للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دراسات شرعية

[أحكام قضاء الصلوات الخمس]

بقلم: عبد الله الإسماعيل

مدخل:

الصلاة.. وما أدراك ما الصلاة، فريضة محكمة، هي أحد أركان الإسلام

الخمسة، افترضها الله (تعالى) على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في

السماوات العلى، ووجوب أدائها ثابت بالكتاب والسنة ومعلوم للجميع، وقد تساهل

في أدائها كثير من الناس لأعذار ما أنزل الله بها من سلطان، بل تركها بعضهم

مطلقاً، نسأل الله العافية، وقد تنازع العلماء في حكم تاركها سلفاً وخلفاً إلا إن القول الراجح الذي نراه هو ما حرره العلامة الشيخ (محمد العثيمين) بقوله: إذا رَدَدْنا هذا النزاع إلى الكتاب والسنة وجدنا أنهما يدلان على كفر تارك الصلاة الكفر الأكبرالمخرج من الملة، وساق الأدلة على ذلك [١] .. ولمعالجة موضوع قضاء الصلوات الخمس يتناول الكاتب الكريم هذا المبحث بدراسة علمية، نسأل الله أن ينفع بها الجميع.

- البيان -

ينقسم الناس من حيث وجوب القضاء وعدمه إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: من يجب عليهم القضاء بالإجماع، وهم:

١ - النائم. ٢- الناسي. ٣- السكران.

أما النائم والناسي: فقد حكى الإجماع عليهما ابن حزم في (المحلى) [٢/١٠]

وابن القيم حكى الاتفاق في كتابه (الصلاة) [ص ٥١] ، ومن أدلة السنة عليه:

حديث أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله: (إذا رقد أحدكم ... عن الصلاة أو غفل عنها، فليصلها إذا ذكرها، فإن الله يقول: [وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي] ) [٢] .

وأما السكران: فقد حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على وجوب

القضاء عليه، كابن المنذر في كتابه (الإجماع) [ص ١٠] ، وقال ابن حزم في

المحلى [٣] : (وأما من سكر حتى خرج وقت الصلاة، أو نام عنها حتى خرج

وقتها، ففرض على هؤلاء خاصّة أن يصلوها أبدًاً.. وهذا كله إجماع متيقن) ،

وقال ابن قدامة [٤] : (لا نعلم فيه خلافاً) .

القسم الثاني: من لا يجب عليهم القضاء بالإجماع، وهم:

١ - الحائض والنفساء. ... ... ... ٢- الكافر الأصلي.

أما الحائض والنفساء: فقد حكى الإجماع على عدم وجوب القضاء عليها جمع

من أهل العلم، منهم ابن المنذر في كتابه (الإجماع) [ص ٩] ، وابن حزم في

(المحلى) [٢/٨] ، والنووي في (المجموع) [١/٣٨٣] ، ومن أدلة السنة: حديث

معاذة (رحمها الله) قالت: سألت عائشة (رضي الله عنها) فقلت: ما بال الحائض

تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحروريّة [٥] أنت؟ قلت: لست

بحروريّة، ولكني أسأل، فقالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم ولا

نؤمر بقضاء الصلاة) [٦] .

أما الكافر الأصلي: فقد حكي الإجماع على أنه إذا أسلم لم يجب عليه قضاء

الصلاة [٧] ، ومن أدلة الكتاب: قوله (تعالى) : [قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إن يَنتَهُوا يُغْفَرْ

لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ] [الأنفال: ٣٨] ، ومن السنة: قوله: (أما علمت أن الإسلام يهدم

ما كان قبله؟) [٨] .

القسم الثالث: من هم محل خلاف بين العلماء، وهم:

١- المجنون: والخلاف فيه ضعيف، والراجح أن المجنون لا يقضي ما

تركه زمن الجنون، وهو قول جماهير الأمّة [٩] ، والأدلة في ذلك كثيرة، ومنها:

حديث عائشة (رضي الله عنها) عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: (رفع

القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون

حتى يعقل) [١٠] .

٢- المرتد: والراجح أنه لا يقضي ما تركه زمن الردّة، وهو قول الجمهور، والأدلة عليه كثيرة، منها:

أ - القياس على الكافر الأصلي، فكما أن الكافر الأصلي لا يجب عليه

القضاء بالإجماع، فكذا المرتد بجامع الكفر.

ب - أن الذين ارتدوا زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- كعبد الله بن سعد بن

أبي السرح، وغيره مكثوا على الردة زمناً ثم أسلموا، ولم يأمرهم النبي -صلى الله

عليه وسلم- بالقضاء، وكذا: من أسلم من المرتدين في زمن أبي بكر الصديق

(رضي الله عنه) لم يؤمروا بقضاء ما تركوه زمن الرِّدة، ولو أمروا لنقل إلينا [١١] .

ج - ولأن في إبجاب القضاء عليه تنفيراً له من التوبة مع طول زمن الردّة،

بل تكون التوبة في حقه عذاباً إذا ألزمناه بالقضاء.

٣- المغمى عليه: وقد اختلف أهل العلم فيه على ثلاثة أقوال، الراجح منها:

أن المغمى عليه لا يقضي ما تركه زمن الإغماء؛ طال الإغماء أو قصر، وهو

مذهب المالكيّة [١٢] ، والشافعيّة [١٣] ، وقول طاووس، والحسن البصري، وابن

سيرين، والزهري، وأبي ثور [١٤] ، وابن حزم [١٥] .

والدليل: أن المغمى عليه فاقد لمناط التكليف وهو العقل فأشبه المجنون،

ويعضد هذا التعليل أثر ابن عمر (رضي الله عنهما) : (أنه أغمى عليه فذهب عقله، فلم يقض الصلاة) [١٦] .

واستدل القائلون بمشروعية القضاء بأثرين:

الأول: عن يزيد مولى عمار: (أن عمار بن ياسر (رضي الله عنه) أغمى

عليه في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأفاق نصف الليل، فصلّى الظهر

والعصر، والمغرب، والعشاء) .

الثاني: عن أبي مجلز قال: قيل لعمران بن حصين: إن سمرة بن جندب

يقول في المغمى عليه: يقضي مع كل صلاة مثلها، فقآل عمران: ليس كما يقول،

يقضيهن جميعاً) .

وأثر عمار ضعيف؛ فقد أخرجه عبد الرزاق [ح/٤١٥٦] ، والدارقطني: [٢/

٨١] ، والبيهقي [١/٣٨٨] ، كلهم من طريق السدي عن يزيد مولى عمّار، ويزيد

مجهول (انظر نصب الراية، ٢/١٧٧) ، والسدي قال عنه ابن حجر: (صدوق يَهِم، ورُمي بالتشيّع) [التقريب، ص ١٠٨] ، وقال الشافعي: (هذا ليس بثابت عن

عمّار) [نصب الراية، ٢/١٧٧] ، وقال ابن التركماني: (وسنده ضعيف) [الجوهر

النقي، ١/٣٨٨] .

وأثر عمران ضعيف أيضاً؛ فقد أخرجه ابن أبي شيبة [٢/٢٦٩] بإسناد رجاله

ثقات، إلا إن أبا مجلز لم يلق سمرة ولا عمران، كما صرح بذلك ابن المديني

[انظر تهذيب الكمال، ٣١/١٧٨] ، فالإسناد ضعيف بهذا الانقطاع.

وبضعف الأثرين يكون أثر ابن عمر (رضي الله عنهما) سالماً من المعارض.

٤- من زال عقله بدواء، كالبنج [١٧] قديماً، والآن يستعمل المخدِّر لإجراء

العمليات الجراحيّة في المستشفيات.

والراجح فيه: وجوب القضاء عليه، وهو مذهب الحنفيّة [١٨] ، ... والحنابلة [١٩] قياساً على النوم بجامع زوال الإدراك تماماً، وعدم امتداده، وعدم ثبوت الولاية فيهما [٢٠] .

أما إلحاقه بالمغمى عليه فبعيد؛ لأن الإغماء آفة ليس للعبد فيها أي قصد،

بخلاف زوال العقل بالدواء، فإنه يكون بقصد من العبد، وغالباً ما يعلم المريض

بأنه سيخدّر تخديراً تاماً، ولو تركه لما زال عقله.

٥- تارك الصلاة عمداً؛ أي: من ترك الصلاة عمداً بلا عذر حتى خرج

وقتها، سواء أكانت صلاة واحدة، أو فروضاً كثيرة.

والخلاف في هذه المسألة قوي جدّاً، وجماهير العلماء على وجوب القضاء.

والقول الآخر: بعدم وجوب القضاء، وهو قول الحسن البصري [٢١] ،

وابن حزم [٢٢] ، واختيار ابن تيمية [٢٣] (رحمهم الله) ، واختاره من العلماء

المعاصرين: الشيخ (ابن باز) ، والشيخ (ابن عثيمين) [٢٤] (حفظمها الله) .

ولعل القول الثاني هو الأقرب إلى الرجحان، وهو: أن الصلاة لا تقضى ولو

كانت فريضة واحدة لجملة من الأدلة، منها:

١- حديث عائشة (رضي الله عنها) : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) [٢٥] .

٢- أن القضاء لا يجب إلا بأمر جديد، ولم يرد أمر جديد بقضاء الصلاة لمن

تركها عمداً [٢٦] ، وإنما ورد في حق النائم والناسي.

٣- أن تارك الصلاة قد يكون مرتدّاً، والمرتد لايشرع في حقه القضاء كما

سبق.

والله (تعالى) أعلم، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد.


(١) انظر: رسالة (حكم تارك الصلاة، والرد على المخالفين) ، لفضيلة الشيخ (حفظه الله) .
(٢) أخرجه مسلم، ح/٦٨٤.
(٣) المحلى، لابن حزم، ج٢، ص٩، ١٠.
(٤) المغني، لابن قدامة، ج٢، ص ٥٢.
(٥) نسبة إلى حروراء، وهي بلدة على ميلين من الكوفة، ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج: حروري؛ لأن أول اجتماع لهم للخروج على علي (رضي الله عنه) كان بالبلدة المذكورة، فاشتهروا بالنسبة إليها، (انظر الفتح، ١/٥٠٢) .
(٦) أخرجه البخاري، ح/٣٢١، ومسلم، واللفظ له، ح/٣٣٥.
(٧) ابن قدامة في المغني، ٢/٤٨، وغيره.
(٨) أخرجه مسلم، ح/١٩٢.
(٩) انظر: المغني، ٢/٥٠.
(١٠) أخرجه أصحاب السنن، وصححه الألباني، كما في (الإرواء) ، ٢/٤.
(١١) انظر: مجموع الفتاوى، ٢٢/١٠٣.
(١٢) انظر: التاج والإكليل، ١/٤١٠.
(١٣) انظر: المجموع، ٣/٨.
(١٤) انظر: الأوسط، ٤/٤٩١.
(١٥) انظر: المحلى، ٢/٨.
(١٦) أخرجه مالك، ح/٢٤، وعبد الرزاق، ح/٤١٥٢، بإسناد صحيح، وممن صرح بتصحيحه: ابن المنذر في الأوسط، ٤/٣٩٠، وابن حزم في المحلى، ٢/٩.
(١٧) البنج: نبات مغيّب للعقل، مسكن للأوجاع، وهو غير الحشيشة، فإنها مسكنة، ولها لذّة عند تناولها بخلاف البنج، انظر: مجموع الفتاوى، ٣٤/١٩٨.
(١٨) انظر: البحر الرائق، ٢/١١٨.
(١٩) انظر: الإنصاف، ١/٣٩٠.
(٢٠) انظر: الكافي: لابن قدامة، ١/٩٤.
(٢١) انظر: تعظيم قدر الصلاة، ٢/٩٩٦.
(٢٢) انظر: المحلى، ٢/١٠.
(٢٣) انظر: مجموع الفتاوى، ٢٢/٤٠ ٤١.
(٢٤) الشرح الممتع، ٢/١٣٥.
(٢٥) أخرجه مسلم، ح/١٧١٨.
(٢٦) انظر: المسوّدة، ص ٢٤.