السماوية بدعمها

للأنظمة الثورية في العالم بشتى أنواع الدعم العسكري والأمني والسياسي

والاقتصادي، ومساعدتهم في البطش بشعوبهم وسلب مقدَّراتهم مما أظهر الوجه

القبيح للشيوعية التي كانت تتخفى وراء شعارات وعبارات براقة من دعاوى

المساواة، ونصرة العمال والفلاحين والمستضعفين، وإعادة توزيع الثروات: [إِنَّ

اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ] (يونس: ٨١) .

٣ - الخطط والسياسات الاقتصادية الفاشلة التي ألغت الملكية الفردية،

فألغت بذلك حافزاً من أهم حوافز العمل والإبداع، وأمَّمت وسائل الإنتاج

والمرافق الاقتصادية، وسخَّرت كافة موارد الإنتاج لنشر العقيدة الشيوعية

ولدعم الآلة العسكرية والأمنية للاتحاد السوفييتي وبالتحديد لروسيا.

٤ - التبعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للتدخل الروسي في أفغانستان

الذي أصاب الغطرسة الروسية في مقتل، ونال من كبريائها على أيدي المجاهدين

في أفغانستان الذين ألحقوا بها الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات، وزادوا عليها

الأعباء الاقتصادية التي تحملها اقتصادها المنهك أصلاً؛ مما ساعد على تحريك

المشاعر الإسلامية لدى الشعوب الإسلامية وزيادة تململ الشعوب السوفييتية الأخرى

[إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ

حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ] (الأنفال: ٣٦) .

٥ - الاختلال السكاني الذي حدث في الاتحاد السوفييتي السابق بسبب طبيعة

العقيدة المادية التي تحكم الشعوب غير الإسلامية والعلاقات الاجتماعية المفككة،

وغياب التكافل فيما بينهم مما ساعد على ارتفاع نسبة المواليد بين المسلمين في

الجمهوريات الخاضعة للاحتلال الروسي مقارنة بالشعوب النصرانية الأخرى في

روسيا؛ حيث أوضحت دراسات روسية في الثمانينيات أن المسلمين في روسيا

سيصبحون في عام ٢٠٢٠م أكثرية مما يعني أن عددهم سيتجاوز ٥٠% من سكان

الاتحاد السوفييتي إذا استمرت نسبة المواليد عند المسلمين وعند النصارى بالنسبة

نفسها؛ حيث كان عدد المسلمين في وقت إعداد الدراسة السرية حوالي ٦٠ مليوناً

أي حوالي٣٠% من تعداد السكان في روسيا، ويشكل العاملون منهم في القطاع

العسكري حوالي ٣٠%؛ وهذا مؤشر خطر كبير في نظر أوروبا بأكملها؛ ناهيك

عن تهديد وجود روسيا ذاتها أمة ودولة.

ولقد فكر عقلاء الروس وساستهم قبيل وقوع هذا الأمر العظيم والانهيار العميم

لدولتهم بأنه لو سارت أمور دولتهم بهذه السياسات الحالية ولم يجاروا التغيرات

الجذرية المتسارعة التي حدثت في السياسة والعلاقات الدولية؛ فإن مصير الاتحاد

السوفييتي سيكون الانهيار السريع غير المنتظم، والتفكك الأكيد إلى دول متنافرة

متصارعة تخلق مشاكل لروسيا لا نهاية لها؛ بل إن روسيا ذاتها قد تصبح دولة من

دول العالم الثاني وربما الثالث، ولذا فقد رأوا أن من الحكمة والمصلحة التهيؤ لهذا

الوقت الآتي لا محالة والتي تلوح بوادره، والتخفيف من خسائره قدر الإمكان؛

وذلك بالاستعداد له بجملة من القرارات الاستراتيجية القاسية عليهم والمصادمة في

الوقت نفسه لمبادئهم التي قامت عليها إمبراطوريتهم المستبدة.

وقد حرصوا على أمرين هما: أولاً: التخفيف من الآثار السلبية لهذا الانهيار

المتوقع، وثانياً: محاولة الحفاظ قدر الإمكان على المصالح الاستراتيجية العليا

لروسيا على الأقل في الدول التي هي ضمن الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت؛ ولذا

فقد وضعوا استراتيجيات عديدة لمختلف القضايا المصيرية التي تؤثر على مصالحهم

العليا؛ ومن ضمن ذلك استراتيجيتهم في المحافظة على مصالحهم في دول آسيا

الوسطى التركية، وتتمحور هذه الاستراتيجية على تعزيز هيمنتهم العسكرية

والسياسية والاقتصادية والثقافية على هذه الدول؛ وفي الوقت نفسه يتخففون بصورة

شبه تامة من كل الأعباء الاقتصادية والإدارية والخدمية التي أرهقت كاهلهم إبان

استعمارهم الصريح لها، ومن أهم ملامح هذه الاستراتيجية التي ظهرت لي بعد

التأمل ما يلي:

١ - التخلي عن الإشراف المباشر على دول الاتحاد السوفييتي السابق كلها

والدول التي تدور في فلكها؛ وهذا يعني التخفف من كافة الأعباء الاقتصادية

والعسكرية والأمنية وغيرها التي كانت تستنزف مواردها، ثم توجيه تلك الموارد

بعد ذلك إلى داخل روسيا.

٢ - استمرار فرض الهيمنة الروسية على تلك الدول وخصوصاً البلاد

الإسلامية في آسيا الوسطى عن طريق تقليد الموالين لها من أعضاء الأحزاب

الشيوعية المحلية مقاليد الحكم قبيل انفصال تلك الدول عن روسيا؛ لإظهارهم بأنهم

كانوا وراء الانفصال وتحقيق الاستقلال، وليكونوا رموزاً للوطنيين الشرفاء مع

أنهم عملاء خبثاء، كما فعل اليهود مع أتاتورك في المعارك المسرحية التي حدثت

أمام الحلفاء في الحرب العالمية وانتصر عليهم فيها؛ مما جعله رمزاً وطنياً وقائداً

قومياً، ولعل من المضحك في هذا الخصوص أن رئيس أوزبكستان الحالي كان

بالأمس القريب المنظِّر والسكرتير الأول للحزب الشيوعي في أوزبكستان، وبين

عشية وضحاها أصبح الحزب الشيوعي حزب الشعب الديمقراطي، والرئيس

الشيوعي أصبح رئيساً ديمقراطياً، ومن الديمقراطية أن يصبح رئيساً للجمهورية

(إذا لم تستح فاصنع ما شئت) .

٣ - الحد من الدور الإسلامي الذي يمكن أن تلعبه الشعوب الإسلامية في آسيا

الوسطى التي يمثل وعيها وعلمها وحركتها خطراً استراتيجياً لوجود روسيا ذاتها

على المدى البعيد، وهذا الإجراء يكون بضبط التوجهات الدينية لهذه الشعوب

وإخضاعها وقمعها إذا اقتضى الأمر عن طريق القائمين على الحكومات المحلية

العميلة الذين هيَّأتهم واختارتهم بأعيانهم وصفاتهم من الأحزاب الشيوعية المحلية

وبدعم من روسيا والغرب.

٤ - تكبيل هذه الدول بالديون الكبيرة التي لا تستطيع سدادها لعقود طويلة؛

لضمان بقاء سيطرتها عليها، واستمرار ربط اقتصادياتها الوطنية بالاقتصاد

الروسي، وتحقيق الاندماج الكامل فيما بينهم؛ لانعدام البنى التحتية الصناعية

الاستراتيجية في هذه الدول منذ زمن بعيد؛ وكأن روسيا كانت تخطط لهذا اليوم،

بل كانت مخططة له بالفعل.

٥ - استمرار روسيا في فرض مظلتها العسكرية النووية والتقليدية على دول

المنطقة بسبب هيمنة القوة العسكرية الروسية؛ حيث لا توجد عند هذه الدول جيوش

وطنية ولا تجهيزات عسكرية ولا خبرات قتالية؛ فهي في أيدي الروس منذ زمن،

مما يجعل دول المنطقة مدينة لروسيا في وجودها واستمرارها دولاً مستقلة، وهذا

يعني تبعية سياسية تامة لروسيا.

٦ - العمل على استمرار الوجود الثقافي الروسي في المنطقة وتقويته عن

طريق استمرار النظام التعليمي الروسي بمناهجه التعليمية وطاقاته البشرية؛ وذلك

بسبب وجود أرضية تعليمية وثقافية مشتركة بين شعوب المنطقة، إضافة إلى خلق

المزيد من فرص التبادل الثقافي والعلمي بين الدول عن طريق الاتفاقيات الثقافية،

وإنشاء العديد من اللجان المشتركة، ولإحكام السيطرة على هذا الجانب.

٧ - العمل على استمرار الهيمنة الروسية على إدارة المنشآت الحكومية

والاقتصادية والإعلامية بسبب سيطرة الطاقات الروسية والمتروِّسة المتعلمة

والخبيرة والمؤهلة على أغلب المناصب الحساسة؛ بل إنهم هم الذين يسيِّرون

بالفعل السياسة الخارجية والأمن والاستخبارات والتعليم والثقافة والإعلام في كل

دول آسيا الوسطى بلا استثناء.

البدائل الاستراتيجية للسيطرة:

وتحسباً للمستقبل من إمكانية ظهور مشاعر وطنية ومصالح سياسية تدعو إلى

الاستقلال الحقيقي والوحدة بين شعوب المنطقة؛ فقد وضعت روسيا قنابل موقوتة

في كل دول آسيا الوسطى التركية لاستخدامها عند الحاجة؛ لزعزعة استقرار أي

دولة تفكر بالخروج عن الخط المرسوم لها؛ ولإثبات ذلك فقد بعثت روسيا بعض

الرسائل لقادة المنطقة وشعوبها حينما أثبتت لهم قدرتها على إثارة النزاعات العرقية

بين شعوب المنطقة التي لا تنتهي بها عند حد، ومثال ذلك ما حدث في عام ١٩٨٩ م

بولاية فرغانة في أوزبكستان بين الترك المسخيين والأوزبك، وكانت حصيلة تلك

المواجهات أكثر من ١٦ قتيلاً ومئات الجرحى وآلاف المشردين، وما حصل في

عام ١٩٩٠م بين الأوزبك والقرغيز في ولاية أوش بقرغيزستان وأدى إلى مقتل ما

يزيد عن خمسة آلاف قتيل بين عشية وضحاها أغلبهم من الأوزبك.

وفي جعبة روسيا الكثير الكثير من المكائد لدول المنطقة؛ فقد قَسَّمتْ أراضي

الجمهوريات الخمس التركية كلها بطريقة خبيثة ماكرة، فانتزعت أقاليم من دول

وأعطتها لأخرى والعكس صحيح مثل نزع إقليمَيْ بخارى وسمرقند من طاجكستان

وإلحاقهما بأوزبكستان، وانتزاع إقليم خجند من طاجكستان وإلحاقه بأوزبكستان،

وقس على ذلك بقية دول آسيا الوسطى، بل ما قضية ناغورنو كاراباخ وتخنشيفان

بين أرمينيا وأذربيجان وإقليم أبخازيا في جورجيا إلا دليلاً على ذلك، فحتى لو

فكرت هذه الدول بالاندماج والوحدة بناءً على دينها أو عرقها أو نسيجها الاجتماعي

فستكون المشكلات الحدودية والعرقية من أكبر عوائق هذا الاندماج؛ أضف إلى ذلك

وجود إمكانية للتدخل المباشر من قِبَل روسيا بدعوى حماية الأقلية الروسية في

المنطقة والذين يعملون الآن كطابور خامس.

لأجل كل هذا فروسيا تحت أي ظرف من الظروف لن تتنازل عن هيمنتها

على المنطقة لأحد ولو للديمقراطيين الوطنيين أو غيرهم؛ فروسيا لا تخاف على

المدى المتوسط والبعيد إلا من التوجهات الإسلامية العلمية والجهادية والقادرة ليس

على هزيمة الاستعمار الروسي الجديد لدول المنطقة بل تهديد أمن روسيا ذاتها

ووجودها؛ وما ذلك على الله بعزيز.

الاستراتيجية الروسية في حرب الإسلام:

إن لمعرفة روسيا بالمسلمين أثراً كبيراً في توجهاتها وتحركاتها ضد دول

المنطقة وشعوبها؛ فهي لها صولات وجولات معهم، وهم وهي في تماس منذ ما

يقرب من ٨٠٠ سنة؛ فالحرب بيننا وبينهم سجال، دال المسلمون خلالها عليهم

مرات عديدة، حتى إن المسلمين دخلوا موسكو ثلاث مرات فاتحين لها قاهرين

لقياصرتها حتى أخذوا الجزية من الروس عن يد وهم صاغرون؛ ولذا فإن تخطيط

روسيا ضد المسلمين مبني على هذه الخلفية التاريخية؛ ويجب أن يفهم على ضوئها.

وعليه فقد خططت روسيا كعادة الكفار في استباق الأحداث [وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ

لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ] (إبراهيم: ٤٦) لإجهاض أي بوادر تحرك إسلامي شعبي أو

رسمي لمقاومة هيمنتها من جانب الشعوب الإسلامية ومثقفيها؛ لمعرفة روسيا

بطبيعة هذه الشعوب إذا تنسمت قدراً من الحرية وعادت إلى دينها على بصيرة

وعلم، وأنها لو حدث ذلك فستكون حينئذ قادرة بإذن الله على تحريك الجبال من

أماكنها؛ ولذا فقد وضعت خططاً ماكرة لضرب هذه التوجهات وقمعها في مهدها في

خطوات مدروسة وبتنسيق دولي وإقليمي، والتنفيذ بأيدٍ عميلة وطنية الانتماء

شيوعية الولاء، روسية الهوية والمشرب، والعمل تحت شعارات دولية براقة

ومضللة في نفس الوقت؛ بدعوى مكافحة الإرهاب والتطرف، والمحافظة على

الأمن والسلام الإقليمي، ومكافحة تجارة المخدرات وهكذا.

وتتحاشى روسيا في الظاهر الإشارة إلى مسؤوليتها تجاه قمع هذه الشعوب

وتقزيم توجهاتها الإسلامية، وفي الحقيقة هي صاحبة التوجيه والدعم لهذه

الحكومات القمعية العميلة في الخفاء؛ لأن روسيا في الحقيقة كما هي عادة دول

الكفر قاطبة لا تود الدخول في صراع ظاهر مع المسلمين فتتكرر معها تجربة

أفغانستان المؤلمة والمذلة لروسيا، وفي الوقت نفسه تعرِّض نفسها للانتقادات

الدولية من قبل البقية القليلة من حكومات العالم التي عندها قدر من العدل والإنصاف

المسيَّس؛ ولذا فإن ما تشهده الساحة السياسية الآن في آسيا الوسطى من تحركات

من مختلف القوى وبالذات روسيا وأمريكا يصب في هذا الإطار، وهو مقاومة

التوجهات الإسلامية العلمية ذات النفس الجهادي ووأدها في مهدها عن طريق

الحكومة العلمانية المحلية العميلة والذين هم الشيوعيون القدماء من أعضاء الأحزاب

الشيوعية المحلية بأعيانهم وأوصافهم.

ويمكرون ويمكرالله والله خير الماكرين:

ليس بمستغربٍ إعطاء روسيا الاستقلال لدول الكومنولث كلها، بل فرض

عليها فرضاً كما حدث مع أوزبكستان وبقية دول آسيا الوسطى التركية دون إراقة

نقطة دم أو إثارة اضطرابات؛ لعلم روسيا أن هذه الدول لا تستطيع الفكاك من

الهيمنة الروسية بسبب ما دبرته لها من المكائد والدسائس التي تبقيها تحت سيطرتها

وإلى أمد بعيد. ولأن روسيا تعتقد أنها من أقدر الأمم على فهم المسلمين؛ فقد

أحكمت تدبيرها عليهم وظنت أن مكرها بهم سينفذ وخططها عليهم ستنجح،

وستمارس روسيا بعد ذلك دور الدولة الاستعمارية الذكية ولكن بمفهوم حديث جديد

وبطش أكبر وهيمنة أشد، بل اعتقدت روسيا أنها إذا تخففت من الأعباء الاقتصادية

وغيرها التي كانت تقدمها للدول التي كانت تدور في فلكها أو التي كانت توجهها

عن بعد وأعادت توجيه هذه الموارد المالية إلى داخل روسيا مع استمرار احتفاظها

بقوتها العسكرية فستصبح دولة منافسة لأمريكا على أسس أقوى مما هي عليه الآن،

ويكفيها حينئذ أن تلوِّح بقوتها العسكرية حتى يستجيب الآخرون لها.

ولكن إرادة الله فوق إرادتهم، ومكره سبحانه فوق مكرهم؛ فلقد تسارعت

الأحداث عليهم، وأصابهم الله بالأزمات والكوارث مصيبة بعد أزمة، وكارثة بعد

داهية، وطامة بعد صاعقة؛ فلا يكادون يفيقون من واحدة منها إلا وتأتيهم أعظم

منها بطريقة لم يحسبوا لها حساباً أو يقدروا لها قدراً، ويكفي للدلالة على ذلك ما

سلطه الله عليهم من المشاكل الاقتصادية وسيطرة المافيا الاقتصادية التي نهبت البلاد

نهباً حتى أصبحت روسيا تتسول على موائد الغرب والشرق تبحث عما يسد رمق

شعبها ويشبع جشع ساستها، ونخر الفساد في النظام الإداري والسياسي فيها،

وظهر لهم عقم أنظمتهم وقوانينهم، وأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، فانهار النظام

الاجتماعي والأخلاقي كان هنالك ضبط للسلوك العام في المجتمع الروسي وتفجرت

الأزمات في داخل البلاد وخارجها حتى في مناطق نفوذها القريبة، ناهيك عن

البعيدة؛ كل ذلك والغرب يراقب ويتوثب بل ويشارك في إضعاف هذه الدولة وكأنه

ينتقم لنفسه من السنين الطويلة التي وقف فيها أمام هذا الدب الأحمر عاجزاً لا

يحرك ساكناً ولا يلوي على شيء يغضبه، فكال الغرب له الضربات المتوالية ولكن

بأساليب يهودية ماكرة، وبأيدٍ حديدية عليها قفازات حريرية حتى أصبح الاقتصاد

الروسي واقعاً بصورة شبه كاملة تحت الهيمنة الغربية اليهودية يلعبون به كيف

يشاؤون، وذلك بسبب الديون التي كبلوه بها؛ وصدق الله إذ يقول: [وَكَذَلِكَ نُوَلِّي

بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] (الأنعام: ١٢٩) حتى أصبحت روسيا

اليوم تابعة في مواقفها السياسية لما يريده الغرب منها حتى في قضايا روسيا

الاستراتيجية (عملية السلام في فلسطين المحتلة، وكوسوفا، ويوغسلافيا) فإن

موقفها في الغالب هو صدى لموقف الغرب ولكن بتعابير روسية وبلسان المتحدث

الرسمي لهم.

كيف نفهم الواقع السياسي في آسيا الوسطى؟

ما سبق بيانه جزء مهم لفهم الواقع السياسي لمنطقة آسيا الوسطى؛ فبمعرفة

منطلقات روسيا الاستراتيجية وآثارها، وبمعرفة واقع القوى الأخرى الغربية

والإقليمية يزداد الأمر وضوحاً؛ إذ يرجع تدخل القوى الكبرى والإقليمية في هذه

المنطقة إلى أمور كثيرة؛ فقد أحست روسيا بالمهانة التي لحقت بكبريائها القومية

والمتمثلة في عجزها عن مجاراة أمريكا في مجال السياسة الدولية وإجبارها على

اتخاذ مواقف لا ترغبها في أغلب القضايا السياسية حتى في قضية يوغسلافيا

الحليف الاستراتيجي لروسيا لاعتبارات الدين والمواقف السياسية من الغرب بل

حتى في تأثيرها على دول المنطقة، وأيضاً أحست روسيا بالمهانة لعجزها عن

إنهاء الجهاد الإسلامي البطولي في الشيشان، فذهبت تعقد التحالفات مع دول إقليمية

كانت روسيا حتى عهد قريب تنظر إليها بمنظار التوجس، والقلق، وتصفها

بالإرهاب والتطرف، وتعتبرها من أعدائها المحتملين لتوجهاتها الأصولية، ولأن

الكفر ملة واحدة؛ فدائماً ما يجد السياسيون الوصوليون مسوِّغات لأعمالهم الخبيثة

وتحالفاتهم الماكرة؛ فهناك دائماً مصالح استراتيجية مشتركة بين مختلف الأطراف؛

والمصلحة الاستراتيجية المشتركة لهم هنا هي وأد المشاعر الإسلامية الأصيلة

المتنامية عند شعوب المنطقة، وقمع الحركات الإسلامية العلمية والجهادية الناشئة،

وعند هذه النقطة بالذات تتفق أمريكا وروسيا والغرب وإيران بل حتى إسرائيل

التي صرح رئيس وزرائها الأسبق نتنياهو أن لروسيا وإسرائيل عدواً مشتركاً وهو

التطرف والأصولية الإسلامية، وأيَّد كلام هذا اليهودي أخوه النصراني الآخر بوتين

الذي قال لصحفيين فرنسيين: إن تهاون روسيا والغرب في مقاومة الإرهاب

والأصولية الإسلامية أو أية أصولية دينية سيجعل أوروبا والجميع يدفعون ثمنًا

باهظاً. ولم يكن الرافضة المنافقون ممثَّلين بدولتهم بمعزل عن هذه التحالفات؛

حيث لعبوا بصورة ذكية بالتحالف مع روسيا ضد الهيمنة الأمريكية في المنطقة،

وبعودة انتهازية بتأييدهم الموقف الروسي في الشيشان والعالمي ضد طالبان فحققوا

مكاسب استراتيجية واقتصادية هامة، وحصلوا منها على ما كانوا يحلمون به من

قبل وهو القدرات المميزة في مجال التقنية النووية والصاروخية فيهما.

لذا فمن مصلحة أعداء الله أن يكون هنالك اتفاق على دور كل طرف لتتكامل

الأمور ويحصل المطلوب بزعمهم. والملاحظ أنهم قد اتفقوا على أن تكون اليد

الطولى في المنطقة لروسيا لا لغيرها ليستمر دورها قوياً ومؤثراً ومهيمناً على

المنطقة الإسلامية في وسط آسيا والقوقاز؛ لأنها من أكثر الأطراف تأهيلاً؛ كذلك

فهم متفاهمون مع روسيا تماماً على ذلك وحريصون على أن تقوم روسيا بدورها

كاملاً في هذه المنطقة بلا مضايقات، بل قدموا لها المساعدات بلا قيد ولا شرط.

وما التحالف الأمريكي الروسي الجديد في أفغانستان واستصدارهم قراراً من مجلس

الأمن بفرض الحصار الاقتصادي عليها ودعمهم للتحالف الشمالي العميل ضد

حكومة طالبان الإسلامية إلا واحداً من الأدلة الواضحة على تحالف الشرق الوثني

والغرب الصليبي على حرب الإسلام.

وفي الحقيقة أن الشخص غير المطلع إن استوعب أسباب اهتمام روسيا

بالمنطقة فلا يستطيع أن يستوعب تماماً هذا الاهتمام الكبير لدول الغرب الكبرى

والقوى الإقليمية الأخرى بهذه المنطقة الإسلامية إلا إذا عرف الأهمية الاستراتيجية

لهذه المنطقة الإسلامية وملاءمة الظروف المحلية والدولية من وجهة نظر الكفار

للقيام بضربة وقائية عنيفة وحاسمة ضد الإسلام وتياراته السياسية والعلمية

والجهادية لتأخير عودته إلى الحياة وإلى الحكم؛ ولذا فمعرفة زوايا نظر هذه القوى

للمنطقة ولشعوبها الإسلامية ولدينها وتاريخها تعيننا على فهم هذه القضية واستيعابها،

ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:

١ - وقوع منطقة آسيا الوسطى ضمن الحزام الإسلامي الممتد من غرب

الصين إلى شرق أوروبا؛ وما يمثله ذلك من تهديد أمني مباشر لأوروبا الغربية

ولمصالحها الاقتصادية.

٢ - العمق الاستراتيجي لهذا الحزام، والكثافة البشرية التي تتجاوز ٣٠٠

مليون مسلم إذا أضفنا إليها تركيا والباكستان وأفغانستان.

٣ - الثروات الاستراتيجية الهائلة التي تزخر بها هذه المنطقة الإسلامية

والأراضي الزراعية الخصبة التي فيها، والتكامل في البنى التحتية بين دولها،

ووجود الطاقات البشرية المدربة، ومراكز التدريب والسوق الضخمة التي تستوعب

منتجاتها جميعاً مما يجعلها مكتفية ذاتياً بالكامل بل وتصدر للآخرين.

٤ - وجود ثقافة إسلامية متجذرة في المنطقة، وتوجهات علمية شرعية

وحركات جهادية مباركة وقيادات إسلامية واعية عند شعوب المنطقة أفغانستان

وباكستان وأوزبكستان وطاجكيستان وكشمير وهو ما يعني مؤشراً خطراً للبعيد قبل

القريب.

٥ - وجود نقاط توتر ساخنة في هذا الحزام الإسلامي والمسلمون فيها طرف

رئيس، مثل الصراع في البلقان وألبانيا والشيشان وناغورنو كاراباخ وكشمير

وأفغانستان وأوزبكستان.

٦ - الموقف العدائي للإسلام والمسلمين من قِبَل النصارى المشركين واليهود

إخوان القردة والخنازير والهنادكة عباد البقر، وعباد الطواغيت في الصين.

٧ - الضعف والتشتت الذي عليه المسلمون في تلك المنطقة بصفة خاصة،

وفي العالم الإسلامي بصفة عامة، جماعاتٍ وحكوماتٍ، أعطى فرصة سانحة

لأركان المكر الأربعة لتعجيل ضربتهم ضد التوجهات والحركات الإسلامية في

المنطقة (ومن أمن العقوبة أساء الأدب) .

٨ - وجود قاعدة متنفذة في المنطقة من المثقفين العلمانيين والعملاء المنافقين

وأصحاب المصالح السياسية وعباد الدنيا، يعطي الأعداء الحقيقيين فرصة ذهبية

في الاعتماد عليهم في تنفيذ خططهم ودسائسهم في المنطقة ضد شعوبها قبل أن تفيق

هذه الشعوب وتنتبه من رقدتها.

٩ - المصالح المختلفة لأمريكا وأوروبا وروسيا والدول الإقليمية الأخرى في

المنطقة جعل منها مكاناً للصراع وبسط النفوذ، وفرصة لتحقيق المكاسب السياسية

والاقتصادية.

كل هذه النقاط تجعل من عودة الإسلام في منطقة آسيا الوسطى عند الكفار

الأصليين والمرتدين العلمانيين من الخونة والدهاقنة المنافقين وبمفهومه السلفي

وتوجهه العلمي وخطه الجهادي خطراً عظيماً وتهديداً كبيراً لمصالحهم المختلفة

ولهيمنتهم المتسلطة على شعوب المنطقة الإسلامية.

فبإدراك ما سبق يستطيع المتابع المهتم والمغتم لأحوال أمته أن يستوعب

حقيقة الأوضاع السياسية في المنطقة وأسباب الهجمة الشرسة الحالية من القوى

المحلية العميلة ومن ورائها روسيا والمعسكر الغربي والرافضي تجاه الحركات

الإسلامية الناشئة والمعبرة عن التوجهات الإسلامية لشعوب المنطقة، ويتعرف

أيضاً على حجم الأدوار المختلفة لكافة الأطراف وطبيعتها وأثرها على الأحداث في

المنطقة لتتحدد بعد ذلك لنا الاستراتيجية المناسبة الواجب اتباعها للمحافظة على

إسلام هذه الشعوب، والطريقة المناسبة لدعوتها نحو روضات الإسلام وجناته،

والوسائل الملائمة لحمايتهم من القوى المناوئة لهم المتمثلة بالغرب النصراني

والشرق الوثني والوطنيين العلمانيين والرافضة المنافقين.

[وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ] (يوسف:

٢١) .


(١) أخرجه البخاري، ح/ ٤٣١٨.