[والت ديزني.. والجانب الطفولي في الحرب الإعلامي]
جمال الحوشبي
أخذت أقلب عدداً من البطاقات الجذابة الصغيرة ذات الصور الملونة التي قامت شركة ديزني بطرحها مؤخراً لاجتذاب الأطفال؛ ترويجاً لعدد من أفلامها الكرتونية المدبلجة. ولسابق معرفتي بهوية هذه الشركة وتاريخها الطويل في استفزاز المسلمين؛ من خلال أفلامها ومعارضها ومهرجاناتها التي يغلب على طابعها الهوية الصهيونية، رجعت إلى مشروع بحث موضوعي قديم قمت بإعداده ثم توقفت عنه لانشغالي بغيره.
بدأت فكرة المشروع الأولى في أعقاب مشاهدة مباشرة لفيلم من أفلام ديزني المدبلجة، قرأت من خلاله رسالة واضحة ربما خفيت على بعض المشاهدين، ولقد كانت مشاهدة موضوعية هدفت منها إلى الخروج بنتائج موضوعية ـ كذلك ـ تحدد الإطار العام للعقلية التي تقف خلف هذه الأفلام، والرسالة التي تحرص إدارة الشركة على إيصالها للمشاهد بالأسلوب الذي تراه مناسباً بحسب الظرف والمرحلة. وحتى تحكم على عملٍ ما فإنه يجب عليك ألا تقف عند حدود الانبهار بتفاصيله الكثيرة المشوِّقة.. فقط اخرج من دائرة الحدث، وتجرد عن مغريات الإثارة، ثم انظر من بُعد للعمل كله مع اصطحاب عدسة مكبرة لترى تفاصيل بعينها تقودك إلى الحقيقة. وإليكم هذا المثال من خلال عرض لذلك الفيلم الموجه بأهدافه الصهيونية، والذي تتصدر الدعاية له تلك البطاقات الملونة التي تتداولها تلك الأيدي البريئة في مدارسنا ومنتدياتنا العامة.
- (حياة حشرة) .. وملحمة صراع النمل مع الأشرار!!
قرية مسالمة من النمل تعيش بسلام حياة الجد والنشاط، وتدير أمورها الخاصة بـ (ديمقراطية) واحترام، وانسجام وتعاون، تظللها شجرة سَرْو كبيرة على ضفاف الوادي السحيق المحيط بها فوق ربوة عالية، وتُحْدِق بها الخيرات من كل مكان. شيء واحد يقلق هذه القرية المسالمة.. إنه سرب من الجراد الأشرار الهمجيون القادمون من الصحراء القريبة، أولئك الذين لا يعرفون معنى للديمقراطية، فقائدهم ديكتاتوري عنيف، يطبل إعلامه من حوله ـ جرادة خرقاء تهذر كثيراً ـ ممجداً لكل قرار صائب يتخذه ذلك القائد. أما بقية السرب الذين يقودهم فهم حشرات بُلْهٌ يسيرون خلفه، وهم ـ بحسب الفيلم ـ لا يملكون دفعاً ولا رفعاً، ولا يهمهم سوى شهواتهم التي يحصّلونها من جراء السير خلف الزعيم والتسبيح بحمده، وتأييده في أعقاب كل قرار يتخذه. إنهم جميعاً زمرة جراد متوحشين يُغيرون على جيرانهم ـ المسالمين ـ.. ينهبون خيراتهم، ويرعبون صغارهم، ويتربصون بهم الدوائر كلما سنحت لهم الفرصة أيام الحصاد.
ولما لم تجد القرية ملاذاً من هذا الخطر المحدق قررت الاستسلام ـ لفرط ضعفها، ورغبتها في الأمن والسلام ـ واختارت دفع الإتاوات الظالمة لزعيم الجراد، وآلت على نفسها أن تحرم نفسها من الخيرات الكثيرة التي تقوم بجمعها بدلاً من المواجهة الخاسرة مع أولئك الأشرار. لكن مغامراً من بينها قرر السفر إلى الغرب باتجاه الحضارة والمدنية ليستعين بأفراد منها لقمع هؤلاء ـ الجيران ـ المعتدين. وتحت أضواء المدينة.. بمزيجها الاجتماعي وشوارعها المكتظة، وعماراتها الشاهقة ووهج النيون والملاهي الليلية؛ يتعرف ذلك الفدائي الصغير على الفريق المنقذ، ويتفق معه على مساعدة بني قومه من الهلاك، وحمايتهم من جيرانهم المعتدين. غير أن الطريف في الفيلم يكمن في تصوير فرقة الإنقاذ تلك بمجموعة من المهرجين الفاشلين، وبالفعل تتوجه الفرقة على متن طائرة خاصة ـ حشرة خنفساء كبيرة ـ إلى قرية النمل، وتبدأ باستعراض قوتها الجوفاء، والتخطيط للقضاء على الأعداء.
لقد كان ذلك المغامر فدائياً حقاً فقد أقنع أعضاء الفرقة بالصمود بعد أن كانوا متخوفين من مواجهة ذلك الجراد المتوحش، واستطاع أن يبتكر حيلة لإخافة أولئك المخربين وطردهم، ولكن الحيلة ظهرت، والمخططات انكشفت، ليأتي بعدها دور منقذ حقيقي آخر استطاع تفريق الجراد، والقضاء على زعيمهم.
ووسط حفاوة بالغة يتم توديع فريق الإنقاذ، وتظهر الدنيا في ختام الفيلم ـ كالعادة ـ بمظهر محبب، فالربيع يعود لنضارته، والزهور تتفتح من جديد، وتشرق الشمس بعد القضاء على أولئك الأشرار.
هذه القصة الرمزية باختصار هي مادة فيلم الرسوم المتحركة (حياة حشرة) الذي قامت بإنتاجه والت ديزني، ولو أن شركة أخرى سواها أخرجته لم يكن هناك مسوِّغ لتكلف البحث وتدقيق النظر في الرسالة التي يعرضها الفيلم خارج إطار التسلية والترفيه، غير أن استبدال هذه الرموز في الفيلم بما يقابلها في العقلية اليهودية، متصلاً بالواقع المحيط بدولة (إسرائيل) يحدد معالم الصورة الكاملة، فقرية النمل اختيرت بعناية ودقة متناهية لتمثل دولة (إسرائيل) بديمقراطيتها المزعومة، وكفاحها، وحبها للسلام، ورغبتها في الأمن. أما ذلك السرب الهمجي من جراد الصحراء الأشرار فتصوير للعرب المحيطين بها. وتظهر نفسية اليهود وغطرستهم وتعاليهم حتى مع من يقدم لهم يد العون في تصوير المنقذ الغربي بفريق من المهرجين المخفقين الحمقى الذين لم يعد دورهم في مواجهة العرب دور الفزاعة التي تخيف الغربان في حقل الذرة الكبير، إلى أن ظهر الحليف الاستراتيجي الجديد بقوة على مسرح الأحداث.
بهذه النظرة الكلية يمكننا رسم الإطار العام للفيلم، وإذا خضنا في تفاصيله الدقيقة فالمجال واسع، والآراء تتباين، والحديث عنه أكثر اتساعاً، فلربما كانت تلك العجوز الشمطاء الحكيمة في قرية النمل رمزاً لدور امرأة حقيقية في تاريخ اليهود على غرار «جولدا مائير» ، ولربما كان قائد الجراد الأشرار رمزاً لأحد رموز النكسة العربية من الثوريين العرب الذين يمتلئ بهم تاريخ الصراع قديماً وحديثاً، مع اعتقادي أن الفيلم أهمل نوعاً آخر من الجراد هو ذلك الجراد المهجن الذي انضم إلى فرقة الإنقاذ مؤخراً بعد أن أخذ على عاتقه حماية قرية النمل تلك من إرهاب أبناء جنسه!!
أما ذلك الشاب المخترع في الفيلم الذي أنقذ بني قومه؛ فشخصية حقيقية في تاريخ اليهود يُكِنُّ لها الصهاينة اليوم الإعجاب والتقدير ـ كما سيأتي ـ. وهكذا يتم استبدال الرموز واحداً تلو الآخر وفق دراسة دقيقة، بأسلوب ماكر، وبتوجيه غير مباشر لتكتمل معه الرسالة المطلوبة. ويكفي أن يدرك المشاهد الصغير ـ في هذه المرحلة ـ أن هناك قرية مسالمة تتعرض للاضطهاد والظلم والاعتداء من قِبَل جيرانها الأشرار، أياً كانت هذه القرية، ومهما كانت هوية أولئك الأشرار سواء أكانوا جراداً صحراوياً كما تُصورهم ديزني لمشاهديها الصغار، أو كانوا عرباً مسلمين إرهابيين كما تُصورهم لمشاهديها الكبار.
إنه غزو حديث ومطوّر هذه المرة، وحملة إعلامية جديدة تكمن الخطورة فيها من خلال جهلنا برسالتها الحقيقية الغامضة؛ وفي أننا نقتنيها بأموالنا، ونحتفي بها في أسواقنا لنفسد بها عقول أبنائنا وبناتنا!!
ومسلسل الصراع الدامي بيننا وبين اليهود قديم قِدم التاريخ، ومتجدد تجدد المستقبل، فأمة اليهود أمة ملعونة في القرآن، ناقضة للعهود، ولا تعرف للسلم معنى، وتسعى في الأرض فساداً. كما أنهم ـ كعادة الشعوب المستضعفة إذا تمكنت ـ لا يعرفون للرحمة معنى في تعاملهم مع من هم أقل منهم قوة وعتاداً، ويرتفع رصيد التأييد لقادتهم بدرجة الغطرسة والقهر والمجازر التي يسوم المستضعفين بها، والوعود الآثمة بسلب الحقوق، ونقض العهود، والقضاء على الشعب الأعزل. وما يحدث على أرض فلسطين المسلمة خير شاهد على ذلك؛ حتى أولئك الذين يسارعون فيهم خوفاً وطمعاً، ويقدمون لهم الولاء، ويعلنون أنهم الحريصون على أمنهم واستقرارهم؛ لم يسلموا من التحرش ومن البطش والنكال.
هكذا إذن بدت التفاصيل أمامي وأنا أستعرض هذا الفيلم الذي اشتراه أحد الزملاء، ورغبت في تقييمه قبل أن يتوجه به إلى المنزل ويقرر عرضه على طفله الصغير. ولربما كانت (عقدة المؤامرة) هي المخرج الذي يَسِمُ به البعض هذه الاستنتاجات الواعية وأمثالها، والتي تتولى الربط بين حقيقة المواجهة مع العدو والمنتجات الإعلامية والثقافية والفكرية التي يقدمها، والسبب كامن في النظرة السطحية الشفافة التي ينظر هؤلاء من خلالها إلى ما يُقدم إليهم بغضِّ النظر عن هويته وأهدافه.
ولم أشأ أن أسترسل في مشاهدة بقية أفلام الأطفال التي أصدرتها هذه الشركة لإثبات هويتها اليهودية، وكشف الرسالة الصهيونية التي تحملها؛ لعلمي بمدى الحاجة إلى عمل مؤسسي إعلامي فاعل يُعنى بمثل هذه الدراسات الناقدة، ويتولى مهمة كشفها، والرد المناسب عليها، كما يسعى إلى الحد من تداولها، وتوجيه المسلمين لمقاطعتها؛ حفاظاً على عقول الناشئة، وصيانة لمناهج التربية في عالمنا الإسلامي.
تلك كانت القناعة الأولى قبل أشهر من اطلاعي على دعاية أخرى بثتها شركة والت ديزني باللغة العربية، في هذا الإعلان ذكرت الشركة عزمها على توزيع كميات كبيرة من النسخ المجانية في مصر لفيلمها الكرتوني المدبلج الجديد (الديناصور) ، والعديد من الأفلام الأخرى، إضافة إلى تقديم عروض مجانية لهذا الفيلم في السينما المصرية خاصة. ولعلمي بهوية الشركة تساءلت حينها: لماذا هذا الفيلم خصوصاً؟ ولماذا تم اختيار هذا القطر العزيز على قلوب المسلمين خاصة؟ حتى توافر لي ـ بعد الطلب ـ نسخة من الفيلم، ومعه كانت التجربة الموضوعية الثانية.
- (الديناصور) .. وقصة الخروج إلى أرض الميعاد!!
يعد فيلم الديناصور عملاً فنياً متقن الإخراج، يتجلى فيه مزيج من التشويق والإثارة من خلال شخصياته المتعددة ـ المحببة إلى الأطفال ـ بالإضافة لجودة الإخراج والتصميم الذي اعتمد تقنية ثلاثية الأبعاد هذه المرة (١) ، غير أن هدفه الجوهري الغامض، ورسالته التي يسعى إلى إيصالها كانا أكثر إتقاناً وأشد إثارة، وفي سبيل تعزيز رسالة الفيلم حرصت إدارة الشركة على التمهيد بمقدمة موجزة مقارنة بفيلم (حياة حشرة) الذي أدخل المشاهد مباشرة في قرية النمل. وهذه المقدمة في هذا الفيلم مهمة جداً نظراً للرسالة بالغة الأهمية التي يحملها، والتي تتطلب هذا القدر من التوضيح لمتوسطي الفهم من المشاهدين. وليس غريباً أن تنص هذه المقدمة على عبارة دقيقة غامضة تقول: (إن هناك أشياء تبتدئ كبيرة، وهناك أشياء تبتدئ صغيرة. ولكن أحياناً تكون هذه الأشياء الصغيرة هي التي تعمل أكبر تغيير في حياتها) ! فما هذه الأشياء التي بدأت صغيرة والتي عملت تغييراً كبيراً في حياتها؟ قد لا نملك الجواب بسرعة، ولكنا لن نتردد في الإشارة إلى تجربة (إسرائيل) دولة اليهود على أرض فلسطين المسلمة، من خلال سرد أحداث الفيلم، ومن خلال خاتمته الموجزة ـ كذلك ـ التي تقول: «لا أحد منا يعرف نوع التغيير الذي سيحدث في المستقبل، لكن هناك شيء مؤكد.. وهو أن رحلتنا لم تنته..» . نعم! إنها رحلة طويلة من صراع طويل لن ينتهي إلا على ضفتي نهر الأردن في الملحمة الكبرى الفاصلة مع المسلمين!
لكن لنعد لقصة الفيلم منذ البداية:
تبدأ أحداث الفيلم بإيحاءات العهد القديم الموغل في القدم ـ يبدو ذلك من آثار الجداريات والأحافير التي يتم عرضها بسرعة ـ وفجأة يبدأ ذلك العهد بالظهور والحركة لينشق عن منظر وحيد؛ إنه منظر لمجموعة من البَيْض تحوطه بالعناية أمٌّ رؤوم تحوم حوله وتخاف عليه وترعاه.
ينتقل المشهد لمنظر علوي رائع لأرض نهر كبير بأشجارها الكثيفة الرائعة وجبالها المزدانة بوشاح أخضر، ومياهها الرقراقة وطيورها الكثيرة. وعلى ضفتي النهر يظهر قطيع ضخم يضم عشرات الألوف من فصيلة الديناصورات آكلة الأعشاب ـ هذه المرة ـ تعيش بسلام في هذه الأرض. ويتكرر التأكيد على التضييق والاضطهاد الذي تعاني منه هذه الأمة، فكما حمل الفيلم السابق الرسالة نفسها في العصر الحديث؛ ها هي ذي الرسالة تتكرر في هذا الفيلم لتنقل جانباً من المعاناة في العصر الغابر. كما يحرص الفيلم على إظهار خطر آخر ينغص على هذا القطيع عيشه، وهو أنه يعيش بجوار قطيع آخر من الديناصورات المتوحشة آكلة اللحوم. وهذا التباين في هوية هذين الجارين مهم جداً؛ إذ يوحي بمعاني الذلة والمسكنة والاستضعاف بجوار القهر والظلم والتسلط الذي يسعى المخرج إلى غرسه في عقلية المشاهد.
ينتقل المشهد فجأة ليصور حدثاً خطراً كان يجري على سطح الأرض.. عن كثب يقف ديناصور ضخم بشع ومتوحش يرقب القطيع، ثم يهجم عليه فجأة، ويدب الفزع، وتسود الفوضى. جميع القطيع يهرب، حتى الأم تركض فزعة مخلفة البيض وراءها، ويتكسر كل البيض تحت أقدام هذا (الوحش) ما عدا بيضة واحدة قُدّر لها النجاة، ويُسلط الضوء ـ لثوان معدودة ـ على هذه البيضة الفريدة قبل أن يختطفها ديناصور آخر ثم يلقي بها في البحر. وفي خضم الأمواج المتلاطمة تحوطها العناية الإلهية وترعاها طوال رحلتها الشاقة الخطرة، وتحفظها من الكيد والأذى، فتراها تنجو من أنياب التماسيح، ومخالب السباع، وأقدام الزواحف الضخمة على طول ذلك النهر الكبير، حتى تقع بين مخالب طائر لاحم يختطفها ثم يطير بها بعيداً.. إلى هناك جهة الشرق البعيد، وبعد صراع مفتعل مع أحد الطيور يلقي بها في إقليم آخر، وسط حياة جديدة بين مجموعة من القرود. إخالكم أدركتم الآن طرفاً من القضية المحورية التي تدور حولها أحداث هذا الفيلم في هذا المقطع الأول من مقاطعه المتعددة!
نعم! إن هذا الفيلم يحمل رسالة يهودية جديدة هذه المرة، فهو يصور للطفل ـ بطريقة سهلة غير مباشرة، وبأسلوب شائق ومثير ـ البدايات الأولى لتكوين الدولة اليهودية على أرض فلسطين المسلمة. وإدارة الشركة في هذا الفيلم تحرص على إظهار الحق التاريخي والديني لقضيتهم، فتجدهم يبدؤون قصة النشأة من هناك.. لحظة خروج اليهود من أرض مصر التي كانوا يذوقون فيها صنوف الذل والقهر والبطش من جيرانهم الأشرار.. فرعون وجنوده. كما يظهر الفيلم صورة رمزية لولادة نبيهم موسى ـ عليه السلام ـ الذي نجاه الله ـ تعالى ـ من القتل على أيدي الجنود الظلمة. ويختزل الفيلم حياة موسى ـ عليه السلام ـ الطويلة في بيت فرعون لتمثل تلك الرحلة الطويلة للبيضة من لحظة التقاطها إلى أن يقذف بها في الأرض الجديدة التي تمثل مرحلة النشأة؛ إذ لا حاجة لعرض تلك الفترة الطويلة التي لم تكن فيها أحداث مهمة تمس تاريخ اليهود. وهناك بين مجموعة من القرود الرحماء ينشأ ذلك الطريد الغريب ويُعَدُّ بعناية فائقة، غير أنه لا يطول به المقام، فبعد حياة الأمان والمرح والسعادة على تلك الأرض تحين ساعة الرحيل. وهنا يعمد مخرج الفيلم إلى ربط علمي مهم اختير بعناية فائقة ليصور نظرية من النظريات المقدمة لأسباب انقراض ديناصورات عصر الجوراسي قبل ٢٢٥ مليون سنة كما يذكر الجيولوجيون؛ عندما كانت تعيش على الأرض ديناصورات آكلة نباتات إلى جانب أخرى بدائية آكلة لحوم مقاربة لحجم النعامة التي نراها اليوم، ليتوافق ذلك مع أسباب الخروج الفعلي لموسى ـ عليه السلام ـ من أرض مدين. وفي حين تتنزل الشهب والنيازك من السماء للقضاء على مظاهر الحياة هناك؛ فإن تدبيراً آخر من السماء يختار فرداً كريماً من أولئك المستضعفين ليقود قومه في رحلة النجاة إلى أرض الميعاد.
بهذه الإثارة والمعاناة ينتهي المقطع الأول للفيلم الذي يجتمع فيه التشويق مع مراعاة التسلسل المنطقي للأحداث.
ثم يبدأ المقطع الثاني، وفيه تتجلى النفسية اليهودية الحاقدة المليئة بالغدر والجحود والبهتان، وبخاصة مع نبيهم الكريم الذي أنقذهم الله ـ تعالى ـ به من حياة الذلة والمسكنة إلى حياة الحرية والاصطفاء. والحقيقة أن هذا النبي الكريم تعرض في حياته، وبعد مماته لصنوف من الأذى والمضايقات والافتراءات على يد اليهود قتلة الأنبياء والرسل. ويعود سبب ذلك الأذى والبغض لشدة هذا النبي الكريم عليهم بالحق، وغيرته على محارم الله ـ تعالى ـ التي ظل اليهود ينتهكونها، وشرائعه التي كفروا بها.. بدءاً من طلبهم أن يجعل لهم إلهاً من دون الله تعالى، وانتهاء بعبادتهم العجل من دون الله ـ سبحانه ـ في غيبته.
وفي هذا الفيلم تجلية لحقيقة ماثلة، وتصوير لمظهر من مظاهر ذلك الأذى بعد ألوف من السنين على وفاة موسى عليه السلام. والناظر لما يصدر عن النفسية اليهودية الحاقدة لا يقف طويلاً عند الهدف الخفي الذي يصوره المقطع القادم من الفيلم الذي يبدأ بهجرة ذلك الديناصور ـ المنقذ ـ بحثاً عن بني قومه الذين يلتقي بهم أخيراً تائهين في وهج الشمس بصحراء سيناء القاحلة، وهائمين على وجوههم بلا ظل ولا ماء، وهم مع ذلك مطاردون من عدد من الديناصورات آكلة اللحوم الغاضبة. والملاحظ في الفيلم أن هذا الديناصور الشاب يجد القطيع منهكاً.. تائهاً لا يعرف إلى أين يسير مع أن له قائداً ومساعداً يوجهان حركته الضخمة. لم يكن لدى القطيع بد في المسير؛ فالقائد ـ كما يصوره مخرج الفيلم ـ فظ غليظ القلب، شرس الطباع، ظالم لا يرحم الضعفاء وكبار السن والمرضى، وهو مضطرب في قراراته؛ فها هو يصدر أوامره الصارمة فجأة بالتوقف للراحة، وبعد قليل يصدر أمراً آخر مفاجئاً وأكثر صرامة ليتحرك القطيع قبل أن يأخذ راحته، وعن يمينه يسير ذلك المساعد الذي صُوِّر على أنه ديناصور تابع لا حول له ولا قوة، فهو يأتمر بما يأمره به، وينتهي عما ينهاه عنه، ويحفظ القطيع كلما عرض للقائد عارض.
لعلكم بعد هذا العرض أدركتم ـ كذلك ـ أبطال الفيلم من وجهة نظر اليهود! ولسبب ما تنقلب الشخصيتان؛ فرمز موسى ـ عليه السلام ـ في الفيلم ينقلب إلى رمز آخر جديد يعتبره اليهود المخلص الحقيقي لهم، في حين يُصوَّر موسى ـ عليه السلام ـ في رمز ذلك القائد العنيف الظالم.
لكن من هي الشخصية الجديدة التي استولت على البطولة، وسحبت البساط من تحت أقدام ذلك الشاب الفتي الذي نشأ وترعرع ليحقق حلم عودة القطيع إلى أرض الميعاد؟
إن المتتبع للتاريخ اليهودي الحديث لن يقف طويلاً عند ـ تخمين ـ تلك الشخصية التي يقدرها اليهود ويكنون لها الإعجاب والاحترام، فهذه الشخصية تعود للزعيم الصهيوني «حاييم وايزمان» الذي يصفه اليهود بأنه (الرجل الذي قاد شعب الله المختار إلى أرض الميعاد في أشهر لم يستطع موسى ـ عليه السلام ـ أن يقودهم إليها طوال أربعين عاماً) ، وتناسى اليهود أن غضب الله ـ تعالى ـ ولعنته التي حلت بهم ـ بسبب كفرهم ـ هي التي أوجبت عليهم الشقاء والتيه في أرض سيناء تلك المدة الطويلة التي توفي فيها هارون ـ عليه السلام ـ ثم لحقه موسى عليه السلام.
ولك أن تنظر للحقد اليهودي على نبي الله الكريم في هذه القضية خصوصاً ـ قيادة اليهود في أرض التيه ـ بالصراع الذي يفتعله مخرج هذا الفيلم بين عصرين متباينين لليهود في الزمان والمكان: عصر سحيق موغل في التاريخ القديم بقيادة موسى ـ عليه السلام ـ كليم الله تعالى، الرحيم الصبور على أذى بني إسرائيل. وعصر الصهيونية الحديث بقيادة ذلك المتطرف الصهيوني الروسي خليفة هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية المعاصرة ذات التاريخ الأسود المليء بالحقد والقتل وسلب الحقوق وسفك الدماء (١) . لقد صور موسى ـ عليه السلام ـ بالقائد الذي لا يعرف أين يتجه، فهو لا يبدأ من مكان حتى يعود إليه، وبالقائد الذي كلف قومه ما لا يطيقون، وشق عليهم مشقة بالغة، لم يراعِ فيها كبيرهم، ولم يتفقد مريضهم. أما هذا القائد الشاب فيُصوَّر على أنه القائد رقيق القلب، دمث الأخلاق، الرحيم الذي يتخلف مع الضعفاء، ويتفقد كبار السن، ويواجه الصعاب، ويأسر الأفراد بحسن تعامله. بل حتى الماء الذي فجره الله ـ تعالى ـ لكليمه ومصطفاه موسى ـ عليه السلام ـ فضلاً وتكرماً حين استسقى لقومه؛ خصها هؤلاء الحاقدون بهذا القائد الجديد الذي ضرب بقدمه الأرض فانبعث الماء العذب من تحتها!! وهكذا هم اليهود قوم غدر ولؤم وبهتان وتزوير للحقائق.
ويظل الصراع في الفيلم بين هذين القائدين حتى تحين ساعة النهاية المزرية لذلك القائد الذي لا يعرف الطريق الصحيح فيموت على سفح جبل وعر يحول دون الوصول إلى أرض الميعاد، ليستلم المهمة هذا الشاب الفتي بعد هلاك ذلك القائد الهرم، ويتوجه بالقطيع جميعاً إلى طريق معاكس تماماً للطريق الذي كانوا يسيرون فيه، اكتشفه هذا القائد بنفسه، وشقَّه بعرقه وجهده، وصبره وتحمله وتضحيته. لقد كان هو الطريق الوحيد الذي رآه مناسباً لعبور ذلك القطيع نحو هدفهم التاريخي مهما كان طريقاً مزوراً يكتنفه الظلم والقهر والغدر والألم لسكان البلاد الأصليين. وبالفعل يصل القطيع الضخم لغايته ويبلغ أرض الميعاد، كما أوصل وايزمن ما لا يقل عن ١٠٠ ألف يهودي إلى أرض فلسطين المسلمة. ويختم الفيلم ـ كالعادة ـ بمنظر الخضرة التي تكسو الأرض نضارة؛ فالطيور ترفرف فرحاً، والأزهار تنتعش طرباً. ويحرص المخرج على إظهار أن جيلاً جديداً بدأ يعمر الأرض، وأن حياة جديدة بدأت تتشكل هناك وسط هتاف الجميع فرحاً بسلامة الوصول إلى أرض الميعاد، وهو احتفاء لا يقل عن احتفاء اليهود عشية دخولهم القدس في أرض فلسطين الجريحة. ويختم الفيلم بتلك المقدمة التي تربط هذا الوصول لتلك الأرض بالمستقبل الذي لا يُعلم ماذا سيحدث فيه!
إنه فيلم استطاع أن يصور قصة اليهود منذ البداية من خلال وجهة نظر اليهود أنفسهم، لكن بطريقة ماكرة ومخادعة فيها الكثير من التزوير والبهتان والحقد، والله ـ عز وجل ـ يشهد على نفسيتهم الخبيثة، والله ـ عز وجل ـ يكشف إفكهم ويُظهر كفرهم في كثير من الآيات في كتابه العزيز. ولقد قرر الله ـ تعالى ـ حقيقة غضبه ولعنته لليهود، وأنها بسبب كفرهم ومجاوزتهم حدود الأدب معه ومع أنبيائه ورسله. قال ـ عز وجل ـ: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة: ٦١] .
ومن خلال ذكر الكيد اليهودي بموسى عليه السلام، وتفاقم شرهم على أنبياء الله أجمعين يحذرنا القرآن من أن نكون مثلهم فنؤذي رسولنا # كما آذوا رسولهم، على رسل الله أجمعين الصلاة والسلام، ويبين وجاهة موسى ـ عليه السلام ـ عند ربه. قال ـ عز وجل ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: ٦٩] . كما يخبرنا القرآن الكريم عن خطاب صريح ومباشر وجَّهه موسى ـ عليه السلام ـ نفسه لليهود يسألهم فيه عن سبب أذيتهم له مع أنهم يعلمون صدق رسالته، وأنه رسول ربهم، ومخلِّصهم من بطش فرعون، ويذكر ـ سبحانه ـ أن سبب ذلك كامن في فساد قلوبهم التي طبع الله ـ تعالى ـ عليها بكفرهم. قال ـ عز وجل ـ: {وَإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: ٥] . إنه الكفر والاستعلاء والفساد في الأرض الذي اتسم به جنس اليهود المبغوضين من شعوب الأرض أجمعين على مدار التاريخ القديم والحديث.
- (ديزني) تواصل حربها الإعلامية ضد الإسلام:
تأخذ الحرب الصهيونية على الإسلام والمسلمين في هذا الوقت أشكالاً متعددة، لعل من أهمها الحرب الإعلامية التي تُوظف لها الأفلام السينمائية، وأفلام الرسوم المتحركة الموجهة للكبار والصغار. وتكمن خطورة وسائل هذه الحرب في وجودها بوفرة في الأسواق وإمكانية الحصول عليها بسهولة من محلات الفيديو المنتشرة في العالمين العربي والإسلامي من دون وعي من قِبَل المشاهدين أو تحليل موضوعي دقيق لرسائلها المعادية.
وما يقال عن رسالة هذين الفيلمين يقال عن كثير من أفلام هذه الشركة. وباستقراء بعض تجاوزات (ديزني) ؛ نجد أنها تعمد لتصوير رسالة تكررها هذه الشركة دائماً مفادها ـ ضرورة «محاربة» الرجال الأشرار «ليظل العالم مكاناً مليئاً بالسعادة» ـ وهي تتعمد الإساءة للإسلام والمسلمين من خلال تصويرهم بأولئك الأشرار في كثير من إنتاجها الإعلامي، ومهرجاناتها المتكررة باعتماد الأسلوب المباشر وغير المباشر.. ومن تلك الأمثلة ما يلي:
١ - أنتجت شركة ديزني عام ١٩٨٢م فيلم الرسوم المتحركة (القط الطائر) ، الذي يسيء للمسلمين من خلال فكرة الفيلم التي تدور حول كوكب في الكون الخارجي جميع سكانه من الهررة الذين بلغوا درجة متطورة من التقدم العلمي، بحيث يبدو سكان الأرض أمامهم أناساً متخلفين جداً. وفي الفيلم مغامرة يتصل من خلالها قط طائر عجيب منها بعالم أمريكي شاب، ويتفقان على مواجهة عصابة «خطرة جداً» تسعى للحصول على أسورة القط كي تسيطر على العالم بواسطتها. صورت هذه العصابة ـ طبعاً ـ على أنها من العرب، وتحمل أسماء عربية هي بالتحديد «أحمد ـ محمد ـ زكريا ـ علي» !! والغريب أنهم جاؤوا بعرب حقيقيين يتحدثون اللهجة البدوية ليقوموا بهذا الدور الشرير، وقد وقَّت المخرج ظهور هذه العصابة العربية بشكل يجعل المشاهد يضج غضباً من رؤيتها، ويهلل فرحاً كلما حقق القط انتصاراً عليها. وختاماً يتدخل «الجيش الأمريكي» ، ويلقي القبض على العصابة العربية لينتصر القط العجيب والعالم الأمريكي!!
٢ - بعد انتهاء حرب الخليج الثانية وفي عام ١٩٩١م أنتجت شركة ديزني فيلماً آخر من أفلام الرسوم المتحركة يسيء للعرب والمسلمين اسمه (علاء الدين) ، يدور الفيلم حول قوة شريرة تجتمع فيها قوة الجني السحرية التي تدخل عالم القوة الكونية لانشطار الذرَّة لتصبح قوة مدمرة عظيمة، يستولي عليها رجل عربي شرير اسمه (جعفر) بأنفه المعقوف، وعمامته الدائرية، ولحيته المدببة، وثيابه الشرقية الواضحة؛ ليصبح بذلك أقوى جني على وجه هذه البسيطة. وهي صورة مشوهة دائماً للعربي المكروه تتكرر كثيراً في الإعلام الصهيوني الأمريكي.
٣ - تعدُّ شركة والت ديزني مساهماً كبيراً في جهود الحكومة الأمريكية التي تخوضها فيما تسميه حرباً على (الإرهاب) ، والذي لا يستهدف سوى دول ومنظمات خيرية، وحركات مقاومة إسلامية.
ولإظهار ما تملكه (ديزني) من قدرات، وما يمكن أن تقدمه في هذا المجال من أفلام وبرامج موجهة؛ قال مدير الشركة: «إن أحد مصادر قوتنا هو قدرتنا على التواصل مع عدد كبير من الناس في الولايات المتحدة وعبر العالم، ولذا فإننا نتحرك على عدة جهات لكسب الرأي العام العالمي في معركتنا» .
٤ - ذكر موقع شركة ديزني على الإنترنت خبراً يفيد بأنها ستدخل العهد الجديد باكتساب عدد من ملايين المسلمين في العراق. وذلك كجزء من اتفاقية (الأرض مقابل النفس) بين الشركة وصدام حسين ـ استهزاء باتفاقية (الأرض مقابل السلام) التي أطلقها العرب للتعبير عن حسن نياتهم لليهود. في اتفاقية (الأرض مقابل النفس) ستبادل شركة ديزني دولة العراق بالفائض من مخزونها الاحتياطي من الأسلحة النووية مقابل أكثر من أربعة ملايين شخص (سوف ندعوهم إخواننا وأخواتنا!!) كما يقول الإعلان. وقد رافق هذا الخبر صورة حقيقية للمسجد الحرام بمرتاديه من الطائفين والقائمين والركع السجود، لكن المفاجأة في هذه الصورة هي استبدال الكعبة المشرفة بكُرة زجاجية على شكل كرة الجولف المصممة من قِبَل فناني ديزني. وتحت الخبر وردت عبارات استفزازية متعددة للمسلمين تشمل الإساءة للنبي محمد # بتشبيهه بالفأر (ميكي) ، حيث اعتمدوا في هذه الاتفاقية شخصية جديدة تسمى (محمد ميكي) ، إضافة إلى استبدال كرة الزجاج بالكعبة الشريفة!!
٥ - لم تكفّ شركة ديزني عن الإساءة إلى الإسلام والمسلمين بشكل دائم ومستمر، وما زلنا نتذكر تلك الضجة الإعلامية والمواجهة الكلامية التي تمت بين شركة ديزني والجامعة العربية والمنظمات الإسلامية في أمريكا، والتي انتهت باستسلام الجميع وإصرار ديزني. كان ذلك في ١/١٠/١٩٩٩م عندما أقامت (ديزني) معرضاً للقدس داخل ما أسمته بـ (القبة الألفية) للشركة بولاية فلوريدا، والذي لم تساهم (إسرائيل) في تمويله إلا بقيمة ١.١ مليون دولار، أما الباقي فقد قدمته جهات أخرى لا يجهلها أحد ـ منها جهات عربية ـ!!
بل إن أحد رجال الأعمال اليهود اقترح على صفحات الصحيفة الشهيرة والواسعة الانتشار «نيويورك تايمز» أنه في حال قبول ديزني لمقترح قدمه للرأي العام بعد تغيير اسم المعرض من «القدس عاصمة إسرائيل» إلى «القدس قلب إسرائيل» ؛ فإنه مستعد لكي يمول المشروع ولو كلفه ذلك كل ثروته. وعلى باب المعرض تم تنظيم استطلاع لآراء الأطفال فقط من بين الزائرين لكي يظهر للعالم الجواب الذي سيقوله أغلبية هؤلاء الأطفال لسؤال واحد فقط هو: «ما هي عاصمة إسرائيل؟» . ومع هذا فقد شاركت في هذه القرية اليهودية دول عربية وإسلامية!
- سياسة التوجيه من خلال الترفيه:
كل أمة تحمل رسالةً ما في الحياة ـ مهما كانت طبيعة تلك الرسالة ـ هي أمة تستشعر معنى المسؤولية، وتسخِّر جميع طاقاتها لخدمة رسالتها تلك، وتوظف أهدافها الكبرى لنشرها والتعريف بها، حتى إنها لتجعل من اللهو والترفيه وسيلة مؤثرة فعالة لتحقيق القضية الكبرى والوصول إلى هدفها المركزي. وهذا ما يلمحه المتتبع لأفلام هذه الشركة في طَوْرين من أطوارها، يظهر الطور الأول في صورة الأفلام والرسائل الموجهة قبل استيلاء اليهود عليها، بينما يتجلى الثاني بعد بسط سيطرتهم عليها. ذلك أن هدف الشاب والت ديزني ـ صاحب الفكرة الأولى ـ في خطواته الأولى لإنشاء شركته؛ كانت تهدف لدمج الطفل مع حيوانات الغابة من خلال المزج السينمائي الساحر بين الأطفال والحيوانات والطبيعة. ولهذا قام بابتكار شخصيات محببة إلى الأطفال تبعث جواً من المرح والفكاهة. لكن من خلال الأزمة المالية التي كانت تمر بها الشركة ـ وبطريقة الابتزاز والمكر والخداع ـ استولى اليهود على هذا الصرح الإعلامي الضخم الذي اكتسب شهرته العالمية، ثم سعوا حثيثاً لتوظيف تلك الشخصيات الكرتونية المدبلجة في تحقيق أهدافهم وخدمة هويتهم، وبخاصة قضية صراعهم الدامي مع المسلمين. ومن خلال الترفيه تمكن اليهود من طرح قضاياهم الجادة، وفرضوها في كل المحافل، وأشغلوا بها العالم شرقاً وغرباً. إنهم إذن يدركون ماذا يفعلون، فهم لا يقدِّمون منتوجاتهم، ولا ينفقون أموالهم لمجرد اللهو والتسلية المحضة، بل ليكسبوا بها التعاطف الدولي مع قضاياهم المحورية التي يذكّرون بها المشاهد صباح مساء باستخدام الأسلوب المباشر، أو باعتماد أساليب أخرى ماكرة غير مباشرة تُدرس بعناية ثم تقدم بذكاء، مع كثير من النفاق والكذب وتزوير الحقائق. بخلاف إعلامنا العربي الغائب الذي يغامر كثيراً بعقول المشاهدين؛ عندما يصر على تقرير اللهو المحض ضمن أكثر قضاياه الجادة التي يتفنن فيها، وينفق من أجلها الميزانيات الباهظة والجهود الكثيرة.
إن كثيراً من برامج الإعلام العربي الطائشة، ومسلسلاته الباردة الساذجة لا هدف من ورائها إلا مجرد الإضحاك والتسلية وتضييع الأوقات، فإذا طرحت قضية جادة على استحياء فمن باب التنويع لا غير في أسلوب تقديم الهزل والتنافس عليه. حتى فقدت الأمة اتزانها، وتخلت عن رسالتها، ولم تكد تعي معنى الجد إلا من خلال قوانين اللهو باعتماد هذه السياسة الإعلامية العقيمة، بينما تمكن أعداؤها من توظيف اللهو لخدمة قضاياهم الجادة، وتلك هي المفارقة الحقيقية في معادلة النصر والهزيمة.
بهذه النظرة الواعية يمكننا أن ندرك الهدف من هذا الغزو ـ اللطيف ـ الموجه لأبنائنا وبناتنا، والذي صاغه اليهود بعناية دقيقة؛ مستفيدين من أحدث الأساليب المتطورة في الإخراج السينمائي عموماً، وفي عالم الرسوم المتحركة على وجه الخصوص.
- والت ديزني في عيون أطفالنا:
وبعد.. فكيف ينظر أطفالنا لهذه الشركة؟ وما حجم الوعي بأساليب الغزو غير المباشر في محتوى أفلام الرسوم المتحركة التي تقوم بإنتاجها؟ وللإجابة الموضوعية عن هذا التساؤلات قمت باستطلاع مقنن لخمسة وعشرين طالباً من طلاب المرحلة المتوسطة ممن شاهدوا فيلماً واحداً على الأقل من أفلام الرسوم المتحركة التي تنتجها شركة ديزني، والذين تتراوح أعمارهم بين ١٣ ـ ١٥عاماً؛ لمعرفة آرائهم حول خمسة محاور مهمة هي: ماذا تعرف عن شركة ديزني؟ ما الفكرة العامة التي استنتجتها لكل فيلم رأيته من أفلام هذه الشركة؟ ما نسبة المفاسد والفوائد التي اطلعت عليها في هذه الأفلام؟ عدِّد بعضاً من تلك المفاسد أو الفوائد في هذه الأفلام من خلال مشاهداتك وتجاربك الخاصة. وأخيراً: قارن بين أفلام ديزني والأفلام الكرتونية المدبلجة التي قامت بإنتاجها شركات إسلامية من حيث السلبيات والإيجابيات.
وكانت النتائج الموضوعية من خلال إجابات الطلاب أنفسهم على النحو الآتي:
أولاً: ماذا تعرف عن شركة والت ديزني؟
٣ «هي شركة تنتج برامج للأطفال، وتعمل أشياء كثيرة حتى يؤخذ عنها فكرة حسنة ويشتري الناس منها» .
٣ «شركة أمريكية تنتج أفلاماً يلهو بها أطفال المسلمين» .
٣ «شركة لا تتعامل مع الأطفال فقط في أفلامها، ولكنها تراعي أعمارنا نحن الشباب في سِنِّنا وفي الثانوية كذلك» .
ثانياً: ما الفكرة العامة التي استنتجتها لكل فيلم رأيته من أفلام هذه الشركة؟
بتوجيه الطلاب إلى الخروج من دائرة الانبهار بالسرد القصصي لأحداث الأفلام التفصيلية التي شاهدها كل منهم إلى استخراج الفكرة العامة لكل فيلم كانت النتائج التي توصل إليها الطلاب ـ بعباراتهم الخاصة ـ كما يلي:
(الغدر والخيانة والطمع) ، (الحب والغرام) ، (الانتقام) ، (تعلم حياة جديدة من غير الاعتماد على الآخرين) ، (الاستغناء عن الكبار) ، (إيذاء الآخرين) ، (الطمع والغيرة) ، (الأنانية) .
ثالثاً: ما نسبة المفاسد والفوائد التي اطلعت عليها من خلال مشاهداتك المباشرة لهذه الأفلام؟
تباينت التقديرات من الطلاب في تحديد هذه النسبة بحسب التباين بينهم في الفهم، والذي يعود لعوامل عدة، لعل من أهمها: محافظة الأسرة وتدينها، والنشأة التي نشأها الطفل، ونسبة الثقافة ودرجة الوعي ونحوها. وفي الجملة تراوحت نسب الفساد التي ذكرها الطلاب ما بين (١٥% و ١٠٠%) بينما تراوحت نسبة الفائدة بين (١٠% و ٦٠%) . وهناك من فصّل تفصيلاً مهماً في الموضوع، وأضاف إضافات طريفة على النحو الآتي: «في قصص الأطفال نسبة الفساد في نظري ٢٠%، أما في الأفلام التي يمثل فيها الرجال الكبار فالفساد ١٠٠% كلها قصص حب، ماذا نستفيد منها؟» . «عندما نكون صغاراً يكون الفساد قليلاً علينا، ولكن كلما كبرنا يكون الفساد أكثر» . «هذه الأفلام تعلم الأطفال كيف يتعلقون بها، حتى يكبروا ويشاهدوا فساداً أكبر» .
رابعاً: عدّد بعضاً من تلك المفاسد والفوائد من خلال مشاهداتك وتجاربك الخاصة.
تعددت إجابات الطلاب حول هذه القضية باختلاف العوامل السابقة. ولعل أحسن التبويبات التي ذكرها أحدهم في إجابته أنه قسم «المفاسد» إلى نوعين: مفاسد خارج الفيلم، ومفاسد داخل الفيلم.
وقد أعجبني هذا التقسيم، وانتهجته مع سائر الإجابات الأخرى التي أدلى بها زملاؤه الآخرون. وبعد تفنيدها كانت النتائج على النحو الآتي:
أولاً: المفاسد التي شاهدها الطلاب داخل الأفلام: (الحب، تلهي عن الصلاة والعبادة، تعلّم أشياء خليعة، خلق الأرواح وتصوير الإنسان، اللبس القصير والفاضح، الموسيقى، الرقص والاختلاط بين الذكور والإناث، مظاهر ليست من مظاهر المسلمين، رمي الأطعمة وإهانتها وعدم تقدير النعمة، ألفاظ وأفعال شركية كثيرة ـ وذكر بعض الطلاب عدداً منها ـ مثل: تنزيل المطر، وإنبات الأعشاب، وتصرفات تشابه فعل الله تعالى، السحر، القمار) .
ثانياً: المفاسد خارج الأفلام ـ كما ذكرها الطلاب ـ: (تعليم الصغار أن يتحدثوا عن الحب والغرام منذ البداية، تضييع الوقت، الانشغال عن الوالدين وتعويد الطالب على عدم برِّهما، صرف الأموال والتبذير) .
بينما دارت الفوائد في الآتي: (التعاون بين الأفراد، والتحذير من الانفراد والانعزال، التحذير من الأنانية والطمع، قضاء الوقت والمرح) .
ومن إجابات أحد الطلاب حول الفوائد التي خرج بها قوله: «ليس فيها إلا مجرد ضياع للوقت، والضحك» .
ثالثاً: قارن ـ بذكر السلبيات والإيجابيات ـ بين أفلام ديزني والأفلام الكرتونية المدبلجة الموجهة للطلاب، والتي قامت بها شركات إسلامية أخرى.
من خلال مشاهدة الفرق ـ في نظر هؤلاء الطلاب ـ كانت النتائج كما يلي:
- المكر الكبّار في مقابل الوعي الغائب:
في غياب الوعي التربوي، ومراقبة ما يقدم للأطفال من حيث المحتوى والهدف ـ لا من حيث التشويق والإثارة فحسب ـ يظهر الخلل، وينشأ الانحراف. ولقد رأيت أن نسبة كبيرة من أولياء الأمور لا يهمهم ـ غالباً ـ وجود مفهوم منحرف يقدم بأسلوب غير مباشر في أفلام الرسوم المتحركة، وبخاصة للأبناء والبنات دون سن الرابعة عشرة، رغبة في الاستمتاع والتسلية، وظناً منهم بأن عقولهم الصغيرة أقل من أن تدرك ما بين السطور. وهذا وعي غائب أفرزه التساهل والجهل معاً.. التساهل بأمانة التربية والتقويم منذ الصغر، والجهل بالقدرات الحقيقية لعقلية الفتيان والفتيات.
ومن خلال الإجابات السابقة يتبين لنا مستوى النضج، ودرجة الوعي والإدراك الذي يصل إليه أبناؤنا وبناتنا في هذه السن المبكرة، بل إن بعضهم لربما فاق كثيراً من الكبار في هذا المجال في باب النقد والتحليل. إن ظاهرة الوعي الغائب يتحدد من خلال قناعة الكثير من أفراد هذه الأمة بالتفاعل مع الهجمات الموجهة الشرسة فقط، ومن هذه القناعة خاصة يعظم الكيد الخفي بعد أن تتهيأ للعدو الفرص السانحة ليعمل بهدوء لكن بنتائج مؤكدة. ومن خلال التخطيط الخفي يرتب العدو أوراقه، وينشر مكره، ويحقق مخططاته وفق الأولويات التي يراها مناسبة في كل مرحلة، وغياب الوعي عن المكر الخفي داء خطر، لا يزول بمجرد الهيجان ضد الكيد السافر المباشر، كما أنه شر عظيم يمكن لأعداء الأمة بكل سهولة.
وفي حين يهبّ كثير من العرب والمسلمين إذا ما تحقق النيل الصريح المباشر من دينهم وعقيدتهم؛ نجد كثيراً منهم غافلين عما يراد بهم في الخفاء، إنهم لا يهبُّون ـ غالباً ـ إلا إذا نيل من شخص النبي محمد #.. باسمه الصريح، بينما لا تثيرهم مئات المطاعن والشتائم الأخرى على هذا النبي الكريم بالوسائل الماكرة غير المباشرة؛ عبر الوسائل الإعلامية الكثيرة في الصحف والأفلام والمجلات والقنوات. وهم يثورون كذلك إذا نيل من القرآن الكريم.. لكن ذلك المحفوظ بين دفتي المصحف ذي اللون الأخضر البراق المكتوب بخط النسخ الجميل، ولا يحركون ساكناً أمام عشرات التصريحات اليومية بعدم صلاحية هذا القرآن للتطبيق في هذا العصر، أو التنقص من أحكامه وتشريعاته، أو مقارنته بالقوانين الوضعية التي يتحاكمون هم إليها، ويحتجون بها في حياتهم اليومية بلا حرج. كما أن منظراً يبثه الإعلام لطفل مسلم بريء يُقتل بين أحضان والده ظلماً كفيل بتأجيج مشاعر الملايين وتحريكهم في الشوارع هائجين.. غاضبين طوال النهار، لكنهم سريعاً ما يُصبحون في اليوم التالي على لهوهم ومرحهم وغفلتهم.
وفي حين تحصد الطائرات والقذائف عشرات الألوف من المسلمين في بقاع شتى من العالم، ويُفتَك بالألوف من أطفال المسلمين ونسائهم وشيوخهم بغير ذنب، ويموت من جراء الحصار الطويل مئات الألوف منهم؛ يتبادل البعض في الشارع العربي جدوى المقاطعة لمنتوجات ذلك العدو الظالم وهم يتابعون فيلماً من أفلامه، ويتجرعون مشروباً من مشروباته، ويلبسون كساء من منتوجاته!! بل حتى أحداث الرعب في دول عربية وإسلامية مجاورة لا تكاد تحرك أحداً من المسلمين في ذلك الشارع!!
فأين من يستشعر مصاب إخواننا المسلمين في فلسطين والجزائر والسودان والصومال؟ وماذا نعلم عما يحدث الآن في الجمهوريات المسلمة في آسيا؛ بدءاً بالشيشان ومروراً بداغستان، وكشمير، وتركستان، وأفغانستان؟ بل أين نحن عما يخطط له الأعداء للمستقبل القريب للعديد من الدول الإسلامية الأخرى مثل باكستان ومصر واليمن وسوريا ولبنان والسعودية وغيرها، وسعيهم لإيقاعها في مستنقع الفوضى والاضطراب والفرقة؟ وأكاد أجزم أن كثيراً من المسلمين اليوم قد ضبطوا انفعالاتهم ومشاعرهم وردود أفعالهم تجاه عدوٍّ من الأعداء بعينه، في قضية من القضايا بعينها، وأن كثيراً منهم لا يكادون يفطنون لما يجري من أحداث مصيرية تتعلق بأمتهم؛ فضلاً عن إدراك حقيقة ما يراد بهم في المستقبل القريب، فضلاً عن معرفة الواجب تجاه فيلم كرتوني مدبلج يطعن فيهم وفي دينهم ورسولهم وتاريخهم.
ولقد كان الرهان قائماً ـ ولا يزال ـ في قاعات الاجتماعات المغلقة لصناع القرار في الغرب على جدوى التفكير في ردود فعل الشارع العربي الذي يحوي ٣٨٠ مليون مسلم، وتهميشه من أي دور فاعل محتمل قبل اتخاذ القرارات الجائرة ضد العرب والمسلمين. ومع علمنا بأنه مجرد شارع لفئة بسيطة من المستمعين ـ كما يقول بعض المحللين الغربيين ـ إلا أن له كذلك مكانته التي يحسب لها المستعمر الحديث ألف حساب، فهو قوة فاعلة يمكن أن تذكي نار المخاوف الغربية، وأن تشعل نقاشات الصهيونية الأمريكية في الكونجرس لو استثمر الاستثمار الصحيح في معادلة المواجهة الصامتة مع الغرب في هذه المرحلة.
إن دراسة واعية، ونصيحة صادقة تُقدم للأمة، ومقاطعة صارمة يجمع عليها هذا العدد الضخم كله في ذلك الشارع العربي الواسع، ويؤازرهم فيها سائر إخوانهم المسلمين في العالم؛ لأي منتج تثبت صلته بمؤسسة أو منظمة تستخف بحقوق العرب والمسلمين، أو تكيد لهم بأي نوع من أنواع الكيد، أو تدعم اقتصاد عدوهم الغاصب، أو تستخف بقضيتهم الكبرى ـ مؤذن بإغلاق الكثير من المحلات المشبوهة في ذلك الشارع الكبير، والتمهيد لظهور محلات أخرى أنقى منها وأكثر ولاء، أو على الأقل أكثر حياداً. وهو ما يعترف به صنَّاع القرار الأمريكي أنفسهم عند الحديث عن سلاح المقاطعة الفتاك الذي يلوّح به المسلمون بين الحين والآخر.
غير أن سلاح المقاطعة ذاك ليس محصوراً في زجاجة مشروب غازي فقط، أو في علبة حلوى، أو منتج للأطفال، أو مطهر للأواني المنزلية فحسب، بل يدخل فيه الجانب الإعلامي بمقاطعة تلك الشركات المعادية التي تنتج تلك الأفلام المشبوهة التي تحدثت عنها. كما يتناول ـ على السواء ـ الصناعات الثقيلة والخفيفة والملبوسات والأدوية، ونحوها. إنه شعور داخلي لدى الفرد، وشعور عام يشكل حركة المجتمع يمكن توظيفه بعناية وفق قاعدة الولاء والبراء الشرعية التي يتقرب فيها العبد المسلم من ربه طمعاً في الأجر؛ من خلال امتناعه عن إنفاق أي جزء من ماله ـ مهما كان قليلاً ـ في أي وجه من وجوه الإضرار بالمسلمين. وهو التفاعل الذي يبرهن فيه صاحبه على صدق انتمائه للمسلمين في قضاياهم المصيرية الكبرى مع عدوهم أينما كان.
أعدت تلك البطاقات الملونة إلى أصحابها الصغار في آخر المطاف، ثم سألت أحدهم مداعباً: أي نصيحة من هذه النصائح المكتوبة على البطاقات أعجبتك؟ فكَّر قليلاً وهو يقلبها بيده الصغيرة ثم قال: «الصديق وقت الضيق» !!