للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

اتفاقية التجارة العالمية GATT

قراءة في تقرير.. وأسئلة ملحة ...

بقلم: ياسر قارئ

إدراكاً منهم لصعوبة المواجهة العسكرية مع المسلمين في ظل راية الجهاد،

عدل أعداء الإسلام إلى وسائل أشد فتكاً وأقل إثارة لقمع المارد الإسلامي ودحضه

ورده إلى موقعه الذي يليق به كما يتخيلون؛ وأنشطة المنظمات الدولية التي ترعى

تلك الوسائل والأساليب مجهولة إلى حد كبير لدى كثير من المثقفين داخل حدود

أوطانهم وخارجها، ومتابعة ذلك تبدي لك حجم الفراغ والهوة التي بيننا وبين

المخططات العالمية للانقضاض علينا من كل حدب وصوب؛ وما ذاك إلا بسبب

عدم إلمام الكثيرين أو عدم اكثراثهم بتلك المؤسسات؛ تقليلاً لشأنها أو لندرة

المصادر التي تحكي واقعها في ظل التعتيم الإعلامي عن سياسات القوم والانصراف

إلى البرامج الرياضية والمجلات النسائية الرحبة، من أجل ذلك كله أسوق إليك

أخي القارئ الكريم ملخصاً موجزاً لما احتواه تقرير غربي [*] عن الاتفاقية العامة

للتعريفات والتجارة، التي يرمز لها اختصاراً بـ، التي تمخضت عنها (منظمة

التجارة العالمية) .

يحتوي التقرير على ثلاثة وعشرين فصلاً، يتحدث الأول منها عن نشأة

الاتفاقية والجولة الأخيرة المعروفة باسم (أوراجواي) (وهي الدولة التي انبثقت منها

الاتفاقية عام ١٩٨٦م) ، ثم تغطي الفصول من الثالث وحتى الحادي عشر الاتفاقات

المتعلقة بالزراعة، والمنسوجات، والملابس، والخدمات، والاستثمارات،

والملكية الفردية، وتسوية المنازعات، والدعم، والرسوم، والضمانات، وسياسة

الإغراق، بينما يركز النصف الثاني من التقرير على آثار هذه الاتفاقيات على كل

القطاعات السابقة.. (من ١٢- ١٥) ، ثم على دول أوروبا الغربية والاتحاد

السوفييتي (السابق) ومنطقة آسيا الباسفيكي، وأمريكا الشمالية واللاتينية، فالشرق

الأوسط وإفريقيا (١٦ ٢٢) ، أما الفصل الأخير فيلقي الضوء على المنظمة العالمية

ومستقبلها.

يصطدم القارئ من العالم الثالث من الصفحة الأولى بحقيقة هذه الاتفاقية

وأثرها؛ إذ يتعجب المؤلفان من تغير توجهات الدول النامية وانضمامها إلى

المفاوضات في الوقت الذي كانت تمر فيه الجولة بانتكاسات ومصاعب جمة، على

الرغم من الخسائر التي ستتعرض لها تلك الدول (وهي المستوردة للغذاء) على

المدى القصير، هذا بالإضافة إلى دور الاتفاقية في انتقاص جانب السيادة على

السياسة الداخلية للدولة، على الرغم من عبادة تلك الدول وتقديسها للاستقلالية

السياسية! ! (ص١٣) ، وليس هذا فحسب، بل ستكون المنظمة الشريك الثالث

لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في وضع السياسات العالمية، كما عبر عن ذلك

(بيتر سذر لاند) مدير عام الاتفاقية (ص٤) ، فضلاً عن اختلاف الخبراء حول

الجدوى الاقتصادية للاتفاقية على مدى العقد القادم؛ بسبب زيادة نمو التكتلات

الاقتصادية الإقليمية القوية؛ الأمر الذي يؤذن باندلاع الحروب التجارية بين الدول

(ص٦) .

أما أهم مكاسب هذه الجولة الأخيرة فهي: دخول مجالات الزراعة

والمنسوجات ضمنها، وتطبيق الجزاءات ضد الدول المنتهكة لأحكام الاتفاقية، وفي

هذا الصدد: فقد أعلنت أمريكا عزمها على استغلال حق المطالبة بالتعويض أو

فرض العقوبات التجارية (في حالة فشل الوصول إلى حل مع المخالفين) إلى أقصى

أبعاده (ص٢) ، فإذا كان هذا توجه الدولة التي تقود العالم، فماذا عسى التابعين أن

يفعلوا؟ !

بدأت جولة أوراجواي سنة ١٩٨٦م، وهي الثامنة، إذ عقدت الجولة الأولى

في جنيف عام ١٩٤٧م بعد نهاية الحرب الكونية الثانية بمشاركة ثلاث وعشرين

دولة، وبمرور الوقت ازداد عدد المشاركين، وبالتالي: طول فترة انعقاد الجولة

بسبب تشعب المواضيع والخلافات حتى اختتمت في سنة ١٩٦٣م وقد وصفها (سذر

لاند) بأنها لحظة حاسمة في التاريخ الحديث (ص١) ، فلماذا؟

لقد استنتج الساسة الأمريكيون: أن انهيار التجارة الدولية، وزيادة عدد

التكتلات التجارية، بالإضافة إلى التصعيد الجمركي الذي عمق الكساد وتسبب في

قطبية التجارة الدولية: هما سببا قيام الحربين العالميتين (ص٩) ؛ لذلك: فإن قيام

نظام دولي للتجارة سوف يقلل من فرص الحرب في الوقت الذي تملي فيه أمريكا

شروطها بحكم أنها المنتصرة في الحربين والدولة ذات الوزن الاقتصادي الأثقل في

العالم، بمعنى آخر: فإن نظام التجارة المطلوب والمتوقع هو الذي يحقق مصالح

الدول الكبرى فقط!

ثلاث نقاط مهمة:

سوف أضرب صفحاً عن الفصول التي تتحدث عن الاتفاقيات ذاتها (٣١١) ،

وذلك لكونها معلومات وإحصاءات علمية صرفة، وكذلك لإبقاء الموضوع مختصراً

قدر الإمكان، خاصة وأن الهدف المنشود هو: بيان أثر تلك الاتفاقيات التي هي

فرع عن مضمونها، إلا أن هناك ثلاث نقاط ينبغي التوقف عندها مليّاً:

الأولى: فيما يتعلق بالزراعة، يقول التقرير: إنه على الرغم من الصراع

بين أوروبا وأمريكا واليابان واستراليا ونيوزيلندا (أين الدول النامية؟) ، إلا أن

الحل النهائي يمثل في تحرير القطاع الزراعي في ثلاثة مجالات، هي: النفاذ إلى

الأسواق، والدعم المحلي، ومنافسة الصادرات، كما تتضمن النتائج طلباً بمعالجة

خاصة لوضع الدول النامية (ص٢١) .

إن الأمر في غاية الوضوح: فالدول المتنفذة تفرض سياستها، وما على

المعدومين إلا التقدم بطلب الاسترحام، وإلا فالأسواق يجب أن تفتح، والدعم يجب

أن يرفع، وإلا ستبادر أمريكا إلى استخدام حقها في الرد المناسب على المخالفين

لبنود الاتفاقية كما ذكرنا. فهل ستكون هناك زراعة محلية مستقبلاً؟ وما هو حجم

الخطر الذي يشكله الاعتماد على الواردات الزراعية، وبالذات في مجال استقلالية

القرار والدار؟ .

النقطة الثانية: وهي تكشف مدى مأساوية الواقع الذي تعيشه الدول النامية،

إذ تصف الأمم المتحدة في تقريرها لعام ١٩٧٥م: أن براءات الاختراع تأتي من

خمس دول متقدمة فقط، وهذا يعني أن حماية حقوق الملكية الفكرية سوف تساهم

في زيادة عجز الميزان التجاري بين الدول المتقدمة والنامية، وعلى الرغم من

مقاومة أمريكا وأوروبا لهذا القرار المجحف، إلا أنهما خضعتا لضغوط شركات

صناعات الأدوية والملابس من أجل مراقبة وحماية تلك الحقوق (ص٤٥) ، وهذا

يعني إبقاء العلاج والكساء بعيداً عن متناول أيدي المحتاجين في العالم النامي، فبعد

الزراعة جاء دور الطب، لكن صبراً.. أليس هناك منظمات غربية خيرية تسد هذا

الفراغ؟ الجواب نعم، لكن.. ما الثمن الذي تطلبه في المقابل؟

النقطة الثالثة: وتظهر حقيقة تلاعب الدول الكبرى بالاقتصاد العالمي وقوانينه

بصورة لا لبس فيها، فالطائرات مثلا تكلف كثيراً في صناعتها، وبالتالي: هي

صناعة توصف بأنها احتكارية، لكن أوروبا ممثله ببعض دولها أسست شركة

(إيرباص) ودعمتها ماليّاً لتتحدى بها الهيمنة الأمريكية على الطيران والفضاء،

خاصة وأن أمريكا تدعم الشركات المصنعة لديها من خلال الإعانات العسكرية غير

المباشرة، وكلاّ من أوروبا وأمريكا خالفا نظام التجارة العالمي، ولم يتعرضا لأي

عقوبات (ص٧٤) .

ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها هنا، لماذا يتنافسون وهم على مذهب اقتصادي

واحد وملة دينية واحدة؟ ولماذا لا يعاقبون على خرقهم للقانون الذي فرضوه على

العالم بأسره؟ ومتى تكون للدول النامية سياسة مستقلة ومُجْدية كهذه؟ !

من آثار الاتفاقية الخطرة:

يخوض التقرير بعد ذلك في آثار الاتفاقية على الزراعة والصناعة والحواجز

غير الجمركية وقطاع الخدمات، فأوروبا مثلاً تساهم في تصدير ٤٧% من إجمالي

الصادرات الزراعية العالمية، ولكن ٩٠% من تلك الصادرات لا تتعدى أوروبا

الغربية! (ص٧٧) ، أليس هذا هو الأمن والتكامل الغذائي الذي ترعاه أوروبا؟ ثم: إن دعم الدول الصناعية لزارعيها سيقلل من حصة الدول النامية من هذه التجارة، في الوقت الذي سترتفع فيه أسعار الصادرات الزراعية الأوروبية، وتتفق

الدراسات العلمية على حتمية هذا الارتفاع في الأسعار، وبالتالي: فإن الخاسر

الأكبر هو الدول الإفريقية والآسيوية، بينما ستمتلئ جيوب الفلاحين في أمريكا

الشمالية والجنوبية وأوروبا (ص٨١ - ٨٢) .

أما في مجال الصناعة فإن استفادة الدولة النامية وبخاصة في مجال الملابس

والمنسوجات والأغذية والمواد الخام طفيفة جدًّا، بيد أنها ستحدث انتعاشاً في

صناعة الحديد والصلب والمعدات الصناعية والكيميائية والسيارات في أوروبا

وأمريكا (ص٩٢) ، وهذا يذكر بالمثل القائل (ما تجمعه الذرة في سنة يأخذه الجمل

في خُفّه) !

كما يشير تقرير الأمم المتحدة سنة ١٩٨٨م إلى أن التأثير الإجمالي للحواجز

غير الجمركية على الواردات من الدول النامية أكبر منه على واردات الدول

المتقدمة التي تستخدم هذا الأسلوب لحماية قطاعات الأغذية والحديد والمنسوجات

والسيارات في بلادها (ص٩٤) ، والأعجب من هذا الانحياز الغربي أو العداء

المستحكم أو التعالي الأوروبي العرقي هو: زيادة نسبة الحواجز غير الجمركية

على القطاع الذي يتوقع الفقراء الاستفادة منه، ألا وهو قطاع الملابس: وذلك

بسبب وفرة ورخص الأيدي العاملة، وتوفر المواد الخام وقلة تكلفتها (ص٩٥) ،

بعبارة أشد وضوحاً: إن الدول المتقدمة عاقدة العزم على إبقاء الدول النامية في

حالة التبعية المطلقة إلى أجلٍ غير معلوم، طالما استمرت الأخيرة في الاستماع إلى

نصائح الخبراء الغربيين وإقصاء الناصحين المخلصين، ويؤيد التقرير هذه النظرة

القاتمة بتأكيده على استفادة أوروبا في المجالات الصناعية عموماً، مما يعني

استمرار ارتفاع مستوى المعيشة في الغرب وانخفاضه في الشرق (النامي) ،

وبالتالي تعميق الفجوة الحضارية أكثر فأكثر! وليست مجالات الخدمات

والاتصالات والمدارس والمصارف والمستشفيات والمواصلات بأفضل حال من

سابقيها فيما يتعلق بالعالم الثالث؛ إذ سيكون نصيب الأسد للدول المتقدمة، بينما

يتوزع الفقراء فتات السياح الذين سيتدفقون إلى العالم (النامي) للفرجة على عالم

البؤس والضياع الإنساني (ص١٠٦) ، وهنا نقف مع ما تنطوي عليه السياحة

ومفهومها لدى (الخواجات) من إسفاف وانحلال وفجور ورذيلة سينجرّ إليها العالم

(النامي) ، وينطق لسان الحال: (حشف وسوء كيل) ، لكن من المقصود؟ !

ينتقل التقرير بعد ذلك لتوضيح آثار الاتفاقية على دول العالم مبتدئاً بأوروبا

الغربية، فالبشائر بالنسبة لدافعي الضرائب هناك كثيرة، منها: انخفاض أسعار

السلع الزراعية والأعلاف، مما يفيد شركات التعليب ومعالجة الأغذية وتجار

المواشي (ص١٠٨) ، هذا بالإضافة إلى تراجع نسبة الضرائب على المواطنين

بسبب رفع الدعم الحكومي عن قطاع الزراعة، بينما ترفض دول الاتحاد الأوروبي

تحرير الخدمات التجارية: كالإعلام، والسينما، والفيديو حسب ما تنص عليه

الاتفاقية والسبب هو: حجم ذلك القطاع؛ إذ يشكل نصف صادرات العالم ... (ص ١١١) ، ونتساءل عن الحرية والتعددية (والآخر) عند دول غرب أوروبا، لأننا قد تعلمنا مما سبق ألا نسألهم عن احترام الاتفاقية التي أبرموها.

ثم إن خسارة دول هذه المنطقة تكمن في قطاع المنسوجات والملابس الذي

ستستحوذ عليه البرتغال وإيطاليا وتركيا؛ بسبب رخص الأيدي العاملة، كذلك

ستنافس الشركات غير الأوروبية مثيلاتها في قطاع الكيماويات، في الوقت الذي

تبدو فيه الصناعات ذات التقنية العالية في طور الأفول، بسبب قلة الإنفاق

الحكومي على برامج الأبحاث والتطوير اللازمة.

على الطرف الآخر: نجد أن دول أوروبا الشرقية (سابقاً) ستربح كثيراً من

تصدير السلع الزراعية للخارج، وبخاصة: القمح، والسكر، واللحوم، والألبان،

ومنتجاتهما، كما أن بعض الدول مثل: بلغاريا، وبولندا، ورومانيا، والمجر،

وروسيا، تمتلك ميزة نسبية في مجال الحديد والصلب، سوف تساهم إضافة إلى

الاستثمارات الأجنبية المتدفقة في تنشيط قطاع الصناعة (ص١١٣) ، ولا نملك إلا

أن نقول: إن الغرب ماضٍ في الاهتمام بمحيطه الجغرافي وامتداده التاريخي

والديني الطبيعيين، وهناك شواهد أخرى على ذلك: كالأحلاف والمنظمات الأمنية

والاقتصادية التي استحدثت مؤخراً.

يسوق التقرير البشارة إلى شريك أوروبا الأكبر وهو الولايات المتحدة: بأن

الضرائب سوف تنخفض بسبب تخفيض الجمارك على الرغم من قلة الإنتاج وزيادة

الاستهلاك ورفع الدعم الحكومي؛ لأن الاستيراد سوف يلبي حاجات أبناء (العم)

وبأسعار زهيدة، بينما ستساهم الجمارك المحلية المخفضة في إنعاش القطاع

الصناعي، إلا أن أعظم الفوائد بالنسبة لأمريكا سوف تأتي من قطاع الخدمات ... (ص ١٢٤) ، ولن تكون الحديقة الخلفية لأمريكا بأقل حظّاً من جارتها العظمى، إذ إن سياسة دول أمريكا اللاتينية التصديرية وارتفاع الأسعار العالمية ستنعشان اقتصاديات تلك الدول في مجال الزراعة والمعادن والمنسوجات والحديد والصلب والجلود والأحذية والسياحة والسفر (ص١٣١) .

دول الشرق الأوسط والاتفاقية:

يستعرض المؤلفان بعد ذلك منطقة الشرق الأوسط في ظل الاتفاقية الجديدة

ويؤكدان ما قالاه في بداية التقرير من محدودية الأثر؛ وذلك بسبب استبعاد

الهيدروكربونات (النفط ومشتقاته) من جولة المحادثات، كما أن ارتفاع أسعار السلع

الزراعية سيؤدي إلى زيادة سوء حالة المنطقة في الوقت الذي تغنم فيه إسرائيل من

الاتفاقية لكونها مصدراً للخضروات والفواكه، ولقلة وارداتها الزراعية (ص١٣٧) ،

ثم إن تواضع القاعدة الصناعية للمنطقة، يقلل من فرص استفادتها في مجال

التصنيع تحت الظروف الجديدة، بينما ستترك حقوق الملكية الفكرية وإجراءات

الاستثمار آثارها على المنطقة.

وعلى الرغم من عدم جدوى الاتفاقية لدول المنطقة إلا أن هناك سببين

رئيسين للانضمام إليها حسب رأي المؤلفين: الأول: هو النفاذ إلى الأسواق الدولية

في مجال التصدير، والثاني: هو جذب رؤوس الأموال الأجنبية الخاصة والعامة،

وهذا يعني استمرار مسلسل الانقياد إلى شروط وأهداف الدول الدائنة، التي لا

تختلف عن تلك التي ينشدها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ثم: ما هى

الصادرات التي تحرص المنطقة على استمرار تدفقها؟ ! إذ هي فقيرة صناعيًّا،

وعالة زراعيًّا على غيرها، ومسلوبة (جيولوجيّاً) .

دول إفريقيا والاتفاقية:

لا تختلف إفريقيا كثيراً عن الشرق الأوسط من جهة استفادتها من الاتفاقية؛ إذ

هي تحتاج إلى وقت طويل من الإصلاحات الزراعية حتى تجني ثمار حرية التجارة

وارتفاع أسعار السلع الغذائية والزراعية، لكن الشمال الإفريقي لديه فرصة في

مجال المنسوجات والملابس إذا تمكن من تحسين البنية التحتية للبلاد، الأمر الذي

يتطلب مبالغ طائلة جدّاً (ص١٣٩) ، ولكن التقرير يبشر بزيادة الاستثمار الأجنبي

المباشر على أي حال، مما يعني زيادة في إغراق المنطقة وإرهاق الشعوب ورهن

أجيال المستقبل بالديون الخارجية.

التحديات التي تواجه الاتفاقية:

يحدثنا الفصل الأخير عن هيكل المنظمة الوليدة، ثم عن التحديات التي سوف

تواجهها، وعلى رأسها الحاجة إلى وضع قواعد للاستثمار الأجنبي على الرغم من

استحسان الدول النامية له وركضها خلفه، وكذلك: مكافحة الاحتكار العالمي،

وعلاقة التجارة والبيئة، وحقوق الإنسان والعمال (عارضتها الدول النامية ضمن

جوله المناقشات سنة ١٩٨٦م رغبة في استمرار زيادة الأرباح في ظل غياب مراقبة

وشروط النقابات) والتكتلات الإقليمية وأثرها على حرية التجارة (ص١٤٣-١٥٢) .

بهذا انتهى التقرير.. وتبرز الأسئلة الملحة فيما يتعلق بالاتتفاقية وأطرافها

المتفاوتين في القوة السياسية والاقتصادية.

فلماذا تخضع دول العالم بأسرها لقوانين لا يحترمها مشرعوها؟ ولماذا تختار

الدول المتقدمة الطرق القانونية لفرض رغباتها على العالم النامي أو فيما بينها؟

أَلأَنها أكثر حضارية من وسائل القوارب المسلحة التي اتبعها المستعمرون القدامى؟

أم لإيجاد مبرر قانوني يقضي بمعاقبة المخالفين، والذين يتوقع زيادتهم مستقبلاً في

ظل بروز أجيال ترفض الخضوع والتبعية وتنشد الاستقلالية؟ .

لعل الجواب الذي توصلتُ إليه يشير إلى قيام أمم متحدة اقتصادية لتحل محل

نظيرتها العسكرية في مرحلة الوفاق الدولي الجديد، وندعو ونرجو! ! ألا تكون

ظالمة كسابقتها، إلا أن المتعارف عليه هو أن الأفعى تغير جلدها ويبقى السم في

أنيابها.


(*) فيليب إيفانز وجيمز والش (دليل وحدة أبحاث الإيكونومست إلى الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة) : (جات) الجديدة: منظمة التجارة العالمية، ترجمة / حمد الخريف وفواز الدخيل، ط١، الرياض، ١٤١٥هـ.