المسلمون والعالم
[النظام العالمي الجديد.. ستار الهيمنة]
د. عبد الله بن هادي القحطاني [*]
لقد أصبح الوعي الثقافي أكثر انتشاراً بين الناس في أقطار شتى وخاصة مع
التطور المضطرد في وسائل الاتصال الذي تعدى كل توقع. ومع سقوط الشيوعية
بأفول نجم الاتحاد السوفييتي السابق وكثير من الدول الشيوعية، ظهرت أطروحات
تدفع إلى تبني قوانين وأخلاقيات ومبادئ عالمية جديدة لتحكم العلاقات بين شعوب
العالم.
ومنذ زمن ليس بالبعيد تم اقتراح فكرة ما يطلق عليه بـ «النظام العالمي
الجديد» من علا منبر هيئة الأمم المهترئة لفرض قوانين ومبادئ أحادية الرؤية
على شعوب الأرض. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: مبادئ من؟ قوانين من؟
نظام حياة من سوف يفرض على العالم تبنيها؟ إنه نظام الحياة الأمريكي المطروح
بقوة الإعلام، والمال، والسلاح. أليست الولايات المتحدة هي القوة البشرية
العظمى اليوم كما أنه يقع على كاهلها أكثر العبء المالي لمنظمة الأمم المتحدة؟
والذي ما فتئ كثير من الساسة الأمريكان في الضرب على هذا الوتر لكي تتجاوب
الأمم المتحدة أكثر للمصالح الأمريكية.
وفي هذا الإطار يقول الكاتب الأمريكي المؤثر في مجلة الشؤون الخارجية
(Affairs Foreign) : «إن فرصة أحادية التحكم في العالم وتوجيهه وفقاً
لمصالح الولايات المتحدة ورؤيتها قد حان، وعلى الولايات المتحدة الواثقة من
قدرتها أن تمارس دورها الجديد» .
ونتسأءل عن إخفاق البحبوحة الاقتصادية والقوة العسكرية والتأثير على
مجريات الأحداث في العالم في أن تجلب السعادة والشعور بالأمن والراحة النفسية
للملايين من الأمريكان؛ فلقد حطمت المخدرات، والإدمان، والجريمة، والتفكك
الأسري والاجتماعي حياتهم. هل يستطيع ذلك النظام الذي عجز أن يستأصل
التفريق العنصري ضد السود والأقليات الأخرى أن يحقق العدالة بين سكان العالم؟
أو ربما يحل مشكلة الطبقية الاجتماعية في الهند على سبيل المثال؟
هل يستطيع نظام الحياة الأمريكي الذي تسبب في ازدياد مشكلة المشردين
والإدمان والجريمة في أمريكا أن يقدم الحلول الناجعة لمشكلة الفقر بين ملايين سكان
العالم في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية؟ كل هذه الأسئلة وغيرها كثيراً ما تطفو
على السطح عندما نسمع مزاعم ف. س. نيبول (Nipaul) وهو يقول: «إن
الحضارة الغربية هي الحضارة العالمية التي توائم كل البشر» . ولكنَّ شاهداً من
أهلها يرد عليه قائلاً: «إن الولايات المتحدة عجزت أن تحقق الأمن في شوارعها
وحتى في عاصمتها، ناهيك عن باقي دول العالم» وهذا الشاهد هو ديفيد قرقن
(Gergen David) رئيس تحرير مجلة يو إس نيوز أند ورلد ريبورت
(Report World and Newes US) الواسعة الانتشار. وقد يقول قائل:
إن النظام العالمي الجديد قد يتبنى نظم حياة البريطانيين أو الفرنسيين، أو الروس،
أو ربما نظام حياة الصينيين، أليسوا أعضاء دائمين في الأمم المتحدة وأن لهم
تأثيراً عالمياً كبيراً؟ ولكن هذه النظم أيضاً قد عجزت عن أن تجلب السعادة والأمن
لأممها ناهيك عن الأمم الأخرى.
ويجب أن نعي استحالة أن يختار شخص عاقل نظاماً يتعارض مع مصالحه
الخاصة، وكذلك الحال مع الدول؛ ولهذا فإن أي نظام يفرض على العالم فهو سوف
يخدم فقط، وبدون شك مصالح أصحاب القدرة على فرضه على حساب الآخرين.
وهذا قرقن أيضاً يؤكد على هذه القضية بقوله: «إن الشعب الأمريكي
ومن خلال استطلاع للرأي الذي قام به مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية
(Chicago Council for Foreign Relations) قد أبدى رأيه حول
أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بأن تكون وفقاً للآتي:
١ - المحافظة على وظائف العاملين من الأمريكيين.
٢ - حماية مصالح الأمريكيين العاملين في الخارج.
٣ - تأمين تدفق كمية كافية من الطاقة.
وكما يقول التقرير حول الاستطلاع فإن الأمور الإنسانية كانت من أقل الأمور
أهمية، بل إن الإشارة إلى المساعدة على انتشار الديمقراطية كانت في ذيل قائمة
المشتركين في الاستطلاع.
فهل من الممكن لأمة هذه اهتماماتها أن ترعى حقوق البشر الآخرين وتحقق
العدل والسعادة لهم؟ ولم يوارب هنتنجتون (Huntington) في تبيين الأسس
التي تعين الغرب على فرض مصالحهم في العالم؛ حيث قال:» إن الغرب بالفعل
يقوم بتوجيه المؤسسات الدولية ويملك القوة العسكرية والإمكانيات الاقتصادية
ليسيطر على العالم بطريقة تحمي مصالح الدول الغربية، ويفرض هيمنتها،
ويروِّج للمبادئ السياسية والاقتصادية الغربية «.
ولهذا فإن مفهوم مبادئ النظام العالمي الجديد الغربية يعني الاستسلام الكامل
للتعاليم والقيم والقوانين التي يفرضها ذلك النظام، ومن الطبيعي أن نتاج ذلك
الاستسلام هو استعلاء المنظور المادي العلماني للحياة والكون، ولكنه سوف يكون
من غير الممكن إجبار الناس على التسليم طواعية وبحرية لهذا النظام البشري
الابتزازي؛ لأنه سوف يكون غير عادل ويكيل بمكاييل، ويعكس نقص البشر
ورغبتهم في تحقيق مصالحهم على حساب الآخرين.
لذا فإن القبول والتطبيق الكامل لهذا النظام العالمي الجائر بعيد المنال،
وسوف يكون له آثار عكسية كما هو الحال مع الأنظمة العالمية القديمة مثل
الاستعمار والشيوعية وهرطقات العصور الوسطى والرأسمالية الحديثة.
ومما لا شك فيه أن غالبية سكان العالم في حاجة ماسة لنظام حياة يحل لهم
مشاكلهم ويجيب عن تساؤلات حيرتهم حول وجودهم ومستقبل أمرهم.
وبعد تزايد مستويات الفساد والعنف في العالم بأسره فإن البشرية تبحث عمَّن
ينقذها مما هي فيه؛ فالبعض ظن أنه قد وجد حلاً سهلاً في الانتحار، والآخر في
المخدرات، وهلم جراً؛ وبهذا فلا عجب أن يعيش العالم اليوم في حالة من الفوضى
الأخلاقية والروحية التي نتج عنها اضطراب في كل ميادين الحياة؛ فلقد جربت
البشرية في تاريخها الحديث جمل النظريات الاجتماعية والاقتصادية، وكل نظرية
لم تكن بأحسن من سابقتها، ولكن للأسف أن ما جرب من تلك النظريات قد أثبت
إخفاقه، وكل ما أخفق منها يعاد تجربته مرة أخرى.
فهل هناك مخرج من هذه الفوضى؟ هل هناك خيار جُرِّب ونجح، وكل
يتجنب تطبيقه، وهو الخيار الوحيد كما يقول مراد هوفمان سفير ألمانيا السابق في
المغرب وغيره كثير من المفكرين الغربيين الذين هداهم الله للإسلام، في كتابه
(الإسلام كبديل) ..؟ نعم! إنه دين الله الذي لا تتحكم فيه مصلحة وأهواء
البشر، وإنما هو نظام عالمي رباني لكل البشر.
(*) أستاذ مشارك في قسم اللغة الإنجليزية، جامعة الملك خالد أبها.