وباء التثاؤب مهلاً ...
أ. سارة بنت عبد الرحمن السويعد
هل أنتما موبوآن بالتثاؤب؟
من البداهة عقلاً أن النشيط المشغول ذهنياً وجسدياًَ قلّ أن يتثاءب؛ بل هو في حركة دؤوب للبحث عما يريد؛ فما ظنك حينما تُسأل هذا السؤال: هل أنت موبوء بالتثاؤب؟!
وباء غريب؛ أليس كذلك؟ لربما الكثيرون منا يتلذذون بالتثاؤب، خاصة عند نداء أجسادهم للنوم!
ولكن ما أعني هنا ليست اللذة هذه؛ باستحسان واستدامة التثاؤب بلا عمل إيجابي مفيد.
إن التثاؤب داءٌ يكشفُ عن شخصيةٍ كسولة تركنُ إلى جدث الأحلام، حتى جمالُ الطبيعة لا يشُدها للتسبيح!
واهاً لهذا الحال؟!
وحين نستنكر وجود أشخاص متثائبين؛ رغم حاجتنا لليقظة والإشادة، ومتابعة المستجدات بوعي وإدارك وطرح للتجديد ونقض للمغالطات، نجدُ القليل ممن يُلزم نفسه باليقظةِ وإغلاق الفم منعاً للتثاؤب..
فما بالنا متثائبين؟!
أفواهٌ متثائبة من هنا وهناك.. ما السبب يا تُرى؟!
لا أخفيكم؛ بِتُّ ليالي أبحث عن الأسباب..
في السياسة وأنظمة الحكومات نُشاهد المتثائبين!
في الاقتصاد وإدارة المال نُدرك أن ثمة متثائبون!
في الطموحات والمطالبات ينام المتثائبُون عن التنفيذ!
حتى في المنزل التثاؤب فنٌ مطبق ودرسٌ يومي، وتجربةُ فيزيائية تُجرِيهَا الأُسر مع أبنائها.. لا تسألوني كيف ذلك؟!
لأنني وإياكم سوف نصاب بالذهول لضعف مستوى التقدم المنبعث من الأسر؛ الزوج والزوجة والأبناء، الكل متثابؤون!
ولأننا متَّهمون بالتخمة في البلاد العربية تجد الأفواه المفتوحة في كل مكان.. بكل أسف!!
وبرغم سعي مراكز التخسيس واللياقة البدنية في طرح الحلول التي ربما تُنقذ الأفراد من التخمة المزعجة، لا نزال نعاني من هوس التثاؤب!
ومن المهم حقاً أن نبحث عن سبب تثاؤب الشعوب المسلمة في واقعٍ هم أفراده.
مهلاً أيُّها القُراء! أمسيت بِالهمِّ ليالي وأنا أبحث عن أسباب وباء التثاؤب.
أيُّها الرجل: هل أنت بحق متثائب؟!
أيتها المرأة: هل أنت بحق متثائبة؟!
أرجوكما! أجيبا بلا تأخير.
هيا انفضَا عنكما غبار الكسل والرضا بالواقع المتقلب! يكفيكما الخمول والرتابة والعشوائية.
يكفيكما التخبط والبعثرة حيال متطلبات دينكما ودنياكما.
المصائب سُنَّة الله في كونه، والأحداث المؤلمة تمحيص للعباد واقعهم، والتثاؤب حينها شعور بالاستسلام السقيم.. أتدرون لِمَ؟
لأن شعورنا بالتثاؤب وعدم جدوى أهمية التغيير هي النتيجة دائماً، بَيْدَ أن الكثيرين منا أوكلوا المهمة للذين رضوا بأن نكون مع الخوالف بكل ارتجالية؛ ليغيّروا منهج تثاؤبهم، ولن يفلحوا أبداً.
إن عالماً موبوءاً بالتثاؤب تجاه كل المستجدات نرتع في أحضانه بائسين لا مفر لنا إلا فتح الأفواه أداءً للتثاؤب.
مواجهة هذا العالم وفق هيئة مبتغاة صعبٌ، مع العلم أن البلهاء المتثائبين هم الأقوى..
عجباً! هم الأقوى؛ كيف؟!
سياسة البلاهة والتثاؤب سياسة أجادها الكثيرون وفرضوها؛ لإخماد جذوة الخيرية والفطرة السليمة في النفوس المسلمة في كل اتجاه.
وحياة الرتابة والتثاؤب مملة؛ بل قاتلة حين يظل طلب النفيس مفقوداً وحين يعيش كل واحد منا كالهمج الرعاع، يكفيه من الدنيا ملبس ومطعم.
أعتقد أننا قسمان تجاه مغالطات الواقع: قسم ابتلاه الله بهَمِّ وسقم، فهو في فلكهما ليس له من الإحساس والتفاعل بالواقع شيء؛ وهذا لا يُعذر أبداً..
وقسم لا يؤمن بالتجديد، ويُوكِل المهمة لغيره؛ وإن كان أسوأ سريرة؛ وهم كثر والله المستعان.
وحتى نرقى بواقعنا ونرسم مستقبلنا لا بد من طرح الأفكار والمطالبة بالتجديد بصوت مسموع وقلم مسنون، ليس لشنِّ حرب؛ بل لطرح فكرة وتوضيح هدف.
لفتة:
عن عبد الرحمن بن سمره قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في صفّة المدينة فقال: «إني رأيت البارحة عجباً! رأيت رجلاً من أمتي هوى في النار، فجاءته دموعه التي بكى بها في الدنيا من خشية الله؛ فأخرجته من النار!» .
قلت: خشيةٌ تتبعها دمعات نفعت صاحبها! فكيف لو كان متثائباً؟ هل سينفعه تثاؤبه وينقذه؟ ما أبأس المتثائبين!
- حتى ندفع التثاؤب:
عدة نقاط، تطبيقها مهم جداً يا أنتما:
١ ـ نحن متثائبون أحياناً، وغيرنا يدعو للتثاؤب، وبيديه يستحث الفم على التثاؤب بطريقته الخاصة!
٢ ـ الوعي الإنساني في ترسيخ مصداقية تطوير الذات ودفعها نحو الطرح الفعلي لا المفتعل؛ مهمٌ للغاية.
٣ ـ زيادة مستوى التثاؤب دليل على الأمن والسلامة، وهذا لا يصح أبداً. قال ـ جل وعلا ـ: «وعزتي! لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين؛ إن أَمِنَنِي في الدنيا أخفته في الآخرة» .
٤ ـ تقبُّل الواقع بكل تراكماته ومغالطاته مُلزم للتثاؤب اللاشعوري أيضاً، وانعدام الاستراتيجية الدقيقة في مكاشفة أسباب التثاؤب خطرٌ!
٥ ـ حين تزداد بواعث التثاؤب وتستجيب الأركان للخمول؛ حينها، حتماً، لا بد أن سيكون قلبك نائماً ولن يستيقظ أبداً.. والويل له!
٦ ـ التثاؤب وباء، وبه يفقد المرء الإحساس إلا بفتح فمه بشراهة، فإياك أن تفقد الإحساس إلا بذلك!
٧ ـ الرؤية الأُحادية في دفع التثاؤب في نطاق الأسرة الصغير مؤشر خطير، وكل مسؤول محاسب.
٨ ـ التهور والعمق الأحمق في التثاؤب نتائجه وخيمة ومخرجاته بئيسة، والتعامل الخشن في قمع التثاؤب سبب رئيس في الأذيَّة.. وأنت خصم نفسك.
٩ ـ إن كان لا بد من التثاؤب فحدِّد أوقات تثاؤبك، وانتبه أن يكون وقتك كله وفوك مفتوح.
١٠ ـ زماننا هذا حاجته قوية في نبذ التثاؤب وإغلاق الأفواه ولو بالأيدي كلها، أقول: بالأيدي كلها؛ لأن ذلك يدل على أن الجسد كله يقاوم ويدافع هذا التثاؤب.
١١ ـ الرعيل الأول كانوا أشد حرصاً على النشاط ونبذ التثاؤب. قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لربيعة بن كعب: «سلني!» فما وجد أنفس من: «أسألك مرافقتك بالجنة» ، فقال له: «فأعِنِّي على نفسك بكثرة السجود» رواه مسلم.
١٢ ـ ندب الحظ والتولول على النفس طريقة قديمة يتقنها المتثائبون بكل احتراف. فلا بد إذن من صياغة النفس لمقاومة التثاؤب ودمغه، أو الشعور به.
١٣ ـ أعتقد أن المتثائبين قد استعذبوا الأذى حين يكون أداءهم للتثاؤب تلقائية في كل اللحظات. فتخيُّلُ أفواه الناس مفتوحة كلَّ دقيقة حدث مؤسف مشمئز، وحينها بلهجتنا المحلية: «الله يخلف» .
١٤ ـ الشفافية ومراجعة النفس ومتابعة التطورات في الحياة جهدٌ مهمٌ، لا بد أن ينال فاعله عظيم المثوبة.
١٥ ـ اجعل قلبك دائم الثأر من عدوه ومَنْ يستحثُّه على التثاؤب، اخلق في جوفك نداء اليقظة والنشاط ولا تتنازل عن تثبيت دعائمه، وإياك أن تُبقي خزانة أعمالك وإنجازاتك فارغة!
١٦ ـ قوِّ صلتك بالله، واستعن على كلب الغنم بسيدها {وَإمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
[فصلت: ٣٦]
١٧ ـ العزيمة الصادقة والإرادة الناقدة قيد للخواطر، ثمرتُها روعةُ الإنجازات، وهنا فقط يموت التثاؤب.
١٨ ـ حذاري أن يكون بيننا من هو مهزوم أمام نداء تثاؤبه، ينقاد للأداء به انقياد الشاة للذئب! فإن كنت كذلك فواهاً لك!
١٩ ـ إياك أن تكون خارج السيطرة على نفسك! فالتحدي كبير وليس سهلاً أيها الفطن. وامتلاك الحكمة في دفع التثاؤب دليلٌ على النجابة والنبوغ والإقدام.
٢٠ ـ ثِقْ أن الشيطان يضحك ويبول فيمن يتثاءب بين يدي الله «ذاك بَالَ الشيطان في فمه» .
٢١ ـ أصحاب العزم الفتِيِّ والقلوب السبّاقة هم أَنْفَس من في الوجود، وهم الأقرب لله ـ جل وعلا ـ والناجون من التثاؤب. قال -صلى الله عليه وسلم-: «من أحبَّ لقاءَ الله أحبَّ الله لقاءه» رواه الشيخان.
٢٢ ـ قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: «لا يغرّنَّك قول: «يُحشر المرء مع من أحب» فإن اليهود والنصارى يحِبّون أنبياءهم وليسوا معهم» . هذا نداء لجوارك؛ فهل تفهمه؟!
٢٣ ـ لكل نفس آلية خاصة لإدارة ذاتها؛ فابحث لنفسك عن آلية تجابه تثاؤبك. وبإدارتك لنفسك تكون قادراً على تخطي كثير من الآثار المبدئية لقمع التثاؤب، وهنيئاً لك!
٢٤ ـ لم تتبنَّ مدارسنا وجامعاتنا ومستشفياتنا ودوائرنا الحكومية والأهلية دراسة هذا الوباء وكيفية القضاء النهائي عليه؛ لذا أجد أن النفس هي المؤملة في ذلك واللهِ، ولا تتوقع أن تشاطرك المؤسسات المالية مسؤولية دفع التثاؤب؛ فالمسؤول فقط (نفسك) و (عقلك) و (قلبك) و (مشاعرك) فقط.
٢٥ ـ أورد ابن تيمية ـ رحمه الله ـ دعاءً عن موسى ـ عليه السلام ـ: «اللهم لك الحمد، إليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التُّكلان» ردده دائماً، وأَقْبِل متفائلاً بالإنجاز والسموِّ ومرضاة الله تعالى.
٢٦ ـ قال قتادة ـ رضي الله عنه ـ: «إن الله يسأل كل عبد عمّا استودعه من نِعَمِهِ وحقه» فارعَ نعمَ الله، وعالج تثاؤبك!
٢٧ ـ متى يستيقظ قلبك ويبدأ مشوار البذل لا التثاؤب؟ {وَمَا يُلَقَّاهَا إلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} .
[فصلت: ٣٥]
٢٨ ـ نحن من نصنع المستقبل، ونحن من نرضى بتخبط الواقع؛ فهل ترضى أن تكون متثائباً بعد هذا؟ حينها ـ معذرة ـ سأقول بملء فمي:
عجباً لك!
عجباً لعبوديتك لله!
عجباً لقلبك الذي لم يُسقَ الحب والولاء لله!
وهل تستعد بعد هذا للمقاومة ودمغ التثاؤب بالقوة؟
ختاماً:
مضمون هذه الكلمات يفهمها اللبيبان الأريبان؛ فهل
(*) معلمة علوم شرعية، وكاتبة في موقع: لها أون لاين.