[أمريكا وإيران تحالف أم طلاق؟]
د. نعمان السامرائي
كلما جرى الحديث عن العلاقة بين أمريكا وإيران، انقسم المتحدثون إلى فريقين متضادين يدعي أحدهما وجود تحالف «شبه أبدي» وزواج كاثوليكي (لا طلاق معه) . ويدعي الطرف الآخر أن الطلاق وقع، والفراق تمّ، ونحن بانتظار المراسم النهائية، كل طرف يبحث عن أدلة فيجدها هنا أو هناك ... لست مختصاً بهذه العلاقة، ولكن اهتمامي بالقضية العراقية يدفعني للمتابعة، ولديّ قناعة مفادُها: (أمريكا سوبرماركت فيه بضائع من كل شكل ولون) وكل من يبحث عن بضاعة سيجدها، ولا توجد فكرة مهما عظمت أو سخفت إلا ولها بين الأمريكان «مُريد» ومُعجب.
وهذا يجعل من كل من يتبنّى موقفاً أن يجد له في المطروح أكثر من شاهد ودليل.. وأنا أعتقد أن ما كتبه الأستاذ «جهاد الخازن» في صحيفة الحياة من أن أمريكا اتخذت قرار ضرب إيران انتهى، ويجري البحث في التفاصيل فقط.
المحرض الأول على «الضرب» هي الدولة الصهيونية وخدمها في السياسة الأمريكية ومراكز البحث وغيرها، بحيث صار هذا الموضوع المزاد اليومي ... الدولة الصهيونية لا ترضى أن تمتلك دولة مجاورة السلاح النووي، وهي تنادي بذلك من سنوات، وما جرى لمفاعل (تموز) العراقي خير دليل، بل هي تعمل بشكل منظّم كي لا يصل للعرب أيُّ سلاح متقدّم، وهي تحارب في هذا في كل اتجاه، وتسجل النجاح بعد الآخر، وفي دفع الدولة الصهيونية بهذا الاتجاه تفيد القول للحليف الأمريكي: (تضربون إيران أم نقوم عنكم بذلك؟) .
الدولة الصهيونية تريد أن تفعل أمريكا ذلك، كي تصل في النهاية إلى أن كل العالم ضد أمريكا والدولة العبرية، وكأن ذلك قدر إلهي لا مفرّ ولا مهرب منه، وأنها لن تخسر كثيراً، لكن الخسارة من نصيب أمريكا والدول المجاورة لإيران؛ فالمنطقة شهدت حروباً متوالية، وغير مستعدة لحرب مجنونة جديدة لا تبقي ولا تذر ...
شخصية أمريكية ـ وأحسبها دنيس روس ـ كان يتحدث في جامعة أمريكية فسئل: نلاحظ حصول مفاوضات مطوّلة مع إيران دون نتيجة ... ؟ ردّ على الفور: العلاقة مع إيران تُرسَم وتقرر في تل أبيب وليس في واشنطن..!!
ألاحظ حين كانت المعارضة العراقية تجتمع ـ خارج العراق ـ كانت المخابرات الإيرانية تحضر تلك الاجتماعات ـ كمستمع ـ وتزوّد حلفاءها العراقيين بما ترى، وتنصحهم بالتعاون مع الأمريكان، لكنها تمدّ بعض المقاتلين في العراق بالمال والسلاح، وقد ذكر المرجع الشيعي (البغدادي) تدخّل المخابرات، كما ذكرها مراراً محافظ كربلاء، فالتدخل الإيراني لم يعد خافياً.
أما وزير داخلية العراق ـ الأول بعد الاحتلال ـ فكان يصرح بأن إيران تبعث للعراق بزوّار ورجال مخابرات وتجار مخدرات.
لكن الأمريكان حرصوا على عدم إثارة شيعة العراق، كي لا ينضمّوا للسنة، ونشر بعض هذا في الصحف، مثل: صحيفة (الحياة) .
قبل أيام قابلتُ رجلاً إيرانياً سألته: هل تحاربون؟ قال: إذا اعتُدي علينا، وزاد: لقد وضعنا بلايين الدولارات في هذه المفاعلات واشتغلنا سنين طويلة، فإذا ضربت فلن ندّخر شيئاً نقدر على فعله، سنحرض كل متعاطف معنا وسنجعلها حرباً شاملة. قلت: حين قامت الثورة الإيرانية حدث إنزال من طائرات هيلوكبتر أمريكية جنوب إيران بعد أن سحقت كل الرادارات في إيران، وتكرر هذا أيضاً عند ضرب مفاعل (تموز) في بغداد.. قال الرجل: هذه الوقائع صحيحة لكن بيننا وبينها عشرات السنين، وكل شيء تغير، ولن نسلّم ولن نسكت ولن يسكت حلفاؤنا، ثم قال: عندنا مَثَلٌ يقول: «مجنون يلقي حجراً في بئر، فيتعاون مئة عاقل لاستخراجه» ، الحرب يشعلها مجنون، وما أكثر المجانين والمهووسين اليوم، وما أسهل إشعال الحرب، وما أصعب أن تُطفأ.
أمريكا الآن تُجري مفاوضات مع إيران، وكل طرف يريد منها نتائج غير ما يريده الطرف الآخر، والسؤال: إذا فشلت هذه المفاوضات، فهل يتم ضرب المفاعلات الإيرانية فتشتعل الحرب في المنطقة؟ أم يتم التفاهم على حساب العراق والعرب، ويجري تقاسم النفوذ، وتفشل سياسة العدو الصهيوني في التحريش والتحريض؟
ذكّرت الشخص الإيراني بما حصل لـ (صدام) والنتائج الكارثية لسياسته، فقال: «لسنا (صدام) ـ ولا مؤاخذة ـ ولا نحن مثل العرب، وسنحارب حرباً يسجلها التاريخ بعد أن سجل لنا ثورة لا مثيل لها في التاريخ.
فإذا التقى الإعجاب الإيراني بالنفس، مع العجرفة الأمريكية، مع التحريض الصهيوني؛ فنسأل الله ـ تعالى ـ أن يلطف بالمنطقة وبالعالم.