الافتتاحية
في المؤامرة على المرأة المسلمة:
منظمة العفو الدولية تدلي بدلوها!!
تجتاح منطقتنا العربية في هذه الآونة حمى مسعورة تستهدف المرأة العربية
في إسلامها بدعوى نيل حقوقها المهضومة، ويدل التوقيت المتتابع والتشابه في
الجزئيات رغم تباعد المواطن على أن هذه الحمى ما اجتاحت المنطقة بطريقة
عفوية غير مقصودة، وإنما هناك مطالب محددة ومخطط دولي محكم، ربما نسجت
خيوطه من مغازل توصيات مؤتمرات القمة الدولية في القاهرة وبكين وإستانبول
والهند.
فمن الضجة حول قانون الزواج المدني في لبنان الذي أرادوا فيه هدم قيام
الأسرة على أساس ديني، إلى الضجة حول قانون جرائم الشرف في الأردن الذي
لم يريدوا فيه الدفاع عن حق المرأة في الحياة بقدر دفاعهم عن حقها في التحلل
والفجور باطمئنان! إلى الضجة حول مرسوم قانون حقوق المرأة السياسية في
الكويت، إلى الضجة حول قانون الخُلْع والزواج العرفي في مصر الذي أرادوا به
تفسيخ الأسرة المسلمة وتقنين الانحلال والفساد، إلى الضجة حول قانون الأحوال
الشخصية وخطة إدماج المرأة في التنمية في المغرب.. . وغيرها وغيرها، نقاط
متباعدة وخيوط متصلة تنسج شبكة جديدة يراد إيقاع المرأة المسلمة في براثنها.
وفي هذا السياق رصدت مجلتكم البيان خيطاً آخر من خيوط هذه الشبكة ولكن
في نقطة بعيدة عن عالمنا العربي، ربما لذلك يُعَدُّ أحدَ الحبال (أو الأحابيل) في
شبكة هذا المخطط؛ فقد انعقد يوم السبت الحادي عشر من شهر مارس (آذار)
سنة ٢٠٠٠م الموافق ٤/١٢/١٤٢٠هـ برعاية منظمة العفو الدولية مؤتمر حول
الحقوق الإنسانية في الشرق الأوسط في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية في
العاصمة البريطانية لندن، حضرته ثلة من الناشطات في مجالات العمل النسوي في
شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
افتتحت (كيت آلن) مديرة فرع المنظمة في المملكة المتحدة أعمال المؤتمر
بالترحيب بالضيوف وتقديم المتحدثات.
وشاركت في الجلسة الأولى كل من: أسماء خضر (الأردن) ، أمينة
المريني (المغرب) ، ناولا درويش (مصر) ، د. فاطمة العبدلي (الكويت) ،
وأدارت الجلسة الدكتورة (لين ولشمان) من مركز القانون الإسلامي والشرق
الأوسطي في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية.
وتدل الأسماء العربية المذكورة على أحد أهداف المؤتمر غير المعلنة، وهو
زيادة تسخين (قضية المرأة) في المناطق الساخنة المشار إليها سابقاً، إضافة إلى
الصعود بها من الصفة المحلية والإقليمية إلى التدويل وتحريك الرأي العام
(الغربي) لمساندتها وتأييدها، وهذا ما طالبت به بالفعل بعض المحاضِرات كأمينة المريني التي طلبت الدعم من منظمات حقوقية وشخصيات سياسية ومن منظمة العفو الدولية، وميرفت رشماوي التي تحدثت عن عالمية حقوق الإنسان باعتبار حقوق المرأة كما يطالبن بها ضمن هذه الحقوق، وأشادت بمؤتمر بكين باعتباره تجربة رائدة، كما أكدت على ضرورة حضور المرأة في المنظمات الأممية.
وهذا يجرنا إلى الحديث عن نقطة أخرى مهمة وهي حرص أصحاب
المشروع التغريبي للمرأة على الاستقواء بأصحاب السلطة والنفوذ لفرض توجهاتهم
بالإرهاب المعنوي عبر تمرير مشاريع لقوانين وقرارات حكومية بطريقة مريبة،
كما حدث في البلاد المشار إليها، إضافة إلى نموذجي تركيا وتونس، وهذا الملحظ
(فرض التوجهات بقوة القانون) كان قاسَماً مشتركاً في حديث المشارِكات في
المؤتمر.
كما يدل اختيار مديرة الجلسة من (مركز القانون الإسلامي والشرق أوسطي)
على اتجاه متنامٍ في (تكتيك) إدخال التوجهات الغربية حول المرأة إلى المنطقة
العربية و (الشرق أوسطية) ، وهو اتجاه استخدم الإسلام (مطية) لحمل هذه
التوجهات إلى شعوب هذه المنطقة باعتبار الإسلام هو الدين الشائع بين هذه
الشعوب ونظراً لكونه لا يزال يشكل عامل تأثير و (حساسية) لديها، وقد برز هذا
الاتجاه في أحاديث معظم المحاضِرات في المؤتمر، من خلال محاور طرح
(إعادة تفسير الإسلام بما يتلاءم مع التوجهات الجديدة) ؛ فالأستاذة أسماء خضر
(الأردن) عرَّجت على النموذج التونسي باعتباره حمل مفاهيم مختلفة للشريعة
للقضايا نفسها محل البحث، ثم طرحت تساؤلاً حول مدى وجوب معالجة هذه
القضايا: من داخل الشريعة أم من خارجها؟ وأجابت بأنه ينبغي معالجة الموضوع
ضمن الأطر الشرعية وأنه يجب العودة إلى القرآن، ثم طرحت مسألة نشوز المرأة
التي تقرر العمل خارج المنزل دون موافقة زوجها، والفتاة التي تريد الزواج دون
موافقة أهلها، وتحدثت عن العلاقة بين قانون الأحوال الشخصية وقوانين الأسرة
مبرزة أن المرأة لا زالت بحاجة إلى إذن زوجها للحصول على جواز سفر وأنها
تمنع من السفر دون موافقته.
و (التكتيك) ذاته استخدمته أمينة المريني (المغرب) ، حيث قالت: إن
قانون الأسرة يؤثر عليه الفهم المخطئ لنصوص الشريعة، وأكدت على إمكانية
تغيير هذا الواقع بفهم أكثر تطوراً للشريعة؛ إذ يجب علينا القبول بواقعنا وديننا
وأن يكون الإصلاح من داخلهما. ثم ذكرت أنه لأول مرة في المغرب وجدت حركة
يسارية أيدت بشكل أوسع حقوق المرأة آخذة بتوصيات مؤتمر بكين، وطالبت برفع
السن الأدنى للزواج من ١٥ إلى ١٨ سنة، وإلغاء تعدد الزوجات، وحق المرأة في
حضانة الأولاد إذا أرادت الزواج مرة أخرى، وأوضحت أن هذا البرنامج لقي
معارضة شديدة من الإسلاميين باعتباره مخالفاً للشريعة.
وفي إحدى حلقات العمل المسائية [١] حاضرت البروفسور هالة أفشر (جامعة
يورك) حول الحركة النسوية الإسلامية، فأشارت إلى أنه من الممكن وجود نساء
إسلاميات داخل الحركة النسوية؛ فهؤلاء النساء يعتبرن أن الماضي كان مفتوحاً
أمام المرأة (أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها على سبيل المثال) فمنذ أربعة
عشر قرناً تمتعت المرأة بحقوقها كاملة في الإسلام، ولكنَّ قيماً كثيرة تلاشت بسبب
سوء فهم النصوص، كما أكدت على أن المعركة كانت دائماً (مع رجال الدين) !
باعتبارهم يناهضون المرأة بسبب سوء فهمهم للنص الشرعي؛ فهم يعتقدون كما
تقول أن المرأة كائن أقل من الرجل وعليه فهي غير مؤهلة نفسياً ودستورياً لتشغل
منصب القضاء مثلاً، وأردفت قائلة: إنه لا يوجد سبب على الإطلاق يجعل
منصب القضاء حكراً على الرجال، وخلصت إلى التأكيد على أهمية انخراط المرأة
في التفسير والاجتهاد وإلى ضرورة عودة المرأة إلى الساحة وإعادة قراءة النص
القرآني، ثم شددت على ضرورة منع تعدد الزوجات باعتباره سلوكاً يقتصر على
النبي صلى الله عليه وسلم وحده.. وقد أثارت هذه المحاضرة جدلاً شديداً، وشهدت
حضوراً مكثفاً.
وقد رأينا بوضوح هذا (التكتيك) ممارساً على أرض الواقع عند تمرير
قانون الأحوال الشخصية الجديد في مصر مصاحباً بحملة إعلامية علمانية تؤكد
(إسلاميته!) .
ونستطيع رصد المطالب التي دارت حولها أحاديث المؤتمِرات في الآتي:
١ - حق المرأة في المشاركة السياسية؛ بما فيها حقها في صنع القرار وحقها
في الانتخاب.
٢ - حق المرأة في تولي مناصب القضاء والتشريع.
٣ - إطلاق حرية المرأة في التنقل والسفر بغير إذن من رجل (أب أو زوج) .
٤ - حق المرأة في الطلاق من غير الرجوع إلى رجل.
٥ - منع تعدد الزوجات واعتبار ذلك شكلاً من أشكال العنف ضد المرأة.
هذه هي أهم المطالب التي أثارتها المجتمِعات في مؤتمر منظمة العفو الدولية
حول الحقوق (الإنسانية) للمرأة في الشرق الأوسط، وهي تدل على أن الحقوق
المقصودة هي الحقوق (الإنسانية الغربية) ، وتدل أيضاً على انقياد الحركة
النسائية العربية خلف الغرب وقيمه؛ فمطالبهم تمس فقط الأمور التي لها علاقة
بالشريعة الإسلامية وشكل الأسرة المسلمة باعتبارها ركيزة البناء الاجتماعي
الإسلامي الذي لم يقوَ الغرب على هدمه تماماً رغم محاولاته العديدة منذ زمن بعيد،
وإلا فهناك حقوق للمرأة لا يلتفت إليها ولا يسمح بالحديث عنها رغم بداهتها
ووضوح اضطهاد المرأة فيها فهم لا يناقشون مثلاً حق المرأة في ارتداء ما تريده من
ملابس إذا كانت هذه الملابس هي الحجاب الشرعي، فنرى المرأة تُمنع من ذلك
بقوة القانون والقرارات الحكومية في تركيا وتونس ومصر، بل وفي فرنسا بلد
الحريات في أوروبا، وأين الحديث عن حقوق المرأة التي يغيّب عائلها أو رحمها
في غياهب سجون الاحتلال الصهيوني أو النظم العلمانية بدون جريرة غير الدفاع
عن مبادئ أمته وحقوق أبناء وطنه؟
ولكن يبدو أن المدافِعات عن حقوق المرأة اجتمعن فقط للتأكد على (ضرورة
كسر المحرمات من أجل النهوض بوضع المرأة) ! . كما عبرت إحدى المجتمِعات
ولكن بالطبع النهوض بها كما يريدون.
ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ.
(١) انقسمت أعمال المؤتمر بعد الجلسة الافتتاحية إلى ست حلقات عمل: ثلاث في الفترة الصباحية: موضوع الأولى عن (المشاركة السياسية للمرأة) ، تحدثت فيها د فاطمة العبدلي (الكويت) وإصلاح جاد (جامعة بيرزيت فلسطين المحتلة) ، والثانية عن (المرأة والعائلة وقوانين الأحوال الشخصية) ، شاركت فيها أمينة المريني (المغرب) ، وأسماء خضر (الأردن) ، والثالثة حول (العنف ضد النساء) تكلمت فيها ناولا درويش (مصر) ، وفي المساء كانت هناك ثلاث حلقات عمل أخرى: الأولى عن (جرائم الشرف في الأردن) تحدثت فيها كل من أسماء خضر وفادية فقير (مركز الدراسات الإسلامية في جامعة دورهام) ، والثانية حول موضوع (المرأة والخطاب الثقافي) تحدثت فيها زليخة أبو ريشة (جامعة أكستر) وريم كيلاني (مغنية شعبية فلسطينية) ، والثالثة حول (الحركة النسوية الإسلامية) ، حاضرت فيها البروفسور هالة أفشر (جامعة يورك) ، وفي الجلسة الختامية تحدثت ميرفت رشماوي عن (عالمية حقوق الإنسان وحقوق المرأة) .