تعريف موجز
عن أهل الحديث في الهند
محمد عبد الهادي العمري
دخل الإسلام الهند في عهد التابعين عام ٩٣هـ، وكان فيمن دخل من التابعين
ربيع بن صبيح السعدي البصري، وحباب بن فضالة، وإسرائيل بن موسى، حتى
قيل للأخير (نزيل الهند) ، كما ذُكر في ميزان الاعتدال للذهبي، ووصلت تعاليم
الإسلام عن طريق هؤلاء إلى الهند خالصة ومنزهة عن شوائب الشرك والبدع
مطلقاً، ولكن أصابها ما أصاب المناطق الأخرى التي وصل إليها الإسلام من جراء
التقليد والجمود الفكري، فبدأت البدع تزحف رويداً حتي تمت السيطرة لها، وبلغت
ذروتها من حيث لا يتصور أحد حتى صار علم الحديث والسنة يعد من الشذوذ
والغرائب في الهند، وكان هناك بعض العلماء الذين كانوا يعرفون الحق، ولكن لم
تكن عندهم جرأة لإظهار الحق وإرشاد الناس إلى ما يرونه صحيحاً نظراً إلى
الأخطار المتوقعة، ولكن لم يخلُ دور من الأدوار من أهل الحديث، أو أصحاب
هذه الفكرة السلفية، وإن كان عددهم قليلاً، ولما ظهر المحدث الدهلوي (شاه ولي
الله عبد الرحيم) الذي رأى ما يجري حوله باسم الإسلام، والإسلام بريء منه،
فعكف على ترويج علوم القرآن والسنة وغرس حبهما في قلوب الناس، ولقي ما
لقي من المشاكل والصعوبات على أيدي المعاندين والأعداء، ولكنه لم يترك الحق،
وكتب في رد التقليد الأعمى والجمود الفكري، وفي فهم الإسلام كتباً كثيرة، فرحمه
الله رحمة واسعة..
ومن هنا تغيرت الحالة وبدأت الحركة في ميادين العلم وتفنيد البدع
والخرافات، والجهاد ضد غير المسلمين، وأهل الحديث لهم حظ وافر في تأييد هذه الحركة وتقويتها، وقد تبنوها وعملوا لنشرها وبذلوا مساعيهم المشكورة.
مَنْ هم أهل الحديث؟ :
اسم لحاملي الفكرة السلفية الذين يريدون الإسلام على نهج السلف الصالح الذي
عرضه القرآن الكريم، وطبقه النبي - صلى الله عليه وسلم - دون التعصب
للشخصيات والعلماء.
تأسيس إدارة الجماعة في الهند:
أُسست جمعية أهل الحديث المركزية في الهند في ٦ من ذي القعدة ١٣٢٤
هـ الموافق ٢٢/١٢/١٩٠٦م على شكل منظمة، وقد ذكرنا آنفاً أنه لم يخلُ دور
من الأدوار في الهند من أهل الحديث، ولكن لم يكن لديهم التنظيم أو الهيئة الإدارية
بالشكل المطلوب، فأسست هذه المنظمة أولاً باسم (مؤتمر جمعية أهل الحديث) ثم
صار اسمها (جمعية أهل الحديث المركزية) وكان رئيسها الأول العلامة المحدث
عبد الله غازيفوري، وسكرتيرها الشيخ محمد ثناء الله الأمرِتْسَرِي، ثم فتحت
الفروع في طول الهند وعرضها، وكان يوجد في كل مدينة تقريباً فرع للجمعية،
وقد تجاوز أعضاؤها مئات الآلاف في الهند بفضل الله (تعالى) .
بعد تأسيس هذه المنظمة بدأ دورها البارز في نشر التعاليم الإسلامية،
وإصلاح ما فسد من العقائد والتصورات، ودفع الفرق الضالة المنحرفة - خاصة
القاديانية والشيعة ومنكري السنة، والمسيحية وبعض الفرق التي تتفرع من الهنادك
- وكان لدى الجمعية بعض الدعاة والمبلغين المتخصصين لتحقيق هذه الأهداف،
واستمرت هذه السلسلة حتى استقلال الهند، وبعد تقسيم الهند تغيرت حالة الجمعية
أيضاً. وبدأت التقهقر إلا في السنوات الماضية فقد استيقظ بعض أُولي الهمم العالية
وحركوها من جديد، فبدأت نشاطها، وشمل ثلاثة أقسام هي:
١- إشاعة علوم السنة عن طريق المدارس الدينية الأهلية:
أ- أما إشاعة علوم القرآن والسنة عن طريق المدارس، والتأليف في التفسير
والسيرة والعقائد والسنة، فقد نال هذا القسم عناية بالغة من علماء أهل السنة (أهل
الحديث) حيث تم في تلك الأيام تدوين عدد كبير من الكتب نحو: تفسير القرآن
بكلام الرحمن في العربية للشيخ محمد ثناء الله الأمرتسري وهذا التفسير صورة حية
لتفسير القرآن بالقرآن، والتفسير الثنائي للشيخ المذكور في الأُردية، وعون
المعبود في شرح سنن أبي داود للشيخ شمس الحق العظيم آبادي المتوفَّى سنة
١٣٢٩هـ، وتحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي للشيخ عبد الرحمن
المباركفوري، وفي السيرة (رحمة العالمين) للشيخ القاضي محمد سليمان المنصور
فوري، ويعتبر هذا الكتاب مرجعاً رئيسياً في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-
ولم يسبق له مثيل في اللغة الأردية، وهناك كتب أخرى كثيرة جداً، وقد ذكرنا هذه
على سبيل المثال فقط لا الحصر.
ب - المدراس الإسلامية في الهند: لا شك أن المدارس الإسلامية التي تدرس
فيها علوم القرآن والسنة وما يتصل بهما من المواد الدراسية لها دور بارز في نشر
الدعوة في أنحاء الهند، وتعتبر هذه المدارس حصوناً شامخة لنشر العلوم الإسلامية، وعدد المدارس التي أُسست على أسس من تعاليم القرآن والسنة كثيرة، وخدماتها
جليلة في مجال نشر السنة وإزالة البدعة، تبدأ من المدرسة الرحيمية التي أسسها
الشيخ عبد الرحيم في عام ١٠٧٠هـ بدلهي، والتي تولاها العلامة المحدث الشاه
ولي الله الدهلوي، صاحب حجة الله البالغة، وقد تخرج في هذه المدرسة أعلام
الفكر والدعوة في الهند، بل كانت هذه المدرسة منارة العلم والهدى، ووسيلة الدعوة
إلى الكتاب والسنة حينما أهمل الناس علم السنة في الهند.
ومدرسة العالم الجليل المحدث نذير حسين المحدث المتوفى ١٣١٠هـ بدلهي، وقد تخرج من هذه المدرسة فحول العلماء وأساطين الدعوة السلفية، فمنهم العلامة
شمس الحق صاحب عون المعبود، والعلامة عبد الرحمن المباركفوري صاحب
تحفة الأحوذي. والمدرسة الرحمانية التي أسست سنة ١٣٢٩هـ من قبل الشيخين
عبد الرحمن وعطاء الرحمن في دلهي، وقد تقلد المتخرجون من هذه المدرسة
مناصب رفيعة وصاروا أئمة العلم أينما توجهوا، وليس في المواد الدراسية فقط،
وإنما في نشر الدعوة السلفية أيضاً، وأغلقت هذه المدرسة بعد استقلال الهند، وما
عرفت الهند مثل هذه المدرسة إلى الآن.
نكتفي بذكر تلك المدراس القديمة وننتقل إلى ذكر بعض المدارس المعروفة،
والتي بدأت دورها بعد استقلال الهند:
١ - المدرسة الأحمدية السلفية: التي أقيمت في إقليم بهار ولها دور كبير في
تعليم المسلمين وخاصة في هذا الإقليم وشمالي الهند.
٢- جامعة دار السلام بعمر آباد: أقيمت في منطقة مدراس، وحاول
المؤسسون منذ البداية تدريس العلوم الشرعية، والعلوم المعاصرة الضرورية.
وحاولت هذه المدرسة منذ البداية أن لا يتخرج الطالب إلا بعد معرفة اللغة الإنكليزية، بل قرر في المنهج: إن على الطالب أن يحصل الدرجات المطلوبة في اللغة
الإنكليزية مثلما يحصل في مواد التفسير والسنة لنيل شهادة التخرج وكانت المدرسة
على طراز المدارس المعاصرة في أسلوب التدريس، وإسكان الطلبة ورعايتهم،
ولها دور ملموس في خدمة الإسلام والمسلمين خاصة في جنوب الهند.
٣- الجامعة السلفية: فُتحت هذه المدرسة من قبل جمعية أهل الحديث في
مدينة (بنارس) البلدة المقدسة لدى الهنادك، وكانت تعرف أولاً بدار العلوم، ثم
الجامعة السلفية، والمدرسة حديثة العهد وافرة الإنتاج العلمي والدعوي، وقد تخرج
منها عدد كبير من العلماء وحاملي الدعوة السلفية والمخلصين لها، كما قدمت
المدرسة مئات من الكتب والمؤلفات على المستويات المختلفة في اللغات العديدة،
وما زالت السلسلة مستمرة ولله الحمد.
لقد ذكرنا هذه الأسماء الثلاثة كمثال فقط لا على سبيل الإحاطة، وهناك
عشرات من المدارس السلفية على مستويات مختلفة في الهند ونقول بكل صراحة:
إن هذه المدارس الدينية هي في الحقيقة الوسيلة المؤثرة العميقة لنشر الدعوة السلفية
والعلوم الإسلامية على نهج السلف الصالح، والطلاب لا يتخرجون من هذه
المدراس إلا وعندهم فكرة واضحة عن الدين، وأذهانهم مفتوحة لقبول الحق حيثما
كان، ولكن مع الأسف الشديد توجد بجانب هذه المدارس بعض المدارس الدينية
التى تعمل على تدريب الجيل الجديد وفق التقليد والجمود الفكري، والتعصب
المذهبي، والدفاع عن علماء وأئمة المذاهب أكثر من الدفاع عن السنة النبوية
ورجالها.
٢- رد أفكار الفرق الضالة من المسلمين وغير المسلمين:
تصدر مجلات وصحف أسبوعية وشهرية عن جمعية أهل الحديث في اللغات
المختلفة، وتقدم الصورة الصحيحة للإسلام، وترد ما يشاع عن الإسلام والمسلمين
من الأفكار المنكرة من قبل أصحاب الفرق الضالة المختلفة، نحو (جريدة ترجمان) التي يصدرها مركز الجمعية والتوعية في المعهد التعليمي، و (المحدث) من
الجامعة السلفية في الأردية، و (صوت الأمة) من الجامعة نفسها في العربية، ...
و (البلاغ) من بومباي و (صوت الحق) من الجامعة المحمدية في (هاليغاون) قرب (بومباي) ، وغير ذلك من المجلات والصحف والجرائد، كما كانت تصدر سابقاً مجلات عديدة منها مجلة (أهل حديث) الأردية بإشراف العلامة الأمرتسري التي كانت تعتبر سلاحاً قوياً ضد الأفكار الهدامة.
٣- إصلاح وتزكية المسلمين والتصدي للبدع والخرافات:
كانت التربية الجهادية مستمرة ولكنها تطورت، وأخذت قوة جديدة من الحركة
التي أنشأها الشيخ محد إسماعيل الدهلوي المتوفى سنة ١٨٣١م، وزميله الشيخ
السيد أحمد - رحمهما الله - حيث بدأ الشيخان حركة الإصلاح والتزكية أولاً في
صفوف المسلمين لإصلاح ما فسد من العقائد، وألف الشيخ كتابه المعروف (تقوية
الإيمان) الذي نال الإعجاب والثناء من العلماء، ثم خرجا للجهاد ضد العدوان
والاعتداءات من قبل غير المسلمين خاصة (السيخ) ، واستشهد الشيخان في معركة
(بالاكوت) مجاهدين في سبيل الحق ومدافعين عن السنة النبوية، ومقاومين ضد
الخرافات والبدع التي أحدثتها الطوائف المنحرفة عن الإسلام..
أما الرد على الفرق الضالة فكان لدى جمعية أهل الحديث علماء بارزون،
نكتفي بذكر واحد منهم وهو العلامة الشيخ محمد ثناء الله الأمرتسري الذي كان بحراً
في العلوم الشرعية، والمناظرات والخطب وتأليف الكتب، ولم يكن له مثال في
الهند وباكستان، وقام بجهود جبارة لا نظير لها، وكان ينوب عن المسلمين في الرد
على الفرق الضالة يتصدى لدعاتها في المناظرات حيث لم يكن غيره قادراً على
مواجهة هذه التيارات الهدامة ونظرًا لقوته في العلم والاستدلال كُسرت شوكة
الأعداء وخاصة الفرقة القاديانية التي جاءت عن طريق المدعو (غلام أحمد قادياني
المتنبِّئ) ، فكان له الشيخ الأمرتسري بالمرصاد وذلك بتأليف الكتب وإلقاء ...
المحاضرات، ودخول المناقشات مع هذا الكذاب، وكان ذلك المدعي يخاف من
الشيخ أشد الخوف بل كان يدعو للنجاة منه.
وُلد العلامة الشيخ الأمرتسري سنة ١٢٨٧هـ الموافق ١٨٦٨م في أمرتسر
بإقليم البنجاب، وتلقى العلوم الشرعية على يد عدد من العلماء وخدم السنة ودافع
عن الحديث النبوي، وجاهد في الله حق جهاده حتى توفي في ٣ من جُمادَى الأولى
سنة ١٣٦٧هـ الموافق ١٥/٤/١٩٤٩م، في (سرغودها) (رحمه الله رحمة
واسعة) .