الورقة الأخيرة
[الفصام النكد]
حسن قطامش
ظاهرة جديدة بدأت تسترعي انتباه الكثيرين، وهي في مجملها ظاهرة غير
صحية، وفي إغفالها وعدم الالتفات إليها وإلى تداعياتها المستقبلية خطر حقيقي
على الصحوة وتحدٍّ جديد يواجهها من داخلها! !
وهذه الظاهرة تتضح بجلاء في أولئك النخبة من الشباب المثقف، أصحاب
العقول الواعية حقيقة لا انتحالاً، وهم أصحاب اطلاع كبير على مجريات الأمور
السياسية والثقافية والأدبية والاقتصادية، وكل هذه مؤهلات في ذاتها تحتاج إليها
الصحوة، وتحتاج إلى عطاءاتها في تلك المجالات.
فأين تكمن المشكلة إذن؟ إن المشكلة التي تواجه هذه النخب وتوجهها هي
(الأنفة الفكرية) التي تأخذ بزمام عقولهم، فالكمّ المعرفي للثقافات العصرية التي
حصلوا عليها ومعايشتهم لها فترات مختلفة، جعلت بينهم وبين إخوانهم من أصحاب
العلوم الشرعية نوعاً من النفرة النفسية؛ إذ قد اختلفت الاهتمامات والتصورات،
وضُرب سياج نوعي على الأشخاص الذين تربطهم بهم علاقة، إما حميمة، وإما
عادية.
إن من الأسباب الرئيسة في نشوء تلك الطائفة هو ذلك (التمرد الفكري) ،
والذي يَعْتَوِرُ كثيراً من الشباب في بداية الطلب مع اختلاطهم بمذاهب فكرية
وتربوية مختلفة، مما يجعل المقارنة عندهم تجري بصورة منتظمة كلما التقوا بفكر
ما فتتشكل بعد ذلك قناعة غير مستقرة لا علمياً ولا عملياً، وهذه القناعة من حيث
كونها ارتكزت على تصور علمي واضح، فهذا غير موجود، ومن حيث تداعياتها
العملية، فغير ممكن أن تترجم إلى عمل صريح يطرحون به القوم والمنهج وراءهم
وإن كان ذلك يحدث أحياناً فيظلون كالمعلقة؛ فهم من حيث الظاهر، مرتبطون
بفكر ومنهج، ومن حيث الانتساب الحقيقي ليس عليه دليل واضح بيّن إلا في
المناسبات العامة أو المشاركات التي لا تكلفهم التنازل عن قناعتهم السابقة.
ولكن هذه الفئة لا تتحمل مسؤولية نشوئها وظهورها بمفردها؛ فإن طبيعة
النفس أن تميل إلى من يشاركها اهتماماتها وأفكارها.
إن من الغبن ترك أولئك النفر من الشباب الفذ من أصحاب العقول الناضجة
دون متابعة حقيقية وارتباط وثيق حتى يستوي العود على سوقه ويشتد، ويجب عدم
الاغترار بكون ذلك الشاب قد أصبح (أستاذاً) أو (دكتوراً) .
وكذلك فإن السكوت عن الشطحات الفكرية والعملية التي تصدر من بعضهم
يعتبر إقراراً بصحتها مع خطورة نتائجها.
ونحن لا نطالب هؤلاء (الأساتذة) بأن يصبحوا (مشايخ) ومع أننا نكبر دورهم
وما يقدمونه، ولكن.. لا بد من وجود خط يقف عليه أولئك يعصمهم من الزلل،
ولا بد من قدرٍ من الرجوع (للشيوخ) للاستشارة فيما يريدون أن يقدموه لدين الله،
حتى يستقيم عملهم باكتمال صورته والأهم من ذلك مراجعة القناعات السابقة،
والتنازل ولو قليلاً عن هذه الكبرياء في التصورات التي تبلورت في وقت ما، وفي
ظروف ما، حتى لا نكون ممن زُيِّنَ له سوء عمله ويحسب أنه على خير، ولا
نحسبهم إن شاء الله إلا راجعين إلى الحق حين يظهر لهم.
وما سبق ما هو إلا ملحوظات لظاهرة اجتمع على إثبات وجودها نفر غير
قليل، ولذلك كان لا بد من النصح والبيان.