[أخرجوا آل حماس من قريتكم!]
أحمد فهمي
يقول المنسق الأمريكي السابق في الشرق الأوسط دينيس روس: «يجب أن لا تُترك حماس متجنبة الاختيار بين أمرين عسيرين وتأخذ كل الأرباح، فآمال تغيُّر حماس سوف تتبخر في الهواء إذا ما استطاعوا إثبات أن التغير لن يكون ضرورياً» .
إنها إذن حرب أعصاب وإرهاب، يلعب الزمن دوراً كبيراً فيها، والخطة هي: لندع حماس تفز، لكن لا ندعها تهنأ بالفوز، لديها أشهر قليلة، إما التنازل وإما التصفية والإبادة بعد أن يكون قادتها قد خرجوا للعلن وأصبحوا أهدافاً سهلة.
ولنمسك خيوط المؤامرة واحداً واحداً، إيهود أولمرت أعلن أنه سينتظر شهرين اثنين، بل حتى ستة أشهر، وإذا لم يلاحظ أي تغيير لدى الفلسطينيين فسوف يتحرك بمفرده، حسب قوله، وهذه الشهور الستة تنتهي في شهر يوليو القادم اعتباراً من تاريخ فوز حماس نهاية يناير الماضي.
وتصاعدت الضغوط العربية على حماس على نحو مريب؛ فالأموال لم تُمنع، ولكنها أُرسلت إلى البنوك التي امتنعت عن الصرف نيابة عن الأنظمة العربية، ثم طُولبت حماس علانية بالاعتراف بإسرائيل، وسربت واشنطن إلى حلفائها العرب أن حكومة حماس سوف تسقط في يوليو القادم حسبما ذكرت صحيفة المنار الفلسطينية.
وعندما حُبكت لعبة الاستفتاء اختار لها أبو مازن ٢٦ يوليو القادم موعداً، إذن كل الطرق تؤدي إلى يوليو على نحو عجيب، وهذا يُنبئ أن الأسابيع القادمة سوف تكون حاسمة في مستقبل حماس السياسي.
هناك شواهد أخرى توحي بحقيقة ما يجري، منها على سبيل المثال تصريح (محمد دحلان) أن «حماس أصبحت حركة مشلولة لا تفاوض ولا تقاوم» فهو يعبر دون قصد منه عن الوضعية المستهدفة لحماس بالفعل، وأيضاً فإن المتتبع لمواقف حركة فتح يلاحظ تصعيداً واضحاً منذ شهرين تقريباً، بلغ حد العصيان المدني والخروج على الحكومة، وهذا أمر لا تجسر عليه فتح ما لم تكن مدعومة من جهات عربية.
وبينما يعاني الفلسطينيون من تأخر رواتبهم فإن حرس أبو مازن الرئاسي تتدفق عليه عشرات الملايين من أوروبا وأمريكا تحضيراً للمرحلة القادمة مع حماس.
ومثلما كان يحدث مع رئيس الوزراء السابق آرئيل شارون الذي كانت لقاءاته العربية تُختم بقصف الفلسطينيين، فإن أولمرت أنهى جولته العربية الأخيرة بموجة قصف وحشية، واغتيال أحد رموز فتح - جمال أبو سمهدانة - الذي نجحت حماس في استمالته، وهو ما دفع حماس إلى التأكيد على إنهاء الهدنة ومواصلة عملياتها، ولتكتمل مرحلة أخرى من المؤامرة وهي: محاولة استدراج حماس بعيداً عن الغطاء السياسي للهدنة، وكان الملاحظ أن أي استنكار عربي لم يصدر تعليقاً على القصف الوحشي الأخير، وهو ما يلقي بعلامات استفهام إضافية على حقيقة ما يجري، ويدفع لاستحضار قول الكاتب فهمي هويدي: «المرء لا يستطيع أن يخفي دهشته من تردي مستوى التلفيق والتدليس في العالم العربي» .
إنها خيوط دقيقة لمؤامرة مكشوفة يتوافق عليها أطراف عديدة داخل فلسطين وخارجها من أجل شيء واحد هو دفع حماس للاعتراف بإسرائيل، وحتى من دون تنازلات مقدمة من الطرف الإسرائيلي، بل إن أولمرت أعلن بوضوح أن وثيقة الأسرى بعيدة جداً عن الشروط الإسرائيلية؛ فلماذا إذن تقدم التنازلات؟ لأنهم لا يريدون أن يبقى في الساحة من يذكِّرهم بتخاذلهم واستسلامهم، إنها الدعوة القديمة تعود من جديد: أخرِجوا آل حماس من قريتكم! إنهم أناس يتطهرون؛ والطهر لم يعد مقبولاً في زمن الشذوذ السياسي، زمن أصبحت فيه الخيانة فخاراً لأصحابها، وكما كتب الدكتور عبد الستار قاسم: «هل يستطيع أحد أن يتخيل كيف تدهور الوضع الفلسطيني إلى حد أن الاعتراف بإسرائيل قد أصبح مطلباً وطنياً؟» فالذي يستمع إلى خطاب الاستفتاء لأبي مازن يشعر وكأن الاعتراف بإسرائيل تعبير عن الصمود والتصدي؛ فالشعب يُحاصَر ويُذَل ويُنحَر، ثم يأتي أشاوس فتح ليطلبوا منه التوقيع على الاعتراف بذابحه، بل يتبجحون أيضاً بأن ذلك عمل بطولي.
ولعل (محمد دحلان) يمثل نموذجاً فتحاوياً معبراً، وقد نشرت حماس في موقعها على الإنترنت تسجيلاً صوتياً له، يوجه فيه السباب والشتائم إلى حماس والمقاومة وحتى قيادات فتح، فيقول دحلان عن حماس: «أنا راح استلمهم خمسة بلدي من هان لآخر الأربع سنين» ، ويقول: «شغل المشايخ والجوامع بيمشيش، انسولي الهبل تبعكو» ثم يقدم دحلان وصفاً دقيقاً لحالة فتح قائلاً: «فتح خربانة من الـ ٧٢ ومحطمة ومدمرة وعايشة على دم الشهداء والأسرى والبادرات الشخصية والفردية» . أليست حماس إذن على حق؟