للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الافتتاحية

[فهلا فسحتم الطريق!]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه،

وبعد: فإن الفوز الساحق لحزب (العدالة والتنمية) الإسلامي التوجه في تركيا،

واكتساحه لبقية الأحزاب، يقابله تقدم واضح للحزب (الجمهوري) الذي يقوده

أعضاء المنظمات النصرانية في أمريكا، وسيطرته لأول مرة على مجلسي النواب

والشيوخ، وهناك إجماع على تقدم حزب (الليكود) اليهودي المتطرف أياً كان

رئيسه المقبل؛ سواء كان شارون أم نتنياهو؛ على حزب (العمل) الصهيوني

الاشتراكي الذي يمثل اليهود الصهاينة العلمانيين الذين أقاموا دولة يهود في فلسطين

بالحديد والنار وبدعم الغرب، وتفردوا بالحكم أكثر من ثلاثين سنة متوالية، ثم

شاركوا (الليكود) لثلاثين سنة أخرى، ويبدو والله أعلم أن المرحلة القادمة ستشهد

بقاء حزب (العمل) خارج الحكم؛ حيث تبدو عليه آثار الهزيمة التي بدت حتى

في تبادل زعمائه المتنافسين الألفاظ السوقية في المناظرات التلفزيونية.

وفي الهند يبدو أن حزب (بهارتيا جاناتا) الهندوسي المتطرف سيبقى طويلاً

في الحكم أمام الأداء الضعيف لحزب المؤتمر العلماني الذي حكم الهند فترات طويلة

منذ الاستقلال.

أما في أطراف العالم الإسلامي فقد حصلت الأحزاب الإسلامية على مراكز

متقدمة في كل من المغرب والباكستان، والبحرين، ونجحت في تطبيق بعض

أحكام الشريعة في بعض الولايات النيجيرية.

إن المظاهر السابقة من تقدم أصحاب التوجهات الدينية، وتفضيل الشعوب

لهم على غيرهم في الدول التي يعبر فيها الناس عن آرائهم بحرية تعطي مؤشراً

قوياً على أوضاع الرأي العام في الدول الأخرى سواء الإسلامية أو غيرها، والتي

يمكن أيضاً تلمسها من بعض تصريحات وتصرفات الزعماء أو من الصور

السلوكية، والمظاهر الواضحة للعيان في الشارع العام، فمثلاً ماذا تفهم أخي القارئ

من:

- تصريح رئيس دولة حارب المتدينين طويلاً: أن الضغط الغربي

والإسرائيلي عليه سيدفعه لإطلاق لحيته؛ كناية عن التنفيس للعمل الإسلامي في

بلاده.

- دولة يحكمها حزب علماني حاول طويلاً القضاء على مظاهر التدين؛

تضيف لعَلَمها كلمة «الله أكبر» ، ولا تخلو الآن خطابات الرئيس من مضامين

دينية إسلامية.

- انتشار المظاهر الإسلامية في الشارع، وبروزه خاصة في أوساط الأجيال

الجديدة، ففي حين كنت ترى الأم المحجبة تمشي مع بنتها المتبرجة؛ أصبحت

ترى العكس. وأصبحت المساجد تمتلئ بالمصلين بل والمصليات بعد طول غياب،

ولا شك أن حجاب البنات، وصلاة الأبناء في المساجد سيدفع الآباء عاجلاً أو آجلاً

إلى متابعتهم.

- بعض الأنظمة الشمولية وبعضها له ماض إلحادي تحاول الآن إحياء الطرق

الصوفية التقليدية، ودعمها لقيادة الصحوة الإسلامية الشعبية أمام تيار الدعوة السلفية

الجارف.

- السماح بعد حظر طويل لبعض الأحزاب الإسلامية بالعمل السياسي، مع

محاولة تقزيمها واحتوائها.

إن إعطاء حزب إسلامي معارض وقديم في انتخابات مزورة حوالي ٧% مثلاً

من الأصوات يراد به الإيحاء للناس أن هذا هو المعبر عن شعبية التوجه الإسلامي.

- وأخيراً: إن من يريد قياساً مبسطاً لانتشار الصحوة فليذهب إلى المساجد

الثلاثة (الحرمين والأقصى) ، وسيرى إقبال الناس الذي لا يمكن مقارنته

بالسنوات الماضية.

إن مظاهر إقبال الشعوب الإسلامية على الدين يقابله تخوف شديد من زعماء

الدول الاستعمارية، فقد اضطر بابا الفاتيكان للدعوة أخيراً إلى الحفاظ على أوروبا

نصرانية، وهي دعوة لم يطلقها أمام سيطرة اللادينية التي كانت سائدة في أوروبا

في عصر نهضتها المادية، بل أطلقها خوفاً من تنامي الإسلام في أوروبا، والذي

يتقدم بسرعة خاصة في أوساط المهاجرين.

أما (بوتين) الذي برز فجأة للحكم من قاع المخابرات الشيوعية؛ فلم تسعفه

ثقافته للرد على الصحافيين حول المجازر التي ترتكبها القوات الروسية في الشيشان

إلا بتهديد أضحك الحاضرين من مد إسلامي سيؤدي إلى ختانهم جميعاً!

نعم! إن أوروبا تدعي العلمانية، ولكنها تخفي مشاعرها الصليبية التي لم

تتمكن من إخفائها عند منع تركيا، والتي يحكمها دستور علماني من الانضمام

للاتحاد الأوروبي بحجج مختلفة؛ منها حقوق الإنسان، ولكن سيطرة الإسلام على

الشارع التركي أبرز السبب الرئيس للمنع؛ حيث صرح «فاليري جيسكار ديستان»

الرئيس الفرنسي السابق أن تركيا ليست أوروبية، وأن عاصمتها ليست في

أوروبا. وأضاف أن دخولها للاتحاد يعني نهايته. وكان وزير الخارجية الإسباني

أكثر وضوحاً حيث صرح بأن وصول الإسلاميين للحكم لا يمنع انضمام تركيا

للاتحاد؛ لأنه ليس نادياً نصرانياً. ونحن نقول: كاد المريب أن يقول: خذوني.

أما في أمريكا فقد أخذت مواجهة الإسلام تتخذ مظاهر عديدة أهمها هو

الاعتراف بوجوده بعد طول تجاهل، وبدأ الرئيس في الدعوة إلى مائدته الرمضانية،

والتصريح أن أمريكا لا تحارب الإسلام بوصفه ديناً، وإنما (تحارب الإرهابيين) .

أما التوجهات النصرانية فقد بدأت الهجوم المباشر، ولم يعد غريباً أن يصرح

أحد وعاظ التلفاز أصحاب الشعبية الكبيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو

الإرهابي الأول، وآخر يهاجم المسلمين ويقارنهم بالنازيين.

إن الأمريكي العامي لم يسمع غالباً لا بالإسلام ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم

إلا أخيراً، واضطرار هؤلاء للهجوم المباشر يدل على خوفهم وهلعهم من حب

الاستطلاع الفطري لدى العوام في أمريكا، ومع ذلك فلا شك لدينا بالأثر الإيجابي

لهذه التصرفات؛ لأن الله قد حكم على كل شانئ للرسول صلى الله عليه وسلم بالبتر

وقطع الذِّكْرِ والخمول: [إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ] (الكوثر: ٣) .

إن الهجوم على الإسلام يعتمد على تحالف صليبي يهودي معلن يقوده الزعماء

السياسيون الذين يلبسون مسوح الدين، ويحاولون جر شعوبهم من خلفهم في حرب

نعرف أولها في أفغانستان والعراق، ولا نعرف نهايتها، وفي المقابل فإن الشعوب

الإسلامية تقف وحدها أمام الإعصار الذي قد يقتلع الجميع.

إن واجب النخب تحديد موقفها بوضوح من الصراع، وألا يكون همهم فقط

الحفاظ على مصالحهم الضيقة؛ حتى لو أدى هذا للتعاون المصلحي مع الأحزاب،

ولنتذكر حال ملوك الطوائف في الأندلس قديماً وحال السلطة الفلسطينية حالياً، وما

آل إليه حال كل منها.

وأخيراً نقول: إنه صراع مبادئ، وإن لم تكونوا في المقدمة فأفسحوا الطريق

لغيركم، [وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] (محمد: ٣٨) .