الورقة الأخيرة
[إن كنا نريد الخير.. فلنترك رموز الضلال]
حمد الماجد
[email protected]
قرأت كتاباً بدا لي أن الذي ألفه غيور من أهل السنة تلبَّس شخصية تنتمي إلى
فرقة مشهورة من فرق المبتدعة؛ فقد ذكر أو بعبارة أدق: افتعل في كتابه قصصاً
من الفضائح (المفبركة) عن أحد الزعماء المشهورين لهذه الفرقة ليس أسوأها أن
هذا الشيخ الزعيم في أحد أسفاره بقرية يعرف فيها صديقاً له، وأنه حين تسامر مع
صاحب البيت لمح طفلة في حدود سبع سنين من عمرها فعشقها، فطلب يدها تلك
الليلة فوافق والدها طمعاً في بركة الشيخ فبات ليلته معها ولم يقطع عليهم سكون تلك
الليلة إلا تأوهات الطفلة وآلامها!! وواضح أن المؤلف أو (المفبرك) أراد والله
أعلم بنيته أن ينفِّر أتباع تلك الفرقة من مذهبهم، ويردهم إلى المنهج الصحيح من
خلال الطعن في أحد رموزه انطلاقاً من قاعدة: وشاهد شاهد من أهلها، أو تشويه
شخصيته حتى لا يفتن أهل السنة بها.
وفي تصوري أن أسلوب هذا الكاتب في الدعوة والتغيير على فرض صحة
نسبته إلى أحد الدعاة من أهل السنة وهو الذي ترجح لي يمثل عينة لعدد من
الأساليب الخاطئة في التعامل مع المخالفين من أهل القبلة، ولولا أن الموضوع
يتعلق بهم لقلت: وحتى غيرهم من أتباع الملل والعقائد الأخرى.
موطن الخلل هنا أننا في كثير من الأحيان ننشغل بمحاربة الشعار أو الرمز
الذي يرفعه أتباع كثير من الملل والنحل، والواقع أن هذه الرموز تعتبر عند بعض
الأمم جزءاً من تراثها الذي تحافظ عليه؛ فمهما كنتَ جدلياً ومقنعاً أو أردتَ أن
تلصق بهذه الرموز التهم الصحيحة أو المكذوبة فإن نظرة أفراد هذه الأمم تنصبُّ
عند البحث والمناظرة على المحافظة على تراثها ورعاية منظومتها الاجتماعية،
وقد نبه إلى خطر هذا العائق إبراهيم - عليه السلام -: [وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن
دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ
بَعْضُكُم بَعْضاً] (العنكبوت: ٢٥) «فدلالة هذه الآية واضحة في أن بعض
المتمسكين بعقائدهم إنما يجعلون عقيدتهم رمزاً لتعاونهم وائتلافهم وبقاء مودتهم،
وليست العقيدة عندهم مقصودة في ذاتها على الدوام.
هذا النوع من الوعي يساعد على اختيار الأسلوب الأمثل في مخاطبة
المخالفين والتحاور معهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن. فإذا كان الإسلام قد أوصى
بأن نجادل أهل الكتاب بالتي هي أحسن، فإن هذا النوع من المجادلة مطلوب من
باب أوْلى مع المسلمين من أهل القبلة مهما اختلفت عقائدهم أو تباينت توجهاتهم،
خفَّت بدعتهم أو غلظت.
وحتى في نطاق أهل السنة تُخدَش العقائد، وتعظَّم بعض الرموز ويمارس
باسم الإصلاح نفس الخطأ بالحط من قدر هؤلاء الرموز، فهناك الأضرحة
والمزارات التي يقصدها مئات الألوف من المسلمين وأغلبهم من العوام، ونتيجة
للجهل فقد يلاحظ بعض التصرفات التي تمس أصول التوحيد وركائز الإيمان مثل
الاعتقاد بأن هؤلاء الأولياء المتبرَّك بهم وهم رموز يجلبون نفعاً أو يدفعون ضراً؛
فليس من المناسب لمن يريد أن يصلح مثل هذه المزالق العقدية أن يتعرض للرموز
بسوء، مثل الذي يظن أن التشكيك أصلاً في صلاح هؤلاء الأولياء أو الطعن في
سيرهم هو الأسلوب الأمثل والأسرع في إقناع مريديهم. أحدهم ذكر، في معرض
إقناعهم بعدم جدوى التعلق بهذه الأضرحة، بأن أحد هؤلاء» الأولياء «شوهد
يوماً وهو يدخل المسجد يوم الجمعة فبال فيه، ثم خرج ولم يؤد الصلاة مع
المسلمين!! وآخر نسب إلى أحد هذه الرموز المقدسة عدداً من» الانتهاكات
الأخلاقية «!! وهذه الاتهامات - صحت أو لم تصح - فهي على كل الأحوال
أسلوب استفزازي من شأنه أن يحملهم على التشبث بطريقتهم بل والغلو فيها،
ناهيك عن أن هذا الأسلوب قد يحمل المخالفين على الأخذ بنفس الأسلوب فيقع
المحظور الذي نهى عنه القرآن: [وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا
اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ] (الأنعام: ١٠٨) .
إن سرعة المواصلات وثورة الاتصالات وخاصة الإنترنت والفضائيات
جعلت احتكاك المسلمين من شتى الفرق والمذاهب ببعضهم أمراً متكرراً، فكان
لزاماً على العلماء والدعاة والمفكرين التوعية بالأسلوب الأمثل والطريقة الأنجع في
الحوار الذي يقوم على الإقناع بعيداً عن السب والقذف والتجريح، بل وضرورة
التأكيد على أن المقصود ليس ذوات الأشخاص التي يقدسها الناس ولا سيرتهم سواء
كانت من أعطر السير أو أسوئها، وإنما المقصود إصلاح القلوب التي تعلقت
وفتنت بها.