المسلمون والعالم
[المؤسسات التي تعنى بتشريح الإسلام في الغرب!]
يحيى أبو زكريا [*]
[email protected]
من الملفات المفتوحة والساخنة في الغرب ملف الإسلام وعلاقته بالغرب
ومستقبله وديناميكيته الماضية والراهنة والمستقبليّة، ولدى دوائر القرار ومراكز
الدراسات الاستراتيجية والاستشرافية حيز كبير من اهتماماتها بالإسلام، وكل ما
يرتبط به من ثقافات واجتهادات وحركات ومسلكيات سياسية واجتماعية، وكل ما
يمت إليه بصلة من قريب أو بعيد. وقد ازدادت الاهتمامات بالإسلام بعد الأحداث
التي عصفت بأمريكا.
وفي الغرب خمسة اتجاهات أو مدارس تضطلع بعملية تشريح الإسلام لتحقيق
أهداف قريبة المدى، ومتوسطة المدى، وبعيدة المدى. وهذه المدارس هي:
* المدرسة الأمنية:
وهي الملتصقة بدوائر الأمن القومي ومكافحة الإرهاب، وتقوم هذه المدرسة
بتشريح كامل ودقيق وتفصيلي للحركات الإسلامية؛ وتحديداً تلك التي لها قواعد في
الغرب كالجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية، والجماعة الإسلامية المصرية،
وحزب الله اللبناني وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، وحزب
الدعوة العراقي، وجماعة أسامة بن لادن، وعشرات التنظيمات الإسلامية التي لها
قواعد في الغرب أو تحاول التحرك في العواصم الغربية ضمن حيّز الحرية الموجود.
وتتعاون الأجهزة الأمنية الغربية فيما بينها لرصد تحركات الأشخاص المشتبه
بانتمائهم إلى هذه الجماعات.
وقانون الاتحاد الأوروبي في بعض بنوده ينص على ضرورة التنسيق
الأمني، وتبادل المعلومات. والتعاون قائم في أعلى مستواه في هذا المجال،
وتستعين هذه الأجهزة بخبراء من العالم العربي والإسلامي في فهم المنطلقات
الفكرية والفقه الخاص بهذه الحركات وآفاق تفكيرها واستراتيجياتها. وغرض هذه
الأجهزة من تشريح حركات الإسلام السياسي هو الحفاظ على الأمن القومي ومنع
تكرار ما يحدث في العالم العربي والإسلامي على أراضي الغرب، والحؤول
دون تحويل الغرب إلى قواعد للراغبين في الإطاحة بنظمهم وإقامة مشاريع فكرية
وسياسية في العالمين العربي والإسلامي مغايرة للعلمانية الغربية. وقد تكون هذه
المشاريع معادية للغرب بالأساس، ويجري هاهنا التنسيق كاملاً مع الأجهزة الأمنية
العربية للحصول على معلومات عن الأشخاص والتنظيمات الإسلامية، والأرشيف
الأمني العربي دائماً مفتوح للغربيين خصوصاً فيما يتعلق بالخصوم الإسلاميين.
لكن لم يسبق للأجهزة الأمنية الغربية أن تعاملت مع الإسلاميين على أراضيها
بالطريقة التي يتعامل بها معهم رجال المخابرات العرب؛ فما دام هؤلاء في
نطاق المعارضة الفكرية والسياسية فلا أحد يستطيع أن يطالهم؛ لأنّ حرية التعبير
مكفولة في كل الدساتير الغربية، لكن إذا أراد أحدهم التلاعب بالأمن القومي الغربي
فيكون بذلك قد جنى على نفسه؛ لأن الأمن القومي مقدّس في الغرب.
* والمدرسة الثانية:
هي المدرسة المرتبطة بوزارات الهجرة ودوائر الاندماج؛ حيث لدى هذه
الدوائر مراكز للبحث والدراسات، وتضطلع هذه المراكز بتشريح ثقافة المسلمين
وعاداتهم وتقاليدهم، والغرض منها ليس أمنياً على الإطلاق، بل الغرض منها فهم
المسلمين عن قرب في محاولة لإدماجهم في المجتمعات الجديدة المستقبلة لهم،
ولوضع قوانين تتماشى مع توجهات المسلمين، ولتجنيب المجتمعات الغربية
التصادم مع من يمثلون الظاهرة الإسلامية الوافدة.
وتستعين هذه الدوائر أيضاً ببعض الباحثين العرب والمسلمين، ولها أيضاً
باحثوها الأصليون والذين يقومون في أحايين كثيرة بزيارات إلى عواصم عربية
وإسلامية لفهم أسلوب حياة المسلمين وعاداتهم وتقاليدهم.
* والمدرسة الثالثة:
هي المدرسة الأكاديمية التي قوامها مجموعة كبيرة من المستشرقين والباحثين
في قضايا العالم العربي والإسلامي، ومجموعة من المعاهد والكليات التي تعنى
بالحضارة الإسلامية والحوار الإسلامي الغربي، وتضم هذه المدرسة ثلات
اتجاهات: اتجاه منصف للحضارة الإسلامية ومتفهم للخلل الحاصل في حياة
المسلمين والفرق الشاسع بين مسلكيات المسلمين وتعاليم الإسلام السمحة، واتجاه
حاقد يهمه الانتصار لمنطلقاته الأيديولوجية ويحمّل الإسلام كل خيبات العالم
العربي والإسلامي ويصوره أنه الخطر المحدق بالمنظومة الغربية، واتجاه ثالث
عقلاني واقعي يحاول تفسير الأمور تفسيراً أبستمولوجيّاً وعلمياً.
* والمدرسة الرابعة:
قوامها مجموعة من مراكز الدراسات الخاصة التي تسوّق منتوجها البحثي
لحساب وزارات خارجية ودوائر قرار ودوائر حساسة وحسب الطلب، وتوظف
هذه المراكز خليطاً من الباحثين من مختلف الجنسيات والبلدان.
ويمكن القول إن السرعة هي طابع الدراسات عن الإسلام السياسي التي
تصدر عن هذه المراكز ذات البعد التجاري.
* والمدرسة الخامسة:
وقوامها مراكز محدودة لبعض أصحاب النفوذ الديني من مسيحيين ويهود،
والغرض منها إشعال نار الفتنة بين المسلمين والمسيحيين بالنسبة للفريق الأول،
ورسم منهجية علمية للتنصير من خلال فهم المسلمين وكيفية التسلل إلى عقلياتهم
بالنسبة للفريق الثاني.
ويبقى القول: إن المسلمين في الغرب صحيح أنهم تخلصوا من قمع سلطاتهم
وباتوا يعيشون في وضع سياسي واقتصادي متميّز، إلا أنّه ومما لا شك فيه أنّهم قد
أصبحوا حقل تجارب في مختبرات الأفكار والدراسات، ومن خلالهم تمكنت الدوائر
الغربية وبامتياز الغوص في شعور ولا شعور مليار مسلم موزّعين بين طنجة
وجاكرتا، وكل ذلك تم لها بأبخس الأثمان!