للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَن المسؤول

عن كراهية الأجيال الجديدة للغة العربية؟ !

منصور الأحمد

إذا كنت من محبي هذه اللغة، ومن الذين يجعلونها همهم في الليل والنهار؛

فلا شك في أن همك سيزداد، وشعورك بالقلق سيتضاعف وأنت ترى حال هذه

اللغة العظيمة وقد انحدرت على ألسنة أهلها وأقلامهم إلى مستوى لا يسر.

تُرى، ما الذي أدى بورثة هذه اللغة (ولا أقول: بهذه اللغة) إلى أن وصل

حالهم إلى أن لا تواجه طالباً ولا دارساً إلا شاكياً من تعلُّمها، ناعياً على مدرسيها،

مفتخراً بأنه كان لا يعيرها بالاً حينما كان على مقاعد الدراسة؟ !

وعندما تسترعي انتباهه إلى خطورة ما استهان به يواجهك بإحدى اثنتين، أو

بكليهما معاً:

* باعتذاره بصعوبتها، وتعقيد نحوها وصرفها، وجفاف أسلوب تدريسها.

*أو بهز كتفيه غير مبالٍ بما تقول، وبالتثقل من هذا الموضوع الذي تطرحه

معه!

ومع أن مناقشة مثل هذه القضية تحتاج إلى مدى أوسع، وعلم أغزر، ومجال

غير هذا المجال، ولكن لا بأس بأن نقول فيها وجهة نظر لعلها تبعث الغيرة

وتستنهض الحرص والنظر بجد إليها.

هناك مشكلة، وهى جهل الكثير من الأجيال الجديدة من المتعلمين بلغتهم،

وهذا ملاحظ لا يُنكر. ويتفرع عن هذه المشكلة أمر آخر - وهو الأشد خطراً -

وهو الكراهية لهذه اللغة بحجة أنها صعبة ومعقدة، ونكران ذلك تجاهل للمشكلة،

وهروب من مواجهتها.

وإذا حللنا المشكلة إلى عناصرها لمعرفة الحل فإننا يجب أن نبحث في ثلاثة

عناصر: المدرّس، والمنهج، والطالب، وكل عيب في واحد من هذه العناصر

يساهم بقدر من المشكلة.

* أما المدرس فإن إعداده إعداداً كافياً ومنتجاً يتطلب تغيير الأسس المعمول

بها في طول العالم العربي وعرضه في معاهد المعلمين وفي الجامعات من أجل

تخريج المعلم، وإقامة نظام تعليمى يشعر معلم اللغة العربية بقيمته وأثره، وذلك

باختياره وإعداده وتوجيهه لهذه المهمة في وقت مبكر، وعدم إشغاله بدراسة أو

تدريس معلومات تصرفه عن المهمة الرئيسية التي صرف إليها.

* وأما المنهج فإن النظر يتعلق بإعداده ثم تطبيقه، والمناهج الموجودة -وإن

لم تكن على مستوى عالٍ من التركيز - لو طُبقت ونُفذت بشكل جدي لكانت النتيجة

أفضل مما هي عليه الآن. ومن خلال التجربة يلاحَظ أن العمل الحالي في كثير من

البلدان العربية في تطبيق مناهج اللغة العربية - هو بعيد عن الجدية في التطبيق؛

حيث إن جهد المدرس المسكين يُستنفد في عمليات حسابية (جمع وضرب وتقسيم

درجات الامتحانات) هي أبعد ما تكون عن نفع الطالب أو إضافة أي مردود إلى

تكوينه العقلي.

وإن مهندسي هذه العمليات الحسابية هم من المهارة والحرفة بالقدر الذي يجعل

أبلد الطلبة وأبعدهم عن فهم العربية يقتنصون (أو تُقتنص لهم) درجة من هنا

ودرجتين من هناك بفضل هذه الحيل الحسابية مع أنهم غير قادرين على كتابة فقرة

صحيحة!

* وأما الطالب فإن مشكلته أعمق وأكثر تعقيداً، فالهوة متسعة بين اللغة التي

يتعلمها والمجتمع الذي يعيش فيه، فكل ما حوله ناطق بلغة غير صحيحة:

المدرسون (بمن فيهم مدرسو العربية) والبيت، والراديو، والتلفزيون، والشارع

فكيف يستطيع هذا الطالب أن يسبح ضد التيار ويتقن لغة تلقى مثل هذا الإهمال

والجحود والاستهانة؟ ! ، وكيف يقتنع بفائدة ما يتعلمه وهو لا يجد له تطبيقاً معقولاً

على ألسنة المتعلمين؟ !

لابد من النظرة الجادة التي تتفحص العوائق والأسباب التي تغرس الكراهية

لهذه اللغة والبعد عنها، وإلا فإن هذه الكراهية العملية (ودعْنا من الخطب والإنشاء

في الإشادة بهذه اللغة وعبقريتها) سوف تؤدي إلى دفنها، ويوم تُدفن هذه اللغة فاقرأ

على هذه الأمة السلام!