[المسجد وأعداء الإسلام]
يعتبر المسجد رمز الحياة الإسلامية ومحور اهتمام المسلمين، ومركز
المدينة أو المحلة الإسلامية، وحوله يتجمع نشاط المسلمين بكل مظاهره وصوره،
فمنه انبثقت أفكارهم وتطلعاتهم، إليه يعودون بعد ضربهم في الأرض، وخوضهم
في كل المجالات اقتصادية أو جهادية أو سياسية.
والمسجد تجسيد لأهداف المسلم وغاياته في حياته وهو الطريق لتحقيق هذه
الأهداف والغايات فبناؤه يعد أول خطوة من أجل ذلك، وهدمه قضاء على هذه
الأهداف والغايات في مهدها ومحاولة قضاء على مجرد التفكير فيها أيضاً. وهذا ما
يدركه كل من المسلمين وخصومهم بوضوح أيضاً. فالمسلم الحق أينما حل يبحث
عن المسجد، فإن لم يجده فكر في طريقة إيجاده، وتطلع إلى الوسائل التي تعينه
على ذلك، من التعرف على إخوانه في العقيدة الذين يشاركونه هذا الاهتمام، ومن
تسهيل السبل لرفع هذا البناء الذي يوقف لعبادة الله وحده، ويرفع فيه اسم الله عز
وجل وحده، كل ذلك إعمالاً لقول الله تعالى: [إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
والْيَوْمِ الآخِرِ] .
أما أعداء الإسلام، فمن إدراكهم لهذه الحقائق، ومعرفتهم بأن المسجد هو
نقطة تجمع للمسلمين، وبؤرة ضوء يلتفون حولها ويقتبسون من نورها؛ يعز عليهم
أن يكون للمسمين أي تجمع، ويهتدون بأي نور، فقد أخذوا على أنفسهم عهداً أن
يضربوا كل وحدة للمسلمين وكل شبه وحدة، وأن يقضوا على أية وسيلة يستمدون
منها الشعور بذاتهم، والحفاظ على خصائصهم، والتميز عن غيرهم، وهذه
الطبيعة في أعداء الإسلام ليست جديدة، وليست غير طبيعية، وليست غير مفهومة، فهي طبيعة قديمة وطبيعية ومفهومة. ولسنا نريد الحديث عن أساليب الأعداء في
تفريق صفوف المسلمين والعمل على ضرب قواهم والوسائل الكثيرة التي تسخر
لذلك، ولكن نريد أن نتحدث عن موقفهم من المساجد فقط.
ونبدأ بالشيوعية فعندما سيطرت هذه الشيوعية على الشعوب الإسلامية كانت
مساجد المسلمين من أولى أهدافها، فهدمت منها ما يعز على الحصر والذي ضنت
به عن الهدم -لجمال هندسته وضخامة بنيانه- حولته إلى متاحف أو معامل أو
مرافق، ومنها ما جعلته مخازن للخمور وغيرها من النجاسات زيادة في تحدي
المشاعر. وحرمت ارتياد هذه المساجد للعبادة، وقضت على ما كان ملحقاً بالكثير
منها من مدارس العلم والمؤسسات الخيرية التي أوقفت على مصالح المسلمين، ففي
خوجند التي كانت إحدى العواصم في وسط آسيا وكانت مليئة بالمساجد لم تبق
الشيوعية فيها إلا مسجداً رسمياً واحداً ليكفي حاجة ١٥٠ ألف شخص، بينما هدمت
المساجد الباقية وحول بعضها إلى مكتبات للأطفال ومخازن وبارات، وفي داغستان
هدم في عهد ستالين (٢٠٠٠) مسجد، وفي (آخطي) وهي بلدة تبعد عن دربند
(وهو ما يسمى بباب الأبواب في المراجع الإسلامية) أربع ساعات بالسيارة -
تحول المسجد إلى متحف، ووضع فوقه تمثال معدني للينين ارتفاعه سبعة أمتار
تقريباً..
واليوم وبعد سقوط الشيوعية يعيد المسلمون بناء المساجد بنشاط وحماسة
مذهلة، فأهل داغستان بنوا حوالي ٢٠٠ مسجد من أموالهم الخاصة منذ بداية
١٩٩٠ إلى الآن، وفي خوجند العمل جار لبناء ١٤ مسجداً في وقت واحد. وفي
كل أمكنة أخرى يكون النشاط نفسه، فتبنى المساجد الجديدة، ويعاد فتح المساجد
القديمة المعطلة أو التي كانت مستخدمة لأغراض أخرى، وأصبح بالإمكان إعادة
فتح أي مسجد للعبادة إذا طالب بذلك عشرون شخصاً على الأقل.
وفي فلسطين فإن سياسة الاستيطان اليهودي الشرسة تحرص على تغيير وجه
فلسطين المسلم، وصبغها بالصبغة اليهودية، وتبذل جهوداً وأموالاً خيالية في هذا
المجال، يمدها في ذلك اليهود والصليبيون المتعصبون في أمريكا وأوربا.
وعلى الرغم من النجاح الذي حققه اليهود في مدن فلسطين الرئيسية في حيفا
ويافا، فإنهم يحرصون أن يطبقوا هذه السياسة على الضفة الغربية وقطاع غزة،
ويبدأون بالرموز الكبيرة في كل مدينة. فقد نجحوا في أن يكون لهم مكان عبادة في
مسجد الخليل، وهم يسعون لتحويل كل مكان خالص للعبادة اليهودية وحرمان
المسلمين منه، على الرغم من أن المسلمين أمضوا أكثر من أربعة عشر قرناً في
العبادة فيه.
على أن جهودهم تستنفر وتتجمع لهدم المسجد الأقصى ومسجد الصخرة لإقامة
هيكلهم المزعوم مكانه. ومحاولتهم لإحراق المسجد الأقصى عام ١٩٦٩، وتكرار
محاولاتهم وضع الحجر الأساسي في ساحته وبناء هيكلهم بعد ذلك على أطلاله
ليست مجرد هدم لمسجد فقط؛ وإنما هي قضاء على كل أمل للمسلمين في حقهم في
مدينة القدس، وجعل الفلسطينيين يقتنعون أنه لا قبل لهم بنيل أي حق يطالبون به،
وهي بعد كل ذلك يمكن أن تكون سابقة خطيرة لها نتائجها وأبعادها لا على مسرح
النزاع بين اليهودية والإسلام وهو فلسطين؟ بل على كل أرض يقف فيها الإسلام
في مواجهة أي دين آخر.
وبهذا يجب أن تفسر المذبحة التي وقعت للفلسطينيين في ساحات المسجد
الأقصى وعلى تخومه، وبهذا أيضاً تظهر العلاقة واضحة بين هذا الحادث وبين ما
يجري في الهند من هذه الحملة المسعورة التي يقوم بها الهندوس الوثنيون لهدم
المسجد البابري وإقامة معبد لصنمهم (راما) في مكانه.
ووجوه التشابه كثيرة بين ما يفعله اليهود في فلسطين للمسجد الأقصى وغيره، وما يفعله الهندوس.
*فاليهود يريدون إلغاء كل ما يمت للإسلام بصلة في فلسطين ليقنعوا العالم
أنها أرضهم الشرعية وأن المسلمين طارئون عليها. والهندوس كذلك يريدون إلغاء
وجود الإسلام في شبه القارة الهندية وإذابة المسلمين هناك.
*واليهود والهندوس يريدون الإيحاء للعالم أن الإسلام فترة زمنية انتهت،
كما انتهت فترة الاستعمار الغربي، وأن على المسلمين أن يرحلوا كما رحل الإنكليز
والفرنسيون والبرتغال والطليان عن البلاد التي حكموها بالظلم والطغيان والقهر،
ويعمون عن حقيقة جوهرية أن هذه الشعوب التي دخلت في الإسلام لم تأت من
الجزيرة العربية، بل هي من أهل البلاد الأصليين الذين قبلوا الإسلام عن طواعية، وأنه من الصعب بل من المستحيل أن يتخلوا عنه بسهولة وبخاصة في هذا الزمن
على الرغم من تطور أساليب الفتنة، وما حدث في البلاد الشيوعية يعطي الدرس
البليغ للهندوس ولليهود ولغيرهم ممن يفكر في تغيير دين المسلمين وإذابتهم.
*واليهود والهندوس تبدوا جهودهم وكأن هناك تنسيقاً بينهما من أجل الضغط
على المسلمين وإشغالهم وتشتيت جهودهم فالمنطقة الممتدة بين المتوسط وشرق آسيا، وهي المنطقة التي ينساح الإسلام فيها على مساحة واسعة الأرجاء نجدها الآن
تُتَحَّيف من أطرافها وتثار فيها مشكلات مستعصية تشغل المسلمين وتشتت جهودهم
وهذا واضح شديد الوضوح في الهند في الشرق، وفي فلسطين في الغرب، كما أنه
واضح أيضاً في أفغانستان وفي سيلان، وفي الفلبين.
إن إصرار الهندوس على هدم المسجد البابري في الهند ليس مجرد هدم
مسجد فقط، وإنما هو رمز لإزالة أثر الإسلام من الهند، وهو بداية سلسلة من
الأعمال التي تذكر بالمذابح المتبادلة التي حصلت هناك بهندسة من الاستعمار
البريطاني قبل انفصال الباكستان. وعلى الدول العربية والإسلامية واجب كبير في
لفت نظر الهند حكومة وشعباً إلى خطورة ما يحدث للمسلمين عندهم، هذا الواجب
الكبير الذي توجبه الأخوة الإسلامية التي تربط بين المسلمين في كل مكان، فإن لم
يكن واجب الأخوة الإسلامية، فالأخوة الإنسانية والعلاقات التي تربط بين الدول.
إن الشعوب العربية تضامنت مع شعوب غير مسلمة سابقاً ولاحقاً، ولازالت
أجهزة إعلامها وكتب التاريخ المدرسي فيها تشيد بصمود فيتنام وكوريا، وتتعاطف
مع دول أمريكا اللاتينية، ونعتقد أن تعاطفها مع الشعوب والأقليات الإسلامية لا يقل
من حيث الواجب الإنساني -إن لم يكن هناك دين- أهمية وإلحاحاً.
والهنود -على الرغم من كثرة عددهم- عندما تصلهم الاحتجاجات من الدول
العربية والإسلامية فإنهم سينظرون إلى الأمور بتعقل أكثر، ذلك لأن الهند لها
علاقات مزدهرة مع أغلب هذه الدول بل إن بعضها يفضلها على باكستان. فلا أقل
من تصريح يفهم الهند أن القضاء على١٢٥ مليون مسلم أمر مستحيل وضار
بمستقبل الهندوس أنفسهم.
أما الكلمة الأخيرة فهي موجهة للمسلمين الذين يجب أن يفهموا أن الديمقراطية
الهندية ديمقراطية زائفة وأن المسلمين يعانون من عسف هذه الديمقراطية ما يهدد
وجودهم من أصله، وإن الهند لها تطلعات استعمارية، وهي تعاني من مشاكل
داخلية معقدة وتتطلع إلى حلها على حساب ما يحيط بها من الدول، والمجال الذي
تتطلع إليه لبسط نفوذها هو مجال إسلامي بشكل كامل تقريباً، فليس التهديد الهندي
موجهاً للصين مثلاً أو للشرق بل تهديدها متجه إلى البنغال وباكستان وأفغانستان
بالدرجة الأولى. والهنود يظنون أنهم بامتلاكهم القنبلة النووية أصبحوا قادرين على
فرض الاعتراف بهم كقوة مسيطرة في آسيا، ولا تكتفي بالعيش داخل حدودها.