نص شعري
مَعْذرةً.. هِندُ
شعر: طاهر العتباني
ما زلتِ تنسربين في أبياتي ... وتحاولينَ اللغوَ في كلماتي
ما زلتِ تتهمين كل قصائدي ... أنْ لستُ في عينيكِ أُبصر ذاتي
أنا يا التي كانت تزلزلني هَوىً ... وأصبّ في خلجاتها خلجاتي
ما عدت أحفل بالعيون وسِحْرها ... وأواصل العبراتِ بالعبراتِ
أنا يا التي كانت على أهدابها ... رفّت طيور العشق في لوحاتي
ما عادَ يغريني هفيف جدائلٍ ... ما عُدْتُ أعشق أجمل الملكاتِ
أنا يا التي أحرقت فيها أَحْرفي ... وَرَجَعْتُ مشنوقاً إلى كلماتي
قد صِرْتُ أنظر في ربوع ديارنا ... وأعتود مَخْنوقاً من المأساةِ
يا هِنْدُ يا عَهْدَ التغزل والهوى ... ومراتع الآمالِ والشهواتِ
إني صَحَوْتُ من الجنون وقد غدا ... شعري يضيق بهذه الصبواتِ
يا هِنْد ... لو تدرينَ ما يعتادني ... إذ أُبصر الأعداءَ في ربواتي
يا هند ... لو تدرينَ ما يجتاحني ... والقدس يهتف في حطامِ مَواتي
يا هِنْدُ ... لو تدرينَ ما بجوانحي ... مِنْ عَسْفِ هذا اليأسِ والظلماتِ
لعلمتِ أني إذ نسيتُ مشاعري ... وتركتُ ما سطرتُ من نغماتِ
ما كُنْتُ أصطنع الجفاءَ وإنما ... قلبي أسيرٌ في الضياع الآتي
هذى (سراييفو) تصيحُ ولا يدٌ ... تمتدّ، أو صَوْتٌ يجيب شَكاتي
قد صارت النكباتُ إن هي طوّقَتْ ... يتسابق الشعراءُ في النكباتِ
وتضافُ للمأساة بَعْضُ قصائد ... وتسوّدُ الصفحاتُ بالصفحاتِ
حتى إذا سَكَتَ الكلامُ وأقفلتْ ... قصص البطولةِ أُهْدِرَتْ كلماتي
يا هِنْدُ ... أول طعنةٍ نالتْ دمي ... ورأيت هَتْكَ العرضِ في أخواتي
يا هند.. كَيْفَ أهيمُ في غزلية ... واليأسُ يَصْلبُ أمتي وثباتي
وأرى على الأفق الجريح حمامةً ... قد حُوصِرَتْ بالريحِ والطعناتِ
يا هِندُ ... لا أبغيكِ بعض قصيدة ... لا، إنني أبغيكِ أُمّ أباةِ
يا هِنْدُ ... لا أبغيك قصة لَيْلة ... حمراءَ ... لا أبغيكِ بعضَ فُتاتِ
يا هِنْد ... لا أبغيكِ إلا مَوْطناً ... حراً يرفرفُ في حروف لُغاتي
يا هِنْدُ ... إن أصبحتِ في كلماتهم ... عطراً يفوحُ بحمأةِ الطرقاتِ
أوْ أَصْبَحَتْ عيناكِ بين حروفهم ... جدلاً يُضيع العمرَ في الغفلاتِ
أوْ أَصْبَحَتْ شفتاكِ في أعراسهم ... مجنونةً شبقيّة الهمساتِ
فأنا أريدكِ في جبين طهارتي ... نُوراً أصون حياته بحياتي
مَهْلاً رِفاق الشِعْر إن جوادكم ... ما زال يضرب في السرابِ العاتي
ما زال رغم ضياع وَجهي في الدجى ... مترنّحاً في غمرة السكراتِ
من ألفِ عامٍ، والقصائد ترتوي ... من كأسها الشبقية الرشفاتِ
من ألفِ عامٍ، والكلام على فمي ... يصحو على الطعناتِ بالطعناتِ
مِنْ ألفِ عامٍ، والمآذن شجوها ... ينسابُ مَذْبوحاً بسيف عداتي
والمسْجِدُ الأقصى، وهِنْدُ وأمها ... عربيّةً ذُبِحَتْ على العتباتِ
مهلاً رفاق الشعر إن قضيّتي ... مسكونةٌ بالنارِ واللفحاتِ
والشعر ليس غوايةً في قِصّة ... تجتاحها الجمراتُ بالجمراتِ
الشعر هِنْدٌ حين يحمي وَجْهها ... حرفٌ أبيّ الخطو والوثباتِ
الشعر هِنْدٌ حين يحميها دمٌ ... ينسابُ في الأضلاع كالعزماتِ
الشعر هِنْدٌ حين يقفز من دمي ... لحنُ وسَيفٌ واثق الضرباتِ
ليعيد هِنْداً من إسار ضياعها ... ويعيدها عُذْريّةَ القسماتِ
ويردّ عنها صَوْلة الذئب الذي ... يلهو بها في أَسْوأ القتلاتِ
يا هِنْد مَعْذرةً لأني شاعِرٌ ... لا أشتري الصفقاتِ بالكلماتِ
يا هِنْد معذرةً لأني شاعِرٌ ... لا أعْرِفُ التزييفَ في لوْحاتي
هذا دمي فوق الموائدِ كيف بي ... أَنْسى دِمائي ... أزدري مأساتي
هذه بلادي كيف أَنْسى وَجْهها؟ ... وأَهيمُ في أسطورةِ اللذّاتِ؟
هذي جراحي كيف أَنْسى وَهْجَهها ... وأُضيعُ عُمْري في هوى الشهواتِ
فأراكِ كأساً أو ضلالة تائه ... وأظل أَحْيا في خداعِ الذاتِ
هذى حروفي ... كيف أخنق دَمْعها ... وأنا الذي قد أَيْنَعَتْ زهراتي
هذي طريقي ... كيف أترك رَهْجها ... وأبيعُ خيلَ الفتح والصَهَواتِ
يا هِنْدُ مْعِذرةً حياتي بِعْتُها ... لله أَبْغي الفَوْزَ بالجَنّاتِ