للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[القضية الفلسطينية عندما تتحول إلى مسألة مخابراتية أمريكية]

أمير سعيد

(أفهم أن تضطلع وزارة الخارجية الأمريكية برعاية مفاوضات السلام بيننا

وبين (الإسرائيليين) ، ولكني لا أستطيع أن أفهم كيف تسند هذه المهمة لوكالة

الاستخبارات المركزية الأمريكية، وهي جهة توكل إليها (عادة) الأعمال القذرة)

الكاتب اللامع محمد حسنين هيكل في برنامج: (من قلب الأزمة إلى قلب الأمة)

الذي بثته الفضائية المصرية دريم.

وما لم يفهمه هيكل فهمه بوش، وهو أن القوى العظمى وقد انفردت بقيادة

العالم لا يعنيها على الساحة الفلسطينية خصوصاً والعربية عموماً كثير مفاوضات

ولا تعدد حوارات ولا تبادل أفكار، وإن ما يعنيها هو إلقاء أوامر، وتسيير الأجهزة

الأمنية في العالم العربي على هواها، لذا فقد حددت هدفها (من ليس معنا فهو

ضدنا) ، وبنت استراتيجيتها: هي العولمة ذات الصوت الواحد، يمسك القائد

الأوحد (ميكروفونه) فيتكلم بصوت عال فيخرس الجميع.

أمس كان الساسة يتقدمون بمبادراتهم ويتوارى الجواسيس، واليوم تغير الحال؛

فكل فترة يأتينا رئيس الـ A. C. I فيلقي لنا ورقة فيها من أوامره وتعليماته ما

الله به عليم، وعلينا إذن أن نبادر على الفور إلى تنفيذها. لا تبالوا أتضمنت تلك

الورقة أوامر اعتقالات لكل المجاهدين والمناضلين، أم تفتيشات أو نقاط مراقبة

أمنية للوكالة أو الجيش الصهيوني أو الموافقة على تقديم المزيد من التنازلات

كالتفريط في القدس وحق العودة للاجئين؟ . وإلا فسيكون مصيركم - إذا فكرتم

مجرد التفكير في مناقشة تلك الورقة - تماماً مثل هذا العبد الآبق عرفات.

فلأول مرة في التاريخ الحديث ترعى الاستخبارات المفاوضات في الوقت

الذي تشرف فيه على تنفيذ المجازر جنباً إلى جنب ... كيف حدث هذا؟ تعالوا نقر

أولاً أن دون تلك المنزلة في فلسطين، والشرق الأوسط التي ارتقت إليها الـ

A. I. C سعياً حثيثاً ودوراً خبيثاً أنيط بها فنفذته.

* لمحات حول الـ C. I. A في المنطقة العربية ودورها ومحاور اهتماماتها:

منذ فترة طويلة كان للولايات المتحدة الأمريكية اهتمام كبير بالمنطقة العربية،

نظراً لكونها مهد الإسلام، (العدو الرئيسي للولايات المتحدة) ، ولموقعها

الجغرافي المتميز بين قارات العالم، وتحكمها في أبرز وأهم المضايق البحرية في

العالم، ولاستحواذها على النصيب الأوفر من الثروة النفطية في العالم. لذا فقد

عملت الولايات المتحدة منذ خروجها منتصرة من الحرب العالمية الثانية على أن

تضرب بأطنابها في كل دولة عربية، مولية اهتمامها الأكبر نحو الدول العربية

التأثيرية في المنطقة. ومن خلال وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مدت

الولايات المتحدة الأمريكية أرجلها الأخطبوطية في مصر باعتبارها أكبر وأقوى

دولة عربية والتي يعد سكانها نحو ربع العرب تقريباً، وتملك أكبر جيش عربي

ملاصق للدولة الدخيلة (إسرائيل) الحليف الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة في

العالم، ثم تمدد الأخطبوط إلى سوريا ثم إلى لبنان ذي الموقع المتميز والفسيفسائية

الطائفية التي تجعله مركزاً متميزاً للاستخبارات الإقليمية والدولية، ثم إلى الخليج

عموماً كمخزن هائل للنفط في العالم. وأيضاً إلى فلسطين سواء بشقيها المحتل عام

١٩٤٨م أو ١٩٦٧م لتقديم التواصل مع طرفي القضية الفلسطينيين واليهود.. والآن

تكاد تكون جميع أرجل الأخطبوط قد امتدت إلى جميع الدول العربية كاليمن

والسودان والجزائر وغيرها.

وتلعب السفارات الأمريكية دوراً هاماً في تسهيل مهام الوكالة؛ حيث كانت

مقار الـ A. I. C هي أماكن السفارات قبل أن تستقل هذه المقرات بشكل علني

في ثلاث أو أربع عواصم لأبرز الدول العربية. وفي هذه السفارات (المقرات)

أو تلك المكاتب يتولى ضابط استخباري رفيع المستوى إدارتها.

وتناط بهذه (الممثلية) الاستخباراتية مهام مراقبة الحكومات وقادة الرأي

وأنشطة المعارضين، ومد الجسور مع الصالح لـ (التعاون) منهم، وإعداد

تقارير دورية عن أوضاع الحركات الإسلامية بأنواعها، وفي دولة كمصر تسعى

الـ A. I. C إلى تتبع تطورات التسليح واتجاهات كبار الضباط بها، والسعي

للتواصل معهم من خلال الدورات العسكرية التدريبية، ومناورات النجم الساطع

وغيرها، وقد بدأ الدور الاستخباري الأمريكي ينشط إبان اشتعال انقلاب عبد

الناصر عام ١٩٥٢م، وفي سوريا كانت اليد الاستخباراتية الأمريكية الخفية

حاضرة في معظم الانقلابات العسكرية السورية، وتدخلت الـ A. I. C أثناء

النكسة في حمل حافظ الأسد عندما كان وزيراً للدفاع على الاعتراف بسقوط

القنيطرة قبل أن تطأها أقدام اليهود، في إطار صفقة تمنح الوزير صلاحيات أوسع

فيما بعد للأقلية النصيرية. أما في العراق فلا تخفي المعارضة المسلحة وغير

المسلحة في معظم الأحيان صلاتها واتصالاتها بعناصر من الاستخبارات الأمريكية،

وفي بعض دول الخليج العربي تراقب الوكالة نشاط الحركات الإسلامية التي

شبت عن طوق المؤسسات الدينية الرسمية بشكل لافت. أما لبنان فهو وكر

الجواسيس الأمريكيين، وقد أقامت A. I. C شبكة تخابرية كبيرة مدت جسوراً

بين اليهود والموارنة وساهمت في تكوين جيش لحد الجنوبي، وتعمل على مراقبة

تحركات وأنشطة حزب الشيعة اللبناني، والفصائل الفلسطينية في المخيمات

اللبنانية.

وأما في فلسطين وهي موضع اهتمامنا هنا فعلاقة وكالة الاستخبارات

الأمريكية بالكيان الصهيوني وثيقة جداً، وعلاقتها بمنظمة التحرير الفلسطينية قديمة

وربما قدم نشأة المنظمة نفسها.

وإذا كان من الضروري إماطة اللثام عن الدور الاستخباري الذي تقوم به A.

I. C لدعم الكيان الصهيوني الدخيل، والجسور التي مدتها الوكالة الاستخباراتية

الأمريكية مع منظمة التحرير الفلسطينية، فإنه من اللازم قبل ذلك كشف جانب من

العلاقة الخفية (العلنية أحياناً) التي تربط A. I. C بالموساد.

* علاقة الـ C. I. A بالموساد (الإسرائيلي) :

ليس سراً أن أغلبية المسؤولين الأمريكيين هم إما يهود ديانةً أو يهود ولاءً،

ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ليست بدعاً من هذه المسلَّمة، فهناك عدد

معتبر من قادة ومسؤولي الوكالة هم أيضاً يهود ديانةً وولاءً، أما البقية من هؤلاء

فلا يجدون كبير غضاضة في وضع كثير من أسرار الوكالة تحت تصرف جهاز

التجسس (الإسرائيلي) (موساد) نظراً للعلاقة المتينة التي تربط بين أمريكا

والكيان اليهودي [١] .

إلا أن هذه العلاقة لا تحدها مجرد التصريحات و (الإعجابات) ؛ فعلاقة

الولايات المتحدة بـ (إسرائيل) ليست خافية على أحد، وحسبك أن تسأل طفلاً

عربياً عنها ليصمَّ سمعك بما هو معلوم بالضرورة من السياسة العالمية، أو تسأل

نصف مثقف ليحدثك عن الاعتراف بدولة الكيان الغاصب فور إعلانها، ويحدثك

عن ١٩٤٨م، ١٩٥٦م، ١٩٦٧م، ١٩٧٣م، ١٩٧٨م، ١٩٨٢م، ١٩٩١م،

٢٠٠٢م.

وحين يكون الحديث عن الـ A. I. C فحسب من دون بقية الأجهزة

الأمريكية الحاكمة، فلن نعدم حيلة أن نجد العديد من المحطات التي أسدت فيها

الوكالة الاستخبارية المركزية الأمريكية دعماً ملموساً للكيان الصهيوني.

* صور لدعم الـ C. I. A للكيان الصهيوني:

في حرب الأيام الستة (عام ١٩٦٧م) استفاد الجيش الصهيوني بتزويد الـ

A. I. C له بصور ملتقطة بالأقمار الصناعية التجسسية لمواقع منصات

الصواريخ والقواعد العسكرية والمطارات الحربية، وهو ما حسم المعركة قبل أن

تبدأ.

وفي حرب ١٩٧٣م: أسهمت المعلومات التي جعلتها الوكالة تحت تصرف

الكيان الصهيوني في ترجيح كفة الجيش اليهودي، وسهل له حصار الجيش

المصري، واختراق قوات شارون للحدود المصرية حتى الكيلو ١٠١ من القاهرة.

وفي اجتياح لبنان ١٩٨٢م: زودت الـ A. I. C الجيش الصهيوني

بمعلومات دقيقة لقواعد منظمة التحرير الفلسطينية، وأماكن واستعدادات الجيش

اللبناني، وخطط عملاؤها في لبنان: سمير جعجع [٢] ، وإيلي حبيقة [٣] ، وإيتان

صقر زعيم عصابة حراس الأرز خططوا ونفذوا مذابح صبرا وشاتيلا الرهيبة

بتورط مباشر من رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي آرييل شارون.

وفي عملية ضرب مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس ١٩٨٦م:

بمساندة مباشرة عن مساعد وزير الخارجية الأمريكية (ساهم هذا الجزار أيضاً في

مذبحة صبرا وشاتيلا) وتدخل من جانب A. I. C، نجحت (إسرائيل) في

اغتيال العشرات من كوادر المنظمة، ولعل أبرز من أسهمت A. I. C في

اغتياله بعد ذلك المناضل أبو جهاد الذي تشابه دوره إلى حد كبير في الانتفاضة

الأولى ١٩٨٧م مع دور المناضل مروان البرغوثي في الانتفاضة الثانية الذي

اعتقلته (إسرائيل) مؤخراً في رام الله.

في اتفاقية واي بلانتيشن ١٩٩٨م: جرى الاتفاق بين الجانبين الفلسطيني

و (الإسرائيلي) على أن تُمنح الـ A. I. C دور المراقب على أداء

السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية المتعددة في قمع الحركات المعارضة لعملية

الاستسلام (أبرزها قوى إسلامية) وغير خاف أن الولايات المتحدة الأمريكية قد

خصصت في ميزانيتها مؤخراً مليار دولار للعمل الاستخباري للـ A. I. C

الذي يستهدف الحركات الإسلامية) .

* علاقة الـ C. I. A بالسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير

الفلسطينية:

قدم فرانك أندرسون الرئيس السابق لقسم الشرق الأوسط في الـ A. I. C

شهادته حول علاقة الوكالة بمنظمة التحرير الفلسطينية من خلال الحوار الذي

أجرته معه صحيفة هآرتس اليسارية الصهيونية في خريف ١٩٩٨م، وكانت هذه

النقاط هي أبرز ما استخلصناه من هذه المقابلة:

* بدأت العلاقات بين الطرفين قبل نحو ٣٠ عاماً، وأسفر أول تنسيق في

عام ١٩٧٤م عن اتفاق بإيقاف المنظمة لأي عمل عسكري يستهدف (إسرائيليين)

خارج فلسطين مقابل اعتراف أمريكي بالمنظمة (لم يحدث إلا متأخراً جداً) ، وكان

مسؤول الجانب الأمريكي ضابط الاستخبارات (إيمز) ، ومسؤول الجانب

الفلسطيني علي حسن سلامة [٤] .

* في الحرب اللبنانية المعروفة اصطلاحاً باسم الحرب الأهلية التي اندلعت

في ربيع ١٩٧٤م، دافعت المنظمة عن السفارة الأمريكية وعن مساكن الدبلوماسيين.

* بعد مقتل سلامة تولى الأخوان: هاني، وخالد الحسن فتح قناة مع الـ

A. I. C مجدداً في أواسط الثمانينيات.

عطفاً على ذلك كانت منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية

يضمان دائماً أطيافاً مختلفة من المنتسبين إلى النضال، بعضهم كان مناضلاً فعلاً

بالمعنى الشائع، وإن لم يكن ينطلق من رؤية إسلامية. وللأسف كان هؤلاء دائماً

عرضة للتهميش الداخلي في المنظمة، والوشاية بهم أحياناً من قبل العملاء وما

أكثرهم، وأحياناً يتعرضون للتصفية والاعتقال كما حدث مع أبو جهاد وأبو علي

مصطفى، والبرغوثي وغيرهم. وبعضهم تنتهي حبالهم السرية عند A. I. C أو

الموساد أو على الأقل تحوم الشبهات حولهم كثيراً، ومن أبرز هؤلاء: الرئيس

الفلسطيني ياسر عرفات نفسه: فقد نجا من العديد من محاولات الاغتيال ليس

بحرفة عسكرية وأمنية منه ولا بطولة على ما يبدو؛ ففي أيلول (الأسود) وفي

حصار بيروت، وفي قصف مقر المنظمة في تونس، وفي حصار رام الله الأخير..

في كل هذه المرات تمكن (أعداؤه) منه فلماذا لم يقتلوه؟ يقول أندرسون:

(لست أملك أية معلومات حول خطة (إسرائيلية) لاغتياله) . ويقول

الصحفي الأمريكي ديفيد أغناطيوس (درس جيداً عقد السبعينات في المنطقة) :

(إن أتباع عرفات ساعدوا الأمريكان على منع الهجمات على السفارة الأمريكية في

زائير وروما، وبطلب من إدارة كارتر طبخ عرفات عملية إطلاق سراح ١٣

رهينة في طهران في العام ٧٩، وكذلك أعاد جثث ثمانية جنود أمريكيين قتلوا وهم

يحاولون تخليص الرهائن، عرفات أحبط أيضاً خطة خطف الملحق العسكري

الأمريكي في بيروت، وكذلك منع هجمات منظمة التحرير الفلسطينية على

الأمريكيين خلال الحرب اللبنانية) لكن أخطر ما قام به عرفات هو الوشاية برفقاء

دربه للجماعات المنشقة عن فتح أو للكيان الصهيوني، وجهوده السوداء لسحق

حركة حماس والجهاد الإسلاميتين مشهورة في أعقاب استشهاد المهندس يحيى

عياش قائد القسام الفذ.

* قائد الأمن الوقائي في الضفة الغربية العقيد جبريل الرجوب: من أهم

وأبرز رجال الـ A. I. C في فلسطين، يقوم بدور محوري في خيانة مسلمي

فلسطين، أحد الجلاوزة الذين لم يستطع أحد في السلطة حتى عرفات تحديد

صلاحياته وقد تلقى هو ومن بعده رجاله تدريبات على أيدي ضباط الاستخبارات

الأمريكية سواء في الولايات المتحدة أو في غيرها على قمع الإسلاميين وحركاتهم

المقاومة، تعده A. I. C رجلها الأول في فلسطين، وتعتبر جهازه - هي

والموساد - الأقدر على تلبية الاحتياجات الأمنية لـ (إسرائيل) ، أصبح يعد الآن

بشكل علني لمرحلة ما بعد عرفات (بعد أن سبه عرفات بأقذع الشتائم وصفعه،

وأشهر في وجهه مسدسه، لكن المسكين عرفات لم يستطع أن يقيله من منصبه رغم

إصداره أمراً بذلك!) ، وتقول مصادر فلسطينية أن الـ A. I. C كانت تمارس

ضغوطاً شديدة لحمل عرفات على تقزيم منافسي الرجوب، وتضيف تلك المصادر

أن الرجوب أضحى يخشى ثأر الانتفاضة أكثر مما تخشاها (إسرائيل) ، إنه يتقن

هو ورجاله فنون التعذيب وانتزاع الاعترافات تحت التهديد، وذلك في مقر قيادة

الأمن الوقائي في بيتونيا (سابقاً) وهو مقر مكون من ٧ طوابق منها ٣ تحت

الأرض، وزنازين تتسع لـ ١٠٠ معتقل (اتسعت لـ ٤٠٠ شخص سلمهم

الرجوب في صفقة قذرة مع الحكومة " الإسرائيلية " أثناء حصار المقر الذي منع

أثناءه المعتقلين من حماس والجهاد وفتح من مبارحة مكانهم أو الدفاع بالسلاح عن

أنفسهم) .

نذكر أخيراً أن أفراد جهازه يتلقون راتبين وامتيازات خاصة (سيارة

مرسيدس لكل ضابط ومسؤول في الجهاز) بينما القوة ١٧ والشرطة يكاد أفرادها لا

يتقاضون ما يكفيهم.

* أين الـ C. I. A من التطورات الأخيرة؟

حين بدأت (إسرائيل) اجتياحها الدموي للضفة الغربية، وتنفيذها للمجازر

في جنين ونابلس وغيرهما، وبدا أن الولايات المتحدة الأمريكية تغض الطرف

عنها، بل توجه أحياناً فيها شرع المراقبون يطلقون عيونهم للبحث عن أصابع الـ

A. I. C الخفية في إدارة الصراع أو توجيهه. ولم يخب ظنهم طويلاً؛ فقد أورد

موقع ديبكا الأمني (الإسرائيلي) تقريراً جاء فيه: إن هناك مراقبين أمريكيين

يراقبون عن كثب ما يحدث على أرض المعركة في الأراضي المحتلة من انتشار

قوات المدرعات والمشاة، ومدى سرعة اجتياح مدينة سكنية في زمن قياسي،

وكيفية نشر قوات الاحتياط واستدعائهم خلال ساعات معدودة وتوزيعهم على

وحداتهم؛ كل هذا تراقبه شخصيات أمريكية هامة جداً كي تضع نتائجه في النهاية

على مكتب رئيس الأركان الأمريكي استعداداً لتنفيذه في العراق حيث يقوم الجيش

(الإسرائيلي) حاليا بمناورة مدفوعة الأجر لصالح الجيش الأمريكي. وسوف يلاحظ

المراقبون قريباً أن هدف الجيش (الإسرائيلي) ليس البقاء في المدن التي يقتحمها

ولكن الهدف الأول هو التدريب على الاقتحام والانتشار والقبض على العناصر

المطلوبة، ورسم خط سير المعركة طبقاً للهدف الاستراتيجي الذي يرنو إليه الجيش

وكل هذا ضمن خطة أمريكية لغزو العراق في إطار الحملة ضد ما تسميه بالإرهاب،

تؤكد الشواهد أن كل تعاون عسكري أمريكي (إسرائيلي) هو نتاج تعاون

استخباري، وهو كذلك محل رقابة استخباراتية.

ورشح من مصادر إسلامية أن هناك حالياً في غزة تحركات كثيرة ومشبوهة

لعناصر الاستخبارات المركزية الأمريكية، تمهد فيما يبدو لتحرك مشابه لما جرى

في رام الله، حيث يتوقع أن تهدف حملة كهذه إما إلى قتل أو اعتقال أو حصار كهذا

الذي يضربه الجيش الصهيوني حول مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات للشيخ

أحمد ياسين زعيم حركة حماس والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، والدكتور محمود

الزهار والشيخ إسماعيل أبو شنب والشيخ إبراهيم المقادمة (وهو أكثر هؤلاء توقعاً

لدى المراقبين بقرب تعرضه للقتل لصلته المفترضة بالجناح العسكري للحركة) .

نفس الشيء قيل عن النشاط الملحوظ الذي رصد لعناصر من وكالة

الاستخبارات حلت مؤخراً في العاصمة اللبنانية بهدف مراقبة تحركات (حزب الله)

الموالي لطهران، وتزامنت تلك التحركات مع زيارة خاطفة لرئيس الديبلوماسية

الإيرانية كمال خرازي أسفرت عن الحد من نشاط حزب الشيعة في قصف مزارع

شبعا الحدودية [٥] .

الجبهة الشمالية لفلسطين ما زالت نشطة؛ فحين اخترقت طائرة تجسس

أمريكية المجال الجوي السوري، وظلت في أجواء سوريا لمدة طويلة، ظن

البعض أن الأمر سيقف عند هذا الحد، إلا أن ما شهدته الجبهة الشمالية لفلسطين

من تحركات واسعة لعناصر الاستخبارات الأمريكية ينم عن أحداث عظام ربما

يجري الإعداد لها الآن. ووفقاً للتقرير الأمني ذاته فإن (إسرائيل) تستعد في الأيام

المقبلة لتوجيه ضربة عسكرية ضد سوريا ولبنان وضد القوات العسكرية

والمنظمات التي تزعم أنها منظمات " إرهابية " والتي تمتلك قواعد عسكرية في

لبنان، ويقول التقرير إن الضربة العسكرية سوف تكون موجهة ضد الجيش

السوري في لبنان والذي يضم ٢٠ ألف جندي، كما ستشمل الضربة قوات حزب

الله التي تضم ما بين ثمانية إلى عشرة آلاف مقاتل بالإضافة الى عناصر مجهولة

من أعضاء رجال الثورة الإيرانية المقيمين في لبنان، وكذلك عدد من ضباط

الجيش الإيراني الذين يشغلون مهام إشراف وتدريب لأعضاء حزب الله في لبنان

والذين يبلغ قوامهم ثلاثمائة ضابط إيراني.

وكذلك سوف تهاجم القوات الجوية (الإسرائيلية) - بحسب التقرير - مواقع

المطارات التابعة لتنظيم أحمد جبريل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهي المنظمة

التي تزعم (إسرائيل) أنها تقوم بدور الجاسوس للمخابرات السورية.

كما ستشمل الضربة أهدافاً أخرى في معسكرات اللاجئين الفلسطينيين في

جنوب ووسط لبنان والتي تزعم المخابرات (الإسرائيلية) أن بها عدداً من أعضاء

تنظيم القاعدة وتتبعها في ذلك الاستخبارات الأمريكية التي لا تستبعد أن تقدم قوات

تابعة للبنتاجون على ضرب قواعد مناهضة لها في كل من سوريا ولبنان بعد أن

ضمتها مؤخراً لمحور الشر. وتقول المصادر إن الهدف (الإسرائيلي) هو شل

البنية العسكرية السورية في لبنان وخاصة في منطقة سهل البقاع، وتدمير قواعد

صواريخ الكاتيوشا التابعة لحزب الله في جنوب لبنان، (وتضيف الولايات المتحدة

الأمريكية لهذا الهدف تدمير قواعد تنظيم عصبة الأنصار، وهو التنظيم السني

الوحيد ذو المنهج الجهادي، وملاحقة قائده المتخفي أبي محجن) .

وإلى تقرير ديبكا (الإسرائيلي) هناك تقرير آخر أمريكي سربته A. I. C

قبل ما يزيد على شهرين يتحدث عن تدخل أمريكي محتمل في لبنان بهدف قطع

قناة الدعم اللوجيستي للفلسطينيين، وإزالة أي تهديد شمالي للكيان الصهيوني،

وتصفية الجيوب المناهضة لوجوده، التقرير تحدث باستفاضة، وأجملناه في نقاط

أبرزها:

١ - يتم تنفيذ خطة إنزال وحدات كوماندوز من مظليي القبعات الخضر

والمارينز تضم نحو ٥٠٠ جندي في سهل البقاع لتكون رأس جسر لإنزال قوات

أكبر حسب الحاجة تهدف إلى تدمير معسكرات مفترضة في دير الغزال ودير

زنون.

٢ - تتوقع A. I. C عدم تصدي القوات السورية واللبنانية لعملية الإنزال

على خلفية عجزها عن صدها.

٣ - رصدت A. I. C معسكرات تدريب في منطقة العبدة بالشمال اللبناني،

ويتحدث التقرير عن عملية إنزال مشابهة لتلك المحتملة في البقاع.

٤ - يعطي التقرير حلاً مفترضاً لمشكلة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في

لبنان بتوطين بعضهم في لبنان، وتهجير الآخرين في أستراليا وكندا تحت وطأة

الغزو الأمريكي.

٥ - يكشف التقرير عن اتصالات سرية تجريها الوكالة وجهات نافذة أمريكية

مع العراق تضع فيها مسألة " المساهمة " في حل مشكلة اللاجئين شرطاً من ضمن

شروط تضعها الولايات المتحدة لإبعاد شبح الحرب عنه.

٦ - كشف التقرير عن تعاون استخباري ومعلوماتي بين الولايات المتحدة

الأمريكية وسوريا فيما يخص تنظيم القاعدة والتنظيمات الإسلامية في المخيمات

الفلسطينية وحزب الله، وأن ذلك التعاون ورجاء أمريكا فيه قد أخرت لأجل إدراج

سوريا في محور الشر، إلا أن عدم تعاون سوريا الكامل، وتبنيها لحزب الله،

جعل الولايات المتحدة تدرج سوريا لاحقاً في محور الشر لممارسة مزيد من الضغط

على سوريا، ولبنان لتقديم المزيد من التنازلات في هذا الصدد.

٧ - حسب الـ A. I. C فإن تعاون سوريا لم يرق إلى تعاون إيران مع

الولايات المتحدة التي اعتقلت ٢٥٠ من منسوبي تنظيم القاعدة في الأراضي

الأفغانية، وأن واشنطن كانت تأمل في أن تحذو دمشق حذو طهران في مدى

استجابتها للحملة الأمريكية التي تستهدف ملاحقة الإرهابيين في العالم.

٨ - يزعم التقرير أن قد بدأ في تصدير تجربته للمقاومة إلى المناطق الشيعية

في أفغانستان، ورصدت A. I. C تنظيماً مسلحاً أفغانياً جديداً يدعى (حزب الله

الأفغاني) تحديداً في مزار الشريف وحيرات وباميان يرنو إلى محاربة الأمريكان

في أفغانستان.

٩ - يؤكد التقرير الاستخباري وجود مئات من تنظيم القاعدة في حماية العقيد

منير مقدح (قائد منشق عن فتح ذو لحية كثة وتعاطف نوعي مع الإسلاميين)

وعصبة الأنصار (أشرنا آنفاً إليه) في مخيم عين الحلوة الفلسطيني في لبنان.

ومهما كان الهدف من تسريب هذا التقرير فإن له دلالة مهمة، وهي أن الدولة

الأقوى في العالم قد بدأت تتحرك أو تفكر في التحرك للدفاع عن الكيان الصهيوني

بنفسها غير واثقة بقدرة الكيان وحده بالوقوف في وجه مناوئيه.

وتظل A. I. C تعمل في المنطقة لخدمة مسعى الولايات المتحدة في وضع

كل إمكانياتها المهولة في حماية الصهيونية، وتظل A. I. C تتحرك بكل طاقتها،

وفي هذا الوقت بالذات، تستظل بمكافحتها لـ (محور الشر) بينما هي تمثله

عينه، ويظل يفرض وجودها علينا مزيداً من الإذعان عبر استراتيجيات محكمة

وحروب ومجازر يثبت التاريخ دوماً تورطها في التخطيط لها، وتظل تدافع عن

الكيان الغاصب وتقدم له أبداًَ المساندة والدعم، ويظل أناس منسوبون لهذه الأمة

يفسحون لها الطريق لكي تغمرنا بمؤامراتها الخبيثة. ويظل قدر هذه الأمة أن تحذر،

ولا تغفل عن أعدائها طرفة عين.


(١) ذكرت مجلة السبيل الأردنية أن جون دويتش الرئيس السابق للوكالة انضم بعد تقاعده عن العمل إلى صندوق القدس وهو مؤسسة صهيونية في القدس الشرقية وأوردت مجلة الاستقلال تصريحاً لفرانك أندرسون الرئيس السابق لقسم الشرق الأوسط في الـ A I C، جاء فيه أنه متعاطف كثيراً مع (إسرائيل) ، ونعت الرئيس السابق للموساد أفرايم هاليفي بأنه أحد الأشخاص الرائعين جداً، وقال إنه يكن الود لرئيس الشاباك السابق (جهاز استخباري (إسرائيلي) داخلي (يعقوب بيري) .
(٢) قائد القوات المارونية مسجون الآن في أحد سجون لبنان.
(٣) مساعد بشير الجميل الرئيس السابق للبنان قتل مؤخراً في عملية اغتيال غامضة.
(٤) رئيس مكتب الـ ١٧ الذي أصبح لاحقاً القوة ١٧ وهو شخصية مثيرة للجدل قيل إنه دافع عن عرفات ضد القوات الأردنية خلال أيلول ١٩٧٠م المعروف اصطلاحاً باسم (أيلول الأسود) في الوقت الذي كانوا يطلقون عليه النار حين انفض الحراس عنه إلا هذا الشاب الذي قيل إنه كان مسؤولاً عن عملية ميونخ التي قتل فيها إسرائيليون، وقيل على لسان أندرسون إن الوكالة كافأته برحلة شهر عسل مع زوجته إلى جزر هاواي، قتل على يد الموساد فيما يعتقد ويقال إنه كان أمريكياً تقريباً) .
(٥) قال مرجع نيابي لبناني بارز في أوائل شهر إبريل إن الحزب يُعد الآن حائلاً بين الجماعات الفلسطينية المجاهدة في مخيمات اللاجئين التي تعيش حالاً من الاحتقان، وبين قوات العدو (الإسرائيلي) .