للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواطر في الدعوة

[درس من السيرة]

محمد العبدة

لابد أن نعود دائماً للسيرة النبوية، نستلهم منها ما يفيدنا في سيرنا الدعوي،

ونعود لبدايات تشكل القاعدة الصلبة التي كانت قلب الوحى الذي يدور حوله

المجتمع الإسلامي. كانت هذه القاعدة في مراحلها الأولى من الطبقة التي سميت

فيما بعد بالمهاجرين، وجلّ هؤلاء من قريش، التي كانت تتمتع بصفات نادرة،

تفوقت بها على القبائل العربية، القريبة والبعيدة.

قال القدماء: والعجيب أن قريشاً تركت الغزو والنهب على طريقة العرب

يومها، ولكن بقيت فيهم الشجاعة والأنفة، وقوة البأس. ومع انشغالهم بالتجارة

والرحلات التجارية إلا انه لم يعترهم ما يعتري التجار عادة من البخل والمداهنة

والممحاكة، بل كان الفرد منهم يطعم الطعام لزوار البيت، وتمدحهم الشعراء كأنهم

ملوك.

إن بنية الفرد في هذه القاعدة بنية قوية، فكيف إذا أكرمه الله سبحانه وتعالى

بالإيمان والتوحيد الخالص، فلا شك أنه سينقلب إلى شخصية تقيم الدول، وتحرك

التاريخ. ولقد وصف الله سبحانه وتعالى هذا الدين بأنه (الفطرة) ومعنى هذا أن

الفطرة السليمة تقبله، وتقبل تفصيلاته الجزئية. أما إذا كانت الفطرة فاسدة،

والبنية الأساسية مفقودة فكيف يقوى على حمل هذا النور، ويتمثله واقعاً وعملاً من

يحمل بين جنباته الضعف والضآلة، ويحمل مفاسد المدنية المعاصرة، وتناقضات

المجتمع الذي يعيش فيه.

هل يقوى على حمل هذه الأمانة من تعوّد على الكذب؟ أو رجل أناني إقليمي

أو رجل ليس عنده وفاء وشجاعة. وهنا نجد أن شخصية الفرد شخصية هشة لا

تستطيع بناء الدول ولا إقامة بنيان مرصوص. حتى وإن قرأ الكتب وحفظها وصار

مناقشاً ومجادلاً، والأصل أن فهم العقيدة السليمة وتطبيقها على أرض الواقع يؤدي

إلى هذه الأخلاق العالية التي لابد منها لحمل الرسالة، فاذا لم نجد مثل هذه

الشخصية فهذا يعنى خللاً في فهم العقيدة أو في التطبيق.

إن الظروف العصيبة التي يعيشها المسلمون لهى في العمق من المرارة

والقسوة بحيث تحملهم على أن يفكروا في أمرهم، ويزدادوا بصيرة بأحوالهم، وقد

ضرب الله لنا الأمثال ببني إسرائيل وأخلاقهم الملتوية، ونفسياتهم المحطمة حتى لا

نقع فيما وقعوا فيه، هذه الأخلاق التي جعلت سيدنا موسى-عليه السلام- يعاني

منهم ما يعاني وهو يريد إنقاذهم، وجاءت خاتمة الرسالات وكان حواريو رسول الله

-صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار، فكانوا خير أصحاب لفهم الدعوة

وتبليغها والدفاع عنها.