للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلمة صغيرة

[الشفافية السياسية]

من الطبيعي أن يكون للدول الكبرى دور في رسم وترتيب الحياة السياسية

والاقتصادية بل وحتى الاجتماعية للدول الحليفة أو التابعة؛ ولكن ما كان هذا أبداً

يظهر على السطح، وكان العالم الغربي يستخف بالقيادات الشكلية لدول حلف

وارسو ويعتبرهم مجرد أدوات في يد القيادة السوفييتية، وأن الغرب يمثل العالم

الحر وأنه يمثل الديمقراطية الحقيقية، وبشر بالنظام العالمي الجديد الذي يذكر

بالمدينة الفاضلة، ولكن الأحداث أكدت شيئاً واحداً هو أن هناك قوةً ما تريد أن

تسيطر على العالم عن طريق أمريكا وتوابعها؛ ولذا تم طرح العولمة السياسية

والاقتصادية والاجتماعية، بل ومحاولة فرضها على العالم، وتم تهميش كل

المنظمات الدولية والإقليمية؛ فالأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية

و.... تحولت إلى مجرد أدوات لأمريكا ولم يعد هناك ضابط لأي شيء؛ فمثلاً

ميلوسيفتش يعتبر مجرماً بحق الإنسانية؛ لأنه قتل المسلمين ولكن فاجبايي

وشارون وبوتين إنما يقتلون المسلمين دفاعاً عن النفس مثلهم مثل بوش، والذي

يرفع راية محاكمة ميلوسيفتش وصدام هو الذي يمنع التحقيق في جرائم شارون.

وفي هذا المقام نحن أمام مفارقات عجيبة في الحياة السياسية على مستوى

العالم؛ فمثلاً حتى دولة مثل فرنسا يكون لها بعض المواقف المختلفة بعض الشيء

عن السياسة الأمريكية، وتظهر على لسان كبار مسؤوليها بعض التصريحات

العلنية حول العراق أو الشرق الأوسط أو ... ولكن كل هذا يتبخر أثناء لقاء رسمي

مع مسؤولين أمريكيين كبار، وكذلك نجد أن هناك حديثاً عن خلافات في الإدارة

الأمريكية، وأن هناك أكثر من جناح تتضح من تضارب المواقف؛ ولكن كل هذا

يتبخر أيضاً عند قدوم رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن.

ولنا هنا أن نتساءل: ما هو السبب الذي يجعل شيراك وبلير وبوش يغيرون

مواقفهم؟ هل نستطيع أن نتخيل أن هناك من يمارس معهم نفس الأسلوب الذي

يمارسونه مع عرفات، عندما يكرر بوش مطالبته بتنفيذ ما يطلب منه، وأخيراً بعد

أن خيب أمله طلب تغييره، أو عندما يصرح وزير الخارجية الأمريكية باول

لصحيفة النيويورك تايمز: «لقد حذرت عرفات قبل شهرين ونصف بأنه إذا لم

ينفذ تغييراً استراتيجياً في سياسته فسيتم تغييره» .

وهنا نتساءل عما بقي في أمريكا سياسياً عندما يصرح أحد كتاب يديعوت

أحرنوت الإسرائيلية «أن اللسان كان لسان الرئيس بوش؛ لكن اليد التي كتبت

الخطاب هي يد أرئيل شارون» ؛ فإلى مزيد من الشفافية السياسية، وأخبرونا من

الذي يحكم العالم؟