للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصطلحات وتعريفات

الكُفْر

بقلم / عثمان جمعة ضميرية

-١-

الكفر في اللغة هو الجحود. وأصله من الكَفْر، وهو السَّتْر والتغطية.

يقال: كفرتُ الشيء: إذا غطيته. ومنه قيل للَّيل: كافر، لأنه يستر الأشياء

بظلمته.

وسمى الزارع كافرا لأنه يستر الحبَّ بالتراب. وليس الكافر اسما لليل أو

الزارع، ولكنه وصف لهما.

والكفر: ضد الإيمان، سمى بذلك لأنه تغطية وستر للحق، فالكافر ساتر

للحق، أو ساتر لِنَعم الله تعالى عليه.

ويقال: كفر بالله، يكفُر كُفراً، وكفوراً، وكُفرْاناً. وأكفر فلانا: دعاه كافراً.

وتستعمل كلمة «الكُفْر» في الدين أكثر من استعمالها في كفران النعمة،

«الكفران» في جحود النعمة، و «الكَفور» فيهما جميعاً. و «الكافر» عنه

الإطلاق - متعارف فيمن - يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة، أو يجحدها

جميعاً [١] .

وأما تعريف الكفر اصطلاحاً، فيقول ابن تيمية في ذلك: - «الكفر: عدم

الإيمان، باتفاق المسلمين، سواء اعتقد نقيضه وتكلم به، أولم يعتقد شيئاً ولم يتكلم» مجموع الفتاوي ٢٠/٨٦.

ويقول أيضاً: - «إنما الكفر يكون بتكذيب الرسول -صلى الله عليه وسلم-

فيما أخبر به، أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه، مثل كفر فرعون واليهود

ونحوهم» درء تعارض العقل والنقل ١/٢٤٢.

ويعرف ابن حزم الكفر بهذه العبارة:

وهو [أي الكفر في الدين] : صفة لمن جحد شيئاً مما افترض الله تعالى

الإيمان به بعد قيام الحجة عليه بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه، أو بهما معاً، أو عمل عملاً جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان.

ويقول السبكي: «التكفير حكم شرعي سببه جحد الربوبية، أو الوحدانية،

أو الرسالة، أو قولٌ أو فعلٌ حكم الشارع بأنه كفر، وإن لم يكن جحدا» (فتاوي

السبكي ٢ / / ٥٨٦) .

فالكفرْ اعتقادات، وأقوال، وأعمال، حكم الشارع بأنها تناقض الإيمان.

والكفر حكم شرعي، والكافر من كفره الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-

فليس الكفر حقا لأحد من الناس، بل هو حق الله تعالى.

يقول ابن تيمية: - «ولهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم،

وإن كان ذلك المخالف يكفرن؛ لأن الكفر حكم شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب

بمثله، كمن كذب عليك، وزنى بأهلك، ليس لك أن تكذب عليه، ولا تزنى بأهله؛ لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى. وكذلك التكفير حق الله فلا يُكفر إلا من

كفّره الله ورسوله» الرد علي البكري ص ٢٥٧.

ويقول ابن الوزير: - «إن التكفير سمعي محض لا دخل للعقل فيه، وإن

الدليل على الكفر لا يكون إلا سمعياً قطعياً، ولا نزاع في ذلك» العواصم والقواصم

٤ / ١٥٨.

والكفر نوعان: كفر أكبر، وكفر أصغر.

أما الكفر الأكبر؛ فهو ما يضادُّ الإيمان من كل وجه، ويُخرج صاحبه من

الدين والملة، ويُوجب له الخلود في النار. قال الله تعالى: [إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ

أَهْلِ الكِتَابِ والْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا] [البينة: ٦]

وهذا الكفر يأتي في النصوص الشرعية مقابلاً للإيمان فيكون ضده. وإذا

أطلق لفظ «الكفر» فإنه ينصرف إلى هذا النوع، فهو الكفر الأكبر الذي يحبط

العمل، ولا يغفره الله لصاحبه إذا مات عليه.

ويتنوع الكفر إلى ستة أنواع، من لقى الله تعالى بواحد منها لم يغفر له،

وهي [٢] :

١ - كفر الإنكار، وهو أن ينكر بقلبه ولسانه، ويزعم أنه لا يعرف الله أصلا

ولا يعترف به، ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد، قال الله تعالى: [إنَّ الَّذِينَ

كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ] [البقرة: ٦] : أي كفروا

بتوحيد الله وأنكروا معرفته.

٢ - كفر الجحود، وهو أن يعرف الله بقلبه، ولا يقرّ ولا يعترف بلسانه،

فهو كافر جاحد، مثل كفر اليهود وجحودهم لنبوة نبينا محمد -صلى الله عليه

وسلم-، وكتمانهم لصفاته في كتبهم: [إنَّ الَذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ

والْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ ويَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ]

[البقرة: ١٥٩] .

وهذا الجحود قد يكون عاما بأن يجحد جملة ما أنزله الله تعالى أو يجحد إرسال

الرسل، وقد يكون خاصاً مقيداً، بأن يجحد فرضاً من فروض الإسلام، أو يجحد

تحريم محَّرم من محرماته.

٣ - كفر الشك، حيث لا يجزم بصدق رسول الله ولا بكذبه، بل يشك في

أمره، ولا يستمر هذا الشك إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن آيات الله، ودلائل

صدق الرسول.

٤ - كفر الإعراض؛ بأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول -صلى الله عليه

وسلم-، فلا يصدقه ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه. وبينه وبين ما سبق صلة.

٥ - كفر النفاق، بأن يظهر بلسانه الإيمان، وينطوي قلبه على التكذيب،

وهو النفاق الاعتقادي.

٦ - كفر العناد؛ وهو أن يعرف الله بقلبه ويعترف ويقرّ بلسانه، ويأبى أن

يقبل الإيمان أو أن يدين به، فهو كفر إباء واستكبار، مثل كفر إبليس.

- وما أكثر الأبالسة اليوم - فإنه لم يجحد أمر الله تعالى، وإنما تلقاه بالإباء

والاستكبار. وكذلك كفر فرعون وأبي طالب إنما هو من هذا اللون.

وأما الكفر الأصغر فهو مخالفة لحكم من أحكام الشريعة، ومعصية عملية لا

تُخْرج عن أصل الإيمان، وإنما توجب لصاحبها الوعيد بالنار دون الخلود فيها،

وسميت كفرا لأنها من خصال الكفر. [٣]

ويمكن تعريفه بأنه كل معصية أطلق عليها الشارع اسم الكفر ولم تصل إلى

حد الكفر.

وهذا النوع من الكفر يسميه بعض العلماء: الكفر العملي، الذي يقاب الكفر

الاعتقادي. وهو أيضاً: كفر النعمة، مع العلم أن الكفر العملي ينقسم إلى: ما لا

يخرج عن الملة كالطعن في الأنساب والنياحة على الميت.

وقسم يخرج عن الملة كالسجود لغير الله، وإهانة المصحف.

ومن الأمثلة الظاهرة على الكفر الأكبر في عصرنا الحاضر: الامتناع عن

الحكم بشريعة الله تعالى، وتطبيق القوانين الوضعية بدلاً عنها.

إن الحكم بما أنزل الله تعالى وحده هو إفراد الله بالطاعة، قال تعالى:

[إنِ الحُكْمُ إلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ] [يوسف: ٤٠] .

والإشراك بالله في حكمه، والإشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد، لا فرق

بينهما البتة، فالذي يتبع نظاماً غير نظام الله، وتشريعاً غير تشريع الله، كالذي

يعبد الصنم، ويسجد للوثن، لا فرق بينهم البتة.

ويكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أكبراً في عدة حالات منها:

١ -أن يجحد أو ينكر الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الشريعة.

٢ -أن يفضل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى.

٣ - أن يساوي بين حكم الله تعالى حكم الطاغوت.

٤ - أن يجوز الحكم بما يخالف حكم الله وروسوله، أو يعتقد أن الحكم بما

أنزل الله تعالى غير واجب، وأنه مخير فيه.

٥ - من لم يحكم بما أنزل الله إباءً وامتناعاً، فالكفر ليس تكذيبا فحسب، بل

قد يكون امتناعاً عن اتباع الرسول مع العلم بصدقه، والإيمان قول وعمل،

وتصديق وانقياد، فلا يتحقق الإيمان مع ترك الانقياد والطاعة.


(١) انظر: الزاهر للأزهري ص: (٣٧٩) ، معجم مقاييس اللغة: ٥/٩، لسان العرب: ٥/١٤٤ الكليات للكفوي: ٢/٥٣٥، مفردات القرآن للراغب ص (٤٣٤) ، المغُرِب للمطرزي: ٢/٢٢٤.
(٢) هذا التقسيم نجده عند علمائنا قديما، فهو في الزاهر للأزهري ث (٣٨٠ - ٣٨١) وتفسير البغوي: ١ / ٦٤ طبعة دار طيبة وشهره ونشره الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن قبله ابن القيم - رحمهم الله تعالى.
(٣) فتح البارى لابن حجر: ١ / ٨٣ - ٨٤، شرح النووي على صحيح مسلم: ٢/٤٩-٥٠.