للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في دائرة الضوء

أسماء الله الحسنى الفقه والآثار

بقلم: د. عبد العزيز آل عبد اللطيف

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام

على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم

بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد: إن أجلّ المقاصد وأنفع العلوم: العلم بمعاني أسماء الله (عز وجلّ)

الحسنى وصفاته العلا، فإن التعرّف على الله (تعالى) من خلال أسمائه وصفاته

يحقق العلم الصحيح بفاطر الأرض والسماوات، والعلم بأسماء الله وصفاته يستلزم

عبادة الله (تعالى) ومحبته وخشيته، ويوجب تعظيمه وإجلاله.

ومع أهمية هذا الجانب وجلالة قدره، إلا أن ثمة غفلة عنه، فنلحظ التقصير

في فقه أسماء الله وصفاته، وإهمال التعبّد والدعاء بها، وضعف الالتفات إلى ما

تقتضيه هذه الأسماء الحسنى من الآثار والثمرات.

وسأتحدث - مستعيناً بالله (تعالى) - عن هذا الموضوع من خلال ... ما يلي:

أ- تظهر أهمية هذا الموضوع عبر الآيات القرآنية المتعددة التي تحض على تدبر القرآن الكريم؛ كما قال (سبحانه) : [كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ] [ص: ٢٩] ، وذمّ القرآن من لا يفهمه، فقال (تعالى) : [فَمَالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً] [النساء: ٧٨] ، ولا شك أن فقه أسماء

الله (تعالى) وصفاته يدخل في ذلك دخولاً أوليّاً.

كما أن عبادة الله (تعالى) ومعرفته آكد الفرائض، ولا يتحقق هذا إلا بمعرفة

أسماء الله وصفاته.

يقول قوام السنة الأصفهاني (ت ٥٣٥ هـ) :

(قال بعض العلماء: أول فرض فرضه الله على خلقه: معرفته، فإذا عرفه

الناس عبدوه، قال الله (تعالى) : [فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ] [محمد: ١٩] ،

فينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها؛ فيعظموا الله حق عظمته، ولو

أراد رجل أن يعامل رجلاً: طلب أن يعرف اسمه وكنيته، واسم أبيه وجده، وسأل

عن صغير أمره وكبيره، فالله الذي خلقنا ورزقنا، ونحن نرجو رحمته ونخاف من

سخطه أولى أن نعرف أسماءه ونعرف تفسيرها) [١] .

وفقه أسماء الله (تعالى (وصفاته يوجب تحقيق الإيمان والعبادة لله وحده،

وإفراده (سبحانه (بالقصد والحبّ والتوكل وسائر العبادات، كما بيّن ذلك أهل العلم.

ولذا: يقول العز بن عبد السلام: (فهم معاني أسماء الله (تعالى) وسيلة إلى

معاملته بثمراتها من: الخوف، والرجاء، والمهابة، والمحبة، والتوكل، وغير

ذلك من ثمرات معرفة الصفات) [٢] .

ويقول أيضاً: (ذكرُ الله بأوصاف الجمال موجب للرحمة، وبأوصاف الكمال

موجب للمهابة، وبالتوّحد بالأفعال موجب للتوكل، وبسعة الرحمة موجب للرجاء،

وبشدة النقمة موجب للخوف، وبالتفرّد بالإنعام موجب للشكر، ولذلك قال (سبحانه) : [اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً] ) .

ويقول ابن القيم في هذا الصدد:

(لا يستقر للعبد قدم في المعرفة بل ولا في الإيمان حتى يؤمن بصفات الرّب

(جلّ جلاله) ويعرفها معرفة تخرج عن حدّ الجهل بربه، فالإيمان بالصفات

وتعرّفها هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان، فضلاً عن أن

يكون من أهل العرفان ... ) [٣] .

ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي:

(إن معرفة الله (تعالى) تدعو إلى محبته وخشيته ورجائه وإخلاص العمل له، وهذا عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه وصفاته،

والتفقه في فهم معانيها..

بل حقيقة الإيمان أن يعرف الربّ الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة

أسمائه وصفاته، حتى يبلغ درجة اليقين.

وبحسب معرفته بربه، يكون إيمانه، فكلما ازداد معرفة بربه، ازداد إيمانه،

وكلما نقص نقص، وأقرب طريق يوصله إلى ذلك: تدبر صفاته وأسمائه من

القرآن..) [٤] .

* والمقصود بالتعبد بأسماء الله (تعالى) وصفاته: تحقيق العلم بها ابتداءً،

وفقه معاني أسمائه وصفاته، وأن يعمل بها، فيتصف بالصفات التي يحبها الله

(تعالى) : كالعلم، والعدل، والصبر، والرحمة.. ونحو ذلك، وينتهي عن

الصفات التي يكرهها له (تعالى) من عبيده مما ينافي عبوديتهم لله (تعالى) ،

كالصفات التي لا يصح للمخلوق أن يتصف بها كالكبر والعظمة والجبروت ...

فيجب على العبد إزاءها الإقرار بها والخضوع لها.

ومن العمل بها: أن يدعو الله (تعالى) بها؛ كما قال (سبحانه) : [وَلِلَّهِ

الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا] [الأعراف: ١٨٠] ، كما أن من العمل بها: تعظيمها

وإجلالها، وتحقيق ما تقتضيه من فِعْل المأمورات وترك المحظورات.

يقول ابن تيمية: (إن من أسماء الله (تعالى) وصفاته ما يُحمد العبد على

الاتصاف به كالعلم والرحمة والحكمة وغير ذلك، ومنها ما يذم العبد على الاتصاف

به كالإلهية والتجبر والتكبر، وللعبد من الصفات التي يُحمد عليها ويؤمر بها ما

يمنع اتصاف الربّ به كالعبودية والافتقار والحاجة والذل والسؤال

ونحو ذلك..) [٥] .

وقال ابن القيم: (لما كان (سبحانه) يحبّ أسماءه وصفاته: كان أحبّ الخلق

إليه من اتصف بالصفات التي يحبها، وأبغضهم إليه: من اتصف بالصفات التي

يكرهها، فإنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت؛ لأن اتصافه بها ظلم، إذ لا تليق به هذه الصفات ولا تحسن منه؛ لمنافاتها لصفات العبيد، وخروج من

اتصف بها من ربقة العبودية، ومفارقته لمنصبه ومرتبته، وتعديه طوره وحدّه،

وهذا خلاف ما تقدم من الصفات كالعلم والعدل والرحمة والإحسان والصبر والشكر، فإنها لا تنافي العبودية، بل اتصاف العبد بها من كمال عبوديته، إذ المتصف بها

من العبيد لم يتعد طوره، ولم يخرج بها من دائرة العبودية) [٦] .

وقال الحافظ ابن حجر أثناء شرحه لحديث (إن لله تسعة وتسعون اسماً مائة إلا

واحداً من أحصاها دخل الجنة) [٧] :

(وقيل: معنى أحصاها: عمل بها، فإذا قال: (الحكيم) ، مثلاً، سلّم جميع

أوامره، لأن جميعها على مقتضى الحكمة، وإذا قال: (القدوس) ، استحضر كونه

منزهاً عن جميع النقائص، وهذا اختيار أبي الوفا بن عقيل. وقال ابن بطّال:

طريق العمل بها: أن الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم: فإن الله يحب

أن يرى حالاها على عبده، فليمرن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها، وما

كان يختص بالله (تعالى) كالجبار والعظيم: فيجب على العبد الإقرار بها،

والخضوع لها، وعدم التحلي بصفة منها، وما كان فيه معنى الوعد: نقف منه عند

الطمع والرغبة، وما كان فيه معنى الوعيد: نقف منه عند الخشية والرهبة) [٨] .

* ومما يستحق تقريره ها هنا: أن تلازماً وثيقاً بين إثبات الأسماء والصفات

لله (تعالى (وتوحيد الله (تعالى) بأفعال العباد، فكلما حقّقَ العبد أسماء الله وصفاته

علماً وعملاً، كلما كان أعظم وأكمل توحيداً، وفي المقابل: فإن هناك تلازماً وطيداً

بين إنكار الأسماء أو الصفات وبين الشرك.

يقول ابن القيم في تقرير هذا التلازم: (كل شرك في العالم فأصله التعطيل،

فإنه لولا تعطيل كماله أو بعضه وظن السوء به، لما أشرك به، كما قال إمام

الحنفاء وأهل التوحيد لقومه: [أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ

العَالَمِينَ] [الصافات: ٨٦، ٨٧] أي: فما ظنكم به أن يجازيكم وقد عبدتم معه

غيره؟ ، وما الذي ظننتم به حتى جعلتم معه شركاء؟ أظننتم أنه محتاج إلى

الشركاء والأعوان؟ أم ظننتم أنه يخفى عليه شيء من أحوال عباده حتى يحتاج إلى

شركاء تعرفه بها كالملوك؟ ، أم ظننتم أنه لا يقدر وحده على استقلاله بتدبيرهم

وقضاء حوائجهم؟ أم هو قاسٍ فيحتاج إلى شفعاء يستعطفونه على عباده؟ ...

والمقصود: أن التعطيل مبدأ الشرك وأساسه، فلا تجد معطلاً إلا وشركه على

حسب تعطيله، فمستقلّ ومستكثرٌ) [٩] .

ونورد أمثلة في توضيح هذا التلازم والصلة بين توحيد العبادة وتوحيد الأسماء

والصفات.

فالدعاء مثلاً هو آكد العبادات وأعظمها؛ فالدعاء هو العبادة كما أخبر

المصطفى، وهو لا ينفك عن إثبات وفقه أسماء الله (تعالى) وصفاته.

ويشير ابن عقيل إلى هذه الصلة بقوله: (قد ندب الله (تعالى (إلى الدعاء،

وفي ذلك معانٍ:

أحدها: الوجود، فإن من ليس بموجود لا يُدعى.

الثاني: الغنى، فإن الفقير لا يُدعى.

الثالث: السمع، فإن الأصم لا يُدعى.

الرابع: الكرم، فإن البخيل لا يُدعى.

الخامس: الرحمة، فإن القاسي لا يُدعى.

السادس: القدرة، فإن العاجز لا يُدعى) [١٠] .

والتوكل على الله (تعالى (وحده شرط في الإيمان، وأجلّ العبادات القلبية،

ولا يتحقق التوكل إلا بمعرفة أسماء الله (تعالى) وصفاته.

وقد وضح ذلك ابن القيم بقوله:

(ولا يتم التوكل إلا بمعرفة الربّ وصفاته من قدرته وكفايته وقيوميته

وانتهاء الأمور إلى علمه، وصدورها عن مشيئته وقدرته، قال شيخنا ابن تيمية

(رحمه الله) : ولذلك لا يصح التوكل ولا يتصور من فيلسوف، ولا من القدرية

النفاة القائلين بأن يكون في ملكه ما لا يشاء، ولا يستقيم أيضاً من الجهمية النفاة

لصفات الربّ (جلّ جلاله) ، ولا يستقيم التوكل إلا من أهل الإثبات.

فأي توكل لمن يعتقد أن الله لا يعلم جزئيات العالم سفليه وعلويه، ولا هو

فاعل باختياره، ولا له إرادة ومشيئة، ولا يقوم به صفة؟ فكل من كان بالله

وصفاته أعلم وأعرف، كان توكله أصح وأقوى، والله (سبحانه وتعالى) ... أعلم) [١١] .

وحسن الظن بالله والثقة به (تعالى) عبادة جليلة تقوم على فقه أسماء الله

وصفاته، كالحكمة والقدرة..، كما أن سوء الظن بالله من آثار إنكار أسماء الله

(تعالى) وصفاته.

يقول ابن القيم: (وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم، وفيما

يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله، وأسماءه وصفاته، وعرف

موجب حكمته وحمده ...

ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تَعَتّباً على القدَر وملامة له ... وأنه كان

ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك هل أنت سالم ... ... من ذلك؟) [١٢] .

وأشار الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) إلى أن أصول العبادة الثلاثة

(الحبّ، والرجاء، والخوف) من آثار وثمرات التعبد بأسماء الله وصفاته، فقال في

مسائل ذكرها في تفسير سورة الفاتحة: (أركان الدين: الحب، والرجاء، والخوف، فالحب في الأولى، وهي [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ] ، والرجاء في الثانية،

وهي [الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] ، والخوف في الثالثة، وهي [مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ] ) [١٣] .

إذا ظهر بهذه الأمثلة مدى التلازم الوثيق بين صفات الله (تعالى) وما تقتضيه

من العبادات الظاهرة والباطنة، فيمكن أن نخلص إلى ما حرره ابن القيم بقوله:

(لكل صفة عبوديةٌ خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها، أعني: من

موجبات العلم بها والتحقيق بمعرفتها، وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي

على القلب والجوارح، فعلم العبد بتفرد الرب (تعالى) بالضرّ والنفع، والعطاء

والمنع، والخلق والرزق، والإحياء والإماتة: يثمر له عبودية التوكل عليه باطناً،

ولوزام التوكل وثمراته ظاهراً، وعلمه بسمعه (تعالى) وبصره، وعلمه أنه لا يخفى

عليه مثقال ذرة، وأنه يعلم السر، ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور: يثمر له

حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه على كل ما لا يرضي الله، وأن يجعل تعلق

هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه، فيثمر له ذلك: الحياء باطناً، ويثمر له الحياء

اجتناب المحرمات والقبائح، ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته

توجب له سعة الرجاء ... وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزه، تثمر له

الخضوع والاستكانة والمحبة، وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعاً من العبودية

الظاهرة، هي موجباتها.. فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء ... والصفات) [١٤] .

* والتعبد بأسماء الله (تعالى) وصفاته له آثاره الطيبة في حسن الخلق وسلامة

السلوك، كما أن تعطيل أسماء الله (تعالى) وصفاته لا ينفك عن مساوئ الأخلاق

ورديء السلوك.

ومثال ذلك: أن القدرية النفاة لما كانوا ينفون علم الله (تعالى (المحيط بكل

شيء، ويزعمون أن العبد يخلق فعله نفسه، فالخير هو الذي أوجده العبد وفَعَله

على حدّ زعمهم، ودخوله الجنة عوض عمله، فأورثهم ذلك غروراً وعُجباً، وكما

قال أبو سليمان الداراني:

(كيف يعجب عاقل بعمله؟ وإنما يعدّ العمل نعمة من الله، إنما ينبغي له أن

يشكر ويتواضع، وإنما يعجب بعمله القدرية) [١٥] .

والتعبد بأسماء الله (تعالى) وصفاته سبب رئيس في السلامة من الآفات:

كالحسد، والكبر، كما قال ابن القيم: (لو عرف ربّه بصفات الكمال ونعوت الجلال، لم يتكبر ولم يحسد أحداً عى ما آتاه الله؛ فإن الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله؛ فإنه يكره نعمة الله على عبده وقد أحبها الله، ويحب زوالها عنه والله يكره ذلك،

فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته ... ) [١٦] .

والتعبد بأسماء الله (تعالى) وصفاته يثمر الموقف الصحيح تجاه المكروهات

والمصائب النازلة؛ فإن الإنسان ظلوم جهول، والله (تعالى) بكل شيء عليم، وهو

(سبحانه) حَكَمٌ عدْل، ولا يظلم (تعالى) أحداً، قال (سبحانه) : [كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ

وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ

لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ] [البقرة: ٢١٦]

يقول ابن القيم: (من صحت له معرفة ربه والفقه في أسمائه وصفاته علم

يقيناً أن المكروهات التي تصيبه والمحن التي تنزل به فيها ضروب من المصالح

والمنافع التي لا يحصيها علمه ولا فكرته، بل مصلحة العبد فيما كره أعظم منها

فيما يحب ... ) [١٧] .

ويقول أيضاً: (.. فكل ما تراه في الوجود من شر وألم وعقوبة ونقص في

نفسك وفي غيرك فهو من قيام الرب (تعالى) بالقسط، وهو عدل الله وقسطه، وإن

أجراه على يد ظالم، فالمسلط له أعدل العادلين، كما قال (تعالى) لمن أفسد في

الأرض: [بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَاًسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً

مَّفْعُولاً] [الإسراء: ٥] [١٨] .

* وفي ختام هذه المقالة نسوق أمثلة من أسماء الله (تعالى) ، وبيان معانيها

وما تقتضيه من العبادات، يقول قوام السنة الأصفهاني أثناء حديثه عن اسم الله

(تعالى) (الرزاق) :

(الرزاق: المتكفل بالرزق، والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها،

وَسِعَ الخلقَ كلهم رزقُه، فلم يخص بذلك مؤمناً دون كافر، ولا وليّاً دون عدو،

ويرزق مَنْ عبده ومَنْ عبد غيره، والأغلب من المخلوق أن يرزق فإذا غضب منع، حكي أن بعض الخلفاء أراد أن يكتب جِراية لبعض العلماء، فقال: لا أريده، أنا

في جراية من إذا غضب عليّ لم يقطع جرايته عني، قال الله (تعالى) : [وَكَأَيِّن

مِّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإيَّاكُمْ] [العنكبوت: ٦٠] ، والمخلوق إذا

رزق، فإنه يفنى ما عنده فيُقْطعُ عطاؤه عمن أفضل عليه، فإن لم يفن ما عنده فني

هو وانقطع العطاء، وخزائن الله لا تنفد وملكه لا يزول..) [١٩] .

ولما ذكر القرطبي من أسماء الله (تعالى) (الحفيظ) محتجّاً بقوله (تعالى) : [وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ] [الشورى: ٦] ، قال: (يجب

على كل مكلف أن يعلم أن الله هو الحافظ لجميع الممكنات، وأعظم الحفظ: حفظ

القلوب وحراسة الدين عن الكفر والنفاق وأنواع الفتن وفنون الأهواء والبدع؛ حتى

لا يزلّ عن الطريقة المثلى، قال (تعالى) : [يُثَبِّتُ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ

فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ] [ابراهيم: ٢٧] .

ويجب علينا حفظ حدوده، وحفظ ما وجب علينا من حقوقه، فيدخل في ذلك:

معرفة الإيمان والإسلام وسائر ما يتعيّن علينا علمه..) [٢٠] .

* ومن إشراقات ابن القيّم التي سطرها أثناء حديثه عن اسمي الله (تعالى) :

(الأول) و (الآخر) مايلي:

(من عبد الله (تعالى) باسمه (الأول) و (الآخر) حصلت له حقيقة هذا الفقر

[توجه القلب إلى الله وحده في جميع الأحوال] .. فإن عبوديته باسمه (الأول)

تقتضي التجرد من مطالعة الأسباب والوقوف أو الالتفات إليها، وتجريد النظر إلى

مجرد سبق فضله ورحمته، وأنه هو المبتدئ بالإحسان من غير وسيلة من العبد.

وعبوديته باسمه (الآخر) تقتضي أيضاً عدم ركونه للأسباب، فإنها تنعدم لا

محالة وتنقضي بالآخرية، ويبقى الدائم الباقي بعدها، فالتعلق بها تعلق بما يعدم

وينقضي، والتعلق ب) الآخر) (سبحانه) تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول،

فالمتعلّق به حقيق أن لا ينقطع، بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به) [٢١] .


(١) الحجة في بيان المحجة، ج ١، ص ١٢٢.
(٢) شجرة المعارف والأحوال، ص ١.
(٣) مدارج السالكين، ج ٣، ص ٣٤٧.
(٤) تفسير السعدي، ج ١، ص ٢٤.
(٥) الصفدية، ج ٢، ص ٣٣٨.
(٦) طريق الهجرتين، ص ١٢٩.
(٧) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب ١٢، وكتاب الشروط، باب ١٨، وكتاب الدعوات، باب ٦٨.
(٨) فتح الباري، ج ١١، ص ٢٢٩.
(٩) مدارج السالكين، ج ٣، ص ٣٤٧، باختصار.
(١٠) شرح الطحاوية، ج ٢، ص ٦٧٨.
(١١) مدارج السالكين، ج ٢، ص ١١٧.
(١٢) زاد المعاد، ج ٣، ص ٢٢٩٢٣٥، بتصرف، وانظر: كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، باب قوله (تعالى) : [يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ] .
(١٣) تاريخ ابن غنام، ج ٢، ص ٣٦٠.
(١٤) مفتاح دار السعادة، ج ٢، ص ٩٠ باختصار، وانظر: طريق الهجرتين، ص ٤٣، ومدارج السالكين، ج ١، ص ٤٢٠، ج ٣، ص ٣٥١، والفوائد، ص ٦٣.
(١٥) حلية الأولياء، لأبي نعيم، ج ٩، ص ٢٦٣.
(١٦) الفوائد، ص ١٥٠.
(١٧) السابق، ص ٨٥.
(١٨) مدارج السالكين، ج ١، ص ٤٢٥.
(١٩) الحجة في بيان المحجة، ج ١، ص ١٣٨، وانظر: الأسنى للقرطبي، ج ١، ص ٢٨٤.
(٢٠) الأسنى، شرح أسماء الله الحسنى، ج ١، ص ٣١١.
(٢١) طريق الهجرتين، ص ١٩، باختصار.