[جواز السفر]
مروان كُجُك
متَى أستَحِقُّ جَوازَ السفرْ
وأعِرفُ أنّي كباقي البَشرْ؟
فقد ضِقْتُ ذَرْعاً بليلٍ طَوِيلٍ
ومَنَّيْتُ نفسي بعيشِ «التَّتَرْ»
أروحُ بطبلٍ، وأغدُو بزمرٍ
وأحسَبُ أنِّي أميرُ الغَجَرْ
فقد صِرتُ مثلَ الغريبِ الطريدِ
يُنَاوِرُ ظِلاًّ ويخشى العَثَرْ
وأحسَبُ أنِّي غداً سوفَ أُلقَى
بصحراءِ تيهٍ وعَيْشٍ أمرّْ
نهارِيَ ليلٌ شديدُ السوادِ
وليلُ الأعاجمِ صُبْحٌ أغَرّْ
وأرضِيَ سَهْلٌ لكلِّ الشعوبِ
وعَنّي هواها انطوَى وانْشَمَرْ
* * * * * * *
ولولا الذي في السماءِ يراني
ويعلمُ ما بي ويقضي الوَطرْ
لألقيتُ نفسِيَ في التُّرَّهاتِ
وصِرتُ زعيماً لكلِّ النَّوَرْ
وبِعتُ البلادَ بِقِردٍ ودُبٍّ
وقصْرٍ مُنيفٍ وكَلْبٍ وهِرّْ
وصِرتُ الفصيحَ بكلِّ اللغاتِ
أجيدُ الخَنا والكلامَ الذَّفَرْ
فيضحكُ هذا، ويرقصُ هذا،
وتهتفُ حولي جموعُ البشرْ:
نجوعُ ونَعرَى لِترضَى وتُكسَى
فأنتَ لدينا الفتى المُعْتَبَرْ
وأنت الذي حَدَّثَتْنا الجدُودُ
بأنّكَ سَيّدُنا المُنْتَظَرْ
فَاغْرَقُ فِي الكِبْرِ حتى أُوارَى
وأحمَدُ للزَّيْفِ حُسْنَ الأثرْ
وأُفْحِشُ في القَوْلِ حتَّى يُقالَ:
بَليغٌ، حَكيمٌ، بَعِيدُ النَّظَرْ
فَيُدْعَى لتَحْلِيلِ قَوْلِي رِجَالٌ
أَسَاطِينُ في العِلْمِ مِثْلُ الدُّرَرْ
فمِنهُم فِئامٌ لِشَرْحِ الكَلامِ
وَرَهْطٌ لِسَبْكٍ لَهُ مُخْتَصَرْ
وجَمْعٌ يُجِيدُونَ فَرْزَ المَعَانِي:
فهَذِي وَعِيدٌ، وتِلْكَ بُشَرْ
وأُخْرَى تَصِحُّ شِعاراً عَرِيضاً
تُهَزُّ العروشُ بِهِ والسُّرُرْ
* * * * * * *
وأُضحي عَمِيلاً بكلِّ المعاني
لشرقٍ وغربٍ وأُسْدٍ وذَرّْ
أخاصمُ عَمْراً إذا أمَرُونِي
وأجعلُ زَيْداً أمينَ السَّمَرْ
أقرِّبُ هذَا، وأُبْعِدُ هذا،
وأُشقي كِراماً، وأُعْلِي بَقَرْ
وأُطعِمُ قومي الجياعَ وُعُوداً
تقيهمْ أَذاةَ العَنا والضَّجَرْ
وأرسِمُ للشعبِ نهجَ الحياةِ
وأُسلمُهُ للضَّنا والخَدَرْ
فلا الليلُ يُدرَكُ فيه الظلامُ
ولا الصبحُ ينعمُ فيهِ النَّظَرْ
وأجعلُ سيفي على عاتِقَيَّ
إذا شذَّ لحنٌ قَطَعْتُ الوَتَرْ
وأملأُ أفْقَ البلادِ ضجيجاً:
أنا البرقُ يُفزِعُكمْ والمطَرْ
إليَّ إليَّ فأنتم جنودي
وأنتم عبيدي؛ فأينَ المفرّْ؟
وأُومي فتحملُني كلُّ ريحٍ
إلى أيِّ أرضٍ بها مُستَقرّْ
فما حاجتي بعدَ هذا الشموخِ
لنسرٍ حَبِيسِ جوازِ السفرْ؟!
(*) مدير تحرير مجلة (آفاق ثقافية) .