للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على النفط العراقي]

(الدوافع والأهداف)

علي حسين باكي ر

يقول بعض المتخصصين في شؤون النفط أنّ: «النفط العراقي كنز القرن الميلادي الحادي والعشرين» . ومن المؤكد أن الحديث هنا يأتي في سياق أنّ العراق يمتلك حوالي ١٢% من الاحتياطي العالمي المؤكد من النفط. وتتّضح أهمية النفط العراقي إذا تمَّ ربط ذلك الاحتياطي بمسألة الانخفاض المتتالي في قدرة الدول النفطية على زيادة إنتاجها من النفط مع إمكانية نضوب كافّة المخزونات العالمية المهمّة في الغرب وفي قزوين في الـ ١٥ سنة المقبلة.

في هذا الإطار أحاول في مقالي هذا تسليط الضوء على النفط العراقي وأهميّته العالمية والاستراتيجية، والخطط الأمريكية التي تسعى من خلالها للسيطرة عليه لأهداف كثيرة ومتعدّدة.

ü النفط العراقي في خريطة النفط المحلية والعالمية:

تشير الأرقام المتوفرة حول النفط العراقي حالياً إلى أنّ العراق يمتلك احتياطياً مؤكداً يبلغ حوالي ١١٥ مليار برميل، وفقاً لمجلة (النفط والغاز OIL & GAS JOURNAL) ، ممّا يجعله في المرتبة الثالثة عالمياً بعد المملكة العربية السعودية وكندا من حيث الاحتياطي النفطي المؤكّد، ويقع معظم هذا الاحتياطي (حوالي ٦٥%) جنوب العراق، وذلك وفقاً لوكالة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) في آخر تحديث لها والذي كان في كانون الأول ٢٠٠٥م. وتتفاوت التخمينات حول قدرات العراق النفطية المستقبلية بشكل كبير، على اعتبار أنّ حوالي ٩٠% من مساحة البلاد لم يتم مسحها بعد. وبحسب بعض المؤسسات البحثية والجهات المختصّة كـ: (معهد بيكر، مركز دراسات الطاقة العالمية، اتحاد العلماء الأمريكان.. إلخ) ، فإنّ هذا الاحتياطي قد يصل إلى حدود ٢١٥ مليار برميل أو أكثر إذا ما تمّ إجراء عمليات بحث وتنقيب في منطقة الصحراء الغربية الواسعة جداً، في حين يعتبر البعض الآخر أنّ الاحتياطي الذي يمكن اكتشافه فيما بعد لن يزيد عن ٤٥ مليار برميل.

تاريخياً؛ بلغ العراق ذروته في الإنتاج النفطي في العام ١٩٧٩م عندما أنتج ٣,٧ مليون برميل نفط يومياً، وقد بلغ إنتاجه قبيل غزو الكويت مباشرة في تموز ١٩٩٠م ما حجمه ٣,٥ مليون برميل نفط يومياً. ومنذ تلك الفترة انهار الإنتاج العراقي للنفط، وبدأ يعمل حثيثاً على استعادة موقعه الإنتاجي بواقع ٦٠٠ ألف برميل يومياً في العام ١٩٩٦م، وبعد صدور القرار (٩٨٦) والمتعلّق بالنفط مقابل الغذاء، تضاعف إنتاج العراق من النفط ليصل إلى ١,٢ مليون برميل يومياً في العام ١٩٩٧م، ثم ارتفع مجدداً ليصل إلى ٢,٢ مليون برميل عام ١٩٩٨م، ومن ثم إلى ٢,٥ مليون برميل في الأعوام ١٩٩٩م و ٢٠٠١م، حتى وصل قبيل الحرب الأمريكية عليه إلى ما يقارب ٢,٥٨ مليون برميل يومياً.

وقدرت بعض المصادر أنّ عائدات النفط العراقي بعد صدور قرار النفط مقابل الغذاء كانت تتراوح بين مليار إلى مليارين سنوياً، وكانت الكميات المهرّبة تُباع بأسعار زهيدة جداً؛ نظراً لعدم قانونيتها، فيما تغاضت العديد من الجهات الغربية عن ذلك؛ كونها كانت تستفيد من هذا الوضع، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية أولى الدول المستوردة للنفط العراقي بمقدار ١.٢ مليون برميل يوميّاً، ويتجه نحو نصف مليون برميل إلى أوروبا، ونحو ١٥٠ ألف برميل إلى آسيا، ونسبة أخرى إلى تركيا والأردن وسورية.

حالياً يتراوح إنتاج العراق من النفط في كانون الأول ٢٠٠٥م بين ١,٩ و٢,١ مليون برميل يومياًً، ويعتقد معظم الخبراء أنّه لن يكون هناك زيادة حقيقية في هذه الكميّة على الأقل في السنتين أو الثلاث القادمة.

على أيّة حال؛ فالاحتلال الأمريكي للعراق قد غيّر كثيراً من خارطة النفط العالمية، وإن لم يكن ذلك واضحاً للعيان من الناس العاديين، فالنفط العراقي هو المفتاح للسيطرة على الدول المنافسة للولايات المتّحدة والتي تتطلع إلى الزعامة العالمية، وهذا ما سنراه تالياً.

ü مقترحات أمريكية لاستغلال النفط العراقي قبل الغزو مباشرة وبعده:

على الرغم من أنّ الإدارة الأمريكية قد أنكرت أن يكون الهدف من احتلالها للعراق هو السيطرة على آباره النفطية ومخزونه الاستراتيجي، إلاّ أنّ الجميع يذكر أنّ الاحتلال الأمريكي قام بحماية وزارة النفط عند دخوله مباشرة، فيما ترك كل المرافق العراقية العامّة والخاصّة والدوائر والوزارات عرضة للنهب والسلب والتدمير. وقد تبيّن فيما بعد أنّ هناك عدّة مقترحات كانت الإدارة الأمريكية قد طرحتها وتداولتها بين أوساطها لاستغلال النفط العراقي، وتراوحت بين ثلاثة اقتراحات:

الاقتراح الأوّل:

أنّ يتم استخدام عائدات النفط العراقي بعد السيطرة على العراق من أجل تغطية النفقات العسكرية لجيش الاحتلال الأمريكي فيه. فقد ذكرت صحيفة «نيوز ـ داي» الأمريكية في ٢٠٠٣/١/١م عن (مايك أنتون) المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي آنذاك قوله: «إن البيت الأبيض وافق على أن تلعب عائدات البترول العراقي دوراً هاماً خلال فترة الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وأنّ عائدات البترول العراقية سيتم استخدامها في حالة الحرب والتواجد العسكري الأمريكي في العراق، ولكن لن يتم استخدام العائدات كلها في هذا الشأن» .

الاقتراح الثاني:

أن يتم الاستيلاء على النفط العراقي ووضع اليد عليه كاملاً وذلك من خلال عقود تقوم الشركات الأمريكية بموجبها باحتكار الصناعة النفطية في العراق، أو من خلال التواجد العسكري المباشر في هذه المنطقة أو قرب آبار النفط العراقي لتأمينها والتحكّم بتدفق النفط وعائداته منها إلى الدول الأخرى. وغالباً ما كان فريق نائب الرئيس الأمريكي (ديك تشيني) ومساعديه ومستشاريه وحلفائه من المحافظين الجُدد هم الأقرب إلى هذا الاقتراح والداعم له؛ لمصالح خاصّة واستراتيجية في الوقت نفسه.

الاقتراح الثالث:

ويتمثّل في استغلال عائدات النفط العراقية إلى حين التوصل إلى حكومة شرعية ديمقراطية، على أن يتم توزيع جزء من هذا العائد على مشاريع وجهود إعادة الإعمار وهو الشيء الذي لم يحصل حتى اليوم!

أمّا بعد أن استتبَّ الأمر لجيش الاحتلال في العراق وللحكومة العراقية، أخذ يعمل على تقنين مسألة استيلائه على النفط العراقي بطرق التفافية وغير مباشرة تحت شعارات، مثل: فتح الاستثمارات الأجنبية على مصراعيها، إزالة كل القيود عن الشركات الأجنبية المستثمرة، ضرورة الاعتماد على أحدث التقنيات والوسائل والشركات ـ وهي أمريكية بطبيعة الحال ـ لزيادة الإنتاج، ضرورة الاستعانة بخبرات أجنبية ومستشارين ... إلخ.

فقد قدّم مجلس العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي في كانون الأوّل عام ٢٠٠٢م دراسة للإدارة الأمريكية حول نفط العراق أكد فيها على مجموعة من النقاط تدور كلها حول هذا الموضوع، وهذه النقاط هي:

أولاً: أن البنية الأساسية لقطاع النفط العراقي تعيش حالة متدهورة للغاية، وتحتاج إلى إعادة إعمار لإنقاذ الإنتاج النفطي الذي يتدهور سنويّاً بنسبة ١٠٠.٠٠٠ برميل يوميّاً (آنذاك) .

ثانياً: أن إعادة إعمار القطاع النفطي العراقي تحتاج إلى استثمارات تُقدّر بمليارات الدولارات، وتحتاج إلى شهور إن لم يكُ سنين، وستحتاج تكلفة وحدات التصدير الحالية نحو (٥) مليارات دولار، بينما تحتاج تكلفة إعادة الإنتاج إلى ما كان عليه قبل عام ١٩٩٠م (٨) مليارات دولار.

ثالثاً: لا تستطيع الإمكانات العراقية الحالية الاضطلاع بجهود إعادة تحديث القطاع النفطي، ولا بدّ من الاستعانة بشركات «خارجية» ، وربما سيلجأ العراق إلى دول «عديدة» للمساعدة في ذلك.

وقد كانت أولى بوادر التطبيق العملي لهذا التوجه بعد احتلال العراق قد ظهرت في الدستور العراقي الذي ظهر بحلّته النهائية على الطاولة في ٢٨ /آب/ ٢٠٠٥م، والذي عكس ما جاء به المندوب الأمريكي الأول (بول بريمر) وهو: تحقيق طموحات المستثمرين الأجانب، إذ يُلزم الدستور الجديد الدولة العراقية بإصلاح الاقتصاد العراقي حسب أسس الاقتصاد الحديث، بطريقة تضمن الاستثمار الكامل لكل ثرواته، وتنويع هذه الثروات، وتطوير القطاع الخاص. والإصلاح الاقتصادي يعني: خصخصة القطاع العام، وحرية التجارة والسوق، وفتح المجالات. لكنّ المشكلة ليست هنا فهذا مجرد غطاء، فالمادة ١١٠ من الدستور العراقي الحالي تقول: «إن الحكومة الفيدرالية وحكومات المناطق المنتجة الأخرى، ستعمل معاً على وضع سياسة استراتيجية لتطوير الثروة النفطية والغاز من أجل مصلحة الشعب العراقي، من ثم فإنه عليها أن تعتمد على أحدث التقنيات في السوق، وتشجّع الاستثمار» . وهذا نص مبطّن لما أشرنا إليه في البداية أعلاه، إذ يُفهم من هذه المادة أنها تشير إلى الخطط التي يدعمها كبار المسؤولين العراقيين حالياً، ومنها: خصخصة شركة النفط الوطنية العراقية، وفتح الاحتياطي العراقي أمام شركات النفط العملاقة الأمريكية بطبيعة الحال.

ويسمح الدستور للأقاليم في العراق «التي من الممكن أن تتشكل حالياً أو لاحقاً» بأن تقرر سياستها النفطية «ضمن حدودها الجديدة» ، وأن تحتفظ بنسبة كبيرة من عائدات الحقول الموجودة، وأن تحتفظ لاحقاً بعائدات كل ما ستطوّره من الحقول الجديدة. وقد يكون موقف الولايات المتحدة من الفيدرالية عائداً لكون الأطراف التي ستحصل على النفط العراقي: الشيعة والأكراد، فقد أكدت علناً أنها تؤيد وتدعم الخصخصة.

وبناءً على ذلك راحت كل جهة في محاولة لاستغلال هذا النص على طريقته، ففي حين دفع (عبد العزيز الحكيم) بقوة إلى إقامة شبه دولة شيعية في الجنوب تحت إطار وحدات أو تجمّعات محافظات قامت حكومة إقليم كردستان بتكليف شركة نرويجية بالتنقيب والمسح عن البترول في مناطقها القريبة من الحدود التركية، دون الرجوع إلى الحكومة المركزيّة واستشارتها بحجة أن تصرّفها جاء استناداً إلى هذا النص الدستوري!

ü أهداف الولايات المتحدة من السيطرة على النفط العراقي:

سخر الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر) ـ إبّان تسلّمه لجائزة نوبل للسلام عام ٢٠٠٢م خلال مؤتمر صحفي ـ ممّن سمّاهم «الحمقى» الذين يعتقدون أنّ سياسة أمريكا تجاه العراق مبنيّة على المصالح النفطية، قائلاً: «يمكن شراء النفط بأسعار معقولة في حدود ٢٧ دولاراً للبرميل، وهذا أقل كلفة من التكلفة الضخمة التي يستدعيها اجتياح العراق» . ووصف رئيس دائرة التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية آنذاك (ريتشارد هاس) مقولة وجود دوافع نفطية دفعت أمريكا لاحتلال العراق بأنّها سخيفة.

هذا الكلام قد يبدو للوهلة الأولى صحيحاً، فهناك عدّة بلدان قد تستطيع الولايات المتّحدة أن تستعيض بنفطهم عن العراق، ومنهم: فنزويلا في أمريكا اللاتينية، وكندا في أمريكا الشمالية، والمكسيك، وروسيا، ونيجيريا، واحتياطيات ألاسكا إذا أرادوا. وفي النهاية فليس هناك من دولة تخوض حرباً لسبب واحد، فلا بدّ من وجود عدّة أسباب، ولكن لا شكّ أنّ النفط أوّلها بالنسبة للولايات المتّحدة أو ثانيها إذا قدّمنا حماية أمريكا لإسرائيل على هذا الهدف.

قد لا يكون النفط العراقي مهمَّاً بحدّ ذاته للولايات المتّحدة الأمريكية من ناحية الاستهلاك وحتى نفط الخليج أيضاً، على اعتبار أنّ متوسط حجم الإمدادات الخليجية في الربع الأول من العام الجاري ـ خصوصاً السعودية والعراق ثم الكويت ـ قد بلغ ٢.٤ مليون برميل يومياًً، كما ذكرت نشرة «Oil & Gas Journal» ، وشكل نحو ٢٠% من إجمالي واردات النفط الأمريكية، ما اعتبرته النشرة الدولية ذات الصدقية العالية نسبةً متواضعة قابلة للتعويض من مصادر النفط غير التقليدي في الولايات المتحدة والدول الأخرى من القسم الغربي من العالم، التي توفر لأميركا حالياً ما لا يقل عن ٥٠% من وارداتها الإجمالية من النفط الخام والمشتقات. لكنّ أهميّة النفط الخليجي والعراقي تحديداً تكمن في عدّة نقاط نختصرها على الشكل التالي:

أولاً: إنّ الولايات المتّحدة الأمريكية أصبحت تعي تماماً أنّها ليست وحدها على الساحة الدوليّة، خاصّة من الناحية الاقتصاديّة، وأنّ هناك دولاً عديدة تسعى إلى الوصول إلى مستواها بل والتفوّق عليها في المدى المنظور، وبناء على ذلك كان لا بدّ للولايات المتّحدة أن تعمل على إفشال وصول الآخرين إلى مستواها أو التحكم في عملية صعودهم إلى ذلك المستوى، فكان النفط الخليجي والعراقي الوسيلة إلى ذلك، إذ إنّ معظم الدول الأوروبية واليابان والصين والهند تستورد نفط الخليج، ولحسن حظ أمريكا أنّ هذه الدول وخاصّة أوروبا واليابان لا تمتلك نفطاً صالحاً للاستهلاك في أراضيها، ومن ثمّ فإنّ قوّتها الاقتصادية ترتكز بشكل أساسي على النفط المستورد من الخارج وبالتحديد من الخليج، وسيطرة أمريكا على هذا النفط سيعطيها مجالاً أكثر لتحديد كميات الإنتاج وكميات التوريد وأسعار النفط ... إلخ، مما يجعل تطوّر الدول الأخرى ونموها الاقتصادي خاضعاً بطريقة غير مباشرة للإشراف الأمريكي.

ثانياً: في حال استقرار الأوضاع في العراق، فإنّ ذلك يمكّن الشركات الأمريكية من الوصول إلى ١١٢ مليار برميل من النفط، وهو الاحتياطي المعلن للبلاد، وبعضهم يشير إلى ٢٠٠ مليار برميل، ويعتبر أهم احتياطي عالمي بعد السعودية، وهذا معناه أنّ السيطرة على العراق تعني الحصول على حوالي ربع احتياطي العالم النفطي، دون أن نذكر الأرباح التي ستأتي للشركات النفطية الأمريكية بعد إنهاء مصالح الشركات النفطية الروسية والفرنسية والصينية التي كانت قائمة في العراق إبّان حكم صدّام.

ثالثاً: تعتبر كلفة إنتاج النفط العراقي من بين الأدنى في العالم (حوالي ١,٥ دولار للبرميل كحدٍّ أقصى) ، ولذلك فإنّ الأرباح هائلة، وعدا ذلك فإنّ الأهم هو الأرقام التي تتحدث عن نسبة الاحتياط ومعدلات الإنتاج إلى الاستهلاك، أي: بمعنى آخر عدد السنوات التي سيستغرقها صرف الاحتياط النفطي بمعدلات الإنتاج الحالية، وهذه النسبة لا تزيد في الولايات المتّحدة والنرويج عن ١٠ سنوات، وفي كندا تبلغ ١على ٨، وفي إيران ١ على ٥٣، وفي السعودية ١ على ٥٥، وفي الإمارات ١ على ٧٥، وفي الكويت ١ على ١١٦، وفي العراق تبلغ ١ على ٥٢٦. ويقال: إنّ آخر نقطة نفط في العالم ستكون في العراق. إذاً؛ النفط العالمي ينضب، وخلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة سيستقر إنتاج النفط، ويتّجه فيما بعد إلى الانخفاض بحدود ٥ ملايين برميل يومياً.

والعراق وحده يمتلك قدرة عالية جداً على زيادة الإنتاج بكميات كبيرة جداً. حيث يعتقد بعض المحللين أنّ العراق في حدود السنوات الخمس القادمة سيبلغ قدرة السعودية الحالية أو بحدود ١٠ ملايين برميل نفط يومياً.

رابعاً: وجود سيطرة للقوات الأمريكية على نفط العراق والخليج سيمنع حتى إمكانية التفكير في استخدام سلاح النفط سواء ضدّ أمريكا أو إسرائيل، وستكون القوات الأمريكية جاهزة في قلب الآبار النفطية للدفاع عنها وبمقربة جميع دول الخليج النفطية في حال حصل أيّ انقلاب أو تغيير للسلطة أو لأيِّ استراتيجية يمكنها أن تهدّد الآبار النفطية وإمداداتها، ويمكّن أمريكا أكثر من الضغط على (أوبك) لاستنزاف احتياطياتها من خلال الإنتاج العالي لدرجة قصوى، مع التشديد على أن يكون سعر البرميل في حدوده الوسطى إن لم تكن الدنيا.

ففي أول تعديل لقانون الطاقة الأمريكي يستهدف دولاً ذات سيادة وافق مجلس الشيوخ بشكل مبدئي يوم ٢١ / ٦ / ٢٠٠٥م على مشروع قانونٍ تحت مسمى «لا أوبك» ، يمنح وزارة العدل الأمريكية أو لجنة التجارة الاتحادية سلطة مقاضاة (أوبك) بتهمة التلاعب بالأسعار!

وقال السيناتور الجمهوري (مايك ديوين) : «إن أسعار النفط والغاز مرتفعة جداًً، وقد حان الوقت لفعل شيء بخصوص ذلك» ، وأضاف زميله الديمقراطي (هيرب كول) الذي اشترك معه في تقديم التعديل: «لو أن (أوبك) مجموعة من الشركات العالمية الخاصة ـ لا حكومات أجنبية ـ لكان تصرّفها خطة غير قانونية للتلاعب بالأسعار» .

ü الولايات المتحدة ونهب النفط العراقي:

نشر معهد «بلاتفورم» بالتعاون مع خمسة معاهد ومؤسسات أخرى غير حكومية تقريراً ضخماً في أواخر شهر تشرين الثاني ٢٠٠٥م بعنوان: (نهب ثروة العراق النفطيّة) ، وكاتب هذا التقرير هو (كريج موتيت) الذي دعّم التقرير ـ البالغ حجمه حوالي ٤٧ صفحة، والذي يتألّف من ٦ فصول واستنتاج ـ بالعديد من الأرقام والجداول والصور.

التقرير على درجة عالية وكبيرة من الأهميّة، وهو الأوّل من نوعه بهذا الحجم وبهذه الدقّة في المعلومات والأرقام. ويأتي هذا التقرير ليدعم ويؤكّد وجهة النظر السابقة للحرب على العراق والتي تقول: «إنّ الهدف من غزو العراق ـ أو على الأقل من الأهداف الدافعة لغزو العراق ـ الثروة النفطيّة» .

كما يفضح التقرير النوايا الأمريكية بشأن نهب الثروة النفطية والتعاقدات التي تمّت وتتم الآن لمصلحة هذه الشركات، ويقول التقرير: إنّه بينما يكافح الشعب العراقي من أجل تحديد وضمان مستقبله السياسي، فإنّ أهم مورد اقتصادي لديه «النفط» يتم تحديد مصيره خلف أبواب مغلقة.

ويكشف هذا التقرير عن وجود أجندة سياسية نفطية للولايات المتّحدة الأمريكية يتم التحضير لها عبر وزارة الخارجية ليتم تنفيذها في العراق بعد انتخابات شهر كانون الأول ٢٠٠٥م وبدون مناقشة عامّة وبتكاليف باهظة جداً. وتخصّص هذه السياسة معظم حقول النفط العراقية ـ التي تضم حوالي ٦٤% على الأقل من احتياطيات البلاد النفطيّة ـ لما يسمى عمليات تطوير تقوم بها شركات نفط دولية.

وتقول الدراسة: إنّ هناك خطّة بين الحكومة الأمريكية والبريطانية من جهة، ومجموعة من السياسيين العراقيين المتمكنين من جهة أخرى، على اتباع أسلوب العقود الطويلة الأجل مع الشركات النفطية، ممّا يحول دون تدخّل المحاكم والرقابة الديمقراطية على هذه العملية فيما بعد؛ لأنّها تكون قد تمّت.

وتشير الدراسة إلى أنّ التوقعات الاقتصاديّة المنشورة لأوّل مرّة في هذا النطاق تبين أنّ نماذج التطوير المقترحة ستكلّف العراق خسائر بمليارات الدولارات، في حين أنّها ستدرّ أرباحاً خيالية للشركات الأجنبية التي سيتم التعاقد معها.

وقد توصّلت هذه الدراسة إلى نتيجتين أساسيتين:

الأولى: أنّ العراق سيخسر ما بين ٧٤ إلى ١٩٤ مليار دولار طيلة فترة العقود فيما يخص أوّل اثني عشر حقلاً نفطياً يتم تطويرها فقط، وفيما لو كان سعر برميل النفط ٤٠ دولاراً في هذه الفترة. هذه التخمينات تستند إلى تقديرات محافظة تتراوح ما بين ضعفين إلى سبعة أضعاف ميزانية الحكومة العراقية الحالية.

الثانية: أنّ أرباح الشركات النفطية وعائداتها من الاستثمار في العراق في هذه العقود وبهذه الشروط ستتراوح بين ٤٢% و١٦٢%، وهو ما يزيد عن المعدّل الطبيعي للأرباح في مثل هذه الحالات والبالغ ١٢% في حدّه الأدنى في مثل هذه الاستثمارات.

تفيد هذه الدراسة أنّ عمليات خصخصة واسعة النطاق تجري في العراق، ومن ضمنها: قطاع النفط، ولكن يتم تمويه هذه المسائل وتضليل الناس بأسماء تقنية وبقضايا إعادة بناء وصيانة وتطوير.. إلخ من هذه المصطلحات، وهو ما يسمح للحكومة والمستفيدين من الشركات إنكار حصول عمليات للخصخصة. كما أشارت الدراسة إلى أنّ عمليات التطوير التي يتم الترويج لها في العراق ـ فيما يخص حقول النفط ـ والتي يدعمها شخصيات أساسية في وزارة النفط، تستند إلى عقود تسمى بـ (اتفاقيات مشاركة الإنتاج PSAS) والموجودة في الصناعة النفطية منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي، والتي يؤكّد الخبراء أنّ الهدف منها سياسي فقط؛ لأنّه ومن الناحية التقنية تبقى الاحتياطات النفطية من الناحية القانونية بيد الدولة، ولكن عملياً توازي هذه العقود عقود التنازل لشركات النفط ولها نفس النتائج.

وتؤكّد الدراسة أنّ هناك مساعي لعقد مثل هذه العقود بأسرع وقت ممكن، خاصّة أنّ الحكومة جديدة وضعيفة، والأمن في حالة مزرية، والبلد لا تزال تحت الاحتلال، ويمكن لهذه العقود غير المنصفة أن تدوم لمدة ٤٠ سنة.

وينقل المتخصص في الشؤون الاقتصادية (فيليب ثورتون) في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية عن رئيس «مؤسسة الاقتصاد الحديث» غير الحكومية (آندرو سيمس) قوله: «إنه من الواضح الآن أن بريطانيا وأمريكا مصمّمتان على السيطرة على نسبة كبيرة من احتياط النفط العالمي، مما يعني أن العراق بدلاًً من أن يدشن بداية مرحلة جديدة، وجد نفسه محصوراً في الفخ القديم للاحتلال الذي سيكلّفه الغالي والنفيس في المستقبل المنظور» .

واستناداً لبعض المحلّلين، فإن المؤسسات البترولية الكبيرة (بريتيش بتروليوم بي بي، وإكسون موبيل، وشفرون، وشيل) كانت كلها توّاقة للرجوع إلى العراق بعد أن طردهم قرار تأميم الموارد العراقية من هذا البلد سنة ١٩٧٢م، وما يؤخر رجوعهم الآن ليس سوى الحالة الأمنية. ولهذا؛ فقد حرصت الولايات المتحدة على أن تكون القوانين العراقية التي تولت الإشراف على كتابتها ملائمة لأهدافها الاقتصادية في البلد.

وقد اعتبر (أندرو سيمس) ـ مخطّطُ السياسات بمؤسسة «الاقتصاديات الجديدة» ـ محاولات واشنطن ولندن لإبرام هذا النوع من التعاقدات تأتي في إطار سعي حكومة الدولتين للسيطرة على النفط منذ بداية اكتشافه.

وأوضح أنه «خلال القرن الماضي، تسببت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا في نشوب صراعات عالمية واضطرابات اجتماعية ودمار بيئي من أجل الحصول على حصة تزيد كثيراً عن حجمهما النسبي في الموارد النفطية في العالم. ويبدو الآن أنهما مصمّمتان على المضيِّ في هذا الأمر على حساب العراق» .

وأضاف أنه «بدلاًً من أن يبدأ العراق المحطَّم بداية جديدة سقط مرة أخرى في شراك حيلة احتلالية شديدة القدم» . وأنّ الدستور العراقي ـ الذي كان لأمريكا دور في صياغته والدفع باتّجاه التصويت عليه ـ قد أعطى صلاحيات واسعة لشركات النفط الأجنبية وسمح لها بتحقيق أرباح طائلة على حساب الشعب العراقي، خاصّة أن ّالدستور يعطي للدوائر والأقاليم المحليّة سلطة التعاقد مع الشركات الأجنبية، وهو الأمر الذي سيضعضع من موقفها تجاه أي شركة كبرى، فيما كان الأمر سيختلف لو كان هناك دولة واحدة تفاوض هذه الشركات، بدلاً من الأقليم!

وفي الوقت نفسه قدّم التقرير اقتراحاً بديلاً لتطوير صناعات النفط العراقية دون اللجوء إلى اتفاقات المشاركة في الإنتاج. وقال: إنه يمكن استغلال شبكة إنتاج البترول التي يمتلكها العراق والتي تعتبر معقولة ـ بالرغم مما تعرضت له من الدمار ـ واستخدام العوائد الحالية أو الاقتراض لتمويل التوسع في الإنتاج.

المراجع:

(EIA) , (١) Energy Information Administration country analysis briefs iraq. Last updated December ٢٠٠٥.

٢ ـ نص الدستور العراقي الصادر في /٢٨ آب/ ٢٠٠٥م.

٣ ـ مقال: النفط العراقي في الاستراتيجية الأمريكية، علي حسين باكير، موقع الجزيرة. نت، بتاريخ ٣ / ٣ / ٢٠٠٦م.

(٤) Report: "Crude Designs: The Rip-Off ,published by Platform, Iraq's Oil Wealth"

November ٢٠٠٥.

(٥) US sees Iraqi Oil Production Choked For Years, Miriam Amie, Mail and Guardian

on ١٠ january ٢٠٠٦.


(*) باحث في العلاقات الدولية.