للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

ما هكذا تكون إرهابياً ... أيها الأسمر!

د/ عبد الله عمر سلطان

وأخيرا عملت آلت التصنيف عملها، حين أدرجت السودان في قائمة الإرهاب

العتيدة ...

هذه القائمة تصغر عاماً، وتنمو بصورة مذهلة في عام يليه، دون أن يكون

هناك قانون ثابت يحكمها أو ناموس واضح يفسرها ... ولهذا فإن على المشبوهين

المسجلين في قائمة الانتظار أن يتحلوا بشيء من الصبر، وكثير من الدهاء، حتى

ينجوا من «العقوبة» التي تطاردهم ... إن ناظر المدرسة الأمريكي - الذي هو

طالب يتمتع بكثير من العضلات المفتولة - قرر بعد أن انتقل من مقاعد الطلبة إلى

مكتب الإدارة «الدولية» أن يسلط بعض «قوته وجبروته حين يمنح شهادة حسن

السيرة والسلوك لزملائه ... هذه الشهادة تمثل فكرة جميلة، ويُمنح بموجبها العضو

المنضم إلى محيط المجتمع الدولي شهادة حضارية على نبل سلوكه، وبعده عن

اللجوء إلى أساليب الإرهاب والبطش ... صحيح أن الفكرة جميلة وحضارية وراقية

إلا أن همساً يدور بين أوساط الأقران في» المدرسة الدولية «يقول: كيف يمكن

لعضو ندّ لَنا أن يمارس علينا دور الأستاذية، بغض النظر عن نبوغه وقدراته

وثروته ... إنها مسألة مبدأ، فالأقران من الطلبة والأفراد، والجماعات والدول

متفاوتون حتماً ... بعضهم نابغ، وثانٍ ورثَ ثروة لم يتعب في تحصيلها، وثالث

جاد مجد غير موفق، ورابع محظوظ ... لكنهم في النهاية أقران مشتركون في

مساحة معينة وثابتة، ولذا فليس من حق التلميذ القوي أن يفرض جبروته على

الضعيف لمجرد أنه مفتول العضلات، أو أنه يملك أسلحة رعب ودمار، ويذكر

بأنه صبها على رأس الملايين من الأبرياء قبل خمسين عاماً في هيروشيما

وناجازاكي؛ لمجرد إثبات جنون الدمار المتمكن في ذاته، أو تكريس مبدأ الهزيمة

والعار للجانب المستسلم تحت ظلال الدخان النووي المدمر! !

من الطبيعي إذن - والحالة هذه - أن يتساءل المتابع لقائمة الإرهاب السنوية

وأن يلقي بعض الملاحظات بعد أن يتجاوز إشكالية شرعية إصدار قائمة للإرهاب

من قِبل جهة تتهمها جهات كثيرة بأن لها تاريخاً طويلاً في استخدام العنف

وتكريسه ...

لقد خلت القائمة الأمريكية من ذكر دولتين تمارسان الإرهاب وقذف الرعب

في قلوب الأبرياء قبل صدور اللائحة في صورتها النهائية وأثناءه وبعده؛ فإسرائيل

قامت خلال صيف هذا العام بغزو بربري لجنوب لبنان بحجة ضرب حزب

الرافضة المسمى بحزب الله في الوقت الذي شردت فيه أكثر من نصف مليون مدنى

بريء، وطاردت طائراتها الأطفال والنساء والشيوخ حتى مشارف الشمال السني..! ... دع عنك ما تردده منظمات حقوق الإنسان من إدانة دامغة لسلوك إسرائيل العدواني

تجاه سكان الأراضي المحتلة، واستخدام أساليب إرهابية مبتكرة، كتدمير منازل

المشتبه بهم، وتبنى المجتمع الدولى لقرار يجبر إسرائيل على إعادة المبعدين

المدنيين إلى ديارهم شاهدُ آخر على قبح السلوك الإرهابى الإسرائيلي، الذي يصب

جام غضبه على أبناء الأمة منذ أكثر من نصف قرن فإذا لم تكن إسرائيل إرهابية

فمن الإرهابي إذن..؟ ؟ ربما يقول ساذج: الصرب الذين دمروا المساجد الآمنة

وهتكوا عرض ١٠٠. ٠٠٠ امرأة، ومارسوا التطهير العرقي، وأبادوا الحرث

والنسل، وبقروا البطون، ومثلوا بالأحياء والأموات ... ! والجواب بـ كلاّ..»

كبيرة جداً، فالصرب الهمج لا تشملهم قائمة الإرهاب الأمريكية، مثلهم مثل اليهود، والسبب يتضح ببساطة حيث أن المقصود بهذه القائمة إرهاب الشعور النصراني

اليهودي ليس إلا!

* معظم الدول التي جاءت بها القائمة دول إسلامية، ابتليت بجزارين وطغاة، صنعتهم مبادئ الغرب وقيمه، سواء أكانت وطنية، أو قومية، أو اشتراكية،

فالعراق يسدد جرائم البعث، وليبيا عليها أن تقاسي من جراء انفصام شخصية

القذافي، أما إيران فإن حكم الملالي لا يتورع عن استخدام العنف لتحقيق أحلام

الخميني الهالك، أو بروتوكولات حكام (قم) . وقس على ذلك ... إن القائمة إن

شملت كوريا الشمالية فإنما يصب إدخالها في خانة الإسقاط النفسي القائل بأن

الإرهاب هو سلوك يرتبط بالإسلام والشعوب التي تدين به!

إن أمريكا بأقمارها الصناعية، وطائراتها التجسسية، وعملائها المبثوثين فى

الأرض، والبحر، والجو، عجزت عن أن تقدم دليلاً واحداً لهذا السلوك السوداني

الإرهابى، والمعروف عن أجهزة التجسس الغربية أنها تُتبع التهم بالأدلة حتى

ترسخ التهمة بالنسبة للشعوب التي تحكمها، وتثير الفزع في قلب الضحية والمتهم!

فهل عجزت الأجهزة التي تراقب مستودعات تخزين الأسلحة، ومواقع صواريخ

محددة عن الإتيان بدليل مقنع ومبرر مقبول، أم أن الاتهام سياسي في أساسه كما

قال (وليم كوانت) الخبير بشؤون الشرق الأوسط الذي يرى أن إدراج السودان هو

إشارة سياسية ضاغطة للحد من التوجه الإسلامي في هذا البلد؟ !

كان بإمكان (جون جرنج) أن يستمر في ممارسة تمرده، وما يصاحبه من

تقتيل، وتشريد، وإرهاب، جعل الجنوبيين أنفسهم يبتعدون، وينشقون عنه وعن

حركته البربرية، التي لا تراعي حقوقاً إنسانية أو أخلاقية. ف (جرنج) صنيعة

مجلس الكنائس العالمي مدعوم بصورة مكشوفة، بالرغم من أنه يقود حركة تمرد

ضد حكومة معترف بها دولياً، ورغم ذلك فلم يرف جفن خبراء الإرهاب في وزارة

الخارجية الأمريكية؛ لأنه مضموم ضمناً إلى قائمة إسرائيل وصربيا لا ضر من

ممارساتها الإرهابية؛ طالما أن الضحايا من الذين يحملون شهادة التوحيد في

صدورهم....

فالسودان الشمالي المسلم إذن لم يعرف كيف يفهم أن يكون محاكياً لرابين، أو

بيجن، أو شارون، أو ميلوسيفتش، أو كارفاجيش ومن الفصيل «الحضاري»

الذي يعلي من شأن حضارة الرجل المسيحي الأبيض، والذي قد يقبل في زمرته

أتباع الكنيسة السُمر، كجون جرنج، ونيريزي من قبل، اللذين افتتحوا فرعاً كنسياً

جنوبياً يهدد بخنق منابع النيل والانتشار الحضاري للإسلام في القارة السوداء. ولو

رضي السودان الأسمر بزعامة عصابات «جون» فإن اسمه سيُمحى من القائمة

آلياً؛ لأن من يريد أن يمارس الإرهاب كما يريد التلميذ الفُتوَّة، فإن بإمكانه أن

يفعل ذلك، حتى ولو كان أسمراً! ! أما إن كان أسمراً ومسلماً في الوقت نفسه فإن

همساً يجري تداوله في محيط الأسرة الدولية يحذر من الجمع بين سمرة البشرة،

والإسلام، والقبول في المحيط الدولي المتحضر، الذي لا يفهم إلا القوة والجبروت

حين تصبان ضد سودان (أسمر مسلم مستقل) وهى صفات يستحق من يحملها أن

يسارَع إلى رميه بشتى النعوت والتهم! ولكن السودان الأسمر لو انحرف عن

توجهه فإنه حتماً سيكون مقبولاً بكل بشاعته وإرهابه، حتى ولو كان في قبح جون

قرنق وأفراد عصابته إن القانون يريد إرهابياً كهذا! يرحب به ويقول له: «هكذا

تكون إرهابياً ... أيها السودان الأسمر!» .