المسلمون والعالم
[الحرب البيولوجية (الجرثومية)]
د. ضيف الله بن محمد الضعيان [*]
مقدمة:
مع حلول موسم الأنفلونزا باقتراب فصل الشتاء يزداد الهلع في الشارع
الأمريكي، وتكتظ عيادات الأطباء بالمراجعين ولا تتوقف هواتفهم عن الرد على
المستفسرين عما إذا كان ما يعانون من إنفلونزا وذبحة صدرية والتهاب حلقي يعني
أنهم بحاجة إلى أن يخضعوا للكشف عن جرثومة الجمرة الخبيثة (أنثراكس) التي
تأكد إصابة عدد من الأشخاص بها في بعض الولايات الأمريكية بعد أن شنت
الولايات المتحدة حرباً على أفغانستان على خلفية اتهام حكومتها بإيواء أفراد تنظيم
القاعدة الذين تتهمهم أمريكا بالوقوف خلف هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول
على كل من واشنطن ونيويورك.
ويخشى الأمريكيون أن حرباً جرثومية قد شنت عليهم انتقاماً من ممارسات
جيوشهم في أفغانستان، ومن وقوف حكومتهم ونواب كونجرسهم ومجلس شيوخهم
مع الدولة الصهيونية في حربها الدموية الشرسة على الشعب الفلسطيني الأعزل.
إلا أن المسؤولين في واشنطن يفضلون عدم الربط بين القضيتين ويستبعدون أن
تكون حالات الإصابة في الجمرة الخبيثة التي تم اكتشافها جاءت نتيجة ممارسات
إرهابية، في محاولة لتخفيف موجة الرعب والهلع التي تجتاح المدن الأمريكية.
لكن إخفاق السلطات الأمنية الأمريكية في تحديد مصدر هذه الجرثومة بعد أسابيع
من ظهورها يفتح الباب أمام كل التكهنات، ويزيد حالة القلق والترقب في الشارع
الأمريكي الذي لم يخرج بعد من هول الصدمة التي حلت به إثر هجمات الحادي
عشر من سبتمبر/ أيلول.
إن القلق الذي يجتاح الشارع الأمريكي له ما يسوِّغه في ظل التقارير التي ما
فتئت تصدرها وكالة المخابرات الأمريكية الـ CIA بين فترة وأخرى خلال
السنوات القليلة الماضية عن قدرة الجماعات التي تصفها بالإرهابية على امتلاك
أسلحة بيولوجية وكيميائية وحتى نووية؛ خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي
ودول المعسكر الشرقي؛ مما عزز الشكوك في أن جزءاً من ترسانة هذه الدول من
أسلحة الدمار الشامل ربما تسرب إلى أيدي الجماعات المناوئة للغرب ولواشنطن
على وجه الخصوص.
تعريف الحرب البيولوجية:
هي الاستخدام العسكري للكائنات الحية المجهرية (البكتيريا أو الفطريات أو
الفيروسات) بقصد إحداث الأمراض الوبائية أو الموت للإنسان أو الحيوان أو
المحاصيل. ويمكن استخدام العناصر البيولوجية أيضاً لإصابة جنود العدو بالمرض
لشل قدرتهم على القتال، أو إتلاف مخزون العدو من الأغذية. وتعتمد القدرة
التدميرية للميكروبات على قدرتها الهائلة على الانقسام؛ حيث تنقسم الجرثومة
الواحدة إلى ملايين من مثيلاتها في اليوم الواحد.
شروط السلاح البيولوجي الفعال:
١ - سهولة زراعة جراثيم المرض المراد نشره.
٢ - قدرة هذه الجراثيم على البقاء بوجود الرطوبة والجفاف وعند درجات
حرارة متوسطة (يفضل القيام بالهجوم البيولوجي ليلاً خصوصاً في أشهر الصيف) .
٣ - سرعة الانتشار والوصول إلى الأهداف المنشودة.
٤ - فاعلية الجراثيم بحيث يسبب العدوى أقل عدد ممكن منها.
٥ - أن تكون الأمراض الناتجة عنها ليس لها علاج أو أمصال أو لا يمتلكها
العدو.
٦ - قدرتها على إحداث أكبر عدد من الإصابات والوفيات والإعاقات.
أنواع الأسلحة البيولوجية:
يوجد عدة أنواع من الجراثيم التي تصلح للاستخدام سلاحاً بيولوجياً، منها
الجراثيم المسببة لوباء الجدري، والطاعون، والكوليرا، وشلل الأطفال، والحمى
الصفراء، وداء الكلب وغيرها.
وتعتبر جرثومة (باسلس أنثراكس) المسببة لمرض الجمرة الخبيثة من أكثر
الأسلحة شيوعاً في الحروب الجرثومية، وهي تصيب الجلد، ويسهل معالجتها عن
طريق جرعات كبيرة من المضادات الحيوية. إلا أن استنشاق الهواء الملوث بها
يسبب إصابة الرئتين بالمرض، ويفضي إلى الموت في أغلب الحالات، وقد ينجو
المصاب من الموت لو تم علاجه بالسرعة الكافية. وفي حالة ابتلاع الجراثيم فإن
المعدة والأمعاء تصابان بالمرض ويؤدي ذلك إلى الموت في أكثر من نصف
الحالات.
وسائل إطلاق الأسلحة البيولوجية:
هناك تقنيات عدة يمكن استخدامها لنشر هذه الجراثيم في صفوف العدو، منها:
١ - نشرها في الهواء على شكل ضباب أو دخان عن طريق راجمات
الصواريخ أو طائرات الرش أو قذائف المدفعية.
٢ - تلويث المياه أو الأغذية بالجراثيم.
٣ - استخدام الحشرات والقوارض الحاملة للجرثومة.
٤ - إسقاطها خلف صفوف العدو بين المدنيين على شكل لعب أطفال أو
أغذية أو عملات معدنية وغيرها.
تاريخ استخدامها:
* خلال القرن الرابع عشر الميلادي كانت بعض الجيوش التي تحاصر المدن
تقذف بالمنجنيق جثث المصابين بالطاعون أو الجدري، وكذا بعض النباتات الملوثة
من فوق سور المدينة بقصد نشر الوباء داخل صفوف العدو.
* نشر الأوروبيون وباء الجدري والحمى بقصد بين صفوف الهنود الحمر
(السكان الأصليين لأمريكا) خلال مبادلاتهم التجارية معهم في القرنين السابع عشر
والثامن عشر.
* في القرن العشرين استخدم السلاح البيولوجي في عدد من الحروب،
فاستخدمته ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، ونشرت اليابان وباء الطاعون خلال
الحرب العالمية الثانية في عدد من المدن الصينية عن طريق إنزال كميات من
الجرذان المصابة بالوباء بواسطة المظلات؛ مما أدى إلى مقتل عدد كبير من الناس.
كما استخدمت اليابان سجناء الحرب الصينيين لتجريب بعض أنواع الأسلحة
البيولوجية.
* تشير بعض المصادر إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد استخدمت
السلاح البيولوجي ضد كوريا الشمالية والصين خلال الحرب الكورية ١٩٥٠ -
١٩٥٣م، وفي فيتنام.
* يتهم الاتحاد السوفييتي بأنه استخدم الأسلحة البيولوجية ضد أفغانستان خلال
احتلاله لها في عقد الثمانينيات من القرن الماضي.
* يُظن أن النظام العراقي قد استخدم السلاح البيولوجي إلى جانب السلاح
الكيميائي ضد الأكراد في حلبجة عام ١٩٨٨، وقد تم تدمير خمسة مخازن
ومختبرات سرية لتصنيع الأسلحة الجرثومية منها الأنثراكس خلال عقد التسعينيات
بعد هزيمة العراق في حرب عاصفة الصحراء.
* فجرت بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية (عام ١٩٤٣م) قنبلة محشوة
بجراثيم الجمرة الخبيثة في جزيرة جريونارد الأسكتلندية على سبيل أنه من تجاربها
على الأسلحة الجرثومية؛ مما أدى إلى مقتل كثير من الحيوانات والنباتات، وظلت
منذ ذلك الوقت منطقة محرمة حتى أعلن مؤخراً خلوها من الجرثومة القاتلة.
اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية:
في العاشر من أبريل/ نيسان عام ١٩٧٢م تم التوقيع في جنيف على اتفاقية
دولية تحظر استخدام الأسلحة البيولوجية، وتمنع إنتاج أو امتلاك أو استخدام مثل
هذه الأسلحة، وكان قد سبقتها عدة اتفاقيات كانت أولاها اتفاقية جنيف عام ١٩٢٥م
المحرمة للأسلحة الكيميائية والبيولوجية. وقد وقعت على اتفاقية عام ١٩٧٢م ١٤٣
دولة بما فيها الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن الاتفاقية لم
تتضمن إمكانية التفتيش على الدول المصادقة عليها بسبب أجواء الحرب الباردة
التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
الأقطار التي تخرق الاتفاقية:
يعتقد بعض المحللين الغربيين أن عدداً من الدول الموقعة على اتفاقية حظر
الأسلحة البيولوجية تمتلك هذا السلاح تأتي في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية
التي تمتلك أكبر ترسانة من هذه الأسلحة؛ وإن كانت تزعم أنها مخصصة فقط
للأغراض البحثية والدفاع عن النفس، رغم أن الرئيس ريتشارد نيكسون قد تعهد
عام ١٩٦٩م بأن لا تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأسلحة البيولوجية ضد أي
دولة حتى وإن استخدمت تلك الدولة مثل هذه الأسلحة ضد الولايات المتحدة. وأمر
نيكسون بتدمير المخزون الأمريكي من تلك الأسلحة.
ومن الدول الأخرى التي يعتقد امتلاكها لهذه الأسلحة: بريطانيا وفرنسا
والصين وروسيا وكوبا والعراق (سابقاً) وإيران وليبيا وإسرائيل، ودول
أخرى مشكوك في امتلاكها للسلاح البيولوجي منها كوريا الشمالية ومصر وسوريا
والهند وتايوان.
أمريكا ترفض التفتيش الدولي:
بعد سبع سنوات من المفاوضات في جنيف، وفيما اعتبر آخر جولة قبل
التوقيع على معاهدة جديدة تضيف بنداً تم إهماله في اتفاقية عام ١٩٧٢م وهو
التفتيش الدولي على منشآت الدول التي تصادق على المعاهدة؛ فقد انتهت الجولة
الأخيرة من المفاوضات يوم ١٧ أغسطس/ آب من هذا العام (٢٠٠١م) إلى
فوضى واضطراب وبلبلة داخل أروقة المؤتمر؛ إذ فوجئ مندوبو ٥٥ دولة مشتركة
في المفاوضات بوقوف رئيس الوفد الأمريكي معلناً رفض إدارة الرئيس بوش
للمعاهدة وامتناعها عن التوقيع عليها، فيما اعتبر نكوصاً عن عهد نيكسون المشار
إليه آنفاً.
وتفادياً للانتقادات الدولية كتلك التي تعرضت لها الولايات المتحدة حين
رفضت التوقيع على معاهدة كيوتو في اليابان الخاصة بالحد من حرارة الأرض،
فقد أعلن البيت الأبيض أن وفده إلى مفاوضات جنيف سيبقى حتى تنتهي جولة
المفاوضات الأخيرة لمنع الدول الأخرى عن التوقيع على المعاهدة الجديدة. وكان
التفسير الذي قدمته حكومة بوش مخادعاً ويهدف إلى تضليل الرأي العام، وهو أن
المعاهدة ضعيفة رغم أن بنودها التي تتسم بالضعف كما يقول المراقبون جاءت
استجابة لإصرار الوفد الأمريكي خلال جولات المفاوضات السابقة. ويجادل
الأمريكيون بأن المعاهدة لا تملك الإجراءات الكافية لكشف الدول التي تخرقها رغم
أن رئيس الوفد الأمريكي لمفاوضات جنيف كان قد قال عكس ذلك أمام أعضاء
الكونجرس. وتزعم الإدارة الأمريكية أن المعاهدة تهدد سرية المعلومات الخاصة
بالأمن القومي، رغم أن المعاهدة تتضمن إجراءات مشددة فيما يخص أسرار الدول،
وأن جميع حلفاء أمريكا الأوروبيين وفي أمريكا اللاتينية واليابان وغيرهم قد
وافقوا عليها.
ويرى المعارضون لإدارة بوش من الأمريكيين أن امتناع إدارة بوش عن
التوقيع على المعاهدة وسعيها لإحباطها يضر حقيقة بالأمن القومي؛ إذ إن أمريكا
ستكون هدفاً رئيساً لأي هجوم استراتيجي أو إرهابي بالأسلحة الجرثومية، ويرون
أن تصنيع هذه الأسلحة وتوليد جرثوماتها وتخزينها قد يتسبب، نتيجة خطأ بشري
أو تقني أو بفعل متعمد، بكارثة وطنية تتمثل بانتشار عدد من الأوبئة التي لا يمكن
التحكم بها، ولن تفلح ترسانة أمريكا كلها من الأسلحة في وقفها.
وسائل الوقاية من الأسلحة الجرثومية:
١ - استخدام الأقنعة الواقية (الكمامات) فإن لم توجد فقطعة قماش مبللة
بالماء.
٢ - البعد عن المياه والمأكولات الملوثة.
٣ - الحذر من الحشرات المحتمل حملها للجرثومة.
٤ - أخذ اللقاحات المناسبة ضد الجراثيم المتوقع استخدامها من قِبَل العدو.
٥ - التأكد من توفر المضادات وعلاجات الأمراض المتوقعة.
٦ - عزل المرضى والموبوئين عن الأصحاء.
٧ - يستخدم محلول الـ (فورمالدهيد) لقتل جميع جراثيم الجمرة الخبيثة في
التربة، وهو مادة كيميائية عضوية متوفرة ورخيصة، وغير ضارة بالبيئة.
٨ - يتم الكشف عن الأسلحة الجرثومية في الجو بواسطة جهاز ليزر تعمل
أشعته على تكسير هذه الجراثيم فتمر على مطياف الكتلة لمعرفة نوعها.
مخاطر الحرب الجرثومية:
إن مما يعزز المخاوف من خطر الحرب البيولوجية هو الدمار الشامل الذي
يمكن أن تحدثه لشعب بأكمله قبل أن يكون لديه الوقت الكافي للدفاع عن نفسه،
بخلاف الحرب التقليدية التي تستخدم فيها القنابل المتفجرة ويكون دمارها فقط على
الذين تقع فوق رؤوسهم، أو حتى الحرب الكيميائية التي تصيب منطقة معينة
وتتحكم عوامل الطبيعة في مدى اتساع المنطقة التي تجتاحها.
ومن أخطر ما تتميز به الأسلحة الجرثومية مقارنة بالأسلحة هو استيطان هذه
الجراثيم المنطقة الملوثة بها، ومكثها مدة طويلة تصل إلى عشرات السنين.
ورغم أن جرثومة الجمرة الخبيثة لا تنتقل من شخص لآخر إلا أن خطرها
يكمن في إمكانية انتشارها في منطقة واسعة، وسهولة نشرها في مساحة مكتظة
بالسكان أو في سوق تجاري أو ملعب رياضي بهدف إصابة عدد كبير من الناس
بجرثومتها القاتلة من خلال تنفس الهواء الملوث بها دون أن يشعر المصابون في
الأيام الأولى إلا بانفلونزا خفيفة تتحول بعد أيام إلى وحش قاتل.
وبالنسبة للأزمة الأمريكية فإن المواطن الأمريكي العادي يشعر الآن، وسيظل
يشعر على المدى القصير على الأقل أنه معرض لخطر الحرب الجرثومية؛ لأنه لم
يتم تطعيم أفراد الشعب بلقاح جرثومة الجمرة الخبيثة، وإنما اقتصر الأمر على
تطعيم أفراد الجيش فقط. ولا تملك الدولة إلا احتياطياً قليلاً من هذه الأمصال
تفضل إبقاءه لاستخدام أفراد القوات المسلحة. أما ما تحويه مخازن الدولة
البيولوجية من أمصال الجدري المجمدة (تتراوح بين ٧ و١٥ مليون لقاح)
فمخصصة لأفراد الجيش ولحالات الطوارئ فقط، وهي لا تشكل إلا نسبة ضئيلة
من اللقاحات اللازمة فيما لو تعرضت البلاد لهجوم بيوإرهابي واسع.
وقد يكون ما اكتشف من حالات قليلة حتى الآن من إصابات بالجمرة الخبيثة
عملاً متعمداً وتحت سيطرة الأجهزة الأمنية؛ بقصد صرف أنظار الرأي العام
العالمي عما يحدث من مجازر للمدنيين في أفغانستان، ولأجل حشد تأييد الشارع
الأمريكي ضد من تسميهم واشنطن بالإرهابيين.
(*) قسم الكيمياء، جامعة الملك سعود بالرياض.