(٢) منذ بدايات عصور التنوير في أوروبا وظهور المذهب البروتستانتي؛ فإن الوجود اليهودي داخل المؤسسات الدينية المسيحية قد تعاظم بشكل مرعب، واستطاع هذا الوجود أن يحول في بنية الأسس الفكرية والدينية للمذاهب المسيحية؛ بحيث لم تعد هذه المذاهب سوى رؤى يهودية عبر مذاهبها هذه، والمدهش أن اختراق المؤسسة الدينية الإسلامية لا يزال هدفاً يهودياً. (٣) لم تتغير الروح الغربية التي استلهمت التقاليد اليونانية والرومانية والكنيسية من حيث علاقتها بالآخر، فهي تتكلم عن الحرية والمساواة والحقوق الإنسانية والمدنية لأهل حضارتهم، كما كان يفعل الرومان أي مواطنو الحضارة الغربية، أما الآخرون الذين لا ينتمون إلى هذه الحضارة فهم الـ Hostes؛ أي الأعداء الذين يجب الحمل عليهم وإخضاعهم للدخول في السياق الحضاري الغربي، وأمريكا تستلهم ما كانت روما تسميه (السلام الروماني) لتفرض على العالم (السلام الأمريكيي) ؛ أي القيم الأمريكية المنتصرة التي لا يجوز لأحد أن يقف خارج مربعها American-box. (٤) نعم أطلق عليه (بلاء الحضارة الغربية) فالعالم الإسلامي بدون ابتلائه بهذه الحضارة كان أمره سيكون أفضل، لكن التدافع بين حضارتنا والحضارة الغربية هو الذي جلب علينا كل المشكلات التي نعيشها؛ بدءاً بالتخلف ونهب الثورة، وحتى وجود المشروع الصهيوني في فلسطين، وفرض التجزئة والقطرية، وبالطبع نحن لا نعفي أنفسنا نحن المسلمين من (قابليتنا للغزو وللاستعمار) كما عبر مالك بن نبي، لكن هذه سنة الله في خلقه، وهي ما أطلق عليه (ابتلاء الأمم) ، فكل مفكري الحضارة الغربية سوَّغوا الاستعمار بمسؤولية الرجل الأبيض تجاه هذه الشعوب لإدخالها في عالم الحداثة الغربية، ولا يمكن فهم نظرية عبء الرجل الأبيض التي سوَّغت الاستعمار إلا من منظور صليبي، أي فرض رؤية كونية واحدة على العالم بحيث يكون الرجل الأبيض هو مركزها، والمسيحية هي عصبها، والغرب قلبها. (٥) هناك كتب كثيرة عن هذه الموضوعات مثل (التبشير والاستعمار) لفروخ والخالدي، لكن أفضل ما كتب في هذا الموضوع على الإطلاق في تقديري رسالة (في الطريق إلى ثقافتنا) لمحمود شاكر. (٦) معركة الأفكار وتغيير المفهومات والعادات والنظم أي المعركة الحضارية الدينية الثقافية هي الأخطر، وكان العلمانيون الوطنيون في بلدان العالم الإسلامي ركزوا على تفسير الاستعمار كظاهرة سياسية دون تقدير الآثار كظاهرة حضارية، لكن الإسلاميين كانوا هم أول من انتبه إلى خطر المعركة الثقافية والحضارية والدينية، والمعركة الثقافية والدينية هي الأخطر والأهم، والصمود فيها معناه إما أن نكون مسلمين أو لا نكون. (٧) يعرف المخططون الغربيون أن المرأة هي مفتاح التغيير في أي مجتمع من المجتمعات، ولذا فإنها تمثل قاعدة إعادة هيكلة المجتمعات التي يراد لها أن تتغير، لذا ففي خطابات وتصريحات المراجع السياسية الأمريكية والغربية تجد موضوع المرأة وما يتصل بها هو الموضوع الأول على أجندة أي إصلاح يتم طرحه من المنظور الغربي والأمريكي، ويشق على الغربيين أن تظل المرأة المسلمة في الخليج، خاصة السعودية، محتفظة بلباسها الإسلامي وبقواعد الاجتماع الإسلامي. (٨) المقصود هو تحويل المرأة في السعودية إلى نمط المرأة الغربية؛ بحيث لا تتميز المرأة المسلمة بشيء عن المرأة الغربية. (٩) آلان تورين (نقد الحداثة) ، ترجمة أنور مغيب، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ١٩٩٧م - القاهرة. (١٠) إن العلمانية الاستئصالية هي العلمانية الأيديولوجية التي تتشابه مع الفاشية والنازية، وحين تتماهي العلمانية مع الروح القومية؛ فإنها تصبح وجهاً لأيديولوجية ذات طابع قمعي استبعادي، وتوصف علمانية كمال أتاتورك في تركيا بأنها علمانية استئصالية؛ أي Mihtant seclorism، وراجع خطاب شيراك بشأن تأييده لمشروع منع الحجاب، وبيان الخارجية الفرنسية لتجد الوجه الاستئصالي القمعي للعلمانية. (١١) إبان متابعتي لمعركة الحجاب في فرنسا ناقشت الدوائر الرئيسية الفرنسية إمكان منع اللحى إذا كانت تعبيراً عن رمز ديني، والمقصود هنا اللحى الإسلامية، فالشاهد أن أي رمز للتعبير عن الوجود الإسلامي في مركز الكاثوليكية يجب أن يتم استئصاله وقمعه.