[فوز حماس ماذا قبل.. ماذا بعد؟]
إعداد: وائل عبد الغني
فوز حماس المفاجئ جاء بالفكرة بعد السكرة، رأى فيه بعضهم ما هو أصعب من تسونامي، بينما رآه آخرون صدمة للغرب أشد من سقوط الاتحاد السوفييتي. أما صحيفة الإنديبندنت فرأت فيه فتحاً لأجواء جديدة ليس في المنطقة فقط بل على خريطة العالم؛ إذ أضاف أرقاماً جديدة لمعادلات الصراع داخلياً وإقليمياً وربماً عالمياً. حقبة مضت ودَّعت فيها الساحة الفلسطينية شهداء خطوا نحو التحرير، وحقبة جديدة بلون حماس مفتوحة على احتمالات شتى، كيف جاءت وإلى أين تمضي، وما طبيعة الصراع الجديد وما هي خياراته، وكيف ستتشكل المرحلة؟ هذا ما سنتناوله مع ضيوفنا:
أ. طلعت رميح، رئيس تحرير مجلة استراتيجيات.
أ. د. سيف الدين عبد الفتاح، أستاذ النظرية السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرة.
د. محمد خالد الأزعر، الباحث والخبير بالشأن الفلسطيني.^: ابتداء قبل أن يشغلنا الحديث والحدث نرحب بالسادة الضيوف، ونتساءل: بعض التحليلات ترى أن الولايات المتحدة دفعت بحماس أو على الأقل فتحت الطريق أمامها لإيجاد شريك إسلامي معتدل يمكنها من محاربة فكر تنظيم القاعدة في المنطقة؛ بما يعني أن الفوز مقدمة انتشال للموقف الأمريكي في المنطقة؛ فما مدى صحة ذلك؟
الوضع الدولي بحالته لم يكن دافعاً أيضاً على الإطلاق أن تأتي حماس. في تقديري أن مؤشرات الوضع الداخلي تدل على أن التغيير نتج من خلال تراكم داخلي من خلال اعتماد على قوة الداخل وليس المراهنة بأي شكل من الأشكال على حالة الدعم لا الغربي ولا العربي، وهذا تكرار وامتداد للاستراتيجية التي اختطتها حماس. كل من فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية بدأت من الخارج وانتقلت إلى الداخل، فثارت الصراعات في المنطقة العربية، لكن حماس بدأت من الداخل، وكان من الطبيعي أن يتطور مشروعها دون تماسٍّ كبير ودون شعور شديد بالخطر من قِبَل الأطراف الخارجية.
ثانياً: هذا معناه أنه يلغي العمل الفلسطيني الذاتي ويطرح التصور بأن التحكم في النظام الفلسطيني يأتي من قوة خارج النطاق الفلسطيني، وأنا أستبعد ذلك تماماً في ضوء النتائج التي حصلت.
الأمر الثالث: أن هذا يعني أن الولايات المتحدة وصلت من الحمق أنها لا تعمل ضد مصالحها في المنطقة بشكل كامل؛ لأن صعود حماس حتى لو كان تكتيكياً فسوف يؤدي إلى استنهاض تيار كامل موجود في المنطقة معادٍ للولايات المتحدة بشكل أو بآخر.
^: هل هذا اختيار الشعب لمنهج حماس أم رفض لفتح؟
ثم إن وضع الولايات المتحدة اللوجيستي الاستراتيجي في المنطقة لا يسمح لها أن تغامر بمثل هذا الخيار؛ لأن من الممكن أن يفلت العيار من يدها ويعقِّد المسائل ليس في داخل فلسطين فقط وإنما على الصعيد الإقليمي، لكن هناك من يقول إن الولايات المتحدة بلغت من الذكاء أنها تصعّد حماس لكي تعقِّد التسوية؛ لأنها لا تريد أن تصنع تسوية أو لأنها ليست الآن بوارد أن تصنع تسوية، فتريد أن تحمِّل صعود حماس عبء عملية تجميد التسوية.
^: إذن لا يمكن تماماً الوثوق بهذا التحليل!
المؤشر الأول: أن القيادة الصهيونية كانت منذ عام ونصف تتحدث عن غزة وعن أن حماس ستحقق سيطرة بدلاً من فتح، فالتحذيرات الصهيونية من قوة حماس كانت مبنية على تقديرات فعلية سواء فيما يتعلق بأن كل الضربات التي قامت بها في غزة كي لا تمكن حماس، كما أن عمليات الاغتيال قد تمت بشكل ممنهج للغاية، وبمفاصل داخل الحركة للغاية، وبتغييب شخصيات لأسباب تتعلق بإحداث عملية تغيير سياسي وتغيير في الرؤية التنظيمية وتغيير في فكرة المقاومة. لم تكن هناك ضربة من الضربات بشكل عشوائي، وحدثت محاولة للمساومة في الانسحاب من غزة على أن لا يتم الانسحاب إلا بعد أن تتعهد السلطة بعدم مشاركة حماس.
المؤشر الثاني: تمثل في نتائج الانتخابات البلدية؛ فإذا قرأناها جيداً في مراحلها الثلاث فسنلحظ حضور حماس الشعبي حين كشفت عن مدى قدرتها على الانغراس وسط الناس وعدم انعزالها رغم أنها تمارس العمل المسلح بكثافة، فالمعتاد في مثل هذه الحالات أن يحدث خطأ معتاد جداً بأن تتوجه العناصر تحت القصف وتحت الضرب إلى تخفيف علاقتها النسيجية داخل المجتمع حتى تنحسر وتنعزل، ولكن الانتخابات المحلية في غزة أثبتت العكس، ووصل الأمر إلى أن السلطة وقعت في مأزق خطير. حين حدثت معركة على نتائج الانتخابات في غزة أعطتنا مؤشراً آخر على مدى قدرة حماس على مستوى الأرض عندما حاولت السلطة حل المشكلة حول الأصوات المختلف عليها بطريقتها، فحشدت حماس حشداً جماهيرياً وأوقفت بالفعل مخطط السلطة في هذا الوقت إلى إحداث انقلاب في النتيجة.
المراحل التالية في الانتخابات البلدية كانت مؤشراتها أخطر؛ لأنه عندما ننتقل من غزة إلى الضفة يكون عامل قوة حماس، إذا ما وجد، يجب أن نضربه في ٢ أو في ٣ أو في ٤ لأن هذه الانتخابات تمت في مدن محتلة احتلالاً فعلياً، ومن ثم مارست قوات الاحتلال كل الوسائل الممكنة، ومن يراجع أعداد المعتقلين بين الانتخابات البلدية في المرحلة الأولى والانتخابات البلدية المرحلة في الأخيرة اللي كانت في الضفة، ثم الانتخابات التشريعية فسيلحظ أن التركيز كان على عناصر حماس؛ رغم أن منظمة الجهاد هي التي كانت تقوم بالعمليات؛ فحينما تأتي بعد ذلك الانتخابات البلدية وتنجح حماس ليس فقط في المناطق هذه، وإنما في المدن وبكثافة ولا تفوز فتح في غير رام الله يصبح المؤشر أمامنا أننا أمام تطور فعلي حقيقي ليس له أي علاقة بالولايات المتحدة بالشكل المباشر أو بمؤثرات خارجية، وإنما هو مرتبط بحالات قبلية وبوضع اجتماعي عاصف ومرتبط بوضع السلطة وبمسألة الفساد.
^: لماذا قررت حماس خوض الانتخابات هذه المرة بينما رفضت وبصورة جازمة خوضها في عام ١٩٩٦؟
كان أمام حماس أنها لا بد أن تدخل إطار ما يسمى بالعمل السياسي حتى يمكن أن تضع الجميع على المحك، ولذلك جاء دخولها الانتخابات المحلية ومن قبل انتخابات الاتحادات الطلابية، لتؤكد أنها رقم في المعادلة لا يمكن تجاهله.
ونتيجة استراتيجية لما كانت تفعله من حيث أرادت أن تقلم أظافر الجميع، ومن حيث أرادت أن توهن الجميع وتتركهم جثثاً هامدة؛ إذا بها تجد العملاق يخرج لها من القمقم، ويؤكد أنه موجود، وأنه هو الذي يملك التفاوض معه، على الأقل وإن كان هذا التعبير مبالغاً فيه، لكن على الأقل هذه هي الرسالة التي يمكن أن تخرج في هذا السياق.
توابع الفوز:
^: كيف ستتعامل حماس في قضية المفاوضات إذا ما مثلت الشعب، هل ستقبل التفاوض، وماذا يعني لها القبول بالتفاوض: هل هو اعتراف مبطن، أم تعاطٍ مع أمر واقع؟
أمامنا كذلك معضلة أخرى، وهي أننا كنا أمام معضلة حقيقية وكان أحد أسبابها المقاومة الفلسطينية ... وليس المقاومة الفلسطينية ذاتها هي المعضلة، ولكن المقاومة الفلسطينية فرضت عناصر معادلة جديدة ذات فرادة أيضاً وهي أننا مررنا بسبع سنوات كانت انتفاضة بلا سلطة، ثم بسبع سنوات أخرى سلطة بلا انتفاضة؛ ولكن بدأنا بعد الانتفاضة الثانية عدداً من السنوات، ونحن في الخامسة: معضلة الانتفاضة السلطة.
أما ما يتعلق بالمفاوضات فإن حماس تأتي الآن وهي لا تكتب كتاباً جديداً، ولكن تكتب في كتاب مكتوب فيه، وهذه ملاحظة مهمة جداً في هذا المقام، فهي لا تكتب أول صفحاته.
هناك معضلة أخرى أطلقتها العملية الانتفاضية أو الانتفاضات أو تاريخ المقاومة الفلسطينية وهي ما يسمى بعملية تدريب الشعب لمواجهة الضغوط؛ لأننا الآن أمام شعب تعوَّد أن يعيش تحت الضغوط، وأحسب أنه لو عاش في راحة فستحدث له مشكلة.
التحديات والمواجهة:
^: صاغ فوز حماس معادلة جديدة للصراع يمكن قراءة بعض بنودها وتوقع بعضها الآخر ما بين تحد جديد سيكون بعض الثمن، وبين استجابة ترفع من أسهم هذا الفوز، كيف يمكننا أن نقرأ خريطة التحديات التي تواجهها حماس بعد الفوز؟ ولا شك فإن الحديث حول هذه المعادلة هو ثمرة هذه الندوة.
الأول: أما ما يتعلق بالتحديات داخل حماس نفسها من إعادة ترتيب الشكل التنظيمي والرؤية والإدارة والقيادة: فقد أشرنا إلى أن حماس لم تكن تتوقع ما حدث، ومن ثَم هذا سيترتب عليه نمط من إحداث تغييرات ومن إعادة توظيف طاقات ومن تحويل نمط توظيف طاقات إلى نمط آخر، والانتقال من حالة العمل السياسي المعارض إلى حالة الإدارة والسيطرة على القرار التنفيذي، وتحديات ـ أو ابتلاءات ـ تتعلق بالتفكير السياسي ونمط التصريح الإعلامي ونمط التوجه والتكتيك.
نحن أمام حالة مختلف عليها: هل حماس تتغير بالفعل؟ أم هو مجرد تغيير في نمط ولغة الخطاب السياسي واستخدام مفردات لم تكن مستخدمة من قبل؟
نمط التحديات الذي يتعلق بالحالة الداخلية الفلسطينية:
الجزء الأخطر في التحديات الداخلية في رأيي هو المتعلق بأبي مازن، ووجود رأسين في الجهاز التنفيذي. لدينا تجربة بين أبي مازن وعرفات، ولدينا تجربة بين قريع وعرفات، ولدينا تجربة بين قريع وأبي مازن، وفي الحالات الثلاث حدثت خلافات حقيقية وجوهرية وتهديدات بالاستقالة، واستقالة أو إقالة. بالنسبة لمحمود عباس: الخلاف بين محمود عباس وبين حركة حماس خلاف استراتيجي وحقيقي في كل تفاصيل إدارة الصراع مع الخارج وفي العلاقات الداخلية والمؤسسية، وخاصة أن محمود عباس رؤاه التي طرحها طوال الوقت منذ أوسلو إلى أبي مازن ـ بيلين ... إلى لقاء العقبة إلى آخر تصريحاته هي بالإجمال خط آخر مختلف عما هو سائد داخل فتح أيضاً.
الملاحظ حتى الآن أن حماس تتعامل معه بمنظور وبفكر يقوم على عدم توسيع الشرخ على الأقل في هذه المرحلة، ومحاولة إعطاء الاعتبار للقيمة القانونية أو الدستورية لوضع محمود عباس والحفاظ عليها، وتعلن باستمرار أنها لن تتدخل فيها. لكن الملاحظ أيضاً أن الحوار الصحفي الأخير الذي أجراه خالد مشعل في نقابة الصحفيين في القاهرة تضمن تلميحات واضحة بعدم القبول بأية ترتيبات أو إجراءات يقوم بها محمود عباس منفرداً سواء في الجهاز التنفيذي أو إسناد المناصب أو غيرها.
التحدي الثاني: يتعلق بجهاز السلطة الفلسطينية وهو غير نمطي لا يقوم على فكرة وجود جهاز سلطة مستقر، من يصبح صاحب القرار السياسي بانتخابات تشريعية يطيعه الجهاز التنفيذي كما هو في كل دول العالم الديمقراطية والانقلابية أيضاً. الجهاز التنفيذي مشكّل حقيقة من عناصر فتح بالأساس بما يعني أن هناك حالة من التداخل العميقة جداً والخطيرة جداً والمؤثرة جداً على مسيرة السلطة الفلسطينية نفسها؛ حيث إن عناصر فتح التي تتولى الجهاز التنفيذي هي نفسها الموجودة في مختلف مؤسسات اتخاذ القرار في فتح، وهذا يعني أن الصراع هنا هو ظل للصراع هناك والعكس؛ فكيف ستتمكن حماس من إحداث حالة من الفصل وخاصة أن هناك أطرافاً داخل فتح أظهرت منذ البداية رغبة قوية سواء بالتنسيق مع أطراف داخل إسرائيل أو داخل المنطقة العربية ... غير راغبة في تسهيل مهمة حماس في قيادة الجهاز التنفيذي؟
مع الأخذ في الاعتبار أن حماس تشبه مؤسسة دولة كاملة كانت قد شكلت جهاز سلطة حقيقي في الشارع يتعلق بعمل خيري يتعلق بدعم أسر شهدائها، يتعلق بالدفاع عن المعتقلين.
التحدي الثالث: يتعلق بتبعية الجهاز الأمني الفلسطيني، وهذه نقطة بالغة الخطر، ومن المرجح أن يشهد الجهاز الأمني تفلتات واختراقات واختلافات وتمردات وحالة من عدم الانصياع التنفيذي للقرار السياسي، ومن ثم هذا امتحان وابتلاء شديد لحماس يطرح عليها آليات قد يكون بعضها خطراً خاصة في حالة إبقاء حماس على جهازها العسكري.
التحدي الرابع: يتعلق بما أعلنه خالد مشعل بمسيرة الانطلاق نحو تغييرات في اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية؛ هنا ستتمثل أمام حماس تحديات أخطر من تحديات المجلس التشريعي؛ فمن الممكن أن يأتي إليه أو يرأس السلطة التنفيذية من قد يكون مختلفاً مع نهج أوسلو، لكن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وهي الجهاز السياسي الذي هو الأساس في عقد الاتفاقيات والمرجعية السياسية والقانونية؛ ومن ثم فالمنافسة فيها ستكون حامية جداً، والتحدي يتمثل في مدى إمكانية إحداث تغيير تدريجي وعلى مستوى بعيد مع تقليل الاحتكاكات والاختلافات قدر الإمكان، خاصة في ضوء أن تشكيل اللجنة التنفيذية تشكيل قديم موزع بين الداخل والخارج، كما أن هناك خلافات داخل قيادات حركة فتح الداخل والخارج على هذا المستوى، وهناك قوى لم تدخل أصلاً مثل حركة الجهاد.
التحدي الخامس: تحدٍّ يتعلق بوجود حالة موضوعية تتعلق بالتنسيق الإجباري بين جهاز السلطة الفلسطينية وجيش الاحتلال؛ فهناك كثير من القضايا والتشابكات الإجرائية اليومية بدءاً من تسليم شهيد، وانتهاءً بمد خط ماء أو زرع الأرض أو دق أنابيب المياه الجوفية، وكذلك التنسيقات الخاصة بالمعابر، والجمارك، ولذلك فإن هناك تعاملات تتعلق بالوضع اليومي والمعيشة اليومية للمواطن الفلسطيني، وكل هذه التعاملات حقيقة تمسك بها يد جيش الاحتلال وبشكل عنيف؛ فكيف ستتعامل حماس مع مثل هذه القضايا فيما يخص مثلاً المستحقات المالية التي يتعامل فيها الاحتلال بشكل استفزازي ومهين؟ ورأينا أنه بمجرد أن جاءت حماس أوقف تحويل المستحقات. الأمر الثاني أنه حتى في حالة معبر رفح فإن الإسرائيليين من حقهم الاعتراض على مرور أي شخص، وقد تم خروج أعضاء حماس مؤخراً باتصالات سياسية مع الطرف الإسرائيلي والطرف الأوروبي عبر معبر رفح الحدودي؛ وهو الأمر الأخطر على حالة الأردن؛ لأن القوات الإسرائيلية متواجدة؛ فكيف ستتصرف سلطة تقودها حماس التي ترفض التعامل على الأرض مع الجانب الإسرائيلي؟ وكيف ستقود جهاز سلطة هو يتعامل بشكل يومي وفي تفاصيل يومية مع الجانب الإسرائيلي؟ كيف سيأمر الوزير من حماس المسؤول لديه في التعامل مع هذه الحالات؟
سادساً: حالة الانفلات الأمني التي تتعلق بالدرجة الأولى بقضية فتح وبحالة شهداء الأقصى التي أصبح لها الآن ما يقارب ١٥ مجموعة مسلحة، ومسألة السيطرة على هذا الانفلات وارتباطه بحالات قبلية.
تبقى مسألة الوضع الاقتصادي على الأرض حتى لا أطيل.
ويبقى تحدي مسألة العملاء التي ستكون مسماراً خطيراً جداً بالنسبة لحماس؛ لأن الاتفاق بين السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال يقضي بعدم المساس بالعملاء الذين كانوا موجودين منذ عام ٦٧ حتى دخول عرفات إلى الأرض المحتلة، أما العملاء الجدد؛ فمن حق السلطة الفلسطينية التعامل معهم؛ ولذلك كانت يد السلطة الفلسطينية طول الوقت مغلولة بشكل قانوني؛ لأنهم كلما أمسكوا بعميل تحجج أنه منذ ١٩٦٧ وقبل السلطة، والإسرائيليون يتدخلون في كل مرة وبشكل قانوني لإيقاف المحاكمات، كما أن حماس لا يمكن أن تبدو كمنتقم بعد أن تمسك بزمام السلطة إذا ما تحركت في هذا الأمر بشكل عاجل رغم مخاطره الشديدة.
أما التحديات على المستوى الخارجي؛ فعلى الجانب العربي نجد تحديين:
الأول: يتعلق بأن حماس حركة مقاومة إسلامية وهي جزء من نسيج عمل إسلامي موجود في دول الجوار، وبعد أن تصل إلى السلطة التنفيذية كيف سيكون الفصل بين الحالتين، وخاصة أن هناك حالة من القلق الحقيقي التي أدت من قبل إلى أن الأردن يطرد قادة حماس ليس لأسباب فقط تتعلق بإسرائيل وإنما لأسباب تتعلق بحالة حركة الإخوان المسلمين ومدى قوتها داخل المجتمع الأردني، وأن هناك حالة أخرى جديدة تتعلق بحالة الإخوان المسلمين في مصر، وهذا أمر سيطرح تعقيدات حقيقية على حركة حماس.
الثاني: فيما يتعلق بالوضع العربي يتعلق فعلياً بالتنسيق الأمني؛ فالسلطة كانت مأمونة الجانب على مستوى الاتصالات الأمنية؛ فكيف ستنظر الأجهزة لعملية التنسيق الأمني: هل ستكون على المستوى نفسه؟.. هل ستكون بالطريقة نفسها؟ التعقيدات التي ستحدث هذا ابتلاء بالفعل.
أما التحديات على المستوى الدولي:
فأولاً: تخوض حماس معركة الاعتراف بها في الوضع الدولي، والوضع الدولي تحسن إلى مستوى وبسرعة أبعد مما كان يُظن. التغيير الذي حصل في الموقف الروسي خطير للغاية، حين ربط بوتن انتصار حماس بفكرة السيطرة الأمريكية على المنطقة، وقرر دعوة حماس إلى موسكو، هذا سيكسر حالة العزلة التي كانت مفروضة بكسر الإجماع داخل اللجنة الرباعية، وبدأت أوروبا تشعر بقلق حقيقي، وأنا أشير هنا إلى التصريح الذي صدر من مصر بأن إيران يمكن أن تدخل كممول للسلطة الفلسطينية بديلاً للتمويل الأوروبي، أنا رأيي أنه تصريح أحدث حالة من التفكير داخل الاتحاد الأوروبي، ومن ثم بدؤوا إعادة التفكير في ضرورة الاعتراف بسرعة بحماس؛ فالوضع الدولي يمكن أن يتغير بشكل مفاجئ وسريع.
ثانياً: ما يتعلق بالوضع الإقليمي: أعتقد أن التحسن في الوضع الإقليمي ـ للأسف الشديد ـ سيأتي متأخراً بعض الشيء عن التحسن في الوضع الدولي، وإن كان في تقديري أن هناك أطرافاً إقليمية اعتبرت فوز حماس انتصاراً كبيراً لخطتها كما هو الحال بالنسبة لإيران وسورية، وكما هوالحال لحزب الله، وأن هناك أطرافاً عربية ستدرس الأمر على مهل على الأقل من زاوية أن يكون بيدها بعض الأوراق للمساومة سواء في قضايا أخرى أو في إحداث حلحلة في استبعادها من أوراق الملف الفلسطيني كدور فاعل وتحويلها إلى دور منفذ لطلبات الجهات الأخرى كما حدث في مرات كثيرة.
وسأطرح فيما يلي بعضاً من التحديات وكيفية التعامل معها:
مشكلة الشرعية: لماذا لا نفكر في أن يشتمل خطاب حماس والقوى الدافعة لها على فكرة أن حماس يمكن أن تمارس العمل السياسي من مصدر شرعية مختلفة عن أوسلو خاصة بعد أن تحدث شارون عشرات المرات عن أن أوسلو انتهت؛ ولهذا لا ينبغي أن تكون قيداً على العمل الفلسطيني. لماذا تكون أوسلو هي مصدر شرعية العمل الفلسطيني حتى في الداخل؟ نحن لدينا شعب على أرضه له حقوق تاريخية ثابتة في هذه الأرض، معه قرارات شرعية دولية مؤيدة، وله سلطة انتخبها علناً وبمراقبة دولية؛ فلماذا لا يتم التحدث عن شرعية مختلفة لوجود السلطة أساسها الشعب الفلسطيني والانتخابات الفلسطينية؟ عندئذ أمسك بهذه الورقة وبكل قوة وأطرحها في وجه الجميع: ما هي أحقية إسرائيل في أن تكون على المعابر؟ ما هي أحقية إسرائيل بأن تسيطر على مقدراتنا؟ فأربط مسألة الانتخابات بما هو أبعد من أوسلو بالشرعية الدولية المحددة لوجود الاحتلال. يعني أصلاً إسرائيل ليس لها أحقية في السيطرة على الشعب الفلسطيني مطلقاً،.. ليس لها أحقية في السيطرة على موارده المالية وحدوده وتعامله مع العالم الخارجي كل هذا هناك اتفاقيات تحدده على الصعيد الدولي ... اتفاقيات تحدد كيفية التعامل مع الاحتلال من لاهاي حتى جنيف وموادعاتها. لماذا لا أتحرر لما هو أبعد من أوسلو وأمسك بورقة الانتخابات هذه وألقيها في وجه الجميع؟
هذا يحتاج إلى خطاب صلب ليس فقط من حماس بالطبع. نحتاج ساعتها لموارد للضغط، وإذا كانوا سيغلقون المعابر؛ فالمعابر كانت تغلق في كثير من المناسبات، وبشروطهم كانت تفتح وتغلق، إذا كان سوف يضيِّق على مواردي المالية فهو مؤخراً اضطر أن يسيِّل هذه الموارد تحت ضغوط أكبر منه، فأنا أحتكم إلى تحريض الناس؛ فإسرائيل ليست طليقة في هذه المسألة.
لماذا لا أستخدم المحيط العربي وضغوطه وخطابه مع المجتمع الدولي، بأن تتقدم الشرعية الفلسطينية إلى النظام العربي لكي يقوم بواجباته؟ حماس حتى الآن تسير في حدود الشرعية العربية. وبالمناسبة: لاحظْ أن حركة حماس من الحركات الفلسطينية النادرة التي لم تصطدم بأي نظام عربي: فتح اصطدمت ... الجهاد اصطدمت. لماذا لا تستغل هذه الورقة؛ لأنني سائر على هذا الطريق وإنني محتفظ بهذا، ومن ثوابتي أن لا أنغص عليكم حياتكم؟ وينبغي أن تقوم حماس بما يسمى ببرنامج الطمأنة والتواصل مع المحيط العربي كي يتدخل ورائي ويرفدني على طريق التسوية في حدود ما ذكره الخطاب العربي، وأنه ينبغي لإسرائيل أن تنصاع للإرادة الدولية في هذه القضايا.
أما فيما يتعلق بالعلاقة بأبي مازن: وفكرة الرأسين فلديَّ بعض الملاحظات:
أعتقد أن الرجل أفلت بعض الشيء من أن يكون في مواجهة حماس؛ لأنه قرأ المعادلة بشكل أكثر ذكاءً إلى درجة أن يتصور البعض أن الرجل خرج من معركة الانتخابات بطلاً بالنسبة للجميع، يعني هو الناجي الأول من معمعة الانتخابات في حركة فتح؛ لأنه أصر عليها وسوَّقها أمريكياً، ورفض أن تخرج منها حماس، وهي في نفس الوقت أعطته ما لم تعطه لعرفات؛ أعطته تهدئة كاملة، وثقة لمرتين: مرة وهو رئيس للوزراء، ومرة وهو رئيس للسلطة، ثم أعطته ما هو أكثر من ذلك وهو أنها سوف تدخل منظمة التحرير على قاعدة إعادة بناء المنظمة. هم يصرحون بذلك على الأقل إعلامياً، ومن ثَم هنالك أرضية مشتركة ما بين الاثنين، أو على الأقل مصلحة مشتركة، حتى إن بعض قادة حماس وصل بهم الأمر إلى القول: نحن ندعم أبا مازن أكثر مما يدعمه بعض الفتحاويين. أنا تقديري أن أبا مازن وبمجرد استلامه رئاسة السلطة الفلسطينية مع رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية أصبح عليه أن ينظر بمسافة لتاريخه في أوسلو وتاريخه مع بيلين وتاريخ الموادعات السابقة. الرجل لم يعد يردد المقولات التي كان يرددها قبل وصوله، ربما أنه قرأ مرحلة عرفات وأنه ينبغي أن يكون ممثلاً لكل الفلسطينيين، ولو كان ممثلاً لفتح فقط لعارض إجراء الانتخابات، ولأيّد تأجيلها لأكثر من مرة، لكنه فيما أتصور من الممكن إيجاد أرضية معه وهو لا يرغب في توسيع الشرخ.
فيما يتعلق بالوضع المالي والاقتصادي: في تقديري أن هذا التحدي مهم جداً؛ لأن له علاقة بتوزيع الولاءات. المال السياسي استخدم في الساحة الفلسطينية بما لا يقاس مع أي حالة أخرى، وفشل بما لا يقاس مع أي حالة أخرى، وآخر مظاهر الفشل ما قلته في البداية من أن الاتحاد الأوروبي وبعض الشركاء المانحين أنذروا الشعب الفلسطيني بوقف الدعم عنه إذا ما وصلت حماس؛ فإذا به يوصِل حماس وهذا نوع من أنواع الانتقام لجرح الكرامة. وكان الفلسطينيون يتكاذبون على بعضهم، ويصوتون لحماس، وهم يفهمون جيداً أن هذه الأموال التي تأتيهم من المانحين هي لشراء المقاومة، ولشراء السكوت، وتمرير التسوية؛ فلما أن أفصح المانحون عن هذه النية بشكل علني اضطر كل من السلطة والشعب أن يتبرؤوا منهم حتى إن بعض عناصر السلطة رفضوا هذه الفجاجة في شرائهم؛ لأنهم سيُتهمون بالتواطؤ ضد مصلحة الشعب الفسطيني.
ما هو البديل هنا؟ لدينا أكثر من بديل. أعتقد أن الأوروبيين والأمريكيين سوف يتراجعون في لحظة من اللحظات بشكل مباشر، بضخ الدعم مرة أخرى، وبشكل غير مباشر بأن يوحوا لدول عربية أن تغطي المسائل في الحدود التي لا تؤدي إلى انفجارات في الداخل.
من ناحية ثانية تستطيع حماس وهي ذات علاقات طيبة بكل الدول العربية أن تطالب علناً بأنه لا ينبغي معاقبة الشعب الفلسطيني لأنه اختارني، فإذا أردتم ذلك فسوف أنسحب، يعني من الممكن أن تصل إلى أنها تهدد بانهيار هذه العملية الديمقراطية، وأنا متأكد أنه لا يوجد بعد هذه العملية إلا الفوضى، وسيناريو الفوضى ليس مطلوباً فلسطينياً ولا إقليمياً ولا دولياً ولا حتى إسرائيلياً، ولذلك إسرائيل عادت لتقول سأعطيكم المستحقات حتى تشكيل الحكومة. ومن ناحية ثانية فكرة التلويح بإيران: طبعاً أنا لا أوافق على أن القرار الفلسطيني قد انتقل من مانحين دوليين إلى مانحين إسلاميين بشكل مباشر. أخشى من إيران وهي في معمعة الصراعات الدولية الآن بأن تؤثر على سمعة القرار الفلسطيني، والأموال العربية أكثر مأمونية في حدود وجود نظام عربي طبعاً، ولا أعني أن الأموال من جهة إسلامية تعتبر شيئاً نكراً أو شيئاً إدّاً، لا، بالعكس؛ لكننا يجب أن نعمل في حدود ما يدرأ شبهة إمكانية أن يتعلق بعض الأطراف بالتشكيك في نوايا حماس.
كنت أعجب أن يتهم البعض حماس بتلقي أموال مثلاً من جهةٍ ما في الوقت الذي يتلقون هم فيه من الجهة نفسها.
هناك فكرة أخرى وهي فكرة الاقتصاد المقاوم؛ اقتصاد التقشف، اقتصاد الزهد، من الممكن بحسن التدبر والتصرف أن يكون قليلُ الموارد الفلسطينية كثيراً، خاصة إذا تجنبت حماس سياسات البعثرة والبذخ والاقتصاد الترفي.
اقتصاد المقاومة كان تجربة ناجحة جداً أفسدها نمط ما بعد «أوسلو» بدون تحديد، لكن الآن من الممكن تذكير الناس به على المدى الطويل.
وفي المدى القريب على حماس فعلاً أن تغطي ما كان موجوداً حتى يتم التغيير الثقافي المطلوب؛ يعني لا أستطيع أن أطالب ١٤٠ أو١٥٠ ألفاً تم استيعابهم في السلطة في الصباح الباكر أن يبحثوا عن عمل، وخاصة أن كثيراً منهم قد انتخب حماس وإلا لما وصلت لـ ٦٠ في المائة، ومن ثَم لا يصح أن يكافأ هؤلاء الناس بأن يُلْقَوْا إلى العراء؛ فنحن في حالة ليست طبيعية وحماس ينبغي أن تدرك ذلك.
أما مشكلة الجهاز الإداري في الحالة الفلسطينية وكونه مسيَّساً: فنحلها إما بإحلال عناصر مكان عناصر، وإما بكسب الولاءات مع الأخذ في الاعتبار أن فتح ليست وحدة واحدة، وسوف تجد حماس من داخل فتح من يتعاون بشكل طبيعي؛ لأن الولاء في تقديري ـ والله أعلم ـ لم يكن ولاء بالمطلق، وإنما كان ولاء في حدود مصلحية ووظيفية؛ فإذا وجد أن حماس من الممكن أن تضمن هذه الأوضاع بشكل أو آخر فأعتقد أنه يمكن أن يخفف من غلوائه، ويتبع الأوامر والضوابط الجديدة التي سوف تتبعها حماس. نعم جهاز السلطة هو فتحاوي، لكن (فتحاوي) كلمة فضفاضة، وإلا لما كانت هذه الفوضى ولا هذه الفضفاضية ولا هذا الغموض ولا هذه الجماعات والقوائم المستقلة في الانتخابات؛ سواء بالقائمتين أو بالانتخاب خارج القوائم. معنى ذلك أننا أمام إمكانية لإيجاد من يتعاون مع برنامج حماس في السلطة خاصة إذا ثبتت طاهرية هذا البرنامج.
أما بالنسبة للوضع الدولي فليس سيئاً إلى ذلك الحد، وبالإمكان ربطه بهذا القوس الذي يظهر في المنطقة: إيران سورية لبنان العراق وطبعاً فلسطين؛ قوس الممانعة هذا المشتد في المنطقة ممكن أن يؤثر على القرار الأمريكي، وعلى الولايات المتحدة أن تخفف من غلوائها، وسوف تجد من ينصحها من المنطقة بتخفيف هذه الغلواء.
ثانياً: أتصور أن مشروع الشرق أوسطية قد ضرب ضربة شديدة، وكذلك مشروع نشر الديمقراطية سوف يضرب من جهتين: من النُّظُم، ومن الولايات المتحدة ومروجيها. النظم سوف تقول لهم: هذا هو البديل، وهم سوف يرون البديل بأعينهم، وسوف يتم تقليل الاعتماد على هذا الخطاب في التعامل الإعلامي مع المنطقة.
الأول: وهو: هل التضييق على حماس إقليمياً ودولياً لن يطال الناس الفلسطينيين؟ حماس والناس معادلة مهمة جداً، وخاصة أن الناس هم الذين اختاروا حماس.
الثاني: هل التضييق على حماس سيؤدي إلى انصراف الناس عنها؟ هذه قضية أخرى.
الثالث: هل التضييق على حماس سيؤدي إلى مزيد من الالتفاف حولها؟
نظرتي ميالة إلى أن التضييق على حماس أمر مفروغ منه، وأظن أنه حال الابتلاء هو كذلك هو حال ضيق يتطلب البحث عن نوع من المخرج. في هذا الإطار أرى أن يتم تقسيم التحديات من خلال القضايا كالتالي:
التحدي الأول: هو تحدي الإدارة؛ يعني أن هذا تحدٍ مهم جداً؛ إذ لا توجد دولة من غير إدارة (جهاز بيروقراطي) هذا الجهاز البيروقراطي هو يد الدولة.
ثم بعد ذلك يتوافق مع تحدي عملية التنفيذ؛ لأنه قد يقوم هذا الجهاز الإداري بشكل من الأشكال بشل يد حماس في إطار التفاعل اليومي والمعيشي في هذا السياق، مع الأخذ في الاعتبار ما قاله الدكتور خالد، ومن المهم بالنسبة لي أن أسمع هذا من فلسطيني يخبر الوضع الداخلي، ويعرف أن هناك مثلاً في فتح من سيتعاون بالفعل مع حماس في هذه المسألة. نقطة ضوء في هذا التحدي أو الابتلاء.
ثم بعد ذلك تحدي الأمن. التحدي الآن تحدٍ خطير شديد الخطورة للتصارع على ملفاته وأجهزته بين الفرقاء، ولمساس هذا التحدي بطبيعه الصراع واستمراريته.
إن الملف الأمني كان بإيعاز من الغرب وبرغبة منهم بعد طول خلاف؛ خلاف إلى رئيس الوزراء، والآن الحديث عن تبعية الأجهزة الأمنية لأبي مازن.
ثم بعد ذلك التحدي الذي يتعلق بالتمويل.
ثم تحدي التسوية وتحدي المقاومة؛ لأن التحدي هذا أصلاً موجود. التحديان موجودان مع بعضهما.
ثم هناك تحدي العملاء؛ وهذا ملف أظن أن حماس لا بد أن تفتحه، وستفتحه بشدة؛ لأنها تضررت منه هي وكل قوى المقاومة، ولن يستطيع أحد أن يلومها في ذلك.
ثم تحدي ملف الفساد.
ثم تحدي التشابه الذي يتعلق بتحدي الداخل والخارج في هذا الإطار، والتحدي الإقليمي، والوهن العربي.
كل هذا يفرز تساؤلاً من نوع آخر: هل إدارة الحركة مثل إدارة الانتفاضة مثل إدارة الدولة؟ هذه أسئلة حقيقية يجب أن تطرح على أرضية النقاش بشكل حقيقي. لا بد أن نرى ماذا زاد في عملية الإدارة الآن عن إدارة حركة ملتزمة عقائدياً وملتزمة وطنياً وتنظيمياً؛ هذه أظن أن الإدارة فيها تكون وفق آليات محددة وسهلة نوعاً ما، وفيها انضباط وميسرة.
إدارة الانتفاضة تطلبت عمل آلية، ونجحوا في عمل لجان تتعلق بهم. قدروا إلى حد كبير، فكانوا يتنادون في لحظة الأزمة، لو حدثت أزمة؛ وهذه آلية جيدة؛ لأن قدرة أي نظام تتمثل في شيئين:
ـ آليات التجدد الذاتي.
ـ وآليات النقد الذاتي.
وإذا نجح في الاثنين تولدت آليات التصحيح الذاتي دائماً. ومن الأهمية بمكان أن تترافق هذه الآليات بعضها مع بعض، ومتى ما عملت الآلية فستواجَه، وهذا شأن الآليات، وهنا يأتي دور التطوير وتوليد آليات جديدة، فيقول لك مثلاً: الدم الفلسطيني خط أحمر، حتى استخدام مثل هذه الشعارات أمر مهم مع الآلية نفسها.
أنا أعتقد أن إدارة الانتفاضة وقوى الممانعة وقوى المقاومة لديها رصيد من العلاقات التاريخية ورصيد من الثقة بين العناصر المختلفة، وأشكال تنظيمية واتفاقات واقتراب، هذا الرصيد موجود لدى حماس وموجود في المجتمع الذي ستواجه به التحديات.
ثم هناك بعد ذلك إدارة السلطة؛ تختلف عن هذا وذاك؛ لأن فيها عنصراً زائداً، وهنا تكمن مشكلة من عدم اليقين إزاء الحالة الموجودة والتي هي إدارة السلطة في دولة احتلال وهو أمر صعب جداً، وهنا تكمن عبقرية الشعب الفلسطيني؛ وهذه لا بد من أن تدرس: كيف يُتَعامل مع الهموم الثقيلة؟
نمط الحركة السياسية، ونمط الأداء السياسي.
نمط الحركة السياسية يتضمن مساراً، ونمط الأداء السياسي يتطلب مساراً.
إذاً نحن فعلاً أمام هذه المعضلة التي تتعلق بالكلام عن معادلة الثوابت والضغوط، معادلة التحدي والاستجابة. طبعاً الاستجابة التي تحدث في هذه العوامل والرصيد مهما كان نستطيع أن نقول إنه رصيد ليس بالقليل، لكنه أيضاً ليس بالكثير وخاصة هناك مطالبات عجيبة جداً ... مطالبات بالمرونة ... مطالبات بالواقعية ... مطالبات تتخطى حد الواقعية إلى الوقوعية، يعني أنت منهزم منهزم. ودعنا نضع سيناريوالانهزام: دون أن يعطيك فرصة نهائياً لكي تلتقط أنفاسك كي تواجه مثل هذه التعارضات أو تفكر تفكير العزة، ومتى ما أعملت عقلية العزة عند ذلك تبتدئ متوالية الحلول لتقابل استراتيجية الأهوال.
^: وماذا عن السيناريوهات المحتملة والمتوقعة؟
أولاً: سيناريو الفوضى وهو مرفوض ولا بد من التفكير فيه؛ لأننا حين نفكر في سيناريو إيجابي لا بد أن نفكر في السيناريو السلبي المقابل له لمنعه أو توفير عوامل تمنعه أو تضغط عليه بحيث لا يتطور إلى هذا الطريق.
ثانياً: في المقابل هناك سيناريوهان إيجابيان:
إما أن تشكل حماس حكومة وحدها، وإما أن تشكل حكومة وطنية، وهذان السيناريوهان أو الاحتمالان اللذان يجب أن نتوقف عندهما في هذا: هل من الأصلح أن تقوم حماس بتكوين حكومة خاصة بها؟ وهذا في الأداء السياسي سيتطلب نوعاً من الخطاب معين ـ لأنه معروف ما هو خطاب حماس ـ وأداء سياسي معين. أم أن حماس ستقود حكومة وحدة وطنية؟ في هذا المقام يجب أن تتأخر ما استطاعت لاعتلاء السلطة وتكوين بنية فكرية وثقافية وإقناعية لهذا الأمر الذي يتعلق بالسلطة. أنا أميل للاختيار الثاني.
المستوى الأول: هو المستوى الذي يتعلق بفكرة التهيئة للسيناريو أو ما يمكن تسميته بالبنية التحتية لهذا السيناريو: تهيئة الأرض أو حرث أرض هذا السيناريو.
ثم المستوى الثاني: وهو عملية التأسيس لهذا السيناريو أي وضع الأساسات التي تتعلق بهذا السيناريو.
ثم المستوى الثالث: وهي عملية استقرار السيناريو، وهنا الحديث عن آليات الاستقرار.
ثم المستوى الرابع: آليات الاستمرار لهذا السيناريو.
ثم خامساً: آليات التمكين لهذا السيناريو، وأقول عند التفكير في أي سيناريو علينا أن نفكر في هذا كله واحتمالات تغيير هذا السيناريو والمعوقات.
لا بد أن يكون هناك فعل إيجابي مبني على تفكير إيجابي في الوسائل والأدوات والأساليب وفقاً للقاعدة الأصولية: (إذا ضاق الأمر اتسع) .