للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظواهر

[الكتب البيضاء]

في بعض ما ينشر من تحقيق لكتب التراث أشياء ملفتة للنظر، تستحق

العجب والرثاء، كما تستحق تذكير المؤلفين والناشرين بأن يرحموا القراء وجيوب

القراء.

اطلعتُ في المدة الأخيرة على كتاب محقق في مجلدين، لو حذفت منه

الصفحات البيضاء لرجع مجلداً واحداً أو أقل، فالمحقق يصر على وضع حديث

واحد في كل صفحة، فربما يستغرق التعليق والتخريج بقية الصفحة، أو يأخذ

أسطراً قليلة؛ فتبقى الصفحة أكثرها بياضاً، وإذا امتد هامش الصفحة الأولى إلى

الثانية فالثانية ستبقى كلها بياضاً ماعدا بقية الهامش.

إنها محاولة لتضخيم حجم الكتاب على حساب القراء المساكين، وهناك أمور

أخرى تزيد من حجم الكتاب مثل الترجمة للمؤلف ولو كان مشهوراً، وقد ترجم له

كثير من قبل، بل ترجم له المحقق في كتب سابقة: كالسيوطي وابن رجب وابن

القيم.. بل تجد في كل تحقيق لوريقات من مؤلفات ابن رجب ترجمةً له..

ولشيوخه وتلامذته ثم تصوير ثلاث ورقات أو أكثر من المخطوطة، ثم فهارس

الآيات والأحاديث والشعر.. مع أن كل المخطوطة لا يتجاوز وريقات تعد على

الأصابع، ولا مانع بعد كل ذلك من الترجمة في الهامش لمثل أبي بكر الصديق أو

عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-، أو لمالك والشافعي، أو للبخاري ومسلم،

والفهارس في النهاية لا تبلغ إلا أربع آيات أو ثلاثة أبيات من الشعر، فالكتاب لا

يحتمل الفهرسة، ولكنه مرض الورَّاقين، ولمثل هذا أنشد أبو العلاء المعري:

ولمَّا رأيت الجهل في الناس فاشياً ... تجاهلتُ حتى ظُن أني جاهل