نص شعري
[في موكب الوداع]
أحمد بن حسن الصابطي
من قلب مجروح، ودمع مسفوح، وصوت مبحوح، تنطلق هذه الكلمات،
وتئن هذه العبارات، وترتفع هذه الدعوات، في هذا الموكب المهيب، والمشهد
الرهيب، في وداع شيخنا الحبيب، فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين،
فسلام عليه في الصالحين، وغفر الله لنا وله أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
مهلاً فديتك؛ فالقلوب تنادي ... وعلى ثراك يئن صوت الحادي
مهلاً فديتك؛ فالنفوس جريحة ... قد مزَّقتها حرقة الأكباد
ما زال جرح الباز فينا راعفاً ... منذ التقى سهم الخميس فؤادي
يسري اللظى بين العروق يزيده ... ألماً سِهامُ بقيةِ الرُّواد
سهم وآخر والجروح كثيرة ... والصبر فيها عدَّتي وعتادي
يا ابن العثيمين الذي خفقت له ... حباً قلوب حواضر وبوادي
أنت المفسر والفقيه وشامة ... في العلم والتعليم والإرشاد
والزهد ألقى في فنائك رحله ... وبقيت مقياساً لكل جواد
مهلاً فديتك؛ إنَّ في آرائكم ... سيفاً صقيلاً يُنتضى لجهاد
فالحرب تغلي قِدرُها يا شيخنا ... حَمِيَ الوطيسُ وغُصَّ بطن الوادي
حرب ضروس لم تضع أوزارها ... بين الأباة وطغمة الأوغاد
من كل صوب أجلبوا وتحزبوا ... وتلفعوا بالشر والأحقاد
والمرجفون دبيبهم متواصل ... يستبشرون بفكرة استعباد
وطغاة أصحاب الكتابين التقوا ... بعبيدهم في موطن الميعاد
وبواسل الشيشان قلَّ نصيرهم ... وجراحنا تربو على التعداد
مهلاً فديتك؛ فالخدود قد ارتوت ... من دمعنا لوداع شيخ النادي
يوم الوداع تفطرت أكبادنا ... والعين فيه تكحلت بسهاد
لما رأيت سريره ناديته ... بقلوبنا: يا قمة الأطواد
أين المسير وقد أخذت قلوبنا ... وتركت فينا نظرة الحساد؟
يا حاملي نعش الحبيب تمهلوا ... فلقد حملتم سيد الزهاد
لا بل حملتم بدرنا وضياءنا ... وسحابة العلم المغيث بلادي
فإذا أردتم دفنه وغيابه ... فلتدفنوه بمقلتي وفؤادي
مهلاً.. ولكنَّ القضاءَ مقدرٌ ... فالحمد لله العظيم الهادي
صبراً فؤادي! فالطريق طريقنا، ... والناس فيه روائح وغوادي
والله يرحمنا ويرحم شيخنا ... فالموت للأحياء بالمرصاد
والله يُخلف غيره في أمتي ... فهو العليم بدعوتي ومرادي