للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حملة لتنصير الطوارق]

جنوب الصحراء الكبرى

بدأت الغارة الصليبية على شعوب جنوب الصحراء الكبرى مع بداية الغزو

الأوروبي لشمال أفريقيا والصحراء الكبرى في منتصف القرن التاسع عشر

الميلادي، إذ كان حرص أوروبا آنذاك على اكتشاف واحتلال الصحراء الكبرى لا

يقل عن حرصها الآن في اكتشاف الفضاء الخارجي.. ولتحقيق ذلك الأمل الكبير

تنافست دولها المركزية وهيئاتها العلمية في إحراز قصب السبق في اكتشافها

والوصول إلى عروسة الصحراء ومدينة الأساطير (تين بكتو) الأمر الذي أفقدها

أعداداً هائلة من الرجال والعلماء والبعثات العلمية والعسكرية زيادة على البعثات

التنصيرية التي طويت صفحات تاريخها في رمال الصحراء..

ففي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وجهت أوروبا جيشها الصليبي

بقيادة الكاردينال الآلماني شارل مارسيال لافيجيري مطران الجزائر وكبير أساقفة

أفريقيا ومبعوث البابا إلى الصحراء الكبرى وبلاد السودان، ولقد لعب هذا

الكاردينال العنيد فصلاً مأساوياً في قصة الغزو الصليبي للصحراء كانت نتيجته

خيبة آماله العراض في تنصير صحراوي واحد.

وفي عام ١٨٩٤ م دخل الجيش الفرنسي المرابط في غرب إفريقيا مدينة تين

بكتو بقيادة الكولونيل جوفر.. وعام ١٨٩٥ م وصلت إليها أول بعثة مسيحية بقيادة

القس دبوي المعروف براهب تين بكتو. وفي عام ١٩٠٣ م أتم الغزاة عملية

احتلال الصحراء، غير أن الأمر لم يدم طويلاً إذ أعلن الطوارق من شرق النيجر

إلى غرب مالي ثورتهم الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي (نقض العهد) كما يسمونه.

وكان ذلك عام ١٩١٤ - ١٩١٦ م وكانت هذه الثورة بإيحاء من الحركة السنوسية

بليبيا.. ولم يتمكن المستعمر من القضاء عليها حتى تكبد خسائر جسيمة في الرجال

والعتاد والأموال. الأمر الذي جعله بعد القضاء عليها يحكم البلاد بالأحكام العسكرية

الظالمة مستخدماً أشد أنواع القمع والاضطهاد، واستمر الحال هكذا إلى مغادرة

الغزاة أرض الصحراء عام ١٩٦٠ م بعد أن تركوا في نفوس سكان الصحراء

جروحاً غائرة زادت الفجوة العدائية الموجودة بينهم سابقاً اتساعاً، وعمقاً، وحاصل

القول أن الاستعمار الفرنسي في إفريقيا لم يجد أمة معاندة ومتصدية للطموحات

الاستعمارية كأمة الطوارق، ولهذا نجده يعاديها أكثر من غيرها من الأمم الإفريقية

ويصفها بقطاع الطرق ومرة ببرابرة الصحراء، وطوراً بالأشقياء، أعداء الحضارة

الإنسانية.

ومصداقاً لما ذكرته أنقل هنا ما كتبه أحدهم جيمس ويلارد في كتابه الصحراء

الكبرى صفحة ٣٥١ أن قصة بعثة الكولونيل فلاتيه هي في الحقيقة قصة المحن

والمخاطر والمجازفات التي عرفها الفرنسيون في غزوهم للصحراء الكبرى وهي

بكل تأكيد حملة استغرقت ما يقارب مائة عام ضد أصلب عدوين للحضارة

الأوروبية في شمال إفريقيا - أعني الصحراء الكبرى ورجال عشيرة الطوارق.

ولقد كان عدوا التقدم الأوروبي هذان وما يزالان من القوة بحيث أن الصحراء لا

يخترقها إلى الآن خط حديدي.

هذه شهادته! والحق ما شهدت به الأعداء كما يقولون، والحق أيضاً أنه لولا

عدم وجود كلمة المستحيل واليأس في قاموس الغزاة الكفار لأصيبوا بالخيبة واليأس

من احتلال الصحراء في المائة الأولى من غزوهم لها.

وفي السبعينات من هذا القرن الميلادي جاءت الفرصة المرتقبة للأعداء.. إذ

توالت على جنوب الصحراء عدة سنين من الجفاف والقحط كان أشدها عامي

١٩٧٣- ١٩٨٥م اللذين نفقت فيهما الثروة الحيوانية لشعوب الصحراء وتردت

أحوالهم الاقتصادية.. الأمر الذي أدى وبسرعة مذهلة إلى تغير نمط حياتهم

الاجتماعية كما مهد الطريق للغارة الصليبية الثانية على المنطقة، إذ سرعان ما

تدفقت الجيوش الصليبية مرة أخرى على المنطقة المنكوبة ولكن في صورة جمعيات

للإغاثة والنجدة هدفها الوحيد تنصير هذه الأمم المنكوبة مقابل كسرة خبز أو شرطة

طبيب.. بل إن هدفها يتجاوز هذا الحد إلى العمل من أجل تنصير الشريط

الصحراوي الفاصل بين شمال إفريقيا العربي المسلم وغرب إفريقيا الأسود المسلم.

والممتد من شرق جمهورية النيجر إلى حدود مالي مع موريتانيا.

العوامل التي شجعت الغزاة على القيام بغارتهم الجديدة:

١- الإمكانيات المادية والمعنوية الهائلة الموجودة لدى المجامع الكنسية

الأوروبية.

٢- النية المبيتة لدى المجامع الكنسية للغارة على العالم الإسلامي خاصة.

٣- الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها منطقة الصحراء الكبرى منذ

عام ١٩٧٣ م.

٤- تغير وتبدل نمط الحياة الاجتماعية لشعوب الصحراء من حياة الترحال

إلى حياة الاستقرار.

٥- فعالية سلاح المنفعة الذي دخلوا به ميدان المعركة.

٦- خلو المنطقة من جمعيات الإغاثة الإسلامية.

أهداف الغزاة المنصرين:

١- تنصير أكبر عدد من سكان الصحراء من الطوارق والعرب والفولاني

والسنغاي في أسرع وقت وقبل أن تصل أخبار غارتهم إلى العالم الإسلامي.

٢- قطع صله شمال إفريقيا العربي المسلم بغرب إفريقيا الأسود المسلم وذلك

بتنصير الشريط الصحراوي الفاصل بينهما.

٣- الحصول عل متنصرين من الجنس الإفريقي الأبيض العريق في الإسلام

للاستعانة بهم في نشر المسيحية في غرب إفريقيا السوداء. والجدير بالذكر أن

الدافع لهم على ذلك اعتقاد خاطئ لديهم مفاده أن الإنسان الأبيض أشد تمسكاً وإيماناً

بمعتقداته من الإنسان الأسود كما أن لديه عزيمة وهمة في الدعوة إلى معتقده والدفاع

عنه أكثر منه.

ويقول الغزاة إنهم توصلوا إلى معرفة ذلك من سرعة انتشار الإسلام في غرب

إفريقيا بواسطة المرابطين والتجار العرب ومرابطي الفولان. والحق الذي لا مراء

فيه أن السر في ذلك يرجع إلى الخصائص التي يمتاز بها الإسلام عن غيره من

الأديان لا إلى بياض زيد أو سواد عمرو.

٤- إحراز نوع من الانتصار الصليبي على الإسلام وذلك بتنصير بعض

الشعوب في الإسلام كالطوارق والعرب والفولاني والسنغاي.

المخطط التنصيري للإرساليات المسيحية العاملة جنوب الصحراء الكبرى: ...

١- استغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المنطقة.

٢- القيام بدراسة شاملة لأوضاع المنكوبين لمعرفة نقاط التأثير واستغلالها

بكفاءة.

٣- التعاقد مع حملة المؤهلات العالية من أبناء الطوارق والعرب والفولاني

والسنغاي ومن ذوي الفكر الأوروبي المعادي للعرب والإسلام.

٤- إقناع القبائل الرعوية التي تعتمد في حياتها على الترحال والرعي

بضرورة الاستقرار والاستيطان في مخيمات دائمة للتحكم في مصيرهم.

٥- محاولة إسكات أصوات المعارضين من ذوي الرئاسة والعلم والنزعة

الدينية بالعطايا والهبات.

٦- التحزب لبعض الطوائف الدينية الإسلامية ضد الأخرى اتباعاً لسياسة

فرق تسد.

٧- بناء كنائس في بعض القرى الهامة في الصحراء لاستدراج السذج من

المسلمين لمشاركتهم في أداء صلواتهم المسيحية.

٨- الإغداق على بعض الرؤساء الموالين لهم لإغراء الآخرين.

٩- القيام بربط كل مخيم مع قرية أوروبية في عملية يسمونها (جيملاج) أي

التوأمة بين الموضعين على أن تقوم المدينة أو القرية الأوروبية بمساعدة توأمتها

الصحراوية كل سنة، والنهاية أن يفضل سكان المخيم الصحراوي المسلم تلك

القرية أو المدينة الأوروبية المساعدة لهم على مكة المكرمة والمدينة المنورة.

١٠- عزل وتعتيم أحداث الغارة وأخبارها عن العالم الإسلامي والعربي قدر

المستطاع.

أوضاع الطوارق الحاضرة في ظل الإشراف الصليبي على مخيماتهم الدائمة:

١- الشلل الشبه التام لنمط الحياة التقليدية الطارقية القديمة.. حياة الترحال

التي كانت سر حفاظهم على حريتهم منذ آلاف السنين.

٢- إصابة التعليم الإسلامي التقليدي بالشلل التام بعد انصراف العلماء وطلبة

العلم إلى طلب أرزاقهم بالطرق الشرعية.

٣- اعتماد سكان هذه المخيمات في أحوالهم المعيشية على ما تجود به تلك

الإرساليات الغازية وما ترسله

لهم القرى والمدن الأوروبية التي عقدوا معها وفاق التوأمة (جيملاج) .

٤- هجرة الأجيال الصاعدة من أمة الطوارق إلى شمال إفريقيا (ليبيا

والجزائر) بحثاً عن العمل وهروباً من البطالة التي تنتظرهم في حياه المخيمات

الدائمة.

٥- ارتفاع نسبة النساء والأطفال والكهول في هذه المخيمات وهؤلاء يعتبرون

وجبة سائغة للغزاة اللهم إلا من رحم الله من المحسنين.

٦- إصابة المنكوبين بما يشبه اليأس والقنوط من نجدة إخوانهم المسلمين لهم.

نتائج الغارة الصليبية على مسلمي الصحراء:

١- اكتشاف الغزاة لبعض نواحي الضعف في التركيبة الاجتماعية للأمة

الطارقية واستغلالهم لها في بلدة غوسي الواقعة غرب مدينة غاوو. فبعد دراسة

الغزاة للعادات والأعراف الطارقية اكتشفوا أن الأسرة الطارقية لا يمكن أسرها إلا

عن طرق الأم - أي المرأة - وذلك للمكانة الاجتماعية الكبيرة التي تحظى بها

المرأة في المجتمع الطارقي..

فبعد اطلاع الإرسالية النرويجية العاملة في بلدة غوسي على هذا السر

الاجتماعي سارعت إلى نشر إعلان بين أهالي المنطقة مفاده منح خمسة آلاف فرنك

شهرياً لكل أب يلحق ابنته بالمدرسة التابعة للإرسالية المذكورة، وهنا تسابق الناس

إلى إلحاق بناتهم بالمدرسة المذكورة طمعاً في الحصول على المبلغ المذكور.

والجدير بالذكر أن الذكور محرومون من هذه الخصوصية، ولا شك أن هذه المكيدة

من أخطر المكائد التي أوقع فيها الأعداء المساكين المنكوبين.

٢- زرع كراهية العرب في نفوس ضعاف الوازع الديني بحجة أن العرب لم

يسارعوا إلى نجدتهم كما فعل المنصرون بل لم يواسوا المنكوبين الطوارق ولو

بالكلمات الطيبة. وأما هم فقد قدموا وما زالوا يقدمون لهم أنواع المعونات

والمساعدات!

٣- نجاحهم في بناه عدد من الكنائس في بعض القرى الهامة في الصحراء

كقرية غوسي غرب غاوو ومنيكا التي تعتبر العاصمة السياسية لإمارة الطوارق قبل

الاستعمار الفرنسي. أما كيدال عاصمة قلب الصحراء فقد رفض حاكمها المسلم

الشيخ انتالا بن الطاهر بناء كنيسة فيها الأمر الذي أثار حفيظة الإرساليات المسيحية

فتقدمت بالشكوى إلى السلطات الحاكمة التي استدعته وطلبت منه الموافقة على بناء

كنيسة في بلدة كيدال فاعتذر بها اعتذاراً شديداً فأعفته من ذلك، أما الحكومة

ورؤساء العشائر الطارقية والعربية المنكوبة فالظاهر أن همهم الوحيد هو إنقاذ

أقوامهم من خطر الجوع فقط، أما الدين فأمره إلى الله!

٤- إصابة التعليم الإسلامي التقليدي بالشلل التام وانصراف العلماء وطلاب

العلم إلى طلب الرزق الحلال بدلاً من البقاء في مخيمات التنصير هذا ومن البديهي

أن يحدث هذا الانتصار الذي كان المراقبون يتوقعونه بسبب فعالية السلاح الذي

دخل به الأعداء أرض المعركة وملائمته للظروف السائدة في الوقت الحاضر.

إن سلاح النفع أخطر سلاح على الإنسان وخصوصاً على الجائعين. لقد

كانت أمهات الطوارق منذ عقود من الزمن يقلن إذا رأين كافراً (اللهم لا تجعل الكفار

ممن ينفعنا فنحبهم) كن يقلن هذا في دعائهن في زمن كان الطوارق فيه أغنى الأمم

الرعوية البدائية على وجه الأرض.. واليوم حدث ما كن يتخوفن منه إذ حقق سلاح

النفع في أبنائهن وأحفادهن ما لم تحققه مدافع الأعداء قديماً.

٥- ومن نتائج الغارة يأس المنكوبين من نجدة إخوانهم المسلمين لهم

ومساعدتهم على الخروج من المأزق الذي وقعوا فيه والمتمثل في الخيار بين الفقر

والتنصر.. والعياذ بالله.

٦- اكتشاف الغزاة لأساليب تنصيرية جديدة ومتنوعة.

الحلول المقترحة لمجابهة الخطر الصليبي على سكان الصحراء:

١- كسر الحاجز المصنوع بين المخيمات الصحراوية والعالم الإسلامي والذي

أوجدته تلك الإرساليات نفسها بما لديها من الامكانيات.

٢- قيام جمعيات الإغاثة الإسلامية بزيارة المنطقة وتقديم العون المادي

والمعنوي لسكان تلك المخيمات بدلاً من تركهم تحت رحمة البعثات التنصيرية.

٣- قيام بعض مشايخ الحركات الإصلاحية الإسلامية بزيارة تلك المخيمات

لإشعار سكانها بأن العالم الإسلامي قادم إليهم لنجدتهم وهذه خطوة قد تبعث في نفوس

المنكوبين بعض ما تبقى في نفوسهم من الشجاعة.

٤- قيام الهيئات الإسلامية القادرة بالتعاقد مع أكابر علماء البلاد لكي يستمروا

في أداء رسالتهم العلمية والتفرغ لها، والجدير بالذكر أن التعليم الإسلامي قد أصيب

بالشلل التام في المنطقة منذ عام ١٩٧٣م.

٥- توجه بعض رجال الإعلام الإسلامي إلى المنطقة لإطلاع العالم الإسلامي

على فداحة المأساة.

والجدير بالذكر أن الإرسالية النرويجية العاملة في مدينة غوسي غرب مدينة

غاوو عاصمة الإقليم السابع في جمهورية مالي تعتبر من أنشط الإرساليات الصليبية

العاملة جنوب الصحراء، وقد حصلت على امتياز من الدولة يخولها الإشراف على

منطقة كبيرة وهي المنطقة الواقعة بين غوسي وغاوو وتفارست وتفكر بقية

الإرساليات المسيحية العاملة في المنطقة المنكوبة في تقديم طلباتها إلى السلطات

الحاكمة للحصول على نفس الامتياز مثلما تتعاقد شركات التنقيب عن النفط والمعادن

مع الدول للحصول على امتياز التنقيب في منطقة من المناطق تتعاقد بعثات

التنصير (وهي شركات أيضاً) للحصول على الامتياز في المناطق التي يوجد فيها

مسلمون، فكله استثمار‍‍‍! وربما كان استثمار البشر أثمن من استثمار المناجم

والمعادن!