مقال
التطرف الديني:
عبارة يُراد منها الإساءة إلى عقيدتنا
سليم عبد الرحمن الزغل
(التطرف الديني) المزعوم، هذا الاصطلاح الوافد إلينا من كل الجهات
يصبح اليوم الأب الروحي لغيره من الاصطلاحات التي لا زالت تدوِّي وتجلجل
وتقرع الأسماع وتصمّ الآذان (كالتشدد والتعصب والانغلاق والأصولية ...
والإرهاب..) ، في أجهزة الإعلام الرسمية وغير الرسمية، ومن الجدير بالذكر أن ... اصطلاحاً كهذا ينصرف على الفور إلى الإسلام والمسلمين لمجرد سماعه من غير بذل أي جهد في التحليل والتمحيص؛ ذلك لأن الإشاعة التي برمجها أعداء هذا الدين في أروقة الاستخبارات التابعة للاستعمار - الكافر في الشرق والغرب - مدعومة بالجهود اليهودية والنصرانية - جعلت من هذا الاصطلاح تعبيراً بديلاً عن النشاط الإسلامي في أية بقعة من بقاع الدنيا.
يجب أن نستبعد استعمال اصطلاح (التطرف الديني) من إعلامنا وكتاباتنا
ونشراتنا؛ لأن هذا الاصطلاح لا يدل على موجود فضلاً عن أنه لا علاقة لنا به،
وهو عندما أُطلق للمرة الأولى أُطلق على غيرنا؛ فالله - جل ذكره - يقول عنا
نحن المسلمين: [وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً] [البقرة: ١٤٣] ، إننا نقف وسط الخط من غير إفراط ولا
تفريط، وعندما يطلق العالم الكافر هذا الاصطلاح علينا فإنه لا يطلقه على فرد في
المجتمع وإنما يرمي به جماعات ومجتمعات وحركات عريضة، وعلماء أجلاء
وقادة أفاضل، ورموزاً طاهرة قادت الأمة إلى الجهاد في الليل الحالك لترفع سيف
الاستعمار الآثم والصهيونية المجرمة والشيوعية المقبورة عن رقاب الأطفال
ولتصون أعراض المسلمات في كل بقاع الدنيا من عدوان الصهاينة والشيوعيين.
لقد أصبحنا في العالم الإسلامي المنكود نردد ما يقوله الغرب والشرق عنا من
التطرف والغلو والتشدد، ونستخدم مثل هذه المصطلحات ضد إخواننا وأبنائنا ممن
ساروا مع قافلة الصحوة، وتشبثوا بأهداب هذا الدين الحنيف، وما ذلك إلا تنفيذاً
لكل ما لقنته لنا الهيئات الاستعمارية حول كون تلك الحركات والجماعات
والمنظمات متطرفة متعصبة أصولية إرهابية، فسِرْنا وراءهم بحماس يفوق ...
حماسهم، سرنا وراءهم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، ولو دخلوا جحر ضب لدخلناه وراءهم، كما قال رسول هذه الأمة (عليه الصلاة والسلام) ..
قوافل الشباب المسلم والذين ألقي بهم في سجون الطغاة، وقُطِّعوا إرباً ارباً
وذاقوا من صنوف العذاب ما لا تتوهمه الأوهام، ودفن المئات منهم وهم أحياء،
وأعدم الكثير على أعواد المشانق، وفعلت ببعضهم الفاحشة، وقضى آلاف منهم
عشرات الأعوام في الأقبية والزنازين والسراديب المظلمة.. خرجوا بعدها إلى
الحياة لكي يجدوا أن الأبناء تشردوا، وأن الأسر قد تبعثرت بعد أن عبثت بها
الأيدي الآثمة، وحِيل بينهم وبين لقمة العيش الكريمة.. كل تلك الكؤوس المترعة
تجرَّعوها حتى الثمالة لا لذنب اقترفوه وإنما لأنهم قالوا: [رَبُّنَا اللَّهُ] [الحج:
٤٠] ، وتنفيذاً لرغبات الأسياد في الشرق والغرب حصل ما حصل.
إننا نتساءل وبكل لغات العالم: مَن هو المتطرف.. الضحية أم الجلاد؟ ؟ !
ولماذا قامت الدنيا ولم تقعد في فرنسا لأن بعض التلميذات العربيات ارتدين
اللباس الإسلامي؟ ؟ وبدأ الإعلام الآثم يمارس سياسة التحريض ضد الإسلام
والمسلمين ويصورهم على أنهم وحوش هذا العالم وصار الخطاب عن التطرف
الإسلامي والإرهاب الديني، أين هو التطرف؟ ؟ إننا لم نشاهد هذا الزخم
الإعلامي ولم نرقب مثل هذه التحذيرات المرعبة، ولا طرقت أسماعنا بالأحاديث
المفزعة عن الإرهاب والتطرف والهمجية -وسكاكين الصرب لا زالت تخوض في
بحور الدماء في البوسنة والهرسك، إدارات المدارس والوزارات والحكومات
والهيئات الشعبية هناك، كلها وقفت تنادي بطرد العرب والمسلمين، واليهود
والنصارى دقوا الطبول لأن اللحن أعجبهم، الكل صار يهتف بنغْمة متناسقة تنادي
بوقف التطرف الديني، مَن هو المتطرف - بالله عليكم - التلميذات العربيات أم
الحاقدون عليهن من أعداء الإسلام؟ !
الصليبيون عندما احتلوا مدينة القدس ذبحوا كل أهلها عن بكرة أبيهم حتى
خاضت الخيل في بحور الدماء إلى بطونها، وعندما دخلها (صلاح الدين الأيوبي)
وحررها من النصارى وأهل الصليب أعطى أهلها الأمان وعاملهم معاملة الرجال
الكرماء. إنها وسطية الإسلام وتطرف الآخرين! !
الشعب الجزائري المسلم اختار الإسلام منهاجاً للحياة بالطريقة الديمقراطية
التي يتغنى بها الغرب، ولكن العلمانيين صادروا إرادة الشعب بقوة السلاح،
وفتحوا السجون ونصبوا المشانق. وإننا نتساءل: مَن هو المتطرف؟ ؟ !
يُحتقر الإنسان الأسود في أمريكا وتصل المعاملة في بعض الأحيان إلى حد
القتل لا لذنب سوى أن لونه أسود، ذلك هو التطرف، وتلك هي الجريمة
والإرهاب والهمجية في عالم يدعي الحضارة واحترام الإنسان! أما أولئك: الذين
يحاولون جاهدين السير بقانون الله في الناس فليسوا متطرفين، وإنما هم بررة
فضلاء أطهار زكاهم ربهم وأنِس إليهم الناس رغم الجهود المبذولة لعكس
الاصطلاحات وتجريم الأبرياء وتبرئة المجرمين!
إن هتلر - لسان حال ألمانيا النازية كان يقول وبصراحة -: (الشعوب
الشرقية يجب أن لا تعيش، وإذا قُدّر لها أن تعيش فيجب أن تُدرَّب كما تدرب
الكلاب الصغار) ! !
إنه التطرف.. وإنها العنصرية والحيوانية.. والهمجية والبهيمية، إنها
صفاتهم وأما نحن المسلمون فلا نقول إلا كما قال ربنا: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم
مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ] [الحجرات: ١٣] ، إنه اعتدال المسلمين ووسطية الإسلام.
اليهود في فلسطين، والصرب في البلقان، والبوذيون في بورما، والهندوس
في الهند وكشمير، والأرمن في قره باغ، والشيوعيون في جمهوريات آسيا
الوسطى خصوصاً في تركمانستان وطاجيكستان، كل هذه الملل وغيرها تمارس
القتل والذبح والاغتصاب والتصفية العرقية، وكل ما هو محرم إنسانياً وحيوانياً،
يمارسون ذلك ضد المسلمين في طول الأرض وعرضها لا لشيء سوى أنهم
مسلمون - تحت مظلة الحماية التي توفرها لهم الأمم المتحدة - (الأمم المتحدة ضد
كل مما يمتّ إلى الإسلام بصلة) - ممثلة بالدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس
الأمن، والتي تشكل عصابة تروج للانحراف والجريمة، والتخطيط الآثم للاعتداء
على المسلمين وإذلالهم، وهتك أعراضهم والزج بهم في أتون الفضيحة الكبرى،
فقط لأنهم مسلمون! !
إذن مَن هم المتطرفرن دينياً؟ ؟ ولماذا يسكت العالم وسدنة النظام العالمي
الجديد؟ .
إن سكوت العالم يعتبر من أنواع التطرف الديني الخطر بل يعتبر تطرفاً
سافراً وعنصرية منحطة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً قط، عندما يُطلب من المسلمين
الانصياع - وبالعصا - لمقررات صِيغت بأقلام المستعمرين، وذُيلت بختم الأمم
المتحدة يُكافَأ اليهود والنصارى والهندوس والشيوعيون على قفزهم فوق مقررات
المنظمة الدولية! !
أما العلمانيون من بني جِلدتنا فإنهم لا يرون شيئاً في الإسلام يمكن أن يطلق
عليه اعتدالاً، فالإسلام والتطرف لديهم مترادفان أبداً، ونقول لهم ولأمثالهم:
كل ما عدا الإسلام هو تطرف وشطط ومروق من الفطرة، وأما أن يعمد
بعض أفراد المسلمين إلى المغالاة في تفسير بعض أحكام الدين فذلك ليس تطرفاً
بالمعنى الصحيح وإنما هو قصور في الفهم، فقصور الفهم لدى المسلم كالعالِم إذا
كان عاجزاً، كلاهما قد يسيء إلى هذا الدين من حيث يدري أو لا يدري، ورحم
الله الشهيد عبد القادر عودة عندما كتب: (ضاع الإسلام بين جهل أبنائه وعجز
علمائه) .
[وَاللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ] [الأحزاب: ٤] .