للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحقيقة الكاملة لأعداد سكان العراق سنة وشيعة]

قراءة في كتاب فضيلة الشيخ الدكتور طه الدليمي

عرض: أبو أويس البغدادي

الحقيقة (أول كتاب مخطوط عن تعداد السنة والشيعة في العراق) .

يتحدث الشيعة ـ ويكثرون من الحديث ـ عن كونهم يمثلون الأكثرية من سكان أهل العراق، وأن أهل السنة والجماعة لا يشكلون فيه إلا أقلية قليلة هي ربما أقل من بعض الأقليات الأخرى الموجودة فيه.

وقد ازداد حديثهم هذا كثرة في الفترات الأخيرة خصوصاً بعد الاحتلال؛ تسمع هذا في الإذاعات والفضائيات، وتقرؤه في الكتب والنشرات، وتجده على ألسنة الناس، حتى من بعض أهل السنة أنفسهم؛ وهذا جهل منهم بلا شك.

في الوقت نفسه تجد أهل السنة يُعرِضون عن هذا ولا يذكرونه أبداً حذراً من دعوى الإثارة الطائفية رغم أن الطرف الآخر لا يحذر مما يحذرون، ويكثر من ذكر ما لا يذكرون.

لقد آن لنا أن نسأل: هل صحيح ما يقوله الشيعة من أنهم الأغلبية، وأن أهل السنة هم أقلية؟ أم أنه مجرد إشاعة تلقتها الألسن ورددتها الأفواه فرسخت في الأذهان لطول التلقي وكثرة الترديد لا؛ لأنه يقوم على مستند من العلم أو أساس من الواقع؟

وآن لنا أن نجيب عن هذا السؤال لأجل أن يعلم الناس الحقيقة من الزيف في الداخل والخارج.

- حقائق لا بد من تقديمها:

وقبل مناقشة الموضوع نقاشاً علمياً إحصائياً أود تقديم الحقائق التالية:

١- الحق يقوم على الصدق والعلم، ويعتمد البرهان والدليل، والباطل يقوم على التزوير والخداع، ويعتمد الدعاية والتضليل وخلط الأوراق والتلاعب بالألفاظ.

والله يقول: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ١١١] .

٢ - يمتاز العقل الجمعي للمجتمع البشري ـ أو قل: عقل المجتمع كمجموع ـ بقابليته للتأثر بما يكثر وروده عليه، والتصديق بما يكرر طرقه على سمعه من معلومات مهما كانت خاطئة أو بعيدة عن الواقع؛ فكل ما يكثر إشاعاته ونشره على أسماع المجتمع تجده ـ بعد مدة ـ يرسخ، ويمسي كحقيقة مسلَّمة في أذهان الكثيرين من أفراده.

هكذا انتشرت العقائد الباطلة والأفكار الفاسدة، والنظريات الهدامة، بل الخرافات والأساطير في جميع المجتمعات. ولكل مجتمع عقائده وأفكاره وخرافاته وأساطيره التي رسخت فيه كحقائق مسلَّمة نتيجة الإشاعة والطرْق المستمر، وما اليهودية والنصرانية والبوذية والمجوسية والشيوعية إلا أمثلة على ما أقول.

ومن هذا الباب وجود ما يسمى بـ (الخطأ الشائع) فكثير من المعلومات والاعتقادات والتصورات إن هي إلا أخطاء شائعة لو دُرست علمياً ومُحصت على ضوء الدلائل والبراهين لظهر زيفها وبان خطؤها، ولذلك قيل: (كل مكرر مقرر) . ولأهل الباطل مقولة مشهورة (*) تعتمد على هذه الخاصية التي يمتاز بها العقل الجمعي هي: «اكذب.. اكذب حتى يصدقك الناس» .

٣ - إن التفرقة الاجتماعية والتجزئة السياسية ليست حلاً لأي طائفة أو فئة من فئات المجتمع، مهما كان حجمها كثيراً أم قليلاً، أكثر أم أقل؛ فليس الحل بأن تستحوذ الفئة الكبيرة أو الأكبر على مقدرات البلد، وتظلم الفئات الأخرى وتهضم حقوقها، ولا بأن يقسم البلد أو تتناحر فئاته على أساس اختلاف هذه الفئات.

إن جميع بلدان العالم تتشكل مجتمعاتها من فئات مختلفة في انتماءاتها القومية والدينية والمذهبية والفكرية، ولقد ضمت دولة الإسلام تحت جناحها عشرات الأقوام والمذاهب.

إن الحل في وجود قانون متوازن يسري في أوصال المجتمع فيحفظ للكل حقوقهم.

وتأسيساً على ما سبق أقول: ليس دافعنا فيما نكتب أن نثبت أننا الأكثرية لتكون لنا الحصة الأكبر؛ فإن كل مسلم واع ووطني صادق لا تقف مطامحه دون الحصة الكاملة يتشارك فيها مع الجميع على قدم المساواة والعدالة؛ حصة يكون الجزء فيه كأنه هو الكل، والكل ممثلاً للجزء. إن صاحب الدار لا يرضى بحصة أو حجرة له فيها مع اللصوص؛ لكن بأن تكون هذه الحجرة لزوجته وتلك لأخيه وثالثة لولده إذا كان هذا التوزيع ضمن الدار الواحدة. إن الذي يريد التقسيم تحت أي ذريعة سارق لئيم، وإن الذي يريد أن يفوز بالحصة الأكبر على حساب الآخرين ظالم معتد أثيم، وفي تراثنا قصة مشهورة ملخصها أن امرأتين جاءتا إلى نبي الله سليمان ـ عليه السلام ـ تختصمان في ولد ذكر كل واحدة منها تدعي أنه ولدها دون الأخرى، وحين نادى ـ عليه السلام ـ بالسكين ليقسمه بينهما ولولت إحداهما وقالت: إنه لصاحبتي، بينما ظلت الأخرى ساكتة، فعرف سليمان ـ عليه السلام ـ أن الولد لتلك التي لم ترض بالقسمة فحكم به لها. إننا نرفض التجزئة ونرفض الظلم على أي أساس كان وأي نسبة كانت.

٤ - ديننا دين الجماعة والمحبة والصلة وحسن الجوار. ونحن ـ أهل السنة والجماعة ـ السنة عندنا معناها الحق والدين كله، والجماعة هي الوحدة والتآلف المقابل للفرقة والتناحر؛ فانتماؤنا للإسلام حسب معادلة لها طرفان: أحدهما السنة، والآخر الجماعة.

وسلوكنا قائم على المحافظة على التوازن بين طرفي هذه المعادلة بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر ولا يكون على حسابه. فنحن نؤمن بالحق ونصرح به، وفي الوقت نفسه نمد يد التعاون والأخوة والجماعة إلى الآخرين.

ودولة الإسلام كانت تضم أدياناً متعددة عاش أصحابها جنباً إلى جنب مع المسلمين، وحين طاردت الصليبية فلول اليهود في الأندلس بعد انهيار دولة الإسلام لم يجد اليهود ملاذاً لهم إلا أرض المسلمين ودولتهم فهاجروا إليها. والله ـ تعالى ـ يقول: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ والْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: ٢] وقوله ـ تعالى ـ: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ #! ٨! #) إنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: ٨ - ٩] .

وحين دخل رسول الله # في المدينة وجدها مختلفة الأديان والأعراق، لكن حين أقام دولته على أساس عقدي لم ينس الوحدة الوطنية.

العراق بلد فيه نصارى وفيه مسلمون وفيه يهود كذلك، وهؤلاء أديانهم مختلفة، ولكن هذا الاختلاف في الدين لا يمنع التقاءهم على مصلحة بلدهم؛ فهم ـ وإن اختلفوا دينياً ـ يجب أن يتحدوا وطنياً.

وفي العراق كذلك طائفتان كبيرتان هما أهل السنة والجماعة والشيعة، واختلاف هاتين الطائفتين دينياً (*) لا يمنع التقاءهما سياسياً ووطنياً، بل هذا واجب شرعي ومطلب وطني، عليهم أن يتعاونوا فيما بينهم من أجل تحقيقه وترسيخه، وعليهم أن يشيعوا بين جماهيرهم وعوامهم أن الاختلافات الدينية أو الطائفية لا ينبغي أن تكون عقبة في سبيل الوحدة الوطنية.

- لغة الأرقام:

بعد هذه المقدمة الضرورية نأتي لنستنطق الإحصائيات والأرقام ونرى ماذا تقول؟ وبِمَ تحكم؟

١ - عدد المحافظات السنية وعدد المحافظات الشيعية:

هذا إذا اعتبرنا العاصمة بغداد متساوية العدد بين أهل السنة والشيعة ولم نقل بأن أهل السنة متفوقون عددياً وهو الذي أرجحه.

٢ - فرق العدد والكثافة بين المحافظات السنية والشيعية:

تبين لنا من الجدول السابق أن المحافظات الشيعية تزيد على المحافظات السنية بفارق عدد هو واحد (١) فالمحافظات الشيعية عددها (٩) بينما المحافظات السنية عددها (٨) .

لكن هذا الفرق العددي البسيط يتلاشى أثره تماماً إذا نظرنا إلى فرق الكثافة السكانية بين الطرفين؛ فإن غالب المحافظات الشيعية ذات كثافة سكانية متدنية مقارنة بالمحافظات السنية التي هي في غالبها مناطق أو محافظات ذات كثافة سكانية عالية، بل إن فرق الكثافة هذا يعكس المعادلة ويجعلها بالمقلوب.

هذه الحقيقة وحدها تكفي معرفتها في التحقق من أن الأغلبية السكانية في العراق هي لأهل السنة والجماعة وليست للشيعة كما هو شائع، وهذا يتبين من معرفة عدد سكان كل محافظة حسب آخر إحصائية رسمية وهي التي جرت عام ١٩٩٦م.

وهذه هي الإحصائية مع التجاوز عن الكسور العددية وتقريبها إلى أوْلى عدد معتبر:

أي أن مجموع سكان المحافظات السنية يزيد إجمالاً على مجموع سكان المحافظات الشيعية بأكثر من سبعمائة ألف. لكن هذا العدد يكبر ويتضاعف إذا حسبنا عدد أهل السنة في المحافظات الشيعية وعدد الشيعة في المحافظات السنية ثم أضفنا الناتج كلاً إلى طائفته، فإن وجود أهل السنة في المحافظات الشيعية يزيد إلى حد الضعف تقريباً عن وجود الشيعة في المحافظات السنية، وسيأتي بيان ذلك بالأرقام.

أقضية في محافظات سنية تساوي محافظة شيعية:

ويبقى فرق الكثافة فعّالاً في إعطائنا حقائق أخرى مهمة. مثلاً: ثلاث محافظات شيعية هي كربلاء (٧٤٠.٠٠٠) وميسان (٥٩٠.٠٠٠) والمثنى (٤١٤.٠٠٠) لا تساوي مجتمعة محافظة سنية هي نينوى (١.٩٠٠.٠٠٠) فإن الأخيرة تساويها وهي مجتمعة وتزيد عليها بمائة وستة وخمسين ألفاً (١٥٦.٠٠٠) .

بل إن ما يقارب نصف المحافظات الجنوبية (الشيعية) كواسط وميسان والمثنى والقادسية هي عبارة ـ من حيث عدد السكان ـ عن أقضية في بعض المحافظات الغربية أو الشمالية (السنية) ؛ فمحافظة المثنى أو ميسان أقل في سكانها في قضاء الفلوجة في محافظة الأنبار، أو سامراء في محافظة صلاح الدين.

- غالبية المحافظات السنية عالية الكثافة عكس المحافظات الشيعية:

حقيقة أخرى تظهر لنا من النظر في فروق الكثافة وهي أن عدد المحافظات السنية ذات الكثافة السكانية العالية ـ أي التي بلغت مليوناً فأكثر ـ هو ضعف عدد المحافظات الشيعية العالية الكثافة.

إن عدد المحافظات الشيعية العالية الكثافة هو ثلاث من تسع (٣ / ٩) أي بنسبة واحد إلى ثلاثة (١/٣) أي أن ثلثي المحافظات الشيعية قليلة الكثافة. بينما عدد المحافظات السنية العالية الكثافة هو بنسبة خمس إلى ثمان (٥/٨) . وإذ نظرنا إلى أن محافظة نينوى تقارب في عددها المليونين، ومحافظة صلاح الدين تقارب المليون فيمكن القول بأن العدد هو ست إلى ثمان (٦/ ٨) أي أن ثلاثة أرباع المحافظات السنية هي محافظات ذات كثافة سكانية عالية (٣/٤) .

كما يلاحظ بوضوح أن المحافظات السنية العالية الكثافة مقارنة بمثيلاتها من المحافظات الشيعية هي ست إلى ثلاث (٦ /٣) أي ضعفها.

وهذا الجدول يبين ما تقدم بالأرقام:

أ - المحافظات عالية الكثافة:

ب - المحافظات قليلة الكثافة:

- عدد السنة في المحافظات الشيعية أكثر من الشيعة في المحافظات السنية:

يتركز أهل السنة في المحافظات الشيعية عالية الكثافة، ويقلون في قليلة الكثافة؛ إذ يشكل أهل السنة نسبة تقارب الثلث (١/٣) في اثنتين من المحافظات الشيعية الثلاث العالية الكثافة وهما البصرة وبابل. ففي الأولى يشكلون نسبة لا تقل عن ٣٥% وتصل نسبتهم إلى ٣٠% من عدد السكان في الثانية. بينما لا يتركز وجود الشيعة في أي محافظة في المحافظات السنية سواء منها العالية الكثافة أو الواطئة سوى ديالى بنسبة ٣٥% من عدد سكانها.

ومن ملاحظة الأعداد في الجدول الأخير من هذه الدراسة نجد أن عدد أهل السنة في المحافظات الشيعية حوالي (١.١٣٥.٠٠٠) بينما عدد الشيعة في المحافظات السنية حوالي (٦٨٥.٠٠٠) فقط.

- النسب التقريبية لكل طائفة في كل محافظة:

وصفت هذه النسبة بـ (النسب التقريبية) لعدم وجود إحصائية رسمية تتعلق بكل طائفة في كل محافظة. وإنما اعتمدت هذه النسب طبقاً للمعرفة الشخصية المبنية على المعايشة الاجتماعية والخبرة الواقعية والسؤال والبحث والتثبت من خلال الآخرين بحيث أستطيع القول بأن هذه النسب أقرب إلى الحقيقة. وهذا يعني أن الرقم المثبت قد يزيد قليلاً أو يقل عما هو عليه.

أ - المحافظات السنية:

ب - المحافظات الشيعية:

العاصمة بغداد:

هذا كله إذا اعتبرنا العاصمة (بغداد) متساوية النسبة بين الطائفتين. على أن الذي أرجحه أن أهل السنة في بغداد لا يزالون يشكلون أغلبية السكان، وأن نسبتهم قد تصل إلى ٦٠%.

- عدد أهل السنة والشيعة طبقاً إلى نسبتهم المتوقعة في كل محافظة:

أما إذا اعتبرنا نسبة أهل السنة في بغداد ٦٠% فتكون النتيجة كالآتي:

- عدد أهل السنة = ١١.٦١٣.٢٤٠

- عدد الشيعة = ٩.١١٨.٧٦٠

فإذا قمنا بحذف ٧٠٠.٠٠٠ من هذه الأعداد ووزعنا هذا الرقم بحيث نحذف ٤٠٠.٠٠٠ من أهل السنة و ٣٠٠.٠٠٠ من الشيعة: ذلك أن مجموع أهل السنة مع الشيعة عام ١٩٩٦ هو عشرون مليوناً (٢٠.٠٠٠.٠٠٠) ، وأن العدد المحذوف (٧٠٠.٠٠٠) يمثل الأقليات الأخرى ـ فتكون النتيجة كالآتي:

العدد الإجمالي لأهل السنة يتراوح بين ١٠.٧٥٠.٠٠٠ و ٠٠٠،٢٠٠،١١.

والعدد الإجمالي للشيعة يتراوح بين ٠٠٠،٨٠٠،٨ و ٠٠٠،٢٥٠،٩.

أي معدل عدد أهل السنة هو ٠٠٠،٠٠٠،١١.

ومعدل عدد الشيعة هو ٠٠٠،٠٠٠،٩.

أي أن عدد أهل السنة يزيد على عدد الشيعة في العراق بمقدار مليونين (٢.٠٠٠.٠٠٠) .

وهذا يعني أن:

نسبة أهل السنة في العراق بين ٥٢% و ٥٤%.

ونسبة الشيعة في العراق بين ٤٢% و ٤٥%.

ونسبة الأقليات في العراق بين ٣% و ٤%.

والنتيجة النهائية التقريبية هي أن:

نسبة أهل السنة في العراق = ٥٣%.

نسبة الشيعة في العراق = ٤٣%.

نسبة الأقليات = ٤%.

المجموع =١٠٠%.

- دور الإعلام الشيعي في إشاعة هذا الخطأ الشائع:

إذن ما يقال من أن الشيعة هم أكثرية سكان العراق ما هو إلا خطأ شائع رسخه الإعلام الشيعي الذي ما فتئ منذ عشرات السنين يردد هذه المقولة التي أخذت تنتشر وتشيع شيئاً فشيئاً، والذي شجع على انتشارها وإشاعتها خلو الساحة من المعارض لها مما أدى إلى رسوخها حتى في أوساط أهل السنة والجماعة أنفسهم في داخل العراق نفسه فضلاً عن الآخرين خارجه من الذين لا قناة لمعلوماتهم سوى الإعلام الذي اقتصر من هذه الناحية على الشيعة فقط؛ بينما أهل السنة يُعرضون عنها إعراضاً تاماً؛ فلا يذكرون شيئاً عنها قليلاً ولا كثيراً، لا تصريحاً ولا تلميحاً، لا في كتاب ولا مجلة ولا جريدة، ولا في خطبة ولا محاضرة ولا مقابلة تلفزيونية؛ إنما كان شأنهم الصمت المطبق؛ يحملهم على ذلك رغبتهم في أن يربؤوا بأنفسهم عن كل ما يثير الطائفية أو يشير إليها أو يشعر الآخرين بأن في العراق طائفتين، حتى ولو كان من باب الرد بالمثل، أو من باب إحقاق الحق ووضع الأمور في مواضعها كما هو ديدنهم دوماً؛ حتى إن من كان منهم يعارض هذه الحال ـ وهم قلة ـ ويتطرق إلى ذكر الحقائق كما هي، وينتقد هذا الصمت الذي لا نجني من ورائه سوى الخسارة، وينذر بسوء العاقبة إذا ظلت الحال على ما هي عليه كانت تقوم في وجهه زوبعة من المعارضة والتشهير والتجريح من قِبَل أهل السنة أنفسهم قبل غيرهم. والذي يعرف ما كان يدور في قضاء المحمودية، وكيف كان يجابه بل يحارب يدرك تماماً ما أقول.

حتى إذا وقعت الواقعة وظهر على السطح ما كان خفياً أو صغيراً لا تراه أكثر العيون عند ذاك بدأت الأمور تنحو منحى آخر، وصارت الألسن تنشط شيئاً فشيئاً من عقالها. والحمد لله على كل حال؛ فإن العاقل ـ كما قيل ـ يبدأ من حيث انتهى العقلاء، وعسى أن تكون البداية قد واتت قبل فوات الأوان.

كان هذا الإعلام كثيراً ما يظلم الحقيقة ـ تضخيماً وتحجيماً ـ إلى درجة الإسفاف؛ ولنتأمل معاً هذه الأمثلة:

في إيران تدعي الحكومة في وسائل إعلامها أن نسبة أهل السنة ٣% فقط؛ بينما الحقيقة أن نسبة أهل السنة والجماعة في إيران قد تصل إلى ٣٠% وقد تتجاوزها.

ناهيك عن الظلم والإجحاف الذي تلحقه الدولة الإيرانية بهذه الطائفة الكبيرة.

وما أن تعبر الحدود إلى العراق حتى تجد الظلم المسف نفسه؛ إذ يدعي بعض من الشيعة أن نسبتهم تناهز الـ ٨٥% من مجموع الشعب العراقي، وهذا يعني أن مجموع نسبة أهل السنة من العرب والكرد والأقليات الأخرى لا يساوي ١٢%؛ فإذا علمنا أن نسبة الأكراد لا تقل عن ٢٠% وأضفنا إليها ٤% هي نسبة الأقليات غير المسلمة فإن نسبة السنة العرب لا يصبح لها وجود تماماً إلا في موقع وهمي يمكن العثور عليه عن طريق الرقم ١٢% تحت الصفر.

ومع كل هذا فإن هذه دعوى أن نسبة الشيعة ٨٥% تقال وتكتب وتنشر بكل صفاقة؛ مع الصمت المطبق من علماء أهل السنة ترفعاً ـ من جانب واحد ـ عن إثارة الحساسيات الطائفية؛ فكيف لا يصدق الناس في الداخل والخارج ما يدعي الشيعة؛ بحيث يكون المتواضع منهم من يقول بأن نسبة الشيعة ٦٠% أو ٦٥%؟

ومن هذه الدعاوى الضعيفة التي تنشر بلا معارض وتسري بلا عقبات:

قولهم بأن نسبة الشيعة في محافظة الأنبار ٢٥% مع أنها لا تكاد تحتسب.

وقولهم بأن قضاء سامراء في محافظة صلاح الدين أغلبيته شيعية مع أنه منطقة سنية صافية سوى بعض الزوار الذين يقصدون مرقد الحسن العسكري وعلي الهادي، وسرعان ما يرجعون من حيث أتوا.

وقولهم بعدم وجود نسبة تذكر لأهل السنة في البصرة؛ مع أنهم في الحقيقة يشكلون نسبة لا تقل عن ٣٥%.

وقولهم إن عدد سكان مدينة الثورة في بغداد ـ وفيها غالبية شيعية ـ يساوي مليونين ونصف المليون؛ ورغم صفاقة هذا القول الواضح من حيث إنه يعني أول ما يعني أن أهل الثورة وحدهم يساوون أكثر من نصف سكان مدينة بغداد؛ وهذا واضح البطلان ـ لكنه شائع إلى حد التصديق. أما الحقيقة فإننا نجدها في إحصائية وزارة التجارة لحساب الحصص التموينية لعام ٢٠٠٢م إذ يتبين من خلالها أن عددهم حوالي (٩٠٠.٠٠٠) علماً أن هذا العدد لا يمكن التلاعب به بالناقص؛ لأنه متعلق بحساب الحصة التموينية الخاصة بكل فرد مع احتمال تزويره بالزيادة، ولا سيما أن أهل الثورة معروفون بإتقانهم لعمليات التزوير، وسوق (مريدي) شاهد حي على ذلك.

فإذا رجعنا بالعدد إلى عام ١٩٩٦م - وهي الإحصائية التي اعتمدناها في حسابنا في هذا البحث - وأخذنا بالاعتبار وجود نسبة لا بأس بها من أهل السنة في مدينة الثورة، مع احتمال تزوير الرقم بالزيادة وهو احتمال وارد جداً - فإن هذا الرقم (٩٠٠.٠٠٠) سيقل كثيراً. ومن الأقوال التي يشيعونها بلا تردد أن نسبة الشيعة في المملكة العربية السعودية ٢٥% وهكذا.

- عدد زوار كربلاء مقارنة بعدد حجاج مكة المكرمة:

الواقع أن التشيع مذهب يقوم على الإشاعة والإعلام. وقد تزعج هذه المقولة الكثيرين رغم أني لا أريد إزعاجهم، ولكن ماذا أفعل إذا كانت هي الحقيقة؟ ولهذا قيل: إن الحقيقة مرة.

وإلى هؤلاء الذين قد ينزعجون أسوق هذا المثل الواقعي الصارخ، فليقرؤوه ثم بعد ذلك سيدرك من يبغي الحق ويطلب الحقيقة من هو الأوْلى بالانزعاج.

في زيارة (الغدير) أو (أربعينية الحسين) يعطي الشيعة أرقاماً مذهلة عن عدد الزوار تصل أحياناً إلى اثني عشر مليوناً (١٢.٠٠٠.٠٠٠) مع أن الشيعة كلهم في العراق لا يصل عددهم إلى عشرة ملايين، والمقل منهم يتواضع لينزل بالعدد إلى أربعة أو خمسة ملايين. وإذا جئنا لنقرأ الحقائق بمنطق العقل والواقع، وأجرينا مقارنة بسيطة بين مدينة مكة المكرمة وبين مدينة كربلاء فإننا نجد أن مكة المكرمة على سعتها وامتدادها وكثرة مبانيها وعماراتها، والأرض الفسيحة التي تمتد في الصحراء المترامية الأطراف حولها، وتطور خدماتها المذهلة، وكونها مدينة عالمية، وهي بمثابة قلب العالم الإسلامي ومهوى أفئدة المؤمنين جميعاً في العالم كله تكاد تختنق بأعداد الحجاج وتحدث ـ نتيجة زحامهم ـ مشاكل كثيرة كل عام وبعضهم يكاد أن يسحق أو يختنق، ولا يمر موسم دون احتمال هذه الحوادث التي قد تصل إلى فقدان الأرواح، ومع هذا كله فإن عدد الحجاج كل عام لا يزيد على مليونين (٢.٠٠٠.٠٠٠) إلا قليلاً وقد يقل عن ذلك أحياناً؛ فكيف يصدِّق عاقل أن كربلاء تلك المدينة الصغيرة ذات الأزقة الضيقة، والفنادق الصغيرة القليلة، والبنايات المتواضعة، والخدمات البسيطة يستوعب مركزها أربعة ملايين أو أكثر أو أقل؟ علماً أن زوارها طيلة السنين الماضية يقتصر عادة على أهل العراق وعلى الشيعة منهم فقط؛ بينما يقصد الحجاج مكة المكرمة من كل فج وصوب من أكثر من خمسين دولة إسلامية، وعشرات بل مئات الدول الأخرى سنة وشيعة، وهؤلاء جميعاً لا يتجاوز عددهم المليونين إلا قليلاً.

والمزعج في هذا كله أن بعض الشيعة يتجرأ ليفتخر قائلاً: (إن زوار كربلاء هذا العام اكثر من حجاج بيت الله الحرام) علماً أننا بتنا نسمع مثل هذا جهاراً نهاراً في كل عام.

- المنتسبون إلى البيت العلوي:

خذ مثلاً آخر: كثرة المنتسبين إلى البيت العلوي أو من يسمون أنفسهم ويلقبونها بـ (السادة) كم يبلغون عدداً في العراق وإيران فقط؟ إنهم لا يقلون عن خمسة ملايين؛ والآن نسأل كم عدد رجال العرب أيام سيدنا علي رضي الله عنه؟ لا شك أنهم لا يقلون في كل الأحوال عن مائة ألف (١٠٠.٠٠٠) فإذا كانت ذرية واحدة من هؤلاء المائة الألف الذي هو علي ـ رضي الله عنه ـ قد بلغت خمسة ملايين فكم ينبغي أن تبلغ ذرية هؤلاء جميعاً؟

والجواب يتبين علمياً من ضرب خمسة ملايين بمائة ألف.

أتدري كم هو الناتج؟

إنه يعادل عدد سكان العالم اليوم مائة مرة، وعدد سكان الصين الشعبية أربعمائة مرة.

وإذا لم تصدق فتأكد بنفسك من صحة هذه العملية الحسابية:

١٠٠.٠٠٠ * ٥.٠٠٠.٠٠٠ = ٥٠٠.٠٠٠.٠٠٠.٠٠٠

هل تعلم أن عدد العرب في العالم كله اليوم لا يزيد على ربع مليار؟ وقس على ذلك!

إذاً لا تنزعج وتلُمْ إن قلت لك: إنك تعيش عالماً من الأوهام، أو عالماً هو عبارة عن خدعة كبيرة رسختها في ذهنك وسائل الإشاعة والإذاعة والإعلام، وأنك في أوهامك لا تختلف عن الصيني والياباني مثلاً وهو يعيش أوهام عقيدته البوذية.

- أخيراً:

نصيحتي إلى إخواننا من الشيعة أن يعوِّدوا أنفسهم تقبُّل الأشياء كما هي، وأن يوطنوها على التعامل مع الحقائق والوقائع كما هي في الواقع، وأن يدركوا الفرق الشاسع بين أن تعيش أمانيك، وحقك في أن تتخيلها كما وكيف تشاء، وبين أن تفرض هذه الأماني والخيالات على الآخرين؛ فإن هذا ليس من حقك، وإن كثيراً مما يزعج هو من حق الآخرين، وإن علينا أن نتقبله ونتعايش معه؛ فإن العالم مليء بالمزعجات والمنغصات.


(*) وهذه سياسة الإعلام النازي على لسان وزير دفاعه (غوبلز) الذي عُرف بسياسة: اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس.
(*) يحاول بعض الناس نفي الخلافات الجذرية بين الطائفتين لكن وجودها حقيقة يعرفها العلماء، وكانت محل دراسات وأبحاث كثيرة من علماء السنة. انظر على سبيل المثال لا الحصر كتاب (الشيعة والسنة) للشيخ إحسان إلهي ظهير وأكدها أحد علماء الشيعة الدكتور موسى الموسوي في كتابه القيم (تصحيح التشيع) وهذا ليس مجاله هذا المقال.