منتدى القراء
هل من أولي بقية؟ !
بقلم: عماد الدين سعد العسقلاني
يقول الله تعالى: [فَلَوْلا كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ
الفَسَادِ فِي الأَرْضِ إلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ] [هود: ١١٦] .
كلمات قليلة العدد عظيمة المعنى قد نمر عليها مر الكرام فلا تلفت لنا نظراً
ولا تحرك لنا فكراً، وفي هذه الكلمات لا أريد شرح الآية ولكن لفت النظر إلى قوله
تعالى: [أُوْلُوا بَقِيَّةٍ] فما أهمية تلك الكلمات؟ !
في هذه الآية ينبئنا الله عن سبب رئيس من أسباب هلاك القرون والأمم من
قبلنا، ولكن نلاحظ أنه سبحانه لم يقل إن هلاكهم بسبب فسادهم وإن كان سبباً ولكن
ركز على جانب آخر وصفة أخرى، عدمها فيهم أدى إلى عدمهم، وفناؤها فيهم
أدى إلى فنائهم.
ما هذه الصفة؟ وما هذا الجانب؟
إنها عدم وجود فئة تنهى عن الفساد في الأرض.
ليس المطلوب أن تكون الأمة بأكملها أمة قائمة بأوامر الله دون نقص،
فالنقص من صفات البشر الملازمة لهم، وليس المطلوب أيضاً أن تكون من الأمة
فئة صالحة تتعبد لله وتقدسه سبحانه بغض النظر عما يفعله الآخرون.
لا.. ليس هذا المطلوب لتنجو الأمة من عذاب شامل يصيب الصالح والطالح، وإنما كل ما هو مطلوب للنجاة أن تبقى فئة تنهى عن الفساد، تأمر بالمعروف
عندما ينكره الناس، وتنهى عن المنكر عندما يتعارف عليه الناس، تدعو أمتها
وقومها إلى طاعة ملك الملوك، رب الأرباب، الذي خلقهم فعصوه، وأنعم عليهم
فكفروه، وأمهلهم فنسوه، تدعو قومها ولسان حالها يقول: [وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ
إلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إلَى النَّارِ] (غافر: ٤١) .
نعم لأن الأمة لن تسمح لهذه الفئة الباقية على أمر الله أن تأمر وتنهى وتدعو
للنجاة، بل ستعتبرها فئة مزعجة تنغص عليها حياتها ومتعتها وما تعارفت عليه
الأمة من فساد.