للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قضايا ثقافية

من سمات كُتاب الضلالة

محمد بن عبد الله الهبدان

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى والهادي المجتبى

ومن سار على نهجه واقتفى. أما بعد:

فإن الصراع بين الحق والباطل صراع مستمر إلى قيام الساعة؛ فأعداء

الإسلام لا يزالون يتربصون بأهل الإسلام الدوائر، ويسعون في الأرض فساداً،

وكلماً نفضوا أيديهم من مكيدة بدؤوا يعدون لمكيدة أخرى، ويزداد الأمر خطورة،

ويعظم الأمر خطباً حينما يكون أولئك ممن يتسمَّوْن بأسمائنا، ويتكلمون بلغتنا، وهم

من أبناء جلدتنا، ولكنهم جندوا أنفسهم لهدم مجتمعاتهم، ونشر الفاحشة بينهم، وبذر

الشر والفساد فيما يكتبون ويطالبون، فسخروا أقلامهم لإفساد الأمة عامة والمرأة

على جهة الخصوص، فأفرزت صدورهم نفثات حقد دفين، وفاحت كتاباتهم العفنة

بمقالات نتنة، وشَرِقت صدورهم لِمَا رأوا من انتشار الصلاح في أوساط النساء،

ومحافظتهن على الحشمة والحياء، والطهر والنقاء، فلَمَّا رأوا ذلك قامت الدنيا ولم

تقعد، فأجلبوا بخيلهم ورجلهم، وأحيوا ليلهم، وشمروا عن ساعد الجد، فكتبوا

ونعقوا، فتارة يلوّحون، وتارة يصرِّحون، فلا تخلو كتاباتهم من شبهة فاسدة، أو

مطالبة فاضحة، أو دعوة حاقدة، وقد امتلأت أعمدة الصحافة في العالم الإسلامي

من أقلامهم المسمومة، وأفكارهم الموبوءة؛ ولكي تكون منهم على حذر فإني أذكر

لك أبرز سماتهم التي تكشف حقيقتهم، وإنما اقتصرت على ذكر السمات دون

الأسماء؛ لأن الأسماء تتغير وتتبدل، أما السمات فإنها ثابتة لا تتغير منذ ظهور

المنافقين وحتى قيام الساعة:

١ - أنهم يتفقون على إثارة قضية من القضايا، ويتواصون فيما بينهم على

الكتابة فيها، والمطالبة بتنفيذها، فتشعر أن الأمر قد حِيكَ بليل، وعملوا على

تنفيذه، وهذا أمر لا يخفى على صغار الناس فضلاً عن كبارهم وفضلائهم.

٢ - أنهم يجعلون لمطالباتهم ومقالاتهم عناوين براقة، وبخط بارز عظيم،

وفي الصفحة الأولى أو الأخيرة، فيغتر العامي من الموحدين بمثل هذه العناوين،

ومن طيب نفسه قد يوافقهم على رغباتهم، ويؤيدهم في توجهاتهم، وما علم

المسكين أنهم ذئاب بشرية همهم الأول تحقيق مطامعهم الشهوانية، ونزواتهم

البهيمية.

٣ - أنهم كثيراً ما يتحدثون عن قضية المرأة، وهذه القضية هي التي يراهن

عليها أعداء الإسلام عموماً، لعلمهم أن القضاء على الدين يبدأ من إفساد المرأة،

وإخراجها من حصنها الحصين، وفي هذا يقول أحدهم: «علينا أن نكسب المرأة؛

ففي أي يوم مدت إلينا أيديها فُزْنا بالحرام، وتبدد جيش المنتصرين للدين» .

وكلامهم يدور على محورين:

الأول: نزع حياء المرأة والقضاء على الحجاب الإسلامي؛ فكثيراً ما يلمزونه

في كتاباتهم شعراً ونثراً، ومن ذلك قول أحدهم: «عيشي كما تشائين، كوني كما

تريدين، انزعي الألم! ! ازرعي الأمل، حطمي القيود، اخلعي القيود، سافري

بلا حدود» .

وقول أحدهم: «تيه وأوهام وأقنعة تدار، وعلى الجميع على الجميع

الانتظار» .

والثاني: إلغاء القِوامة التي منحها الله للرجل على المرأة، والدعوة إلى

المساواة بين الجنسين في كل شيء، وهذه الدعوة الخبيثة تبدأ بالدعوة إلى استقلال

المرأة عن وليّها بحجج واهية، لتكون وليّة نفسها، ولتتمكن من التمرد على وليّها

متى أرادت.

٤ - أنهم أحياناً يستضيفون بعض العلماء لطرح بعض القضايا عليهم، ثم

تُطْرح عليهم الأسئلة وتصاغ بطريقة ماكرة حتى يجيب العالم بجواب يريدونه

فيقتطعون من جوابه ما يريدون، ويُكتب بخط واضح عريض في الصفحة الأولى:

العالم الفلاني يقول كذا..! ! فيلبسون بذلك على الناس، قاتلهم الله أنى يؤفكون.

٥ - تتبّع الرخص والآراء الشاذة والضعيفة لبعض العلماء وبثها والإشادة بها

وبأصحابها، مع تجاهل الأقوال الصائبة التي لا تخدم أفكارهم وتوجهاتهم، وقد

كتبت إحداهن مقالاً في إحدى الصحف تشيد فيه بأحد المنتسبين للعلم بسبب أنه أباح

للمرأة أن تتولى أعلى المناصب، وأن تكشف وجهها، وأباح الغناء. وصحفي آخر

كتب مقالاً يثني فيه على هذا العالم نفسه؛ لأنه تبنى المنهج العقلي في تفسير

النصوص والحكم عليها. وهكذا. نسأل الله أن يكفي المسلمين شرهم بما يشاء إنه

هو السميع العليم.

٦ - أنهم يؤيد بعضهم بعضاً، فإذا كتب أحدهم مقالة أشاد الجميع بقوة مقاله،

وجودة أفكاره، وحسن أسلوبه، وجمال عباراته، وهكذا من سلسلة المدح والثناء،

لذلك المقال، والذي لو تأمله صغار طلاب العلم لتبين له ضحالة الفكر، وسوء

الأسلوب، ولكنهم كما أخبر القرآن: [بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ] (المائدة: ٥١) ،

خاصة إذا كان الكاتب ممن صُنع على أيديهم، وتربى في أحضانهم فيجعلونه فُوَّهة

لهم، من خلاله يبثون سمومهم في المجتمع؛ فهي خطوات متتابعة: كاتب ناشئ،

ثم ما يلبث حتى يكون ذلك الناشئ لامعاً بسبب تأييدهم لمقالته، وفي النهاية يكون

مُنَظِّراً مثلهم.

٧ - أنهم أحياناً يتقمصون شخصيات العلماء؛ فتارة تجده من الفقهاء، وتارة

من المحدثين، وتارة تجده من علماء الأصول والتفسير، وهكذا، فتُجرى مع هذا

المتعالم مقابلة، فيتخلل تلك المناقشة أسئلة شرعية تتعلق بقضايا عقدية أو فقهية أو

اجتماعية لو طرحت على عمر - رضي الله عنه - لجمع أهل بدر لها، بينما ترى

ذلك الذي صدَّر نفسه عالماً، وليس له من علوم الشريعة فتيل ولا قطمير، أطلق

للسانه العنان في التحليل والاستنباط، حتى كأنه إمام زمانه، ووحيد قرنه، وفريد

عصره؛ وهذه والله من عجائب الدهر. والله المستعان.

٨ - أنهم يُضمِّنون كتاباتهم بعض الآيات القرآنية، أو الأحاديث النبوية التي

توافق أهواءهم، وهم مع ذلك لا يميزون بين النصوص الشرعية والأمثال والحكم،

وهذه سمة بارزة في كتاباتهم. وقد أرادت إحداهن أن تستشهد بآية فعجزت عن

استحضارها مع سهولة الرجوع إلى المصحف أو المعجم، فقالت: «قال الله بما

معناه..» ! ! ، وآخر - وهو دكتور - ذكر حديثاً نبوياً متفقاً عل صحته، فقال

قبل إيراده: «وفي المثل العربي» ! ! ، وهم لا يميزون بين صحيح الحديث من

سقيمه، ولا يعرِّجون على الأدلة التي تخالف مذهبهم وتبطل آراءهم، فيسهبون

حول حديث ما، ويعيدون ويكررون، كل ذلك تغريراً بعامة الموحدين، وإعطاء

آرائهم صبغة دينية، وصورة شرعية، وهذه طريقة يهود كما قال الله - تعالى -

في القرآن: [أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ] (البقرة: ٨٥) ،

وطريقة أهل الزيغ الذين قال الله فيهم: [هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ

مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ

مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ] (آل عمران: ٧) . قال صلى الله عليه وسلم:

«إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاحذروهم» [١] .

٩ - أنهم في غالب الأحايين يستشهدون بأقوال مفكري الغرب أو الشرق،

من أمثال: (بودلير) و (بلزاك) و (سومرت موم) ، وكذا الاستشهاد بأقوال

الزنادقة والضالين من أبناء هذه الأمة من أمثال الشاعر الفلسطيني

(محمود درويش) ، والشاعر السوري (أدونيس) [٢] . فتراهم يأخذون أقوال أولئك

وكأنها نصوص من الوحي الكريم، فيبدأ أحدهم بالشرح والتفصيل، والمدح

والتبجيل، ومن ثم يطالب بترجمة تلك الأقوال ترجمة عملية في المجتمع المسلم،

بحكم أنهم قد تقدموا علينا فكرياً وصناعياً وثقافياً وغيرها من العبارات الساقطة

[كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً] (الكهف: ٥) .

١٠ - ومن علاماتهم أيضاً: أنهم يستخدمون مصطلحات موهمة، ورموزاً

غامضة، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، كلفظ الحرية والمساواة، أو التقدم

والرقي، أو التوازن والإنصاف، أو عدم الرجعية والتخلف، والبعد عن الإرهاب

والتطرف، ونحو هاتيك العبارات، وذلك لتمرير أفكارهم الرديئة التي لا

يستطيعون المجاهرة بها، خوفاً من المجتمع، وهو أسلوب مرحلي مؤقت سرعان

ما يتخلون عنه إذا تهيأت الظروف، [يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ

أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً] (البقرة: ٩-١٠) .

١١ - أنهم يكتبون أحياناً بأسماء نسائية مستعارة ليكون التأثير أبلغ [*] ،

والصدى في النفوس أكثر، فإذا أرادوا - على سبيل المثال -: تشجيع المرأة على

ارتياد النوادي الرياضية فإن أحدهم يكتب بتأييد فريق كروي أو تحليل رياضي باسم

فتاة، أو يكتب في القصائد الشعرية التي كلها سخف وهراء، فتغتر الفتاة المسكينة

فتراسلهم في الكتابة، وهم بعد ذلك يطبلون حولها حتى تظن نفسها شاعرة العصر،

وفريدة الدهر! ! وقد فاقت بشعْرها شعراء الجاهلية والإسلام! ! وأحياناً يوظفون

بعض الأقلام النسائية الهابطة التي تحررت من أدب الحياء والحشمة والطهر

والعفاف، فتطالب وتكتب عما يشتهون ويريدون، وصدق الله - تعالى - إذ يقول:

[وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ] (الأنفال: ٣٠) ، وقال -

سبحانه -: [وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ

الجِبَالُ * فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ]

(إبراهيم: ٤٦-٤٧) .

١٢ - أنهم يتحينون وجود الأحداث الكبرى في الأمة، وانشغال المصلحين

عنهم في مثل تلك الأحداث، فيستثمرون ذلك في ترويج ضلالاتهم في المجتمع.

١٣ - أنهم يشغلون الأمة بمطالبات عدة، وفي وقت واحد، ويضخمون حدثاً

معيناً دون آخر، وهو في الحقيقة ليس بشيء عندهم ولكنها التغطية الإعلامية،

والخدع الشيطانية؛ فتكتب الأمة رفضاً لهذا الأمر، وتتم الموافقة على رفضها

فتتنفس الأمة بملء صدرها فرحة لذلك، وفي أثناء تلك الفترة التي فتر الناس فيها

يتم تمرير مطالبة أخرى، ولكن بدون ضجيج ولا هالة إعلامية، فلا يشعر بها أحد،

إلا وهي على أرض الواقع.

١٤ - أنهم يُجرون دراسات واستفتاءات حول قضية ما، ومن المفترض أن

تكون الشريحة التي تطبق عليها الدراسة متكافئة حتى تكون نتائج الدراسة صحيحة،

ولكنهم يسلكون غير هذا المسلك، ولعلي أضرب لكم مثلاً على ذلك:

أُجريت دراسة عن مدى تفوق أبناء العاملات وتفوق أبناء ربات البيوت -

هذا إن صح، - فأظهرت الدراسة أن أبناء العاملات أفضل دراسياً من أبناء ربات

البيوت، لكن كان من المفترض في مثل هذه الدراسة أن تكون الشريحة التي تم

البحث فيها متكافئة في المستوى التعليمي، ولكن الواقع كان خلاف ذلك؛ فغالب

ربات البيوت التي تمت الدراسة عليهن أميات لا يعرفن القراءة والكتابة، بخلاف

الشريحة الأخرى، وهذا مما لا يشك عاقل منصف أن فيه إجحافاً وشططاً، وهوى

في النفوس؛ ولذا فإنه لا بد لأهل الإيمان أن يتنبهوا لمثل هذه الدراسات التي

تصدر عن أمثال هؤلاء.

وأحياناً يُجرون استفتاءات مع شريحة معينة توافق أهواءهم، فيشعر القارئ

أن المجتمع كله يرغب في مثل هذه القضية، ومما يدل على سذاجتهم أن جميع

إجابات المشاركين أو المشاركات تتم وفق رغباتهم! ! فيا للعجب! ألا يوجد في

الأمة مخالف؟ ألا يوجد فيها معارض؟ وهل طبائع الناس وأفكارهم متوافقة إلى

هذا الحد؟ أم أنه الدجل والخداع وتغيير الحقائق والتلبيس بها؟ قال سبحانه:

[أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلاَ

تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ] (فاطر: ٨) .

١٥ - غلبة الفكر الانهزامي عليهم، وعقدة النقص التي ركبها المستعمر

الغربي في أذهانهم، يقول أحدهم بمناسبة سقوط بوش الأب في الانتخابات

الأمريكية قبل السابقة وتولي كلينتون: «إن الأمريكيين هم الجديرون بالحضارة

والحياة منا نحن أهل الشرق» ، والسبب في نظره أننا: «أغبياء لا نفهم أو

يصعب علينا أن نفهم» [٣] .

١٦ - الاستهزاء بالنصوص الشرعية، ومحاكاتها وإقحام أجزاء منها في

كتاباتهم الغامضة التي يسمونها شعراً وإبداعاً، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:

يقول أحدهم: «خذوا زينتكم، واتبعوني، ثمة واد يهيم فيه الشعراء» .

إلى أن يقول: «أيها العشاق، أفتوني في رؤى صاحبي، رأسه وكر

للوطاويط» [٤] .

وتقول أخرى: «تمهل حبيبي، وخذ حفنة من رماد الحقول، وخذ راحتي،

نقشت فوقها آية للعذاب المبين، إلى أن تقول:» قلت اهبطي من سمائك « [٥] ،

وتقول ثالثة:» وماذا أريد، وكل الدروب، تقد قميص البراءة « [٦] .

هذا ما يتعلق بالقرآن.

أما الأحاديث فلم تسلم من سخريتهم ابتداءاً من الأسانيد، وانتهاءاً بقول النبي

صلى الله عليه وسلم، وإليك بعض الأمثلة:

يقول أحدهم:» حدثنا الشيخ الإمام، عن صالح بن عبد الحي عن سيد

درويش عن أبيه عن جده، قال: يأتي على هذه البلاد زمان إذا رأيتم فيه الفن «،

إلى أن قال - قبحه الله وأخزاه -:» قالها وهو ينتحب، فتغمده الله برحمته وغفر

له ذنوبه « [٧] ، فأي استهزاء بعد هذا..! ! وتقول إحداهن مستهزئة بقول النبي

صلى الله عليه وسلم:» ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبِّ الرجل الحازم

من إحداكن « [٨] ، تقول:» يرضع الطفل من ثدي أمه حتى يشبع «، إلى أن

تقول:» وعندما يصبح رجلاً، يضع ساقاً فوق ساق في أحد مقاهي المثقفين،

ويعقد مؤتمراً صحفياً يقول فيه: إن المرأة بنصف عقل، وبنصف دين، فيصفق له

الذباب، وغرسونات المقهى « [٩] .

وبعد؛ فهذا غيض من فيض من كتاباتهم وضلالاتهم، وترهاتهم، ومع ذلك

نرى من ينخدع بهم ويصفق لهم ويثني عليهم؛ فإلى متى نصفق لأعداء أمتهم؟ ! !

١٧ - تمجيد الغربيين والثناء عليهم؛ واعتبارهم القدوة والمثل الأعلى في

كل شيء، واختيار أرق الألفاظ وأحسن العبارات للاعتذار عن مساويهم، واحتقار

الشرق وأهله.

١٨ - أنهم يأخذون بمبدأ خط الرجعة، فإذا وجدوا معارضة قوية لمقالاتهم،

قالوا:» نحن لم نقصد ما تقولون؛ ولكن أردنا كذا «، ثم يبدؤون في ليِّ الكلام

والعبارات حتى تتسق مع المخرج الذي يخرج به من المأزق الذي وقع فيه.

دورنا في درء هذا الفساد:

ما دورنا تجاه أولئك الساقطين والساقطات؟ وما واجبنا في مواجهة هذا الزَخْم

من الشبهات والضلالات التي تتكاثر يوماً بعد يوم؟ إن دورنا يكمن في أمور:

أولاً: الحذر من هؤلاء الكتّاب وما يدعون إليه من أفكار مضللة، وعدم الثقة

بهم.

ثانياً: رصد كتابات أولئك الدخلاء والرد عليهم من قِبَل أهل العلم

والاختصاص.

ثالثاً: تحذير الناس من كتاباتهم ومقالاتهم، وفضح مؤامراتهم حتى لا ينخدع

فيهم عامة المسلمين.

رابعاً: مراسلة أولئك الكُتاب وتحذيرهم بالتي هي أحسن من مغبة هذا

الطريق الذي يسيرون عليه. يقول الله - تعالى - لموسى وهارون عندما أرسلهما

الله - تعالى - لفرعون الطاغية: [فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى]

(طه: ٤٤) .

خامساً: ألا تكون مواقفنا دائماً ردود أفعال فحسب؛ بل لا بد أن تهاجم

مبادئهم التي قد تمكنت، وأفكارهم التي قد رسخت، حتى يخر عليهم السقف من

فوقهم وهم لا يشعرون.

سادساً: إن من الأمراض التي نعاني منها: تهرُّب كثير من الناس من

مسؤولياتهم تجاه دينهم، والاستظلال بظلال التواكل والتسويف، حتى تعطل من

جراء ذلك خير كثير؛ ومن العجب أن هذا الخلل يقل أو ينعدم عند أهل الكفر،

فبنظرة إلى تكاتف أهل الديانات الباطلة، والمذاهب المنحرفة يرى عجباً من قوة

تكاتفهم، وشدة ترابطهم في سبيل نشر مبادئهم، مع اختلافهم المتباين في المكان

والزمان والحال، إلا أن العمل لمصلحة مبادئهم هو المحور والمرتكز الذي يؤمه

الجميع.

ولذا فليجعل كل مسلم على نفسه مسؤولية العمل للدين بكل ما يستطيع من

الوسائل والسبل؛ فإن الجهود إذا تضافرت وتكاتفت، أينعت ثمارها، وآتت أكلها.

سابعاً: على المسلم أن يحذر من دخول اليأس، والتقاعس عن القيام بما

يستطيعه، ويتأكد هذا في حق الدعاة والمصلحين؛ فعليهم أن يحذروا من دخول

اليأس إلى قلوبهم عند رؤية الباطل قد انتفش، وأن دعوتهم لم تقبل؛ فإن مهمة

الداعية هي البلاغ، والنتائج على الله - تعالى -؛ كما قال القائل:

على المرء أن يسعى إلى الخير جهده ... وليس عليه أن تتم المقاصد

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:» عُرِضَتْ عليّ الأمم، فرأيت النبي ومعه

الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد « [١٠] .

فإذا كانت دعوة نبي قد لا يستجيب لها أحد، فأين مقام الدعاة والمصلحين من

مقام الأنبياء؟ ! !

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(١) رواه البخاري، ح/ ٤٥٤٧، ومسلم، ح/ ٢٦٦٥، واللفظ له، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) وهو نصيري باطني، واسمه: (أحمد علي) ، وكلمة أدونيس تعني: إله الخصب عند الفينيقيين.
(*) ومن أشهرهم الكاتب النصراني (مفيد فوزي) الذي يقدم كتابات نسائية متحررة تحت اسم (نادية عابد) وهناك الكثيرون من أمثاله ممن ينهجون النهج نفسه، فهل نعي هذا الدور الخطير، ولا سيما الفتيات المسلمات - البيان -.
(٣) انظر: مجلة اليمامة، عدد: (١٢٣١) .
(٤) الجزيرة، عدد: (٨٥٨٤) ، ص ١٣.
(٥) الجزيرة، عدد: (٨٥٣٨) .
(٦) عكاظ، عدد: (١٠٥٤١) .
(٧) أخرجه البخاري، ح/ ٣٠٤، ١٤٦٢، وتمامه:» قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل» قلن: بلى قال: «فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم» قلن: بلى قال: «فذلك من نقصان دينها» .
(٨) مجلة الشرق، عدد: (٣٢٦) .
(٩) مجلة اليمامة، عدد: (١٠٧٩) .
(١٠) رواه البخاري، ح/ ٥٧٠٥، ومسلم، ح/ ٢٢٠، واللفظ له.