منتدى القراء
[قيمة المرء ما يحسن]
عامر إبراهيم
هكذا روي عن الخليفة الراشد علي رضي الله عنه، وهكذا أثبتت التجارب،
ونطق التاريخ.. فكما أن العمل أصل في بقاء الفرد وأصل في قيام الأمة، فكذلك
الإحسان أصل في رقي الفرد، ونهوض الأمة.. وبذلك يتلازم العمل والإحسان فيه.
ومن هنا يتحدد موقع الإنسان الذي يستحقه، وبالتالي تتحدد قيمته تبعاً لذلك،
فالعمل قائم بشكل أو بآخر، وهو وسيلة كل حيّ للبقاء والعيش والاستمتاع بهذه
الحياة التي وهبها الله إياه ولكن الذي مايز بين الناس، وباين بين مستوياتهم
ومواقعهم الأصلية، هو الإحسان الذي هو سبيل النجاح الذي حققوه.
ومن ثم كانت مواقع العظماء في الذروة من شعوبهم وأممهم لا لأنهم عملوا
فحسب، ولكن لأنهم أجادوا وأحسنوا.. وهناك في الذرى تحددت أماكنهم، وفي
الأفق الغائر تمكنت مواقعهم، وكانوا أحق الناس بذلك.
وهنا يحق لي أن أتساءل: هل كان الإحسان والإتقان في العمل هماً يلازمنا
أثناء قيامنا بأي عمل، وبخاصة إذا كنا نقدمه ابتغاء مرضاة الله تعالى وباسم الدين،
أم أننا مازلنا في مرحلة طلب العمل والحث عليه فحسب؟ !
إننا في حاجة ماسة إلى المطالبة بالإحسان، والمحاسبة الجادة على الخطأ
الذي يمس الأمة، والحرص الشديد على تلمس مواطن الإحسان والإجادة وتجنب
مواقع الإساءة والخلل، وبذل الجهد في ذلك.
فكم من الأموال التي أنفقت! ، وكم من الطاقات التي أهدرت؟ ، وكم من
الجهود التي ضاعت ولا حسيب، ولا رقيب؟ ! ، وكل يدعي وصلاً بليلى، وأنه
هو المحسن وغيره المسيء.
ألم يكن فقدان الإحسان في جميع هذه الأعمال سبباً رئيساً في ذلك قصداً وعمداً
حينا، وجهلاً وغباءً حيناً آخر؟ ! !
ولا يلغي هذا جوانب الإحسان المشرقة في كثير من الأعمال وبخاصة التي
تقدم في سبيل الإصلاح والدعوة: فهي ولله الحمد ظاهرة، ولا يحق لأحد أن
ينكرها، ولكن تبقى المرحلة أقل مما يطمح إليه العمل الإسلامي على المستويين
الفردي والجماعي.
وللإحسان عوامل ومقومات، تخضع للتجربة والاستقراء والاجتهاد وبالتالي
يصعب حصرها واستقصاؤها في منظومة واحدة، فالحياة وتجاربها مدرسة واسعة،
لكل طالب للحق مريد للنجاح والتفوق.
وسأذكر بعضاً منها، لعلها تساهم بشكل أو بآخر في السعي الجاد إلى طلب
الإحسان والإتقان في جميع أعمالنا الصغير منها والكبير.
١ -الإخلاص لله وحده:
والإخلاص مَرْكَبٌ يصعب العبور بدونه، ومَطِيّةٌ يصعب التخلي عنها وبذلك
كان الإخلاص ركن أساس في صحة العمل وقبوله.
ومتى ما انصرف إلى مصلحة عابرة، أو غرض مؤقت فقد العمل قيمته
وتلاشى الإحسان فيه.
ولو تأملنا الإخلاص وأثره لوجدناه يفعل فعل المعجزات التي يصعب على
العقل تصورها، وإخلاص السلف وآثاره، أبرز الشواهد وأصدقها على ذلك.
وكذا في عصرنا الحاضر، فلو تأملنا السبب في تحقيق جوانب من النجاح
المادي عند شعوب الغرب، لوجدنا أن الإخلاص الشديد لدنياهم كان له أبرز الأثر
في وصولهم إلى ما وصلوا إليه.
٢ -التنظيم الدقيق، والتخطيط السليم:
وهذا عامل مهم جداً، وسبب فعّال في مسيرة النجاح والإحسان والتفوق،
فبقدر ما يكون التنظيم دقيقاً، والتخطيط سليماً، بقدر ما يحقق النجاح والإحسان؛
ولذلك كان من جوانب الاختلاف والتمايز بين مواقع الدول في عصرنا الحديث، ما
هو عائد إلى الاختلاف والتمايز في مستوى الدقة في التنظيم، والسلامة والدقة في
التخطيط.. وللتنظيم والتخطيط عوامل ومقومات يطول المقام بذكرها، يمكن أن
تندرج تحت ما سنذكره من عوامل ومقومات أخرى.
٣- الاستفادة من تجارب الآخرين:
وهذه صفة تكاد تكون معدومة عندنا نحن المسلمين، فالتاريخ مليء جداً،
وزاخر بِكَمّ هائل من التجارب والأحداث لمختلف الأمم والشعوب، مما يساهم
مساهمة فعالة ومؤثرة في مستويات إحساننا في أعمالنا، إذا نحن تعاملنا معها
التعامل الصحيح، وكذلك تجارب الشعوب والمجتمعات التي تعيش معنا في هذه
الحقبة من الزمن، يمكن الاستفادة منها استفادة بالغة، لو نحن أردنا ذلك.
٤ -الشمولية في النظرة:
وهذا يتعلق بجانب التخطيط السليم، لكن لأهميته أُفرد، وخاصة في الأعمال
الجماعية، فلابد قبل القيام بأي عمل يمثل الأمة عموماً، أو يمثل العمل الإسلامي
خصوصاً، من أن تسبقه رؤية شاملة ودقيقة في الوقت نفسه لطبيعة العمل الذي
يُنوَى القيام به، ومواطن القوة والضعف فيه، ومناسبته للوقت الذي يقوم فيه،
ومدى حاجة الأمة إليه في المرحلة الراهنة، والثمرات والنتائج المتوقعة له،
والإخفاقات التي يمكن أن تحدث له، والعوائق والعقبات التي تعترضه.. وحينئذ
نكون اجتهدنا وبذلنا ما في وسعنا من أجل نجاحه «فمن أصاب فله أجران ومن
أخطأ فله أجر واحد» .
٥- وضع الاحتياطات الكافية:
وذلك حتى لا نفاجأ بنتائج، وسلبيات لم نكن نتوقعها أو نحسب حسابها، هذا
من جهة ومن جهة أخرى، حتى نعد العدة اللازمة لمواجهة أي طارئ يمكن أن
يحدث أو عقبة يمكن أن تعترض، وبالتالي يمكن للعمل أن يحافظ على قيمته،
وعلى مستواه في الحد الأدنى على الأقل.
٦- التأني في العمل:
التأني وعدم استعجال النتائج، وقطف الثمرة قبل أن يتم نضجها والإخفاق في
هذا العامل ساهم كثيراً في النتائج الوخيمة، والسلبيات العديدة التي حدثت وماتزال
تحدث في مسيرة العمل الإسلامي، وهو بالمقابل سمة واضحة لسياسة الأعداء
وخططهم، وكما قال الإنجليز «بطيء لكن أكيد المفعول» .
هذه بعض الملامح الموجزة لعوامل النجاح والإحسان، أحببت الإشارة
لأهميتها وإن كان هناك غيرها، وهو لا يقل عنها أهمية، إلا أن التركيز على هذه
العوامل، قد يكون كفيلاً للوصول إلى الإحسان الذي نريده، والذي يريده ربنا،
ليرتقي بنا ذلك إلى ما يحبه الله منا، كما أخبر بذلك نبيه -صلى الله عليه وسلم-
«إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أحمعين..