للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملف العدد

(حتى لا ننسى فلسطين)

إسرائيل..

دولة خارجة عن القانون الدولي.. بالأدلة

بقلم: ياسر قارئ

بانتهاء الحرب العالمية الثانية، اتخذت الدول) المتحضرة! (من هيئة الأمم

المتحدة منبراً للحوار ومرجعاً لفض النزاعات بين الدول، وقد وقعت المعاهدات

والمواثيق التي) تضمن (السلام والاستقرار في العالم، والتقليل من الجرائم

البشعة في حق الإنسانية، والأخذ على يد المعتدي، ونصرة المظلوم، وضمان

الرفاهية، والرعاية الصحية للشعوب.. لكن العالم المتحضر ما فتئ يقدم عجائبه

بل وتناقضاته للمجتمع الدولي، ومن ذلك: اعتراف الهيئة الأممية بما كان يعرف

عندنا بالكيان الصهيوني أو دولة العدو (إسرائيل) على رفات الفلسطينيين ودمائهم

ومقدّراتهم، فذاك الشعب المشرد لا بد له من ملاذ آمن يفيء إليه، بينما تكون

أوروبا قد نجحت في التخلص من آفة هذا الشعب المتوحش البربري، ولكن (دولة

إسرائيل) وساستها العسكريين أبوْا إلا أن يفضحوا شعور الأوروبيين المتحضرين

نحو المسلمين، فالإشكناز وهم اليهود الأوروبيون الذين يمسكون بأزمّة الأمور هناك

انتهكوا القانون الدولي مراراً وتكراراً، فيما اكتفت الدول الأم لأولئك السفاحين

بالتنديد والاستنكار، في الوقت الذي ظلت الهبات المالية والتبرعات والمعونات

العسكرية تتدفق فيه إلى مملكة الرب!

لقد أقدم الكيان الصهيوني ولا يزال على الاعتداء على دول (الجوار) العربي

وعلى جبهات مختلفة، ضارباً عرض الحائط بالقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية،

وفي ظل صراع المعسكرين (الشرقي والغربي) ، معرِّضاً المنطقة لخطر وويلات

حرب شاملة مدمرة، وعلى الرغم من ذلك: فقد أحجم العالم المتحضر عن ردع

المعتدي والأخذ على يديه حسبما تمليه قرارات الأمم المتحدة، وظل يقدم له الدعم

والمساندة، وكأنه رأس حربة لأوروبا في قلب العالم الإسلامي، بينما مارس

الضغوط المختلفة على المظلومين والضحايا بدعوى ضرورة ضبط النفس واللجوء

إلى الحوار والمفاوضات، وقد اكتشف العالم الآن سياسة الصهاينة التفاوضية على

حقيقتها؛ لذلك: فلا بد من التذكير بممارسات تلك العصابة الهمجية خلال سني

الحرب الباردة وما بعدها وانتهاكاتها لمعاهدات الأمم المتحدة؛ حتى لا ننخدع

بالحوار المزعوم أو الاتفاقيات المبرمة، فدولة تخرق قانون العالم الدولي منذ نصف

قرن من الزمان على الرغم من تبعات ذلك التصرف حسبما ينص عليه من عقوبات

وفي ظل استقطاب عقائدي مرير: لا يتوقع منها أن تحترم اتفاقيات أو معاهدات

تبرمها مع كيانات هامشية على مسرح السياسة العالمي ممن ليس لها وزن اقتصادي

أو اعتبار أدبي يحميها من امتهان حقوقها وكرامتها، فقد دأبت دولة العدو على شن

الاعتداءات العسكرية، والقيام بالقرصنة الجوية، وإساءة استخدام وسائل

الاتصالات، وتسخيرها للجاسوسية، وازدراء واحتقار حقوق الإنسان، بَلْهَ

الاعتداء على أعضاء الهيئة الدولية، كل ذلك في زمن الحرب، فكيف إذا غُلّت

الأيدي بالسلام؟ !

وفيما يلي سنعرض نماذج من خرق الصهاينة للقوانين والأعراف الدولية على

مدى نصف قرن تقريباً (هو عمر هذا العضو الدخيل الذي زرع في قلب دار

الإسلام) ، تشتمل تلك المخالفات على نواحٍ متعددة، منها: ما يتعلق بالزراعة

والاقتصاد، وحقوق الإنسان، والقرصنة الجوية، والاعتداء على الأمم المتحدة

نفسها، ثم التجسس، فالاعتداءات العسكرية المستمرة على الدول المجاورة.

أولاً: الزراعة والاقتصاد:

دمرت الآلة العسكرية الصهيونية في شهر سبتمبر سنة ١٩٦٩م قسماً من قناة

الغور الشرقي في الأردن، وهو جزء من مشروع ساهمت فيه الولايات المتحدة

لتنمية البلد زراعيّاً واقتصاديّاً، لكن ذلك العمل الإجرامي قضى على المحاصيل

الزراعية، والأخطر من ذلك: أنه أثر على منسوب المياه في المنطقة، ثم أكمل

المجرمون مهمتهم ودمروا ما تبقى من المشروع في مطلع السنة التالية [١] ، وبعد

ثماني سنوات من تلك الحادثة: قام الصهاينة بالهجوم على لبنان، وتم تدمير

المؤسسات الصناعية والحرفية والممتلكات الشخصية والمرافق الحيوية، وكذلك

القطاع الزراعي ومنشآته وموارده المائية [٢] ، ومن المعلوم أن (إسرائيل) تخشى

من دور لبنان الاقتصادي القوي في المنطقة؛ لذلك فهي تسعى وحلفاؤها لفرض

مشروع السوق الشرق أوسطية، لسحب البساط من تحتها، ولتسخير إمكانات

وموارد المنطقة لانتشال الاقتصاد الإسرائيلي من الغرق في ظل الكساد العالمي

وتخفيض الموازنات الدولية، ولم يكتف الأعداء بذلك، بل قاموا بتوريد البضائع

الإسرائيلية والقبرصية إلى لبنان، ثم أعادوا تصديرها على أنها منتجات لبنانية! ،

كل ذلك في مخالفة صريحة وواضحة للاتفاقيات التجارية الدولية التي نصت عليها

بنود مفاوضات التجارة والتعرفة الدولية التي كانت قائمة في ذلك الوقت! ، أما فيما

يتعلق بشريان الحياة الاقتصادية في المنطقة والعالم، فقد استعمل اليهود أسلوب

التهديد بالسلاح مع بعثة تابعة لشركة النفط الأمريكية) إمكو) التي كانت تقوم

بأعمال التنقيب في مياه منطقة الطور، فيما كان الصهاينة يقومون بأعمال التنقيب

عن البترول في صحراء سيناء المصرية التي كانت واقعة تحت احتلالهم، الأمر

الذي اعتبرته أمريكا أنه غير قانوني، إلا أنّ ذلك لم يكن كافياً لثني اليهود عن

عزمهم [٣] .

مما سبق يتضح لنا رغبة العدو في إبقاء المنطقة وشعوبها تحت رحمة

البضائع المستوردة باهظة الثمن، وتجريدها من كل المقومات الأساس لتدشين

صناعة ثقيلة وحرّة؛ مما يضمن استقلاليتها السياسية قبل الاقتصادية، وأيضاً من

الدور الهدام الذي تقوم به دولة يهود: إحجام الشركات والمؤسسات العالمية عن

المشاركة في أسواق المنطقة، لكونها بؤرة للصراعات ولا تتمتع بالاستقرار

المطلوب للصناعة الحديثة، فتكتفي باستنزاف الأموال الطائلة إلى الخارج عبر

التصدير لسلع في جملتها استهلاكية لا تسمن ولا تغني من جوع.

ثانياً: حقوق الإنسان:

على الرغم مما تمارسه دولة يهود من العنصرية ضد طائفة السفارديم (اليهود

الشرقيين) لكونهم من أصول عربية، إذ لا يتمتعون بالوظائف والمزايا التي يحصل

عليها أقرانهم من الإشكناز الغربيين، إلا أنّ هذا لا يشفع لها في ظل القانون الدولي

بانتهاك حقوق المواطنين الفلسطينيين أصحاب الدار الأصليين، ولا رعايا الدول

المجاورة وبالذات العزّل من السلاح حسبما نصت عليه معاهدة لاهاي (١٩٠٧م)

وجنيف الرابع (١٩٤٩م) ، اللتين نصتا على حماية المدنيين خلال الحرب، إلا أن

الحقد والاستعلاء اليهودي يأبى إلا أن يُطل بوجهه الكالح، ومن ذلك: ما حصل في

مدينة السويس من ضرب للسكان وأماكن كثافتهم، فيما يتأسف وزير دفاعهم الهالك

) موشي دايان (على تمثالين منصوبين على رصيف الميناء هناك [٤] ، أما في

لبنان فقد استخدمت يهود قنابل تنفجر بعد مرور خمس وأربعين دقيقة من سقوطها،

أي: عندما تبدأ عملية إسعاف المرضى والجرحى من الهجمات السابقة، وبالتالي:

تحصد أكبر عدد ممكن من الأبرياء [٥] ، بل وتنّكر الصهاينة لوعود قطعوها

لأمريكا بعدم استخدام القنابل العنقودية المحرّمة دوليّاً إلا في حالة الدفاع فقط [٦] ،

ولم يشبع حقد العدو عدد الأبرياء الذين سقطوا في لبنان وفلسطين، فاتجهت

الحكومة الصهيونية إلى الحرب العراقية الإيرانية داعمة إيران لإذكاء نار الحرب،

علماً بأن الأمم المتحدة كانت قد فرضت حظراً دوليّاً يقضي بعدم مساندة أي من

الدولتين [٧] ، ولم يعد سرّاً حجم الدور الصهيوني في ذلك بعد فضيحة إيران

(كونترا) التي شهدتها أروقة مجلس الشيوخ الأمريكي في العقد الماضي.

وعلى جبهة لبنان: ترفض (إسرائيل) الانصياع لقرار مجلس الأمن في سنة

١٩٨١م بوقف القتال وإرسال مراقبين إلى بيروت المحتلة، بل واقتحمت بيروت

الغربية [٨] ، أما على الجانب الفلسطيني: فإن دولة يهود على الرغم من هدمها

لمنازل الفلسطينيين وإجلائهم عن أراضيهم ونفيهم وسجنهم، إلا أنها تمانع في

منحهم الجنسية الإسرائيلية حتى لمن تقدم بذلك منهم! ! [٩] ، علماً بأن ذلك مخالف

لميثاق حقوق الإنسان الذي صدّقت عليه دولة يهود، والسبب في ذلك: هو ما

صرح به) بن جوريون (بقوله:) هم معتادون على العادات والتقاليد العربية،

وأنا لا أرغب في هذا النوع من الحضارة، فنحن لا نريد أن يصبح الإسرائيليون

عرباً ( [١٠] ، أما (موشي دايان) فيعبر عن ذلك قائلاً:) نحن نسعى إلى دولة

يهودية، لا دولة مزدوجة القومية ( [١١] .. تلكم هي الديمقراطية الوحيدة في

الشرق الأوسط التي يتعاطف معها العالم المتحضر، فأصحاب الأرض مرفوضون

ومنبوذون كما لوكانوا في الهند الطبقية، وقد أقر بشرعية وجودهم) دايان (نفسه، إذ قال:) لقد جئنا إلى فلسطين والعرب يقيمون فيها، وبنينا القرى اليهودية

مكان العربية، فليس هناك أي مكان في هذا البلد لم يكن يقيم فيه سكان عرب في

الماضي ( [١٢] ولكن المسلمين لا بواكي لهم! !

في سنة ١٩٨١م نشرت الجمعية الإسرائيلية لحقوق الإنسان تقريراً حول

معاملة العرب حسب قول أحد المحاضرين للجنود المتوجهين إلى مدينة الخليل: ... ) إن العرب ليسوا بشراً، ويجب معاملتهم كالحيوانات ( [١٣] ، وهذا يذكرنا

بالتصريحات التي صدرت من بعض أركان المؤسسة العسكرية الصهيونية في

أعقاب مذبحة (قانا) في جنوب لبنان مؤخراً، فعلى الرغم من السلام الشجاع الذي

انتُزع من بعض الأطراف العربية! ! إلا أن العقيدة اليهودية التلمودية لا تزال

راسخة كالجبال، فيما ألقى بعض المنسوبين للإسلام بالولاء والبراء خلف القضبان

وأحكموا عليها القيود.

ثالثاً: القرصنة الجوية:

لم تتورع تلك الشرذمة من شذاذ الآفاق عن اعتراض الطائرات المدنية

المحمية بموجب اتفاقية (وارسو) للطيران المدني، وإخضاع ركابها للتفتيش الدقيق

على مرأى ومسمع من العالم المتمدن، ففي أغسطس سنة ١٩٧٣م اعترضت

طائرتان مقاتلتان من الجيش الإسرائيلي طائرة ركاب مدنية في رحلتها من بيروت

إلى بغداد، وأجبرتها على الهبوط، واقتيد واحد وثمانون راكباً تحت السلاح

للتحقيق لبضع ساعات، على الرغم من إعلان أمريكا انتقادها لذلك العمل البربري

ووصفه بالتعدي على القانون الدولي [١٤] ، ولأن الهيئة الأممية لا تمارس من

السلطات والصلاحيات إلا بقدر ما تسمح به الدول النافذة في مجلس الأمن: فقد

مرت الحادثة بلا عقاب أو حساب، وكأن أرواح العرب وحرياتهم لا تشملها

المواثيق الدولية التي يتشدق الغرب بأنها قمة ما توصل إليه العقل البشري

والحضارة الغربية، وينذر الجميع من الدول الهامشية بالانصياع لها، لهذا: فقد

كررت العصابة الصهيونية عملية القرصنة في ربيع عام ١٩٨٦م، إذ أجبرت

طائرة خاصة أقلعت من ليبيا على الهبوط في قاعدة (رامات دافيد) الجوية قرب

مدينة حيفا ظنّاً بأن على متنها بعض أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية ... الأشاوس [١٥] .

وفي مجال الطيران المدني وتجاوزات اليهود للاتفاقيات الدولية يقول ... ) فيكتور إستروفسكي (وهو ضابط سابق في المخابرات الإسرائيلية: إن الطائرة

المحملة بالوقود في مهمة ضرب المفاعل النووي العراقي سنة ١٩٨١م كانت

مصبوغة بشعار شركة الخطوط الأيرلندية؛ للتمويه بأنها طائرة ركاب مدنية تقوم

برحلة في المنطقة [١٦] ، بالإضافة إلى ذلك: فإن جميع الطائرات التابعة لشركة

الطيران الإسرائيلية (العال) مزودة بكاميرات متطورة للغاية لغرض التجسس، وقد

قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتزويدها بالكاميرات، وهذا العمل

مخالف لميثاق الطيران المدني الموقع في (شيكاغو) الذي يحرّم استعمال الطائرات

التجارية لغير الغرض المخصصة له [١٧] .

رابعاً: التطاول على هيئة الأمم المتحدة ذاتها:

كما قيل في الأثر: من أمن العقوبة أساء الأدب، فقد برهن اليهود على ذلك

من خلال موقفهم من القانون الدولي كما مر معنا، بل وأدى بهم العنت والغطرسة

إلى إهانة ممثلي المنظمة الدولية والاعتداء على أفرادها ومنشآتها، ومن ذلك: ما

حصل من الجيش الإسرائيلي في الرابع عشر من شهر يوليو سنة ١٩٦٧م، حين

قصف الفندق الذي يقيم فيه مراقبو الهدنة التابعون للأمم المتحدة، فيما قام الجنود

بنهب مقر قيادة قوات الطوارئ الدولية بمدينة غزة [١٨] .

وحيث إن اليهود لم يقع عليهم من جرّاء ذلك العمل عقاب يردعهم: فقد

كرروا فعلتهم مرة أخرى في صيف سنة ١٩٨٢م حيال قوات حفظ السلام الدولية في

لبنان، إذ قامت زوارق من البحرية الإسرائيلية بمطاردة سفن الأسطول الأمريكي

المشارك في القوة، بينما قام) إرييل شارون) وزير دفاع يهود آنذاك باستفزاز

القوات الأوروبية والأمريكية أثناء ترحيل الفلسطينيين بإعادة بعض السفن المغادرة

والقيام بتصوير الميناء [١٩] ، ربما لأعمال وخطط مستقبلية، وقد عملت الشيء

نفسه للموانئ الليبية من خلال السفن التي تجوب تلك المناطق [٢٠] .

ونظراً لأن الأمريكيين يؤمنون بأنّ) من ضربك على خدك الأيمن فأدر له

خدك الأيسر (فيما يتعلق باليهود واليهود وحدهم، لذلك لم يعاقبوا شباب البحرية

اليهودية أو زبدة العالم كما وصفهم) إميل حبيبي (، وهذا شجع تلك الطغمة

البشرية على الأصح بإطلاق النار على رائد الجيش الأمريكي عضو هيئة مراقبة

الهدنة في مطلع سنة ١٩٨٣م [٢١] .

خامساً: استخدام الوسائل الدولية المصرح بها للتجسس:

خير ما يجسد هذا الخرق الشنيع لقوانين الأمم المتحدة هو حادثة الطائرة

الليبية التي أسقطتها القوات الجوية الإسرائيلية في ٢١ /٢/ ١٩٧٣م، بحجة أنها

حلّقت فوق منطقة عسكرية حسّاسة والتقطت صوراً لها، وأنها لم تستجب

للإجراءات الدولية المتبعة [٢٢] ، والسؤال الطبيعي هو: لماذا افترض الطيارون

الإسرائيليون أن الطائرة التقطت صوراً للمنطقة؟ ، والجواب: هو ما أشرت إليه

سابقاً من اعتماد إسرائيل على الطائرات المدنية في جمع الصور والمعلومات خلال

رحلاتها، وقد حاول الصهاينة رشوة مضيف فرنسي لكي يزور شهادته، خاصة

بعد تبين وحشية اليهود، إذ قاموا بإطلاق النار على صالة/مقصورة الركاب

والطائرة تشتعل وتهوي إلى الأرض! ! ، بينما تكفلت أمريكا بإلغاء كل إشارة في

تحقيق منظمة الطيران الدولي تدين إسرائيل أو تُعرّض بها، ومن المفارقات

الأمريكية التي يطول منها العجب: هو تنديد الرئيس الأمريكي) ريجان (بعد

عقد من الزمان بإسقاط الاتحاد السوفييتي لطائرة الركاب الكورية، فصرح ... قائلاً:) إن القتل للمدنيين الأبرياء هو قضية خطيرة بين الاتحاد السوفييتي والمتحضرين.. ( [٢٣] ، بقي أن نذكِّر أولئك المهتمين بحقوق الإنسان بأن الجنود اليهود قاموا بنهب أمتعة ركاب الطائرة المحطمة، لكن الضمير الصهيوني تحرك هذه المرة وقدّم أربعة جنود للمحكمة العسكرية [٢٤] ، ومكافأة لها على هذا الشعور المرهف فقد تبرعت أمريكا بالمزيد من طائرات (فانتوم ٤) التي أسقطت الطائرة الليبية، وكذلك طائرات (سكاي هوك ٤) بقيمة (٢٢٠) مليون دولار [٢٥] .

كذلك: لم تسلم خطوط الاتصالات الدولية من العبث الصهيوني والخرق

الفاضح لكل المواثيق الدولية التي ساقتها للبشرية الحضارة الغربية، فهذا شاهد

يهودي أنّبَه بقية ضمير حي أو مغنم شخصي، يقر باستخدام حكومته متمثلة بجهاز

مخابراتها خط البحر الأبيض المتوسط المرتبط بالأقمار الصناعية الذي تبث عليه

أغلب الاتصالات العربية الهاتفية، للحصول على المعلومات عبر التصنت المحرّم

دوليّاً على هذه الوسائل [٢٦] .

كما يجد اليهود أرضاً خصبة في مصانع السلاح الغربية، حيث يتم تجنيد

بعض المتعاونين من ضعاف النفوس أو أصحاب الولاء المزدوج؛ للتجسس على

الأقطار العربية والصفقات التي تبرمها، وبالتالي: تبني حكومة صهيون عليها

ردود أفعالها ومساوماتها للحكومة الغربية، وقد تقرر أحياناً استخدام الحل الأخير

كما حصل مع المفاعل النووي العراقي إذ أوفدت الموساد خمسة مخربين وعالماً

نوويّاً إلى داخل مصنع (دوسوبريكيه) في بلدة (لاسين) بفرنسا وقاموا بتفجير ... أجزائه، والتساؤل هو: كيف تمكن أولئك النفر من التسلل إلى المصنع، علماً بأنه تتم فيه أيضاً صناعة محركات طائرات الميراج المقاتلة؟ [٢٧] ، هذا يعني: أن حجم التواطؤ كبير جدّاً، ويشمل مسؤولين كباراً؛ لكون الميراج تمثل فخر الصناعة والتقنية الفرنسية، مما يتطلب وجود حماية كبيرة جدّاً لها، في عالم انتقلت فيه الجاسوسية من المخزون العسكري إلى التقنية الحديثة في حد ذاتها! ، كما تبرز إلى حيز الوجود قضية المواطنين اليهود من رعايا الدول الغربية ومدى إخلاصهم لبلادهم، أو تغلب عواطفهم الدينية على القومية /الوطنية.

سادساً: الاعتداءات العسكرية:

في هذه الفقرة ليس التركيز على الحروب أو الغارات العسكرية التي شنتها

الآلة الصهيونية، بقدر ما هو منصب على التجاوزات الصريحة لمجمل القرارات

الدولية المتعلقة بالحرب وقوانينها، ففي حرب الأيام الستة (النكبة الكبرى) عام

١٩٦٧م، استخدمت إسرائيل مع مصر دبابات ومدّرعات وأزياء عسكرية مصرية

كانوا قد استولوا عليها (أو ربما طلوها بالعلم المصري) ، وبالتالي: انخدع الجيش

المصري بتلك الحيلة، علماً بأن مواثيق (لاهاي) المتعلقة بالحرب وضوابطها تنص

في المادة الثالثة والعشرين على عدم) إساءة استعمال علم الهدنة أو العلم الوطني أو

الشارات أو الأزياء العسكرية الخاصة بالعدو [٢٨] .

أما على الجبهة اللبنانية التي حمى وطيسها عقب اتفاقية (كامب ديفيد) ،

التي حيّدت الجانب المصري في صراع المنطقة: فقد قامت إسرائيل بخروق

للقوانين الدولية في مجالات شتى، منها على سبيل المثال: قيام السلطات

الإسرائيلية المحتلة للبنان بتنظيم رحلات سياحية في لبنان، واستخدام مطارها

الدولي المحتل متبعة سياسية فرض الأمر الواقع [٢٩] ، ومع ذلك: لم يفرض

عليها المجتمع الدولي أي حظر، ومما يؤكد حقيقة سياسة استعراض العضلات:

انطلاق الطائرات الحربية الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء عام ١٩٨١م،

واختراق الأجواء الدولية دونما استئذان من الدول المعنية، وضرب المفاعل النووي

العراقي [٣٠] .. الجدير بالذكر: أن سيناء كانت ترزح تحت الاحتلال، ويحرّم

القانون الدولي استعمال الأراضي المحتلة للأعمال العدوانية وغيرها.

بالإضافة إلى ذلك: قامت (إسرائيل) ومنذ عام ١٩٧٥م بدعم حزب الكتائب

النصراني بالسلاح والصواريخ والدبابات، فضلاً عن إرسالها قرابة خمسة

وعشرين ألف جندي إلى لبنان في سنة ١٩٧٨م [٣١] ، مما يخالف القانون الدولي

القاضي بعدم تدخل الدول في الشؤون الداخلية للغير، إلا أنّ المخالفات الصهيونية

لا تعترف بحدود؛ ولذلك فقد أقدم) إرييل شارون) بنفسه على وضع خطة إدخال

ميليشيات حزب الكتائب إلى المخيمات الفلسطينية سنة ١٩٨٢م، وما ترتب على

ذلك من مذابح وحشية في (صبرا وشاتيلا) [٣٢] ، كل هذه المخالفات الصريحة

لمواثيق حقوق الإنسان وحدود الدول وأمنها تتم تحت سمع وبصر العالم، فلا يحرّك

(المتحضرون) ساكناً، وكأن أولئك البشر لا يشملهم القانون الدولي الموقر! ولا

عجب من أن يحدث أكثر من هذا كله إذا كانت (إسرائيل) تتمتع بدعم من القوى

العظمى، فقد أقر أحد الموارنة المشهورون بأن وزير الخارجية الأمريكية ... (ألكسندر هيج (كان يعلم بالغزو الإسرائيلي للبنان في مايو ١٩٨١م وأعطى الضوء

الأخضر للعملية [٣٣] .

لم تحل الاختلافات العقائدية فضلاً عن الحالة الاجتماعية والموقع الجغرافي

بين الصلف الصهيوني وانتهاك حقوق المسلمين حتى في أقصى الكرة الأرضية؛

فها هي المخابرات الإسرائيلية تقوم بتدريب قوات مختارة من) نمور التاميل (

الذين يشنون حرباً على الحكومة السيرلانكية وتبيع لهم السلاح، ومعلوم للجميع

معاملة هذه الفئة للمسلمين هناك، والأعجب من ذلك: مساعدة (إسرائيل) للجيش

الحكومي السيرلانكي، ومساعدة الحكومة على الاحتيال على البنك الدولي وبعض

المستثمرين لدفع ثمن الأسلحة [٣٤] ، مرة أخرى تتدخل (إسرائيل) في الشؤون

الداخلية لدولة مستقلة وعضو في المجتمع الدولي، وتشعل نار الحرب الأهلية فيها، وتمد طرفي النزاع بالسلاح، ملقية بالقانون العالمي خلف ظهرها، علماً بأنها قد

وقعت على ميثاق الأمم المتحدة الذي يحض الدول كلها على نشر السلام في العالم

والمساعدة على استتبابه بين الشعوب.

ولقد قامت دولة يهود سنة ١٩٧٩م بإجراء تجربة نووية في جنوب المحيط

الأطلسي بالتعاون مع نظام جنوب إفريقيا العنصري الذي وفّر لها المكان الملائم

مقابل تبادل التقنية الإسرائيلية في ذلك المجال، وعلى الرغم من أن (إسرائيل)

ترفض الاعتراف بوجود برنامجها النووي الذي أسسه) شمعون بيريز (بتمويل

ودعم من فرنسا في العقد السابع من هذا القرن الميلادي، وبالتالي: رفض

الانضمام والانصياع للمعاهدة الدولية التي تحد من انتشار الأسلحة النووية.. إلا أنّ

الحكومة الأمريكية هي الأخرى قد تعامت عن قصد عن تلك التجربة، بل وقامت

إدارة الرئيس (كارتر) بحجب معلومات سياسية وعسكرية عن لجنة فنية كانت

تحقق في الموضوع حتى توصي بخطأ القمر الصناعي الذي رصد التجربة؛ لئلا

تضطر إلى معاقبة (إسرائيل) حسب قانون المعاهدة المذكورة وكذلك التشريعات

الأمريكية في هذا المجال [٣٥] .

وأخيراً:

فيما سبق عرضت نماذج من خرق دولة صهيون للقانون الدولي، وليست

الاختراقات محصورة في ذلك، بل هذا هو ما سمح به الحيز ومصادر المعلومات،

ويكفينا أن نأخذ العبرة مما مر معنا، فالدولة اليهودية التي ترفض توضيح حدودها

السياسية [٣٦] ، لأن لديها أهدافاً وأطماعاً لم تحققها بعد، والكيان الذي لا يزال

يفتقر إلى دستور مكتوب [٣٧] ، علماً بأنه يزعم اعتناق الديمقراطية التي تثبت

الحقوق والواجبات ... يقوم بتنفيذ سياسة المندوب السامي في زمن الاحتلال

العسكري، ولكن تحت مظلة العالم الغربي المفتون بالتنظيم والحقوق، ومن أخصها

تلك المتعلقة بالإنسان، فإسرائيل تدمر البنية الاقتصادية لدول المنطقة بطرق ... مختلفة، وتسعى جاهدة ومن ورائها الحلفاء الغربيون إلى تكوين (سوق شرق أوسطية) تكفل الرفاهية للشعب المختار على حساب شعوب المنطقة برمتها، وقد وصفها الصحفي الإسرائيلي) يعقوب تيمرمان) بأنها: (جنوب إفريقيا في المنطقة، تحيل العمال العرب إلى مواطنين من الدرجة الثانية لخدمتها، فيما تحولت إلى بروسيا [*] الشرق في توسعها وسيطرتها ( [٣٨] .

ترى بعد كل هذا: من يستطيع أن يضمن الحقوق العربية التي تدور حولها

المفاوضات؟ ، ومن لديه القوة الكافية لمعاقبة (إسرائيل) إذا تخلت عن عهودها؟ ،

وكيف والحالة هذه يثق المفاوضون العرب والمؤيدون لعملية السلام بالديمقراطية

الصهيونية؟ لقد رأينا كيف فعلت إسرائيل باتفاقيات أوسلو على أرض الواقع،

فلماذا الإصرار والمراهنة على عملية مصيرها الفشل الذريع؟ .

أهو فقدان الثقة بالله؟ أم فقدان الثقة بالنفس؟ أم الخوف من المستقبل؟ أين

أمتي عن مبشرات النهاية المحتومة لليهود؟ .. ألم يقرؤوا القرآن؟ ألم يراجعوا

السنة؟ .. أم على قلوب أقفالها..؟ ! .


(١) ستيفن جرين، بالسيف: أمريكا والشرق الأوسط، ص ٣٣.
(٢) زهير هواري، الاجتياح الاقتصادي الإسرائيلي للبنان، ص ٢٥.
(٣) بالسيف، مصدر سابق، ص ١٤٤.
(٤) المصدر السابق، ص ٥٦.
(٥) جوزيف أبو خليل، قصة الموارنة في الحرب، ص٢٠٠.
(٦) المصدر السابق، ص٢٣٣.
(٧) المصدر السابق، ص ٢٣٢.
(٨) المصدر السابق، ص ٢٥٣.
(٩) ضياء الهاجري، إسرائيل من الداخل، ص ١٨.
(١٠) المصدر السابق، ص ٧٧.
(١١) المصدر السابق، ص ٢١.
(١٢) المصدر السابق، ص ٨١.
(١٣) المصدر السابق، ص ٨٧.
(١٤) بالسيف، مصدر سابق، ص ١١١.
(١٥) فيكتور إستروفسكي، عن طريق الخداع نكسب الحرب، ص ١٤٨.
(١٦) المصدر السابق، ص ٢٩.
(١٧) بالسيف، مصدر سابق، ص ١٠٢.
(١٨) المصدر السابق، ص ٥٣.
(١٩) بالسيف، مصدر سابق، ص ٢١٩، ص٢٢٣.
(٢٠) عن طريق الخداع نكسب الحرب، ص ٢٥٧.
(٢١) بالسيف، مصدر سابق، ص ٢٣٧.
(٢٢) المصدر نفسه، ص ٩٩.
(٢٣) بالسيف، مصدر سابق، ص ١٠٩.
(٢٤) المصدر نفسه، ص ١٠٢.
(٢٥) المصدر نفسه، ص ١٠٨.
(٢٦) عن طريق الخداع نكسب الحرب، ص ١٣١.
(٢٧) المصدر نفسه، ص ٢٣.
(٢٨) بالسيف، ص ٦٤.
(٢٩) الاجتياح الاقتصادي الإسرائيلي للبنان، ص ٣١.
(٣٠) بالسيف، ص ١٨٠.
(٣١) المصدر نفسه، ص ١٤٥.
(٣٢) إسرائيل من الداخل، ص ٩٥.
(٣٣) قصة الموارنة في الحرب، ص ١٩٨.
(٣٤) عن طريق الخداع نكسب الحرب، ص ٦٣.
(٣٥) بالسيف، مصدر سابق، ص ١٧٦.
(٣٦) المصدر نفسه، ص ٧٠.
(٣٧) إسرائيل من الداخل، ص ٧.
(*) المقصود ببروسيا هو ألمانيا حالياً.
(٣٨) المصدر السابق، ص ١٤٢.