المسلمون والعالم
[الانتخابات الأمريكية الحدث والتفاعلات]
خالد حسن
تشكل الانتخابات الأمريكية حدثاً هاماً في حياة الشعب الأمريكي يتكرر على
مستوى الرئاسة كل أربع سنوات، بينما تنظم انتخابات الكونجرس كل سنتين تقريباً،
حيث ينتخب جميع أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ. وتسبق
عملية الاقتراع العام تعبئة عامة وحملة انتخابية يمكن وصفها بالشرسة لا سيما في
مرحلة الانتخابات الأولية التي تتضمن تصفية مرشحي الأحزاب وإفراز مجموعة
تحظى بالتأييد الشعبي والحزبي، والتي لا تلبث أن تتناقص حتى تصل إلى مرشح
واحد للحزب. من ناحية أخرى تأخذ العملية الانتخابية نوعاً من الهدوء الذي يتغير
مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمرات الأحزاب القومية في شهر أغسطس، على أن
حدتها تستمر بالتصاعد التدريجي حتى تصل ذروتها عشية يوم الاقتراع العام في
الثامن من نوفمبر المقبل.
الأحزاب السياسية الأمريكية ومعمعة الانتخابات:
النظام السياسي الأمريكي مبني على أساس تعددي مؤداه تنافس الأحزاب
السياسية ومؤسسات المجتمع المدني لإفراز قيادات تحظى بالدعم الشعبي؛ وذلك
بهدف إدارة شؤون الحكم وفق ما تمليه مصالح جماعات الضغط ومؤسسات صناعة
القرار؛ فالأحزاب السياسية تشكل الركيزة الأساسية لما يسمى بـ «الديمقراطية
الأمريكية» ، على أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري يهيمنان على إدارة شؤون
الحكم لفترة تزيد على القرنين من الزمن، وطوال هذه الفترة طرأ تعديل مشهود في
وجهات نظر الأحزاب إزاء قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وقضايا
تركيبة المجتمع الأمريكي وتعميم الحريات.
وإلى جانب الحزبين الكبيرين هناك العديد من الأحزاب الصغيرة والناشئة
التي تسعى لإيجاد حزب سياسي ثالث قادر على تجاوز مشكلات الحزبيْن المهيمنين
ورؤاهما في معالجة الملفات الأكثر حساسية وإثارة للجدل، ومن أبرز تلك الأحزاب:
حزب الإصلاح الأمريكي THE REFORM PARTY الذي أنشأه رجل
الأعمال روس بيرو المليونير من ولاية تكساس، وهناك حزب الخُضْر، وحزب
دافعي الضرائب، والحزب الاشتراكي الأمريكي.
وتتجلى أهمية الأحزاب في حياة المجتمع الأمريكي في كونها هيئات سياسية
تتنافس على تعبئة الجماهير، وتوجيه مقدراتها المالية والقيمية نحو الهيمنة على
إدارة تملك برنامجاً للحكم يتم طرحه على عامة الشعب الذي يصوت بدوره على من
يمثله بالقبول أو بالرفض؛ لذلك فإن التأثير الفعال في العملية الانتخابية ينبع من
خلال الانتماء لأحد الأحزاب القومية وتقديم برامج تحظى بموافقة قطاعات الحزب،
ومن ثم تطرح على المستوى القومي ليتم مداولتها والتصويت عليها.
وإن أهم الأحداث السياسية التي تجري على أرض الواقع على الصعيد
التنظيمي تتجسد في مؤتمر الحزب الذي ينعقد في شهر أغسطس، وذلك بحضور
ممثلي الولايات، وأثناء ذلك يعلن عن الترشيح الرسمي لمرشح الحزب الذي تمكَّن
من تحقيق القبول على مستوى الانتخابات الأولية. وقد انعقد مؤتمر الحزب
الجمهوري في مدينة فيلادلفيا، بينما انعقد مؤتمر الحزب الديمقراطي في مدينة لوس
أنجلوس في أغسطس ٢٠٠٠م.
ويلاحظ على المؤتمر الجمهوري لهذا العام والذي حظي فيه بوش تشيني
بتأييد ودعم من قِبَل مبعوثي الحزب من كافة الولايات وأعضاء الإدارات الجمهورية
السابقة وزعماء الكونجرس الأمريكي يلاحَظ عليه نوع من التغيير في رؤية الحزب
للأقليات ودورها في حياة المجتمع الأمريكي؛ فقد سعى المؤتمر لإشراك أكبر عدد
ممكن من أقليات السود واللاتين وجماعات المزاد وغيرهم، وإعطائهم دوراً بارزاً
في الحياة السياسية، لكن لا يعدو الأمر هالة دعائية وطابعاً استهلاكياً وتمويهياً أملاه
واقع التهافت على أصوات الناخبين وتلميع صورة الحزب وواجهاته عبر الادعاء
بأنه يمثل كافة طوائف المجتمع الأمريكي من النواحي الدينية والعرقية، ويولي
اهتماماً خاصاً لشؤون الأقلية مقابل تأييدها لبوش الابن في الانتخابات القادمة. وقد
برز شخص «كولن باول» في المؤتمر الأخير بوصفه مدافعاً عن الأقلية السوداء
والذي أكد على أولوية الاهتمام الفعال بمشكلات السود، وطالب كوادر الحزب
بالعدول عن معارضتها للبرامج الإنمائية والتعليمية الهادفة إلى تحسين أوضاعهم
ومعاناتهم في المجتمع الأمريكي.
في حين لقي الثنائي غور ليبرمان دعماًَ وقبولاً من المشاركين في مؤتمر
الحزب الديمقراطي الذي ارتكز علي الرخاء الاقتصادي الذي تحقق في العهد
الرئاسي الديمقراطي السابق للترويج والدعاية للمحافظة على الإرث السابق
ومكتسبات مرحلة «الانتعاش» .
محاور استقطاب في الانتخابات الأمريكية:
المعركة الانتخابية الحالية تدور بشكل رئيس بين الحزبين الديمقراطي
والجمهوري؛ إذ يتطلع من خلالها كلا الحزبين للسيطرة على مؤسسات الحكم لا
سيما الجهازين التنفيذي والتشريعي ومن ثم القضائي؛ فالحزب الديمقراطي يلهث
لإحكام قبضته على الرئاسة إلى جانب تحقيق أغلبية في مجلسي النواب والشيوخ،
أما الحزب الجمهوري فيسعى للإطاحة بالديمقراطيين واصفاً إدارة الرئيس كلينتون
بأنها تفتقر للضوابط الأخلاقية اللازمة لإدارة شؤون المجتمع، كما أنها تفتقر إلى
الحكمة والكفاءة الإدارية في تسيير شؤون الحكم في السياسة الخارجية والداخلية.
ومن ناحية أخرى يعتبر الجمهوريون آل جور امتداداً لهذا النهج غير
المنضبط الذي أدى إلى زعزعة ثقة الشعب الأمريكي بمؤسسة الرئاسة، ومن ثم لا
بد من وضع حد لمثل هذا التسيب، وذلك بانتخاب إدارة جديدة تحظى بمؤهلات
أخلاقية رفيعة أو هكذا يزعمون وقد فرض التوجه نحو السطو على إدارة البيت
الأبيض توسع الجمهوريين على حساب الحزب الديمقراطي باتجاه الأقليات والتي لم
تكن تحظى باهتمام يذكر في مراحل خلت من الحزب الجمهوري.
انتدابات نواب الرئيس وأثرها على العملية الانتخابية:
مما لا شك فيه أن مسألة انتداب نائب الرئيس واختياره لخوض العملية
الانتخابية من الخطوات المحورية في السباق نحو مؤسسة الرئاسة، وقد سعى كل
من بوش وجور لاختيار شخص ليس فقط ليخلفه رئيساً للولايات المتحدة في حالة
عجز الرئيس أو انعدام مقدرته على الوفاء بأداء واجباته الرئاسية، بل نائباً يساهم
بفعالية في العملية الانتخابية من خلال ما يجلبه للقائمة الانتخابية من رصيد شعبي
وتأييد حزبي ومالي وعرقي، إلى جانب قدراته وخبراته في السياستين الداخلية
والخارجية، وحسب رأي عدد من المراقبين فإن بوش كان موفقاً إلى حد ما
باختياره وزير الدفاع السابق تشيني نائباً له؛ وذلك لتدارك القصور الذي يعاني منه
في مجالات السياسة الخارجية والدفاعية، فقد كان تشيني أداة تدبير وعقل مخطط
في إدارة الرئيس بوش الأب، ويحظى بتأييد الكونجرس الأمريكي وزعمائه،
ويضاف إلى هذا ما يتمتع به من شبكة قوية في العلاقات الدولية والصداقات
الحميمة التي تربطه مع الدول الأوروبية، وحلف الناتو، ودول الخليج، والعديد
من الدول العربية والآسيوية، مما يعزز من دور السياسة الأمريكية على المستوى
الدولي ويعيد إلى الأذهان أطروحات النظام الدولي الجديد والرامي إلى جعل القرن
الحادي والعشرين قرناً أمريكياً كما كان القرن العشرون أو هكذا يتصورون.
أما اختيار آل جور للسناتور ليبرمان فإنه استهدف الظفر بتأييد الجالية
اليهودية بثقلها المالي والتنظيمي والإعلامي، واعتبر بعض المحللين الأمريكان مثل
هذا الاختيار مؤشراً على «قدرة» المرشح الديمقراطي على اتخاذ قرارات غير
مسبوقة وأنه مرشح «شمولي» يهدف إلى أن تشمل إدارته المجتمع الأمريكي
بتنوعه الديني والعرقي.
الدين والسياسة في الانتخابات الأمريكية:
يثار جدل واسع حول دور الدين في الانتخابات الأمريكية؛ وذلك للاعتبارات
الآتية:
- مفهوم العلمانية الأمريكية مختلف تماماً عما هو سائد في العالم العربي
والإسلامي؛ فالعلمانية الأمريكية تعني فصل الدين والمؤسسات الدينية عن سلطة
الحكومة وتدخلها وتعسفها، وعليه فإن الجماعات والمؤسسات الدينية تترك وشأنها
لتنمو وتتوسع بمنأى عن تدخل الحكومة؛ ولذلك فإن الطوائف والجماعات الدينية
النصرانية واليهودية وإلى حد ما الإسلامية تحظى بحرية تامة لإدارة شؤونها، وكما
لا يخفى على القارئ فإن العلمانية بصورتها هذه تختلف عما هو عليه الحال في
أوطاننا؛ حيث يحاصر الدين ليس فقط في دور العبادة بل وحتى أهل التدين
يتعرضون لمضايقات وتحرشات لتجفيف منابع التدين.
ولا يفهم من سياقنا هذا إقرار التجربة العلمانية الأمريكية، وإنما للتبيين
والوقوف على مظاهر الغلو والتطرف في عملية محاكاة التجارب ونقل النماذج التي
برع في نسجها ونبغ في هضمها واجترارها بعض المهووسين بالأمركة أو المولعين
بالاستنساخ، ولو أنهم أمعنوا النظر وراجعوا حساباتهم لوجدوا أنهم أوصلوا الأمة
إلى مرحلة من الغلو والتطرف في تطبيق العروض المستوردة، وليتهم التزموا
بحرفية التلقي والتنفيذ، وأوغلوا في المحاكاة برفق!
- عامل آخر ساهم في تفاقم دور الدين في حركية الانتخابات الحالية وهو
الفضائح الأخيرة التي عصفت ولا تزال تعصف بالبيت الأبيض والكونجرس
الأمريكي؛ فقد أدت فضيحة مونيكا لوينسكي إلى مساءلة الرئيس، كما أدت فضائح
جنسية مماثلة للإطاحة بزعيم مجلس النواب السابق جنجرش، واعتبر هذا الوحل
الأخلاقي بمثابة الناقوس الذي «نبَّه» المجتمع الأمريكي بشكل عام إلى ضرورة
التزام السياسة بضوابط الأخلاق، ودور الدين بوصفه محورياً في تنمية الوازع
الديني في إدارة شؤون المجتمع.
- أمر آخر يتجلى في الدعم المشهود الذي يتلقاه جورج بوش الابن من
«التجمع المسيحي» وهو مؤسسة كنسية ضخمة يتزعمها بات روبرستون،
والذي خاض الانتخابات الأولية لعام ١٩٨٨م، هذا التجمع يحظى برصيد شعبي
وإعلامي ومالي معتبر يؤهله إلى التأثير الفعال على عملية الانتخابات.
- «التجمع المسيحي» يدير أيضاً إمبراطورية إعلامية محلية ودولية وهي
في توسع مستمر تمكنت من توصيل الرسالة النصرانية إلى العديد من الدول
والمجتمعات المختلفة بلغاتها المحلية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، فضلاً
عن دورها داخل المجتمع الأمريكي.
- ويضاف إلى هذه العوامل انتداب اليهودي الأرثوذكسي نائب آل جور عن
الحزب الديمقراطي السيناتور ليبرمان، وهو معروف بالتزامه الديني وتمسكه
بشعائر التلمود، وبذلك سعى الديمقراطيون إلى تقديم لائحة انتخابية تتجاوز القصور
الأخلاقي الذي تعاني منه الإدارة الحالية.
أبعاد السياسة الخارجية لإدارة بوش وآل جور:
إن فوز بوش وتشيني سيعيد إلى أرض الواقع الأطروحات السياسية المتعلقة
بمفهوم «النظام الدولي الجديد» والذي نظَّر له بوش الأب وأعضاء إدارته لا سيما
تشيني، ومؤدى هذا النظام أن تكرس الولايات المتحدة زعامتها للشؤون الدولية
سياسياً وأمنياً واقتصادياً وثقافياً، وعليه فإن هذا الطرح ينادي بقرن أمريكي جديد
ثان هو القرن الحادي والعشرون، خاصة في ظل الوهن الذي أصاب الأمة
الإسلامية، وإخفاق روسيا الفيدرالية في إعادة ترتيب أوضاعها وتبوُّؤ مكانة دولية،
وتراجع دور الاتحاد الأوروبي في السياسة الدولية بالرغم من «استماتة» فرنسا
لإدارة الحلف سياسياً؛ فقد أحبطت جهود الاتحاد في حل مشكلات القارة بمنأى عن
القيادة الأمريكية؛ وما البلقان عن المراقبين ببعيدة؛ حيث راح ضحيتها الآلاف من
المسلمين على يد الصرب المجرمين.
ومن شأن الإدارة الجديدة في حالة انتخاب بوش تشيني أن ترفع من ميزانية
الدفاع وتعزز الوجود الأمريكي على مستوى القواعد العسكرية، وكذا تطوير شبكة
الدفاع الجوي الأمريكي القادرة على اعتراض أية صواريخ عابرة للقارة تستهدف
الإخلال بالأمن الأمريكي، هذا بالإضافة إلى ما ورَّثه بوش الأب لابنه من
علاقات «حميمة» مع دول الخليج العربي والدول العربية والإسلامية.
من ناحية أخرى فإن انتخاب آل جور رئيساً للولايات المتحدة، وليبرمان نائباً
له سيعزز من نهج الإدارة الحالي المتمثل في هيمنة اليهود على السياسة الأمريكية
ومن ثم هيمنة المصالح «الإسرائيلية» على حساب قضايا العرب والمسلمين،
وليس هذا فحسب بل هيمنة مصالح «إسرائيل» على حساب المصالح «الأمريكية»
نفسها؛ ففوز آل جور يعني أن مناصب نائب الرئيس ووزير الخارجية والمالية
والدفاع والاحتياط الفيدرالي والعديد من السفارات، إلى جانب الهيمنة التقليدية
لليهود داخل الكونجرس الأمريكي وحتى سلك القضاء ستكون جميعها غالباً تحت
قبضة اليهود حيث تستخدم لصالح الكيان الصهيوني وأهدافه التوسعية.
الديمقراطية الأمريكية رؤية من الداخل:
لا يمكن بحال من الأحوال تجاهل القوى الصهيونية الأمريكية في التأثير على
العملية الانتخابية وعلى مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة خاصة ما يخدم
قضايا «إسرائيل» ومصالحها، وتحتمي هذه القوى في سعيها لإحكام قبضتها على
هذا الحدث السياسي بالانطباع القائم حالياً والمتوارث منذ فترة أن هناك توافقاً في
المصالح الأمريكية الإسرائيلية في الشرق الأوسط، وكذا شرعية تشكيل لوبي أو
جماعة ضغط في أمريكا؛ لأن اللوبيات إحدى القضايا المحورية في المؤسسة
السياسية الأمريكية، وحتى في المجتمع الأمريكي؛ إذ إن الفرد الأمريكي كما ينص
عليه القانون له الحق في إسماع صوته للمشرعين الأمريكيين، والتأثير عليهم، إما
لدفع ظلم، أو لرفع قضايا معينة، ومن هنا تبرز أهمية اللوبي في استراتيجية
الأقلية اليهودية.
وبالمفهوم التقليدي كان اللوبي يشير إلى تجمعات طلاب الحاجات في الأروقة
بالقرب من المجالس والمؤسسات السياسية للوصول إلى صاحب القرار أو المشرع،
لكن مع التغييرات التي طرأت في المجتمع الأمريكي، وفي وسائل الاتصال
والتواصل، ظهرت طرق أخرى للوصول إلى أعضاء الكونجرس من بينها ربط
صلات وعلاقات مع الشخصيات السياسية ذات النفوذ القوي، وإسماعها مختلف
الآراء، وإذا أخذنا مؤسسة الكونجرس عينةً لذلك، فإنها غير مركزية، وأعضاؤها
يخضعون لضغوط متضاربة من أطراف ذات مصالح خارجية عبر
المناطق والولايات التي ينتمون إليها، ومن ثم يتم التأثير في اتجاهين:
- الناخبين الأمريكيين، ومصادر صنع القرار.
- وعملية الضغط التي تبدأ من القاعدة، وعبر التبرع بالأموال خلال
الحملات الانتخابية.
ومع نمو المؤسسة السياسية الأمريكية واتساعها تفاقمت ظاهرة الاستعانة
بخبراء من خارج المؤسسة، وهذا ما أدى إلى تزايد عدد أعضاء اللوبي اليهودي
ونشاطاته، ومن هنا تكمن «قوة» اللوبي الموالي لـ «إسرائيل» فهو منظم
ونشط وفعال، ويمتلك قدرات مشهودة في جمع وإيصال المعلومات ووجهات النظر
التي يراد فرضها.
وقد نما هذا اللوبي منذ إنشاء مؤسسة صغيرة سنة ١٩٥٤م تعرف بمنظمة
«الإيباك» AIPAC وقد بدأت بعدد محدود جداً، وبإمكانيات مالية لا تكاد تذكر،
إلى أن وصلت الآن إلى ملايين الدولارات (حيث تقدر ميزانيتها السنوية حالياً أكثر
من ١٥ مليون دولار) ، وتمثل «إيباك» في الوقت الحاضر البنية التنظيمية التي
تعمل على مضاعفة النفوذ السياسي لليهود الأمريكيين، وهي تشكل مركز التنظيم
المعقد للهيئات اليهودية في أمريكا.
وتُعِدُّ هذه المؤسسة مؤتمرها السنوي في واشنطن للأعضاء العاملين وقادة
الطائفة اليهودية وممثلين عن المجموعات المستهدفة أو المشاركين المخلصين
وعشرات السياسيين والوجهاء الصهاينة، ويعتبر المؤتمر السنوي المنبر الذي
تعرض من فوقه «إيباك» مواقفها السياسية وأولوياتها الضاغطة، كما تستخدم
المؤتمر للتأثير على الساسة الأمريكيين للتعهد العلني بدعم الكيان الصهيوني،
ويكفي للدلالة على تأثير ونفوذ هذه المؤسسة الإشارة إلى عدد الوفود التي شاركت
في هذا المؤتمر ونوعيتها؛ ليس فقط على مستوى الإدارة الأمريكية ولكن وهو
الأهم على مستوى الهيئات التشريعية بالكونجرس؛ فقد شارك في حضور هذا
المؤتمر على الأقل ٤٧ عضواً من مجلس الشيوخ، و٦٧ عضواً من مجلس النواب
وحوالي٤٠ سفيراً من دول مختلفة.
ويذكر الكتاب اليهودي السنوي لعام ١٩٩٧م أن «إيباك» منظمة مسجلة
للقيام بالعمل السياسي (اللوبي) لإيجاد التشريعات المتعلقة بالمصالح الإسرائيلية
الأمريكية، وبدعم السياسيين الذين يؤمنون بأن دعم أمن «إسرائيل» من مصالح
الولايات المتحدة الحيوية، وتظهر فعاليةً من خلال لجان العمل السياسي المختلفة
والتي تقوم بالتبرع لمن تختاره «إيباك» من المرشحين بمبالغ تفوق المبالغ التي
تتبرع بها أي لجنة عمل سياسي أخرى خلال الحملات الانتخابية، إلا أن هذه
المبالغ تنفق في السر وبعيداً عن مرأى أجهزة الإعلام الأمريكية، وقد أصبح
بمقدور هذه المؤسسة انتخاب المرشح الذي تريده وتؤيده، كما أنها تعمل على إسقاط
الأعضاء الذين لا يتعاونون معها كما حدث لعدد من أعضاء مجلس النواب والشيوخ.
وتجدر الإشارة إلى أن اليهود في أمريكا هم الأكثر تبرعاً ليس فقط
لـ «إسرائيل» أو للقضايا المرتبطة بها، بل أيضاً للمشاريع الاجتماعية
والثقافية، ومعدل تبرعاتهم يفوق المعدل الأمريكي، وهم معروفون لدى الرأي العام
بهذا الأمر، كما أنهم حين يسخطون على مرشح ويدعمون مرشحاً آخر، لا يعلنون
وهذا في الغالب أن سخطهم متعلق بموقف ما من الكيان الصهيوني، ويتظاهرون أن
دعمهم موجه لخدمة قضايا المجتمع الأمريكي، ومن المعروف أن المهم بالنسبة
للناخب الأمريكي أن يتخذ المرشح مواقف إيجابية في قضايا اجتماعية واقتصادية
محلية، ولا يأبه هذا الناخب بطبيعة المواقف التي يتخذها المرشح تجاه قضايا
العرب والمسلمين.
ولنأخذ حملة الرئيس كلينتون في عام ١٩٩٢م مثالاً على هذا الثقل والنفوذ؛ فقد
كان كلينتون مدركاً لأهمية الثقل اليهودي في الانتخابات وحجم التبرعات
التي يخصصونها للحملات الانتخابية؛ ولذا عين موظفين ومستشارين من
المحيط اليهودي في حملته، ونشط اليهود خلال حملته فنظموا له حملات تبرع،
وعملوا على تحويل ما بين ١٠% إلى ٢٠% من الأصوات لصالح المرشح
كلينتون عبر المدن الرئيسة. وأشارت التقارير إلى أن اليهود قد ساهموا بنحو ٦٠%
من مجموع التبرع الذي حصده لحملته الانتخابية، وأن نحو ٨٠% من أصوات
اليهود ذهبت إلى كلينتون.
فأي «ديمقراطية» هذه التي يتحكم فيها الأقلية؟
وأي «ديمقراطية» هذه التي تشترى فيها المواقف والأصوات؟
وأي «ديمقراطية» هذه التي يعرض فيها المرشح نفسه في المزاد العلني؟
فهل وعى المستلَبون والمهووسون بتمثال الحرية الأمريكي حقيقة
«الديمقراطية» الأمريكية وراجعوا حساباتهم وأمعنوا النظر في التجربة
الانتخابية الأمريكية؟
معظم الناخبين المسلمين الأمريكيين مترددون حسب استطلاع المجلس
المسلم الأمريكي:
في ردهم على استطلاع قومي أُجري بين ٨٤٤ مسلم أمريكي تبين أن ثلثي
هؤلاء ليسوا منتسبين إلى أي حزب سياسي على الرغم من أن أربعة من كل خمسة
منهم أفادوا بأنهم مسجَّلون للانتخاب، وقد كانت هذه النتائج حصيلة استبيانات
للناخبين تسلمها المجلس المسلم الأمريكي ما بين شهري أغسطس ونوفمبر.
وقد كان المسلمون المنتسبون إلى حزب سياسي وتبلغ نسبتهم ٣٢% من
مجموع المنتسبين موزعين مناصفة ما بين الديمقراطيين والجمهوريين؛ حيث اعتبر
٥٣% أنفسهم ديمقراطيين في مقابل ٤٧% اعتبروا أنفسهم جمهوريين.
وأفاد ٢٢% من المسلمين الأمريكيين أنه لو أجريت الانتخابات الآن لانتخبوا
مرشحاً ديمقراطياً، في حين أفاد ٢٥% منهم أنهم ينتخبون مرشحاً جمهورياً،
وبقيت نسبة ٣٧% مترددة في اختيارها.
ولقد استكملت ثلاثة أرباع هذه الاستبيانات في مؤتمرات ومواقع تسجيل
الناخبين والمساجد، في حين استكمل الربع الباقي على موقع المجلس المسلم عبر
الشبكة البينية (الإنترنت) أو بالبريد الحاسوبي.
وقد صرح المدير التنفيذي للمجلس المسلم الأمريكي قائلاً: «إن كون معظم
المسلمين الأمريكيين في هذا الاستطلاع غير منتسبين حزبياً يؤكد حَدْسَنا بأن
المسلمين الأمريكيين ينتخبون لصالح القضايا والمرشحين وليس لصالح الأحزاب»
كما أشار إلى أن ازدياد نسبة الناخبين المسجلين من المجتمع المسلم الأمريكي يجب
أن يدفع المرشحين إلى التواصل مع هذه الشريحة النامية التي تقدر حالياً بنحو ستة
ملايين إلى ثمانية ملايين مسلم.
وقد قام المجلس المسلم الأمريكي في شهر سبتمبر بجهد رائد تمثل في إقامة
مواقع تسجيل الناخبين في المساجد والمراكز الاجتماعية في أرجاء الولايات
المتحدة، وتم تسجيل ناخبين جدد في مدن تراوحت بين شارلوت، و پيترزبرج،
وتولسا، وبشكل خاص في فترة ما بعد الصلاة أيام الجمعة.
ويعزم المجلس الإسلامي الأمريكي على المضي في جهود تسجيل الناخبين
خلال العام ٢٠٠٠م إضافة إلى الالتقاء مع حملات الانتخابات الرئاسية وإصدار
دليل الناخب الذي يبين موقف المرشحين من القضايا الرئيسة التي تهم المسلمين لا
سيما الأمريكيين.
نتائج استطلاع المجلس المسلم الأمريكي:
١- المسلمون الأمريكيون المسجلون للانتخاب:
الجواب ... العدد ... النسبة
نعم ... ... ... ٦٩٣ ... ٨٢.١١ ?
لا ... ... ... ١٢٠ ... ١٤.٢٢ ?
غير مؤهل / لا جواب ٣١ ... ٣.٦٧ ?
المجموع [١] ... ... ٨٤٤ ... ١٠٠ ?
٢- الانتساب الحزبي:
الجواب ... ... العدد ... النسبة
غير منتسب ... ... ٥٧٤ ... ... ٦٨ ?
ديمقراطي ... ... ١٤١ ... ... ١٧.٧١ ?
جمهوري ... ... ١٢٥ ... ... ١٤.٨١ ?
لا جواب ... ... ٤ ... ... ... ٠.٤٨ ?
المجموع ... ... ٨٤٤ ... ... ١٠٠ ?
٣- إذا قام المسلمون الأمريكيون بالانتخاب اليوم (فمن ينتخبون؟)
المنتخب ... ... العدد ... ... النسبة
غير محدد ... ... ٣١٤ ... ... ٣٧.٣٠ ?
بوش ... ... ... ١٤٢ ... ... ١٦.٨٢ ?
لا جواب / لا ينتخب ١٣٠ ... ... ١٥.٤٠ ?
جور ... ... ... ١١٦ ... ... ١٣.٧٤?
جمهوريون آخرون ٧٢ ... ... ٨.٢٩ ?
برادلي ... ... ... ٧٠ ... ... ٨.٢٩ ?
المجموع ... ... ٨٤٤ ... ... ١٠٠ ?
٤- السلوك الانتخابي والانتساب الحزبي:
الجواب ... ... ... ... ... العدد ... ... النسبة
غير محدد ... ... ... ... ... ٣١٤ ... ... ٢٧.٢٠ ?
المسلمون الذين ينتخبون مرشحًا جمهوريًا ٢١٤ ... ... ٢٥.٣٦ ?
المسلمون الذين ينتخبون مرشحًا ديمقراطيًا ١٨٦ ... ... ٢٢.٠٤ ?
لا جواب / لا ينتخب ... ... ... ... ١٣٠ ... ... ١٥.٤٠ ?
المجموع ... ... ... ... ... ٨٤٤ ... ... ١٠٠ ?
هذه النتائج مبنية على ٨٤٤ إجابة لاستبيانات المجلس المسلم الأمريكي التي
تم استرجاعها في الفترة ما بين أغسطس ونوفمبر ١٩٩٩م بوصفها سَبْراً أولياً
للمجتمع المسلم الأمريكي.
أهم عشر قضايا يحددها المسلمون الأمريكيون:
بيان الأولويات عبر استبيان جديد لألف مسلم أمريكي.
اعتبر المسلمون الأمريكيون موضوع كفالات المدارس، والقدس،
والعقوبات على العراق، إضافة إلى الحقوق المدنية للمسلمين في الولايات المتحدة
أهم القضايا التي تشغلهم حالياً. وذلك في دراسة جديدة للأولويات السياسية عند
المسلمين الأمريكيين. وقد جاءت هذه النتائج عبر استبيان لألف أمريكي أجرته
هيئة الاستثمارات والتسويق الاجتماعي العالمي «ICMI» في يناير ٢٠٠٠م
للمجلس الإسلامي الأمريكي.
وأظهرت النتائج شريحة مسلمة أمريكية مهتمة بقضايا تواجه كل العائلات
الأمريكية بما في ذلك اتجاهات التغيير في المدارس (كالكفالات والمدارس المدعومة
رسمياً) والحقوق المدنية، والرعاية الصحية، وفي نفس الوقت كان الاهتمام بأمور
السياسة الخارجية كالقدس وتأثير العقوبات على العراق على رأس الأولويات، وتم
التعرف على هذه الأولويات من خلال استبيان هاتفي في شهر يناير ٢٠٠٠م شمل
خمسمائة من أعضاء المجلس الإسلامي الأمريكي ومجموع خمسمائة مسلم آخرين،
وقد طلب من هؤلاء أن يقوِّموا عشرين قضية، فكانت القضايا العشر الأهم كما يلي:
* كفالات المدارس (المدارس المدعومة رسمياً) .
* وضع القدس.
* العقوبات على العراق.
* الحقوق المدنية للمسلمين.
* الإجهاض.
* إدراج المسلمين الأمريكيين في المؤسسات الإسلامية.
* الرعاية الصحية.
* منع الجريمة.
* ضبط الأسلحة.
* سياسات الهجرة وقانون الأدلة السرية.
هذا ويوجد نحو سبعة ملايين مسلم في الولايات المتحدة، وسوف تمثل هذه
الأولويات العشر بحول الله تعالى محوراً للدليل الانتخابي الذي يصدره المجلس
الإسلامي الأمريكي.